الكثير منا تستهويه الشوكولاتة ويتلذذ بمذاقها الحلو، لكن القليل منا من يعرف حجم المعاناة التي يتكبدها العمال خاصة الأطفال في مزارع الكاكاو بغرب إفريقيا، معاناة جعلت أكبر منتجين في العالم وهما الكوت ديفوار وغانا يهددان بتعليق مبيعات الكاكاو في حال لم يتم تحديد الحد الأدنى للسعر للسماح للمنتجين بالعيش بشكل لائق.
الزيادة في الأسعار
يرى أكبر منتجي الكاكاو في العالم أن الأسعار الحاليّة لا تضمن العيش الكريم للمنتجين، لذلك وجب رفعها وإلا فلا شوكولاتة بعد الآن، وقبل ثلاثة أيام أعلنت كوت ديفوار وغانا أنه لم يعد بإمكانهما بيع الكاكاو الذي تصنع من مشتقاته الشكولاتة بأقل من 2600 دولار للطن ما يعادل 2300 يورو للطن الواحد.
في محاولة منهما للضغط على التجار، علق البلدان بيع محاصيل 2020 و2021 حتى إشعار آخر للتحضير لإدخال الأسعار الجديدة في السوق، وفق تصريح لجوزيف بواين إيدو الرئيس التنفيذي لمجلس الكاكاو في غانا، أدلى به عقب اجتماعات بين المنتجين والتجار وسياسيين عقدت الأربعاء الماضي.
هذا القرار يعتبر تاريخيًا بالنسبة للمنتجين في هذين البلدين الإفريقيين، فطيلة السنوات الماضية كان المشترون من يحددون الأسعار وفق أهوائهم ووفق مصالحهم دون أن يولوا أي اهتمام لمصلحة المنتجين، ما ساهم في اختلال التوازن بين الطرفين.
من المتوقع أن يصل الحصاد العالمي لموسم 2018-2019 إلى 4.8 مليون طن، بما في ذلك 3.7 مليون طن في القارة الإفريقية
وفقًا لجوزيف بواين إيدو، فقد تمت الموافقة على هذا السعر المقترح، من حيث المبدأ، من المنتجين والتجار بعد اجتماعات مكثفة بينهم، ومن المقرر عقد اجتماع قادم في 3 من يوليو/حزيران في أبيدجان لمناقشة تنفيذ هذا الإجراء.
جاء هذا القرار بعد يوم فقط من انتقاد نائب رئيس غانا محمود باوميا الأسعار الحاليّة للكاكاو، حيث قال: “من غير المعقول أن يذهب من بين 100 مليار دولار في سوق الشوكولاته العالمي، 6 مليارات دولار فقط للمزارعين”.
وأكد محمود باوميا موافقة حكومة بلاده على منح المزارعين حصة عادلة من الثروة المنتجة، مؤكدًا أن من شأن السعر العادل لحبوب الكاكاو أن يكون عونًا كبيرًا لدعم الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية الريفية وتحسين الظروف المعيشية”.
ويخضع سعر الكاكاو إلى قاعدة العرض والطلب، إلا أن الثابت أن المتحكم فيه هو التجار وليس المنتج، وفي شهر أبريل/نيسان الماضي بلغ 2.330 دولار وفي مارس/آذار كان سعر الطن الواحد 2.200 دولار، فيما وصل نهاية سنة 2018، 2.210 دولار للطن.
تراجع أسعار الكاكاو، يقابله ارتفاع كبير في أسعار الشوكولاته في الأسواق العالمية قرابة 30% في السنوات الأخيرة، غير أن ذلك لا يعود بالنفع على المزارعين الصغار وإنما كل الفائدة تعود للتجار وصناع الشوكولاته.
أرقام قياسية
وفقًا للمنظمة الدولية للكاكاو، من المتوقع أن يصل الحصاد العالمي لموسم 2018-2019 إلى 4.8 مليون طن، بما في ذلك 3.7 مليون طن في القارة الإفريقية، محققا فائضًا عالميًا صغيرًا قدره 30 ألف طن وتمثل كوت ديفوار وغانا وحدهما 60% من المعروض العالمي من الكاكاو، لذلك سبق أن وضع البلدان الأساس لهيئة مشتركة جديدة للتأثير بشكل أفضل على القطاع والأسعار.
من المتوقع أن يصل إنتاج الكاكاو في كوت ديفوار إلى رقم قياسي جديد بلغ 2.17 مليون طن عام 2018/2019 مقابل مليونين السنة الماضية، في حين أن إنتاج غانا سيكون 872 ألف طن، أي أقل بقليل من الكمية المقدرة خلال الموسم الماضية (900 ألف طن).
يعاني المزارعون في حقول الكاكاو من الاستعباد
يمثل الكاكاو أو ما اصطلح على تسميته بـ”الذهب البني”، 10% من الناتج المحلي الإجمالي في غانا، وتم تقديم الكاكاو لأول مرة في هذا البلد الإفريقي عام 1879 في منطقة أكرا. يوجد في غانا حتى الآن أكثر من عشرة أنواع فرعية من الكاكاو ذات ربحية عالية، وتدعم زراعة أشجار الكاكاو أكثر من 300 ألف مزارع، وتكمن الميزة الرئيسية للإنتاج الغاني أن 50% من منتجاتها تتم معالجتها محليًا، فهي بذلك دعامة اقتصادية مهمة للبلاد.
يعتمد اقتصاد دولة كوت ديفوار الواقعة غرب إفريقيا أساسًا على إنتاج البن والكاكاو، حيث تنتج قرابة 41% من الإمدادات العالمية، لذلك فإن حبوب الكاكاو تشكل مصدر رزق غالبية سكان كوت ديفوار، ويوفر اقتصاد الكاكاو نحو 40% من عائدات التصدير، ويساهم بنسبة 10% في تكوين الناتج المحلي الإجمالي.
معاناة كبيرة
“عندما ترتفع الأسعار، تتحسن ظروف المعيشة على الأقل”، يقول المشرفون على إنتاج الكاكاو في كل من غانا وكوت ديفوار، في إشارة منهم إلى عدم تلبية الأسعار الحاليّة لاحتياجات الأهالي، وعدم ملاءمتها لحجم المعاناة التي يتكبدها العمال في هذا القطاع.
الكثير ممن يعملون في حقول الكاكاو لم يسعفهم الحظ يومًا لأكل الشوكولاتة، رغم كونهم الحجر الأساس في صناعتها، فيعاني هؤلاء خاصة الأطفال منهم من الاستعباد والعمل في ظروف صعبة، وفقًا للعديد من المنظمات العالمية.
تمر صناعة الشوكولاته بعدة مراحل، تبدأ أولى هذه المراحل من أشجار الكاكاو، حيث يتم حصد ثمار الكاكاو وفصل الحبوب عن القرون واللب، ثم يلي ذلك تنظيف وتخمير الحبوب ثم إرسال الحبوب إلى المصانع لاستكمال عملية صنعها.
يحصد الأطفال، من الجنسين، طيلة قرابة 12 ساعة في اليوم الكاكاو وإزالة الأعشاب الضارة بأيديهم العارية
سجل استهلاك الشوكولاتة المستخرجة من الكاكاو ارتفاعًا ملحوظًا، خصوصًا في الدول الأوروبية، حيث يتصدر سكان سويسرا المرتبة الأولى في استهلاك هذا المنتج وبنسبة 9.7 كيلوغرام سنويًا للفرد، تليها النمسا بـ8.7 كيلوغرام، والنرويج بـ8.1 كيلوغرام، ثم بلجيكا بـ7.3 كيلوغرام، فالمملكة المتحدة بـ 7.3 كيلوغرام، بحسب أحدى المواقع المختصة.
تراجع الأسعار أدى بالعائلات إلى تشغيل أبنائهم معهم في حقول الكاكاو، لذلك فإنه غالبًا ما تعمل الأسر مع أطفالها على حساب التعليم المدرسي، كما تنشط هناك عمليات تهريب الأطفال من البلدان المجاورة للعمل في هذا القطاع بأجرة متدنية.
وفقًا لمؤسسة “Corpwatch” الأمريكية، يبلغ عدد “الأطفال العبيد” في مزارع الكاكاو بساحل العاج وحدها 300.000 طفل تقريبًا، أما البحث الذي أعدته جامعة تولين الأمريكية فإنه يخبرنا عن 1.8 مليون طفل تقريبًا يعملون في مزارع الكاكاو بغانا وساحل العاج.
يحصد الأطفال، من الجنسين، طيلة قرابة 12 ساعة في اليوم، الكاكاو وإزالة الأعشاب الضارة بأيديهم العارية واستخدام المناشير والسكاكين الكبيرة لتنظيف الغابات دون أي سابق تدريب، ورش المبيدات الكيميائية على النباتات دون ارتداء زي وقائي، ونقل الحصاد والمياه من المزارع إلى المخازن والعكس.
رغم اعتماد الولايات المتحدة عام 2001، بروتوكول يهدف إلى الحد ثم حظر استيراد الكاكاو المنتج بمساعدة الأطفال، فإن نسبة استغلال الأطفال في هذا القطاع ما زالت مرتفعة، لذلك وجب إيجاد آليات أخرى للحد من استعباد الأطفال في مزارع الكاكاو.