ترجمة حفصة جودة
بعد أن ضاع شبابهما في حروب السودان الأهلية، قرر آدو آدم وزوجته إقبال الهروب مع طفليهما من هناك، فغادروا البلاد منذ أكثر من عامين، حيث توجهوا إلى تشاد ومنها إلى ليبيا أملاً في العثور على حياة أكثر سلمية.
لكنهم بدلاً من ذلك وجدوا أنفسهم محاصرين في طرابلس وسط الصراع الذي بدأ منذ شهرين بين الليبيين بعضهم البعض، ووجدوا أنفسهم وسط حرب إفريقية أخرى، يقول آدم – 25 عامًا وأب لطفل 5 سنوات وطفلة 4 سنوات -: “لقد غادرت السودان وكنت أهدف للبقاء في ليبيا لبعض الوقت، لكنني أسعى الآن للذهاب إلى أوروبا حيث أجد الأمن والأمان وحياة أفضل لأطفالي”.
أصبح آلاف المهاجرين الذين يمرون من خلال ليبيا عالقين في الحرب الدائرة على حدود ليبيا بين قوات خليفة حفتر والجماعات المسلحة الموالية للسلطات في ليبيا والمدعومة من الأمم المتحدة.
تعرض 75 ألف شخص للنزوح بسبب الصراع ومن بينهم لاجئين ومهاجرين لا يملكون عائلات أو موادر أو أي مساعدات حكومية، وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء اللاجئين العالقين في مراكز الاحتجاز داخل منطقة الحرب أو بالقرب منها.
قال غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا لمجلس الأمن: “هناك ما يقرب من 3400 لاجئ ومهاجر في مراكز الاحتجاز معرضون لخطر القتال، وتعمل الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة على نقل معظم هؤلاء المستضعفين من المناطق المتأثرة بالصراع لمناطق أكثر أمنًا”.
يأتي المهاجرون من دول بعيدة مثل العراق وبنغلاديش ويدفعون للمهربين معدومي الضمير للوصول إلى ليبيا، وهناك يضعونهم في طوافات متهالكة ليتوجهوا إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية التي تبعد عن إيطاليا 180 ميلاً، يغرق الكثير من المهاجرين عندما تنقلب الطوافات بهم وتنتشر أجسادهم على سواحل ليبيا، أما المهاجرون القادمون من الدول المجاورة من مالي والتشاد والنيجر فهم يأتون للعمل وكسب المال ليعودوا مرة أخرى إلى بلادهم.
فرت جيهان من الحرب في درافور لكنها فقدت زوجها وهم في طريقهما إلى ليبيا
لكن الصراع الأخير في ليبيا عرض حياتهم للخطر وجعلهم أكثر تصميمًا على مغادرة ما وصفوه بجحيم ليبيا بحثًا عن حياة أفضل على الجانب الآخر من البحر، ترك آدم وزوجته مدينتهما كردفان الواقعة في منطقة الحرب السودانية وفرا إلى تشاد ومنها إلى ليبيا، وطوال الطريق كانا يدفعان أموالًا للمهربين ليصلا إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
كانت هذه المرة الأولى التي يشاهدا فيها البحر وكانا مفعمين بالأمل، لكن حرس السواحل الليبية اعترضوا القارب الذي استقلاه للذهاب إلى أوروبا، وأعادوهما إلى طرابلس ووضعوهما في مركز احتجاز بمنطقة وادي رابية بالمدينة.
بدأ القتال يوم 4 من أبريل، ولعدة أيام كان آدم وزوجته الحامل وطفليه يتجولون في الملجأ وهم مرعوبون من أن يضرب صاروخ المبنى، يقول آدم: “كانت الاشتباكات عنيفة وكنت خائفًا للغاية”، لكن بعد 7 أيام جاءت جمعية الهلال الأحمر لتأخذهم إلى منطقة آمنة، حيث خرجوا من المبنى وساروا على أقدامهم نحو الشارع الرئيسي وهناك استقلوا سيارة كانت في انتظارهم لتأخذهم إلى مكان آخر، بعد ذلك وضعوهم في مبنى مدرسة وسط طرابلس حيث ما زالوا محتجزين حتى الآن.
أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن ليبيا ليست ميناءً آمنًا للاجئين والمهاجرين وحثت السلطات على عدم احتجاز اللاجئين داخل البلاد، لكن حرس السواحل الليبي يواصل اعتقال المسافرين في البحر ويعيدهم إلى ليبيا كجزء من سلسلة من الاتفاقات مع إيطاليا ودول أوروبية أخرى.
عانى الكثير من المسافرين في أثناء ذهابهم إلى ليبيا أو في طريق عودتهم للوطن، حيث تصف إحدى السيدات كيف يعاني ابنها ذو الأربع سنوات من صدمة شديدة بسبب تجربة السفر في الصحراء وتجربة القتال، حتى إنه يرفض اللعب مع الأطفال الآخرين وبحاجة إلى مشورة نفسية عاجلة بسبب الصدمة.
قدمت فرنسا دعمًا ضمنيًا لحفتر أملاً في تمكنه من استعادة الاستقرار في ليبيا التي تعاني من انعدام القانون
يبدو أن الآخرين لديهم بعض النوايا الحسنة بشأن الوضع في المنفى السياسي، تقول جيهان الأحمد – 27 عامًا – إنها تركت السودان مع زوجها وطفلتيها منذ 8 أشهر هربًا من الحرب المستمرة في دارفور، وفي أثناء الرحلة التي امتدت لأسابيع فقدت زوجها علوية دارفالا – 32 عامًا – بعد أن حصل على عمل لمدة يوم ولم يعد مرة أخرى، تقول جيهان: “لا أملك أي فكرة عن مكانه، لقد اختطفته عصابة”.
بمجرد وصولها إلى طرابلس تعرضت جيهان لاعتداء جنسي لكنها لم تذكر التفاصيل، وهناك عاشت في مبنى متعدد الطوابق في مقاطعة سواني شرق طرابلس عندما بدأ الصراع، تقول جيهان: “لم نكن نعلم أين نذهب لعدة أيام، كان القناصة يقفون على أسطح المباني ويطلقون النار على الجهة الأخرى وكنا خائفين من استهدافهم للمبنى”.
بعد ذلك توجهت جيهان مع ابنتيها إلى وسط المدينة حيث المدرسة التي تديرها جمعية الهلال الأحمر وتعتمد في عملها على التبرعات ومساعدات الأمم المتحدة وعمل المتطوعين.
يعد مبنى المدرسة متواضعًا لكنه بحالة جيدة ويعمل المتطوعون مع السكان على تنظيف الأرضيات وإعداد الطعام، ورغم كرمهم فإن جيهان تقول إنها لا تخطط للبقاء في ليبيا، وتضيف: “استخدم ليبيا فقط للعبور إلى أوروبا، فهي آمنة ومستقرة وهناك حقوق إنسان وسأتمكن من الحصول على تعليم جيد لبناتي”.
أدى الصراع الحاليّ إلى إغراء المهاجرين الذين يعملون في ليبيا للتخطيط للسفر إلى أوروبا رغم عدم تفكيرهم سابقًا في هذا الخيار، لكن ليبيا تنهار وكذلك آمالهم، يقول دانيال أولوافيمي – نيجيري يعمل في مقهى وسط ليبيا -: “أعرف كثير من الناس هنا يرغبون في الرحيل بسبب انخفاض سعر الدولار وانعدام الأمان، لكنني أنصحهم ألا يخاطروا بحياتهم في البحر”.
قدمت فرنسا دعمًا ضمنيًا لحفتر أملاً في تمكنه من استعادة الاستقرار في ليبيا التي تعاني من انعدام القانون، وأن يضع حدًا للمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا، لكن الآخرين يحذرون من أن انتصار حفتر قد يولد المزيد من الفوضى ويضعف قدرة القوات الأمنية في غرب ليبيا في السيطرة على البلاد، مما يؤدي إلى قدوم المزيد من المهاجرين.
يقول محمد عبد الرحمن – المواطن الليبي البريطاني الذي يعمل لصالح أحد الجماعات المسلحة التي تقاتل ضد حفتر -: “إذا انهارت ليبيا فسيكون الأمر كارثة لشمال إفريقيا ودول أوروبا كذلك، فليبيا لا تبعد عن إيطاليا سوى بضعة مئات من الكيلومترات”.
المصدر: إندبندنت