يعد كتاب “قوتادجو بيليج” أو بالعربية “المعرفة الجالبة للسعادة” لمؤلفه يوسف خاص حاجب، الذي يعود للقرن الـ11 أي في عهد الدولة القراخانية، أول كتاب في الأدب الإسلامي التركي على الإطلاق، بالإضافة إلى أنه يعد باكورة لما صار يُعرف بعد ذلك بـ”علم الاجتماع”.
وبحسب أغلب المصادر التركية، فإن يوسف خاص حاجب ولد عام 1019 في مدينة بلاساجون إحدى مدن الدول القراخانية التي تأسست في تركستان، وهي أول دولة إسلامية تركية، ويُفهم من كتاب يوسف خاص حاجب أنه كان مطلعًا على الفلسفة والأخلاق والتاريخ والسياسة والأدب، إلى جانب إتقانه للعربية والفارسية.
ذكر الباحث والمترجم العراقي إبراهيم الداقوقي في بحث له عن الكتاب، أن الشاعر والفيلسوف ورجل الدولة يوسف خاص حجاب يعتبر المفكر السياسي لذاك العهد بلا منازع، والمعبر عن اتجاهاته العقلية في الاجتماع والتربية والأخلاق والسياسة، وكتابه الوحيد “قوتادجو بيليج” هو أول مؤلف يُكتب تحت تأثير الحضارة الإسلامية، وبدأ في تأليف كتابه بمسقط رأسه واستمر في كتابته 18 شهرًا وأتمه في كاشغار عام 1070، ثم أهداه للخاقان تاوجاتش أولوج بوراهان فأعجبه الكتاب وجعله “الحاجب الخاص” في بلاطه.
وإلى جانب أهمية كتاب “قوتادجو بيليج” لكونه أول أثر تركي إسلامي، فإنه أيضًا أول أثر في علم الاجتماع التركي، ووفق ما ذكره الباحث التركي حسن حسين عدالي أوغلو في بحث له عن الكتاب، فإنه أول كتاب بالحروف العربية التي لم تكن مستخدمة آنذاك (كُتب باللغة الخاقانية التركية، ولكن بحروف عربية)، ويعد يوسف خاص حجاب أيضًا أول من استخدم علم العروض العربي في النظم الشعري، حيث نظم أفكاره بهذا الكتاب في قوالب شعرية على بحر “المُتَقَارَب”.
وتتناول منظومة “قوتادجو بيليج” الشعرية التي تتألف من 6645 بيتًا شعريًا، في 88 بابًا، بالإضافة إلى مقدمة نثرية، موضوعات السياسة الشرعية وإدارة الحكم والطريقة التي ينبغي أن يعامل بها الحاكم شعبه، باستخدام القانون العادل الذي يجلب السعادة للشعوب وعوامل ازدهار الدول وانهيارها وواجبات الفرد والمجتمع والدولة في سبيل الارتقاء.
يحتوي الكتاب أيضًا على العديد من الأمثال الشعبية التركية القديمة أيضًا، كما يصور الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في عصره، قبل أن يتعرف الترك على الإسلام وبعد أن تأثروا به
وهو كتاب أخلاقي سياسي كما يرى المستشرق الروسي وسيلي بارتولد، ويُعني في المقام الأول بتعليم الأخلاق للحاكم ورجال الدولة والمحكومين، ويؤكد بارتولد أن هذا النوع من الكتابات كانت منتشرة في الشرق آنذاك، وأنه كُتب بروح الإسلام من أوله إلى آخره.
ويرى عالم اللغة التركي راشد رحمتي أرات الذي أجرى العديد من الأبحاث عن هذا الكتاب، أن يوسف خاص حاجب استخدم شاعريته في وصف ما ينبغي أن تكون عليه الدولة، فبعد أن بدأ كتابه بأبيات في التوحيد ثم بعض الأبيات في مدح الرسول والخلفاء الأربع، وبعد ذلك مدح للخاقان تاوجاتش أولوج بوراهان، يستخدم الكتاب أربع شخصيات رمزية أساسية، ينقل أفكاره من خلالهم.
الشخصية الأولى هي “كون توغدو” وهو الملك الذي يرمز للعدالة، والثانية باسم “أي تولدي” وهو الوزير الذي يرمز للسعادة، والثالثة “أوجديلمش” وهو ابن الوزير ويرمز للعقل، والأخير “أودجورموش” وهو شخص زاهد ويرمز للقناعة، هذه الشخصيات الرئيسية في الكتاب، بالإضافة إلى وجود شخصيات فرعية أخرى.
يذكر الباحث علي فهمي كارامنلي أوغلو، أن أحداث الكتاب تعتمد على الحوار بين هذه الشخصيات الرمزية، كالحوار الذي وقع بين الملك والشخص الزاهد ويتناول صفات الحاكم الذي ينبغي أن يتميز بالعلم والأخلاق والصدق، وكيف ينبغي أن يكون الوزير ورجال الدولة ومسؤوليتهم أمام الشعب، والتنبيه على مراعاة أوضاع كل طبقة.
ويحتوي الكتاب أيضًا على العديد من الأمثال الشعبية التركية القديمة أيضًا، كما يصور الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في عصره، قبل أن يتعرف الترك على الإسلام وبعد أن تأثروا به. وذكر يوسف خاص حجاب في كتابه بعض الأمثلة من ملحمة “شاهنامه” الفارسية التي ألفها أبو القاسم الفردوسي في نهاية القرن العاشر الميلادي، كما يحتوي الكتاب على العديد من الكلمات العربية والفارسية.
بعض المؤرخين والمختصين في الأدب التركي، لم ينكروا احتمالية تأثر يوسف خاص حجاب ببعض مؤلفات من سبقوه
يوجد الآن ثلاث نسخ من الكتاب: واحدة باللغة الخاقانية التركية في فيينا، ونسخة بالحروف العربية في مصر، والأخيرة في أوزبكستان بالحروف العربية أيضًا، ووفق الباحثة أمينة داملا توران، فقد عثر المؤرخ الفرنسي بيار أميدي جوبير على أول نسخة من “قوتادجو بيليج” عام 1825، ونشرها من بعده المستشرق الألماني ويليام رادلوف، وهي النسخة الموجودة في فيينا اليوم.
وقد عثر المؤرخ زكي وليدي طوقان على نسخة أوزبكستان عام 1913، لكنها فُقدت في أثناء الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1925 عثر عليها أحد أدباء أوزبكستان، أما نسخة القاهرة فقد عثر عليها المستشرق الألماني برنهارد مورتس، وترجم عالم اللغة التركي راشد رحمتي أرات الكتاب إلى التركية الحديثة عام 1959.
يذكر الباحث أحمد جعفر أوغلو أن هذا الكتاب يُعرف في الصين باسم “أدب الملوك” وفي إيران بـ”شهنامه الأتراك”، وتُرجم إلى العديد من اللغات كالألمانية والإنجليزية والروسية والإيطالية والصينية، وبمناسبة ذكرى مرور 950 عامًا على كتاب “قوتادجو بيليج”، سيعقد مجمع اللغة التركية في أنقرة هذا العام، مؤتمرًا دوليًا عن الكتاب ومؤلفه.
جدير بالذكر أن بعض المؤرخين والمختصين في الأدب التركي، لم ينكروا احتمالية تأثر يوسف خاص حجاب ببعض مؤلفات من سبقوه، ففي الكتاب الذي جمع فيه الباحث أردام أوتشار، جميع الأبحاث التي كُتبت عن “قوتادجو بيليج” حتى عام 2015، وضم 561 بحثًا، يذكر البروفيسور التركي محمد فؤاد كوبرولو، المختص في تاريخ الأدب التركي، احتمالية تأثره بابن سينا، بينما يرى المؤرخ التركي خليل إينالجيك تأثره بـ”كليلة ودمنة”.