ينظر البرلمان التونسي، في قادم الأيام، في مشروع تعديل القانون الانتخابي، يقول القائمون عليه إن الهدف من إقراره غلق الباب نهائيًا على “الشعبويين” الذين استفادوا من مؤسساتهم الإعلامية ونشاط جمعياتهم الخيري للترويج لترشحهم خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، فيما يعتبره معارضوه “انتكاسة” للديمقراطية التونسية الوليدة.
تعديلات مثيرة
ينص التعديل الذي ينوي نواب الائتلاف الحاكم عرضه على أنظار البرلمان التونسي، قبل نحو أربعة أشهر من الانتخابات المرتقبة على أنه “لا يقبل الترشح للانتخابات التشريعية والرئاسية لكل شخص أو قائمة تبين للهيئة قيامه أو استفادته خلال الـ12 شهرًا التي تسبق الانتخابات بأعمال يمنعها المرسوم المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية، على الأحزاب السياسية أو مسيريها، أو تبين قيامه أو استفادته من الإشهار السياسي”.
ينص التعديل أيضًا على “تقرر الهيئة إلغاء نتائج الفائزين في الانتخابات التشريعية إذا ثبت لها عدم احترامهم لأحكام هذا الفصل. وتتخذ الهيئة قرارها بناء على ما يتوفر لديها من إثباتات، بعد الاستماع إلى المعنيين بقرار رفض الترشح أو إلغاء النتائج، وتكون قراراتها قابلة للطعن أمام القضاء وفق الإجراءات المنصوص عليها بهذا القانون”.
يمنع القانون قيادات الأحزاب من ترؤس الجمعيات، كما يمنع الجمعيات من دعم الأحزاب أو حتى السياسيين المستقلين
التعديل المرتقب عرضه على البرلمان ينص كذلك على إلزام هيئة الانتخابات بـ”رفض ترشح كل من يثبت لديها قيامه بخطاب لا يحترم النظام الديمقراطي ومبادئ الدستور والتداول السلمي للسلطة، أو يدعو للعنف والتمييز والتباغض بين المواطنين، أو يمجد سياسات الدكتاتورية وممارسات انتهاك حقوق الإنسان أو يمجد الإرهاب أو يهدد النظام الجمهوري ودعائم دولة القانون”.
كما تقر التعديلات منع المرشحين الذين لم يقدموا ما يفيد القيام بالتصريح بالمكاسب والمصالح، في الآجال المنصوص عليها بالقانون، إلى جانب التصريح بتسوية وضعيتهم مع الضرائب للسنة الماضية، وتنص التعديلات أيضًا على منع مسيري المؤسسات الإعلامية والجمعيات الخيرية من الترشح للانتخابات.
مشروع تعديل القانون الانتخابي يتضمن أيضًا رفع بنسبة العتبة الانتخابية إلى 5% بداية من الانتخابات المقبلة، باعتبارها حدًا أدنى من نسبة الأصوات التي يجب الحصول عليها من كل قائمة للدخول إلى البرلمان.
استهداف للشعبويين
هذه التعديلات المرتقب عرضها على البرلمان، بررها القائمون عليها بسعيهم إلى حماية الديمقراطية التونسية “الهشة” من الشعبوية الصاعدة في البلاد، نتيجة استغلالها للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها فئات كثيرة من الشعب التونسي.
يقصد بالشعبويين هؤلاء الأشخاص الذين امتهنوا الخطابات الشعبوية والمتاجرة بآلام الناس ومعاناتهم، خاصة الثلاثي عبير موسي (إحدى رموز نظام بن علي) ونبيل القروي الذي يتهم بالتهرب الضريبي وجمعية عيش تونسي التي تتهم بتلقي تمويلات أجنبية.
محاولة قطع الطريق أمام ترشح هؤلاء المرشحين، الهدف منها وفق الداعمين للتعديلات تحقيق المساواة بين جميع المرشحين للانتخابات. ويرى الداعمين لهذه التعديلات أن ترشح رؤساء الجمعيات أو أصحاب مؤسسات إعلامية يتنافى مبدأ تكافؤ الفرص.
تعتبر الانتخابات القادمة “استثنائية” في تاريخ تونس
يمنع قانون الانتخابات الحاليّ في تونس الأحزاب السياسية من تلقي تمويلات أجنبية، كما أن النشاط الجمعياتي يتعارض مع النشاط الحزبي في تونس، حيث يمنع القانون قيادات الأحزاب من ترؤس الجمعيات، كما يمنع الجمعيات من دعم الأحزاب أو حتى السياسيين المستقلين.
فيما يخص “عيش تونسي“، فقد بدأت نشاطها قبل 5 سنوات كمبادرة شبابية، ثم تحولت السنة الماضية إلى جمعية تهدف إلى استقطاب أكبر عدد من التونسيين حول مشروعها السياسي المستقبلي، عبر أنشطة كبرى تعجز عن تمويلها وتنظيمها جمعيات عريقة، فما بالك بواحدة لم يمر على إنشائها سنوات قليلة، ما جعل العديد من التونسيين يشككون في مصادر تمويلها وأجنداتها الخفية خاصة أنها تعتمد خطابًا شعبويًا.
ويعيب العديد من التونسيين خاصة على جمعية عيش تونسي، قيامها بحملة انتخابية مبكرة بتمويل أجنبي قصد التأثير على التونسيين وكسب أصواتهم خلال الانتخابات القادمة، ويعتبر رجل الأعمال الفرنسي غويوم رامبورغ زوج رئيسة الجمعية ألفة التراس أبرز ممولي الجمعية المعلنين وهو من أهم ممولي حملة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الانتخابية سنة 2017.
تصدر نبيل القروي نتائج سبر آراء بشأن نوايا التصويت بالانتخابات الرئاسية، بـ23.8 % فيما حصدت عبير موسي على المرتبة الثالثة
فيما يستغل نبيل القروي مؤسسته الإعلامية الخاصة التي حصلت على حقوق البث زمن نظام الرئيس المخلوع بن علي، نتيجة الخدمات التي قدمه له ولنظامه، للترويج لخطابه الشعبوي القائم على نصرة المستضعفين والفقراء، يذكر أن القروي يرفض تجديد رخصة البث لقناته لأسباب عدة.
وبرع مالك قناة نسمة الخاصة نبيل القروي الذي أعلن الترشح للانتخابات الرئاسية في 10 من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في توظيف العمل الخيري والإعلامي بمجال العمل السياسي، فهو يستخدم منذ سنوات برنامجًا خيريًا يبث يوميًا على قناته، لتقديم مساعدات للفقراء بغية الوصول إلى كرسي الرئاسة.
أما عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر التي كانت تشغل منصب أمين عام مساعد لحزب التجمع المنحل (حزب بن علي) قبل الثورة، فقد عرفت بخطاباتها التي تتهجم فيها على الربيع العربي، وسبق أن قالت: “الربيع العربي انتهى والعمل الآن هو إنقاذ تونس من منظومة الخراب التي جاءت بها الثورة الوهمية التي أنجزت في الغرف المغلقة لدوائر المخابرات الأجنبية لإسقاط البلاد وتحويلها إلى دولة فاشلة”.
وأصبحت عبير موسى، مؤخرًا، تلقى حظوة كبرى لدى العديد من الصحف والمواقع الإماراتية، حظوة تتنامى كلما طرحت اسم النهضة واتحاد علماء المسلمين في ميزان التهم، ويتم الاحتفاء بموسى بقدر إشباعها للتهمة الموجهة للاثنين، ثم بقدر تعمير تلك التهم وانتشارها وإثارتها للجدل.
انتكاسة للديمقراطية؟
هذه التعديلات الجديدة لم تطرح في الجلسة الأولى لمناقشة مقترح تعديل القانون الانتخابي التي عقدت يوم 19 من فبراير/شباط الماضي، ولا في الجلسة الثانية التي عقدت بتاريخ 30 من أبريل/نيسان الماضي، لكنها برزت خلال الجلسة الثالثة التي عقدت نهاية الأسبوع الماضي، ما جعل معارضيها يشككون في نوايا القائمين عليها.
ويرى معارضو التعديلات أن الائتلاف الحاكم يسعى إلى إقصاء العديد من الوجوه التي برزت مؤخرًا في الساحة السياسية، خوفًا من خسارته في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، ذلك أن عمليات سبر الآراء أكدت تقدم هذه الأطراف على الأطراف التقليدية في البلاد.
وتصدر نبيل القروي نتائج سبر آراء بشأن نوايا التصويت بالانتخابات الرئاسية، بـ23.8% متقدمًا بفارق ضئيل على رجل القانون قيس سعيد الذي حصل على المرتبة الثانية بـ23.2% والمحامية عبير موسي التي حصدت المرتبة الثالثة بـ10.8% متفوقة بذلك على يوسف الشاهد الذي احتل المرتبة الرابعة بنسبة 7.4%.
يأمل الائتلاف الحاكم في تمرير هذه التعديلات
أما في العلاقة بالانتخابات التشريعية فقد تصدر حزب نبيل القروي الذي لم يتم إعلان تأسيسه بعد، نوايا التصويت بـ29.8% متفوقًا على النهضة بفارق كبير، حيث حصلت فقط على 16.8%، وحل حزب عبير موسي في المرتبة الثالثة بنسبة 11.3% فيما حلت حركة تحيا تونس التي يتزعمها يوسف الشاهد في المرتبة الرابعة بـ8.6% متقدمة على التيار الديمقراطي الذي حصل على 5.8% وعن قائمات عيش تونسي التي دخلت السباق لأول مرة واحتلت المرتبة السادسة بـ5.4%.
وسبق أن اعتبر عضو هيئة الانتخابات أنيس الجربوعي في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أن “أي تعديل للقانون الانتخابي، سيربك عمل الهيئة، لأن التوقيت لن يكون كافيًا للانطلاق في قبول الترشحات للانتخابات التشريعية في 22 جويلية، غير أن هيئة الانتخابات، كهيئة دستورية، ملتزمة بتطبيق القانون، وستعمل على تطبيق القانون الانتخابي الجديد في صورة تنقيحه”.
من جهتها اعتبرت حركة “عيش تونسي” في بيان لها أن محاولة عدد من الكتل النيابية وعدد من النواب داخل قبة البرلمان، تمرير تعديلات وتنقيحات على القانون الانتخابي “مس بالديمقراطية واستهداف لفاعلين معينين يمثلون تهديدًا للأحزاب الكلاسيكية”.
قبل ذلك، اعتبر نبيل القروي أن هذا التعديل الذي يأتي قبل فترة وجيزة من إيداع قوائم الانتخابات التشريعية، هو “محاولة انقلاب” سياسي هدفه الوحيد منعه من الترشح، وهو خرق صارخ للديمقراطية والاتفاقيات الدولية.
يخشى هؤلاء المصادقة على هذه التعديلات، فمن شأن ذلك حرمانهم من الترشح للانتخابات المقرر إجراؤها في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، لذلك فمن المنتظر أن يكثفوا حملاتهم الإعلامية ضد الائتلاف الحاكم لثنيه عن المضي في هذه التعديلات.