يعد التصحر واحدًا من أكبر التحديات البيئية في عصرنا الحاليّ وأكثر القضايا العالمية تعقيدًا وتأثيرًا على التنوع البيولوجي والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، لما له من آثار مدمرة على الإنسان والبيئة والحيوان، فلقد أشارت منظمة الأمم المتحدة أن هذه الظاهرة قد تُشرد نحو 50 مليون شخص خلال السنوات الـ10 القادمة.
جدير بالذكر أن هذه الظاهرة ليست قضية جديدة، فلقد واجهتها العديد من الحضارات والإمبراطوريات القديمة وتسببت في تدهور أوضاعها الداخلية ودفعتها نحو الانهيار. أما ما يدعو للقلق بالفعل أن وتيرة تدهور الأراضي الزراعية تتراوح بين 30 و35 ضعف المعدل التاريخي، وذلك بحسب المنظمة، يضاف إلى ذلك، تقديرات أخرى تفيد بأن هذه الظاهرة ازدادت حدة خلال العقود الـ3 الأخيرة، إذ يفقد العالم كل عام نحو 10 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة بسبب التصحر.
ماذا يعني التصحر؟ وكيف يسلب الحياة من الطبيعة وسكانها؟
تُعرف هذه الظاهرة البيئية بأنها العملية التي تؤدي إلى تقليل الإنتاجية البيولوجية للأراضي الجافة، وهي الأراضي القاحلة أو شبه القاحلة، لأسباب طبيعية أو بشرية، ويختلف مفهومها عن مفهوم التوسع المادي للصحراء الموجود مسبقًا، ويمثل العمليات التي تهدد النظم البيئية للأراضي الجافة ومن بينها الصحاري والمراعي والأراضي والمستنقعات.
يحدث التصحر بسبب الاستخدام الزراعي المفرط للأراضي أو الاستهلاك المفرط للغطاء النباتي سواء بإزالة الغابات أو قطع الأشجار أو الرعي العشوائي والكثيف
واختلفت المنظمات والمؤسسات الدولية في تعريفها لهذه الظاهرة، فلقد رأت قمة نيروبي عام 1977 بأنه اشتداد وتوسع الطبيعة الصحراوية بمعدل قد يلحق الضرر بقدرة الأرض البيولوجية وإنتاجها، أما منظمة العفو، رأت أن هذا التعريف لا يركز على الدور الرئيسي للنشاط البشري في عملية التصحر، وعرفته أنه مجموعة من العوامل الجيولوجية والبيولوجية والبشرية والمناخية المؤدية إلى تدهور المقومات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية للأرض في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، مما يؤدي إلى تعطيل دائرة التنوع البيئي.
وغالبًا ما تساهم الأنشطة البشرية في تلوث الأرض أو تراجع خصوبة التربة، إما بسبب الاستخدام الزراعي المفرط للأراضي أو الاستهلاك المفرط للغطاء النباتي سواء بإزالة الغابات أم قطع الأشجار أم الرعي العشوائي والكثيف، كما يلعب المناخ دورًا محوريًا في تمدد التصحر، إذ تصاحبه ندرة الأمطار، الأمر الذي يهدد الحياة البشرية والنباتية والحيوانية في المنطقة، ويؤدي إلى الجفاف وقلة الإنتاج الغذائي، ما يتسبب في بعض الأحيان في هجرة السكان، وبالتالي تقل فرص الخطط التنموية والتطويرية في تلك المناطق، بسبب المجاعات والخسائر التي خلفها التصحر، ما يعني أن النمو الاقتصادي لهذه البلدان ليس احتمالًا واردًا في تلك الحالة.
فوفقًا لتقارير رسمية، فإن التصحر سيسبب خسارة تصل إلى 40 مليار دولار سنويًا في المحاصيل الزراعية وزيادة أسعارها، ففي كل سنة يفقد العالم نحو 690 كيلومترًا مربعًا من الأراضي الزراعية نتيجة لتمدد الظاهرة، ومن المرجح نزوح نحو 135 مليون شخص فضلاً عن انتقال 60 مليون شخص من البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى إلى شمال إفريقيا وأوروبا بحلول عام 2030 بسبب عمليات التصحر، ما يعني أن الأيدي العاملة في الوطن العربي ستهاجر إلى المناطق الغربية بحثًا عن الاستقرار والأمان الاجتماعي والاقتصادي.
التصحر في الوطن العربي.. الأسباب والحلول
في هذا الخصوص، يقول الدكتور مصطفى منصور جهان، من قسم الجغرافيا في جامعة مصراتة الليبية: “الدول العربية بحكم موقعها الجغرافي، تقع ضمن المناطق الجافة ذات الأنظمة البيئية الهشة، إذ يلعب المناخ دورًا مهمًا في تركيبتها، وقد عملت هشاشة النظم البيئية وسيادة المناخ الجاف وقلة المياه، على زيادة اتساع رقعة التصحر في هذه البلدان، إلا أن الآثار السلبية لهذه الظاهرة تزداد انتشارًا بمعدلات متسارعة، نظرًا لارتفاع درجة الحرارة الناتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري”.
بكلمات أخرى، يشير جهان إلى أن مشكلة التصحر في الأراضي العربية “جاءت نتيجة تكاثف مجموعة عوامل، بعضها طبيعي والآخر بشري، مما تسبب في إنتاج آثار بيئية واقتصادية خطيرة تزداد وضوحًا في البيئات الجافة وشبه الجافة التي تمثل مساحة كبيرة من وطننا العربي”، وهنا، تُطرح المزيد من الأسئلة عن مدى تغلغل هذه الظاهرة في الوطن العربي؟ وكيف يمكن تكثيف الجهود للحد من آثارها المدمرة؟
ولكن في البداية، لا بد أن نذكر أن نسبة المساحات المتصحرة والأراضي القاحلة تشكل نحو 88% من إجمالي المساحة الكلية، أي ما يمثل 13 مليون كيلومتر مربع، وما يوازي نحو 28% من إجمالي المناطق المتصحرة حول العالم، ولكل دولة عربية نصيبها من هذه الظاهرة، ففي قطر والكويت والعراق تبلغ نسبة الأراضي الجافة أكثر من 90%، أما مصر فلا تزيد نسبة الأراضي الصالحة للزراعة على 6% من المساحة الكلية للجمهورية.
تظهر آثار التصحر في أكثر من 50% من الأراضي الفلسطينية، و15% منها في تدهور، بسبب الاحتلال الإسرائيلي الذي قام على مدار سنين طويلة بتجريف الأراضي الزراعية وقلع الأشجار لإنشاء المعسكرات والمستوطنات غير الشرعية
ورغم أن هذه الظاهرة تنتشر بصورة واسعة في الوطن العربي، فإن أسبابها تختلف من منطقة لأخرى، فعلى سبيل المثال أثرت الحروب والتغيرات المناخية التي شهدها العراق منذ الثمانينيات، حيث تعرضت أراضيه الزراعية للتخريب والإهمال، إضافة إلى الأنشطة البشرية التي تسببت في تملح التربة وتدهور الغطاء النباتي بسبب الممارسات الخاطئة مثل القطع والرعي الجائر على أراضيه.
الأمر نفسه ينطبق على حالة التصحر في فلسطين مثلًا، إذ ذكرت نتائج التقرير الوطني الأول، أن مؤشرات التصحر تظهر في أكثر من 50% من الأراضي الفلسطينية، و15% منها في تدهور، وبحسب التقرير فإن أهم أسباب هذه الظاهرة هي الاحتلال الإسرائيلي الذي قام على مدار سنين طويلة بتجريف الأراضي الزراعية وقلع الأشجار لإنشاء المعسكرات والمستوطنات غير الشرعية.
في النهاية، لم تستطع الطبيعة الجغرافية ولا الظروف السياسية حماية البلدان العربية من التصحر، ومع ذلك تجتهد العديد من الدول لا سيما في اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف السنوي، في تذكير مواطنيها وسلطاتها بهذه المشكلة بهدف تعزيز الوعي العام للحد من تمددها وتغلغلها بصورة أوسع، كما تتخذ إجراءات أكثر جدية وفعالية على أرض الوقع، مثل سن قوانين لمنع تجريف الأراضي وقطع الأشجار ووقف العمليات العشوائية ودعم مشاريع التشجير وتكثيف الغطاء النباتي.
أما فيما يخص الأفراد، فلقد سعت المؤسسات إلى توعية الأشخاص بشأن مسؤوليتهم ودورهم في تأخير أو إبطاء هذه الظاهرة، وذلك من خلال الاستخدام الرشيد للأراضي الزراعية والموارد المائية، ومنع الرعي الجائر وقطع الأشجار والصيد ومنح الأراضي الزراعية فترة راحة للتجدد البيولوجي اللازم.