بعد مرور ما يقارب الثلاث سنوات على حكم ترامب وإدارته للبيت الأبيض، لم ينجح في استمالة أي دولة من دول العالم المؤثرة لموقفه ضد إيران، لا أوروبيًا ولا شرقًا ولا غربًا، حتى جاءت حادثة ضرب ناقلات النفط في خليج عُمان، لتخرج دولة بحجم بريطانيا لتساند الموقف الأمريكي وتعلن تحميلها النظام الإيراني مسؤولية ضرب تلك السفن وترسل قواتها لحماية سفنها وحماية الملاحة في خليج عُمان والخليج العربي.
بات واضحًا الآن أن بريطانيا حسمت خياراتها السياسية المتعلقة بالموضوع الإيراني، لصالح وجهة النظر الأمريكية، وستكون عونًا لها سياسيًا في خضم محاولات ترامب لتحقيق إجماعٍ دولي تجاه إيران وتهديداتها العسكرية، بالإضافة لاستعدادها لتقديم أي مساعدة عسكرية للولايات المتحدة في جهودها للحد من الخطر الإيراني.
هذا ما فهمناه من موقف الحكومة البريطانية وعلى لسان وزير خارجيتها جيريمي هنت، حينما قال إن بلاده شبه متأكدة من وقوف طهران وراء هذه الهجمات التي رفعت منسوب التوتر في المنطقة، وكان هذا التصريح هو الثاني من الحكومة البريطانية خلال أقل من يومين، بعد حادثة الاعتداء على السفن بخليج عُمان.
ارتفاع أسعار النفط عالميًا بسبب الاضطرابات في الخليج، سيُدخل دول العالم في حالة ركود اقتصادي هي في غنى عنه
ويبدو أن استهتار النظام الإيراني بأمن المنطقة ورغبته القوية بالتخلص من العقوبات التي فُرضت عليه من الإدارة الأمريكية، جعلته يُقدم على خطوات ستنتهي لا محالة إلى تخلي حلفائه الأوربيين عنه، الذين حتى وقوع حادثة ضرب ناقلات النفط بخليج عُمان، كانوا من الداعمين له تجاه مواجهة العقوبات الأمريكية، وكانت دول أوروبا تسعى لإيجاد بدائل للتبادل التجاري مع إيران بعيدًا عن العقوبات الأمريكية، لرغبتها بإنقاذ الاتفاق النووي الذي أُبرم عام 2015 بين إيران ودول 5+1، لكن الذي لم يحسب له النظام الإيراني حساب، هو استعداد الأوربيين للتخلي عن دعمه حال وصل التهديد العسكري الإيراني إلى مرحلة تهديد مصالحهم الاقتصادية في منطقة الخليج.
من المؤكد أن تغيير المواقف حيال إيران لن يتوقف عند بريطانيا فحسب، فمن المتوقع أن حادثة خليج عُمان، ستؤثر على مواقف داعميها من شرق آسيا، الذين هم من أكبر مستوردي النفط الخليجي، ذلك لأن اقتصاداتهم ستتأثر بشدة إذا قُطعت أو قلَّت إمدادات النفط من هناك، كما أن ارتفاع أسعار النفط عالميًا بسبب الاضطرابات في الخليج، سيُدخل دول العالم في حالة ركود اقتصادي هي في غنى عنه.
ملامح تغيُّر الموقف البريطاني من النظام الإيراني لم تقف عند التصريح العلني للحكومة البريطانية بتحميل إيران مسؤولية ضرب ناقلات النفط، بل إنها سارعت بإرسال نحو 100 جندي من مشاة البحرية لمياه الخليج بهدف حماية سفنها، كما أوعزت لقواتها الخاصة للرد السريع وبدء دوريات في مياه الخليج.
هذا الإجراء البريطاني سيجعل دول غربية أخرى تحذو حذوها باتخاذ إجراءات مماثلة، عندها فإن أي تهديد إيراني لحرية الملاحة في منطقة الخليج وما يجاورها من المياه الإقليمية، لن يكون تحديًا للولايات المتحدة فقط، إنما تحدٍ لدول عديدة تعتبر أمن الخليج العربي جزءًا من أمنها القومي، وإذا وصلنا إلى هذه النتيجة، فيمكننا القول إن ترامب نجح بإقامة تحالف دولي، أو على الأقل، إجماع دولي ضد إيران، في الوقت الذي كان طيلة الفترة السابقة، يناصب العداء لإيران بمفرده دون إجماع دولي.
وعلى عادة أي نظام شمولي ديكتاتوري مثل النظام الإيراني، فإنه غالبًا ما يقع في غباء تقديرات ردود الفعل الدولية تجاه تصرفاته، ذلك لأن الدول التي تمتلك القوة العسكرية والسياسية الكافية، غالبًا تنتظر وقوع فريستها بخطأ قاتل لكي تجهز عليها.
هذا ما تفعله الولايات المتحدة من خلال إصرارها على العقوبات الاقتصادية ضد النظام الإيراني دون قيامها بعمل عسكري ضدها، إلى الحد الذي يجعل هذا النظام يتخبط بسياسته كالغريق الذي يريد التشبث بأي شيء ينقذه، للدرجة التي تجعله يرتكب أخطاء قاتلة، وجاءت ضربة ناقلات النفط بخليج عُمان كإحدى أكبر الأخطاء التي ارتكبها النظام الإيراني خلال هذه الفترة، جعلت العالم مقبلاً على تشكيل إجماع دولي لحماية الملاحة في الخليج من التهديدات الإيرانية، لكن من دون رفع أو تخفيف العقوبات الأمريكية على إيران، فهو بالتالي خطأ سياسي إيراني بامتياز، دون أن تجني منه منافع لها.
ترامب يعطي رسالة للقادة الإيرانيين بأن الولايات المتحدة في حالة دفاع ضد الإجراءات الإيرانية في مياه الخليج
الخطأ الآخر الذي تنوي إيران اقترافه في الفترة القادمة هو إعلان طهران عودتها إلى تخصيب أسرع لليورانيوم، الذي سيوصلها خلال بضعة أشهر لخرق واضح للاتفاق النووي، ونحن نعرف أن الحفاظ على الاتفاق النووي هو الخيط الذي يربط دول أوروبا بإيران، فإذا أقدمت إيران على قطعه، فمن المؤكد أن جميع دول الاتحاد الأوروبي ستصطف إلى جانب الموقف الأمريكي من إيران، ذلك لأن دول أوروبا كانت واضحة بتحذيراتها لإيران من مغبة خرق الاتفاق النووي، وهي رسالة واضحة حملها وزير الخارجية الألماني لطهران نيابة عن أوروبا، بضرورة بقاء طهران ملتزمة بالاتفاق النووي رغم العقوبات الاقتصادية الأمريكية، لأنه ببساطة لا خيار لها سوى ذلك.
لكن طهران رفضت الرسالة وردت عليه من خلال صحافتها واعتبرت الوزير الألماني كأحد بقايا النازية الألمانية، وهي تعلم تمام العلم، كم هذا الموضوع حساس بالنسبة لألمانيا، نفس الشيء فعلته مع رئيس وزراء اليابان الذي حمل رسالة أمريكية لغرض عقد اتفاق جديد، إلا أن رد خامنئي له كان مخيبًا لآمال شينزو آبي، حينما رفض حتى استلام الرسالة.
ومن الملفت في كل هذا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغم خطورة التصعيد في مياه خليج عُمان واتهامه لإيران بالمسؤولية عن الحادث، فإن ردة فعله لم تكن بالقوة المعهودة التي كنا نراها منه على حوادث أقل أهمية، وهذا يعني أن ترامب يعطي رسالة للقادة الإيرانيين بأن الولايات المتحدة في حالة دفاع ضد الإجراءات الإيرانية في مياه الخليج، وأنه عاجز على فعل شيء ضدها، حتى إذا بلعت إيران الطعم وقامت بالمزيد من الأخطاء القاتلة، سيكون حينها قد آن الأوان لخلق إجماع دولي ضدها، وسيكون ضربها أو العمل على تغير نظامها، مطلبًا دوليًا وليس مطلبًا أمريكيًا.
نفس الشيء نلاحظه في الموقف الإسرائيلي حيال التطورات الأخيرة، فرغم حماسة نتنياهو على حثّ الإدارة الأمريكية لتوجيه ضربة عسكرية موجعة للنظام الإيراني، لكننا من النادر حاليًّا أن نسمع له تصريحات جديدة في هذا الشأن، يعود ذلك لأنه يريد تجنيب إظهار “إسرائيل” كإحدى أهم الدول الداعمة لاتخاذ إجراء قوي ضد إيران، إنما يريد ترك الأمور تنضج، للدرجة التي تتشكل فيها إرادة دولية جامعة، لخيار ضرب أو تغيير النظام الإيراني، والظهور إلى العالم، بأن هذا المطلب، مطلب دولي بالأساس وليس مطلبًا إسرائيليًا.