تلقت شبكات التهريب والإتجار بالمخدرات في العراق ضربة قوية عقب سقوط نظام الأسد في سوريا، حيث تأثرت هذه التجارة وخاصة مادة الكبتاغون، بشكل ملحوظ، خاصة وأن نظام الأسد كان يلعب دورًا محوريًا كمركز إنتاج وتوزيع وترويج هذه المواد الخطيرة.
وكان النظام يستغل هشاشة الحدود الإقليمية مع دول الجوار وخاصة العراق والأردن لتغذية سوق المخدرات في المنطقة، وإرسال شحنات الكبتاغون إلى العديد من الدول وخاصة دول الخليج.
توقف التهريب
شهد العراق انخفاضًا كبيرًا في تهريب مادة الكبتاغون المخدرة من سوريا، وأكدت السلطات العراقية أنها لم تسجل أي عمليات تهريب جديدة من الأراضي السورية خلال الأيام التي أعقبت سقوط النظام السوري.
وصرح عضو الفريق الوطني لمكافحة المخدرات في مستشارية الأمن القومي العراقي، حيدر القريشي، لقناة “الحرة”، أن نحو 90% من كميات الكبتاغون المتداولة في العراق كانت تأتي من سوريا، ويقدر القريشي دخول 18 مليون حبة كبتاغون، إلى العراق خلال النصف الأول من هذا العام، وتمكنت السلطات من اعتقال آلاف الأشخاص المتورطين في التهريب والنقل والتجارة.
ورغم إنكار النظام السوري مسؤوليته عن تصنيع الكبتاغون، كشفت مقاطع فيديو عقب سقوطه وجود مصانع يديرها ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، في حين جمع النظام ثروات طائلة من تجارة هذه المادة. كما تشير بعض التقارير إلى تورط سياسيين وعصابات مسلحة في العراق في إدارة عمليات تهريب الكبتاغون وتصديره إلى تركيا ودول الخليج، من خلال شبكات معقدة تدير تجارة المخدرات في المنطقة.
ويؤكد الكاتب والباحث السياسي وقاص القاضي، أن توقف تدفقات الكبتاغون من سوريا لا يعني انتهاء خطر المخدرات، إذ لا تزال تهدد 50% من الشباب العراقي.
وأشار القاضي في حديثه لموقع “نون بوست”، إلى أن الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات العراقية اعترفت بأن مادة الكبتاغون القادمة من سوريا تشكل النسبة الأكبر من الكميات المنتشرة في البلاد، ما يدفع المافيات الدولية إلى البحث عن بدائل سريعة لتعويض خسائرها.
وأضاف أن من بين هذه البدائل مادة الكريستال الإيرانية التي يتم تصدير 60% منها إلى العراق وتركيا وأذربيجان وأوروبا، وفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات.
مكافحة المخدرات
تمكنت الأجهزة الأمنية العراقية من ضبط كميات ضخمة من المواد المخدرة، بما في ذلك أكثر من 500 ألف حبة كبتاغون قادمة من سوريا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت مخبأة في شحنة خضار، بحسب ما أوردته تقارير أمنية، كما أعلنت المديرية العامة لشؤون المخدرات التابعة لوزارة الداخلية، في 21 ديسمبر/كانون الأول الجاري، عن ضبط 14 ألف متورط بتجارة المخدرات و6 أطنان من المواد المخدرة خلال العام الحالي، فضلًا عن صدور أحكام الإعدام بحق 133 متاجرًا دوليًا.
وقال المتحدث باسم المديرية حسين التميمي لوكالة الأنباء العراقية “واع”: إن “ملف مكافحة المخدرات شهد ارتفاعًا في حجم العمل الأمني في عهد الحكومة الحالية، خاصة بعد ربط المديرية بمكتب وزير الداخلية عبد الأمير الشمري بشكل مباشر، حيث تحول عملها خلال عامي 2023-2024 من شرطوي إلى استخباري”.
وعلى الصعيد الاجتماعي، تُبذل جهود حثيثة لمعالجة الإدمان باعتباره أحد أهم جوانب مواجهة المخدرات، وفي حديثها لموقع قناة “الحرة”، تصف رئيسة منظمة “نقاهة” لمعالجة الإدمان، إيناس كريم، المخدرات بأنها “الإرهاب الصامت”، مشيرة إلى أن المنظمة تعاملت هذا العام مع أكثر من 6 آلاف حالة إدمان، شملت أطفالًا وشبابًا بين 15 إلى 45 عامًا.
إضافة إلى ذلك، تسعى وزارة الصحة العراقية إلى إنشاء مراكز متخصصة لمعالجة وتأهيل المدمنين في جميع المحافظات، بهدف تقليل التأثير السلبي للإدمان على المجتمع والحد من الجرائم المرتبطة بتعاطي المخدرات.
ورغم الجهود لا تزال مكافحة المخدرات تواجه تحديات كبيرة، تشمل ضعف البنية التحتية وقلة الموارد مقارنة بحجم المشكلة، كما يُثار جدل بشأن تورط جهات سياسية ومسلحة متنفذة في عمليات التهريب والتوزيع داخل العراق.
وفيما يتعلق بمسؤولية الجهات الأمنية، يرى وقاص القاضي أن اتهامات لجنة المخدرات والمؤثرات العقلية النيابية، بتورط رؤساء وزراء ووزراء ومحافظين مع تجار المخدرات، تُظهر حجم المشكلة.
ويشير إلى أن استمرار تهريب المخدرات يعود إلى عدم توافر أجهزة كشف حديثة، إضافة إلى أن الفساد والرشوة يسهلان عمليات التهريب عند المعابر الحدودية، كما يرى أن انتشار التعاطي بنسبة تصل إلى 70% بين الشباب في المناطق الأكثر فقرًا، بحسب مفوضية حقوق الإنسان، يعزز البيئة الملائمة لاستمرار هذه التجارة.
وأورد تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن العراق “شهد طفرة هائلة في الاتجار بالمخدرات واستهلاكها خلال السنوات الخمس الماضية”، لا سيما حبوب الكبتاغون المخدرة والميثامفيتامين، ووفق التقرير، صادرت السلطات العراقية في العام 2023 رقمًا قياسيًا بلغ 24 مليون قرص كبتاغون يفوق وزنها 4.1 طن، والتي قد تصل قيمتها إلى نحو 144 مليون دولار.
الكريستال الإيراني
مع شح حبوب الكبتاغون، لجأت شبكات التهريب في العراق إلى تعويض نقص هذه المادة ببدائل أخرى، أبرزها الكريستال (الميثامفيتامين)، الذي يتم تهريبه من إيران عبر الحدود العراقية، مستغلة ضعف الرقابة في بعض المناطق، وفقًا لتقارير دولية، فإن فصائل مسلحة موالية لإيران تُسهم في عمليات تهريب هذه المادة إلى العراق ودول الجوار.
ويُعد الكريستال من أكثر المواد المخدرة خطورة، إذ يتسبب في إدمان سريع وآثار مدمرة على الصحة العقلية والجسدية، وتشير التقارير إلى أن تهريب الكريستال الإيراني يتم عبر قنوات متطورة، تشمل النقل البري والبحري وحتى الجوي، ما يجعل تتبعه أكثر صعوبة.
بدوره أكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان الدكتور فاضل الغراوي، أن المديرية العامة لشؤون المخدرات وباقي المؤسسات الأمنية استطاعت القبض على 40 ألف شخص متورط في جرائم المخدرات خلال الأعوام الثلاث الماضية، وأضاف الغراوي في تصريح صحفي، أن الإحصائيات تشير إلى أن مادة الكريستال هي الأكثر تعاطيًا في العراق بنسبة 37.3%، تليها الكبتاغون بنسبة 34.35%، بينما تشكل الأنواع الأخرى نسبة 28.35%.
ويلفت وقاص القاضي إلى أن التقارير تفيد بتورط ميليشيات موالية لإيران في تهريب المخدرات، مستغلة سلاحها ونفوذها السياسي، مؤكدًا أن السيناريو الأخطر يكمن في انتعاش مزارع المخدرات بمحافظات مثل ميسان والبصرة والسليمانية، وهي مخاوف مبررة وفقًا لإحصائيات وزارة الداخلية، التي كشفت أن عدد المصنعين والمتاجرين بالمخدرات يفوق أعداد المدمنين المقبوض عليهم.
ويعرب القاضي عن اعتقاده بأن الإجراءات الحكومية لا تزال شكلية إلى حد كبير، مشيرًا إلى وصف صحيفة “واشنطن بوست” لسياسات حكومة الإطار التنسيقي، مثل منع الكحول، بأنها محاولة للتغطية على الفساد المستشري وتهيئة الظروف لزيادة تجارة المخدرات الإيرانية.