ساعات قليلة تفصل عشاق الساحرة المستديرة في القارة السمراء عن انطلاق الماراثون الكروي الأكبر قاريًا، حيث رفع الستار عن فعاليات النسخة الـ32 من بطولة كأس الأمم الإفريقية التي تحتضنها مصر في الفترة من 21 يونيو الحاليّ حتى 19 من يوليو المقبل.
تشهد البطولة التي تقام لأول مرة بمشاركة 24 منتخبا، حضورًا عربيًا غير مسبوق في تاريخها، حيث تشارك 5 منتخبات عربية هي تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، إضافة إلى الدولة المستضيفة مصر، في سابقة هي الأولى من نوعها، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى تعزيز حظوظ العرب في التتويج باللقب.
البطولة التي تستضيفها مصر على 6 ملاعب رئيسية: إستاد القاهرة الدولي وإستاد السلام وإستاد الإسكندرية وإستاد الإسماعيلية وإستاد السويس وإستاد بورسعيد، تشهد كذلك مشاركة 3 منتحبات لأول مرة في النهائيات الإفريقية، وهي: بوروندي ومدغشقر، إضافة إلى موريتانيا.
أسفرت قرعة البطولة عن 6 مجموعات، تتضمن كل منها 4 منتخبات، جاءت المجموعة الأولى لتضم: مصر والكونغو الديمقراطية وأوغندا وزيمبابوي، أما الثانية فشملت: نيجيريا وغينيا ومدغشقر وبوروندي، فيما ضمت الثالثة كل من السنغال والجزائر وكينيا وتنزانيا.
أما المجموعة الرابعة فتصدرها منتخب المغرب بجانب كل من ساحل العاج وجنوب إفريقيا ونامبيا، بينما جاءت تونس على رأس المجموعة الخامسة التي ضمت كذلك مالي وموريتانيا وأنغولا، في الوقت الذي اعتلى فيه منتخب الأسود غير المروضة “الكاميرون” قائمة المجموعة السادسة والأخيرة بجانب غانا وبنين وغينيا بيساو.
2.5 مليار دولار.. القيمة السوقية
لم يعد ينظر لمثل هذه البطولات القارية على أنها نزهة رياضية فحسب، يتوج فيها الفائز باللقب ويحمل البهجة والسرور لعشاقه من الجماهير الوفية المؤازرة له، سواء داخل أرض الميدان أم في المنازل وعلى الكافيهات، بل باتت صناعة مليارية وسوق استثماري يأخذ طريقه نحو الصعود بخطوات سريعة.
ورغم تواضع الكثير من منتخباتها المشاركة فإن القيمة السوقية الإجمالية للفرق المشاركة في النسخة الحاليّة من البطولة الإفريقية تبلغ قرابة 2.5 مليار دولار، يتصدرهم منتخب السنغال بـ397.79 مليون دولار، ورغم أنه لم يفز بالبطولة من قبل فإنه يمتلك مجموعة من اللاعبين المتألقين في كبرى الدوريات الأوروبية وعلى رأسهم ساديو ماني نجم ليفربول الإنجليزي، وذلك بحسب موقع “ترانسفير ماركت” المتخصص في الإحصاءات الرياضية والقيم التسويقية للاعبي كرة القدم.
كما يأتي في المرتبة الثانية منتخب كوت ديفوار بـ321.36 مليون دولار، يليه منتخب مصر في المركز الثالث بـ226.76 مليون دولار، يليه المغرب بـ212.27 مليون دولار، ثم الجزائر بـ208.48 مليون دولار، فيما يحتل المنتخب التونسي المركز الثاني عشر بـ66.7 مليون دولار، في حين يأتي منتخب موريتانيا الذي يشارك في البطولة للمرة الأولى، في المركز الثالث والعشرين (قبل الأخير) بـ4.47 مليون دولار.
الفريق الفائز بالبطولة في ضوء الزيادات الجديدة سيحصل على 4.5 مليون دولار، في حين سيحصل الوصيف على 2.5 مليون دولار
أما من حيث اللاعبين فيتصدر النجم المصري محمد صلاح القائمة برصيد 171.02 مليون دولار، وهي القيمة التي تتجاوز عددًا من المنتخبات بأكلمها منهم منتخب غانا الذي تصل القيمة الإجمالية للاعبيه إلى 136.91 مليون دولار، ثم يأتي في المركز الثاني زميله في صفوف ليفربول نجم المنتخب السنغالي ساديو ماني بـ136.82 مليون دولار، ثم مدافع نابولي الإيطالي السنغالي كاليدو كوليبالي بـ85.51 مليون دولار.
كما يأتي النجم الجزائري رياض محرز نجم مانشستر سيتي المتوج بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، في المركز السادس بـ68.41 مليون دولار، يليه المغربي كريم زياش لاعب نادي أياكس أمستردام الهولندي في المركز التاسع بـ45.61 مليون دولار، متصدرًا على مواطنه أشرف حكيمي نجم بوروسيا دورتموند الألماني، في المركز الثالث عشر بـ34.20 مليون دولار.
حفل افتتاح قرعة البطولة
زيادة قيمة الجوائز
في إطار تشجيع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم “الكاف” للفرق المشاركة على بذل أقصى مجهود ممكن وتقديم أفضل المستويات التي تزيد من متعة كرة القدم وتشعل أجواءها بين عشاقها داخل القارة السمراء قرر رفع قيمة الجوائز المالية للمنتخبات المشاركة إلى 23.7 مليون دولار، بارتفاع قدره 1.8 مليون دولار عن البطولة السابقة.
الفريق الفائز بالبطولة في ضوء الزيادات الجديدة سيحصل على 4.5 مليون دولار، في حين سيحصل الوصيف على 2.5 مليون دولار، وهو ما يعني أن قيمة الجوائز المالية للمباراة النهائية للبطولة ستصل إلى 7 ملايين دولار، وهو رقم غير مسبوق في النسخ السابقة من البطولة.
الفرق التي ستبلغ دور الـ16 سيحصل كل منها على 700 ألف دولار، بينما تصل مكافأة المنتخبات التي ستصل إلى دور الثمانية إلى مليون دولار لكل فريق، أما المنتخبات الأربع التي ستصل إلى الدور نصف النهائي فسيحصل كل منها على مليوني دولار، بزيادة نصف مليون دولار عن المقابل المتعارف عليه في البطولة السابقة الذي كان مليون ونصف المليون دولار، في خطوة وصفها محللون بأنها ستكون داعمًا قويًا للفرق للوصول إلى المربع الذهبي.
الكاف لم يتجاهل حتى الخارجين من الدور الأول، حيث أقر مكافأة المشاركة للجميع، إذ يحصل كل منتخب يودع البطولة من دور المجموعات على 500 ألف دولار، مقابل 475 ألف دولار في البطولة السابقة.
نسور قرطاج يدخلون تلك المعركة وهم على رأس ترتيب الفرق العربية والإفريقية، محتلين المرتبة الـ14 عالميًا، وهو الترتيب الأفضل على مستوى تاريخ تونس الكروي
حظوظ عربية قوية
تمثل البطولة الحاليّة فرصة قوية أمام المنتخبات العربية لكسر سيطرة الفرق الإفريقية على منصات التتويج خلال السنوات الماضية، لا سيما أن آخر تتويج عربي بتلك البطولة يرجع لـ9 سنين مضت، حين فاز منتخب الفراعنة المصري على نظيره الغاني بهدف نظيف في نهائي تلك البطولة التي أقيمت في أنغولا 2010.
ومنذ انطلاق النسخة الأولى من البطولة عام 1957 نجحت المنتخبات العربية في حصد 11 لقبًا على مدار تاريخها، يتصدرهم المنتخب المصري بسبعة ألقاب (1957، 1959، 1986، 1998، 2006، 2008، 2010)، ثم لقب وحيد لكل من السودان عام 1970 والمغرب عام 1976 والجزائر عام 1990 وتونس عام 2004.
تسعى الفرق العربية المشاركة إلى استغلال التفوق الواضح قاريًا على مستوى الأندية لتعزيز فرص التتويج باللقب، حيث هيمت الأندية العربية على بطولتي دوري أبطال إفريقيا والكونفدرالية آخر 3 أعوام، إذ حصد الوداد المغربي لقبين والترجي التونسي لقبين من بينهما لقب العام الحاليّ محل الأزمة، وفي الكونفدرالية حصد الرجاء المغربي والزمالك المصري لقبي آخر عامين.
علاوة على ذلك تضم المنتخبات العربية كوكبة من اللاعبين الذين تألقوا في كبريات الدوريات الأوروبية، المواسم الأخيرة، وباتوا اليوم علامات فارقة في مسيرة الكرة الأوروبية، وهو ما يأمله العرب في أن ينعكس على مستوى الفرق خلال مشوار البطولة التي من الواضح أنها لن تكون سهلة بالمرة.
يحتل المنتخب التونسي المركز الـ14 عالميًا للمرة الأولى في تاريخه
مصر وتونس.. الأقرب
يعد منتخبا مصر وتونس هما الأقرب بين المنتخبات العربية للفوز بالبطولة، فنسور قرطاج يدخلون تلك المعركة وهم على رأس ترتيب الفرق العربية والإفريقية، محتلين المرتبة الـ14 عالميًا، وهو الترتيب الأفضل على مستوى تاريخ تونس الكروي، هذا بخلاف المستوى الفني البارز المقدم خلال الآونة الأخيرة.
تعد مجموعة المنتخب التونسي واحدة من أسهل المجموعات في البطولة، التي تضم معه كل من مالي وموريتانيا وأنغولا، ما يعطيه الأفضلية الواضحة خلال الدور الأول، غير أنه في الوقت ذاته لا يمكن استبعاد المفاجآت التي ربما تقلب الحسابات رأسًا على عقب وهو ما حدث قبل ذلك أكثر من مرة.
يدخل نسور قرطاج البطولة بعد تصدرهم لمجموعتهم في التصفيات برصيد 10 نقاط، وهم قادمون من فوز مستحق على حساب المنتخب الكرواتي بهدفين مقابل هدف، فيما يخوض الفريق مباراته الثانية مساء اليوم أمام منتخب بوروندي على ملعب رادس، وذلك قبل أن يستعد لخوض مباراته الأولى أمام أنغولا في الـ24 من الشهر الحاليّ.
بينما يدخل منتخب الفراعنة صاحب الأرض والجمهور البطولة مؤملاً بالتتويج باللقب الثامن، فالفريق الذي صعد بعد الحصول على 13 نقطة احتل بها المركز الثاني في ترتيب المجموعة العاشرة في التصفيات، يسعى لاستغلال إقامة البطولة فوق أرضه لاستعادة أمجاده التي غابت عنه ثماني سنوات مرة أخرى.
يحتل المنتخب المصري المركز الـ46 عالميًا في التصنيف الشهري للاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” متراجعًا مركزين عن الشهر الماضي، إلا أن وقوعه في مجموعة تعد سهلة نسبيًا تعزز من فرص التأهل، حيث تضم كل من الكونغو الديمقراطية وأوغندا وزيمبابوي.
مبارتا الفريق التي خاضها استعدادًا للبطولة أمام تنزانيا وغينيا وانتهتا بالتعادل 1/1 والفوز 3/1 بالترتيب، وإن لم ترض شريحة كبيرة من الجماهير في ضوء ما كشفته من أوجه قصور واضحة في بعض المراكز داخل الملعب، إلا أن التطور الواضح في الأداء والتحسن الملحوظ في المباراة الثانية مقارنة بالأولى أعطى بصيصًا من الأمل لعبور منتخب الساجدين الدور الأول بسهولة.
“تعين علينا أن ندرك أن منتخب الجزائر ليس فريق برشلونة الإسباني، لنفوز على المنافسين بثلاثة أو أربعة أهداف، هذا أمر غير وارد حدوثه” جمال بلماضي مدرب المنتخب الجزائري
المغرب والجزائر.. علامة استفهام
وفي الجهة الأخرى أثار منتخبا المغرب والجزائر العديد من التساؤلات بشأن تراجع مستويهما بصورة ملحوظة تجعل من الصعب المنافسة على اللقب بعدما كانا رقمًا صعبًا في النسخ السابقة من البطولة، فالمنتخب المغربي الذي تراجع مركزين في تصنيف الفيفا الأخير ليحتل المرتبة السابعة والأربعين يدخل البطولة متجرعًا مرارة الهزيمة مرتين في أسبوع واحد.
ففي المبارتين التي خاضهما أسود الأطلس مني بخسارتين، الأولى أمام نظيره الغامبي بهدف مقابل لا شيء والثانية أمام زامبيا بثلاثة أهداف لهدف، علمًا بأن المبارتين أقيمتا على أرضية الملعب الكبير بمراكش وسط جمهور كبير حضر على أمل الاطمئنان قبل التوجه للقاهرة، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.
ومما يصعب من فرص المغرب المجموعة الصعبة التي وضعته القرعة فيها، وتضم منتخبات قوية بحجم ساحل العاج وجنوب إفريقيا وهما من الفرق المرشحة للفوز بالبطولة، هذا بجانب نامبيا التي تتراجع حظوظها بالطبع في ظل تلك الأسماء الشرسة في عالم الساحرة المستديرة إفريقيًا.
تراجع حظوظ منتخب الجزائر في الفوز البطولة وفق تصريحات مدربه جمال بلماضي
ورغم تقارب مستويات فرق المجموعة الثالثة التي تضم السنغال وكينيا وتنزانيا بجانب الجزائر، فإن حالة من عدم التفاؤل تخيم على الشارع الجزائري بشأن فرص منافسة فريقهم على التتويج باللقب، وذلك رغم نجاح محاربي الصحراء في الفوز على منتخب مالي بثلاثة أهداف لهدفين في المباراة التي جرت بينهما أمس استعدادًا للنهائيات وإن تعادل أمام بوروندي في المباراة التي جمعت بينهما الثلاثاء الماضي في ذات الإطار بهدف لكل منهما.
ومع أن المنتخب الجزائري تقدم مركزين في التصنيف الشهري العالمي محتلاً المرتبة 68 عالميًا إلا أن مدربه جمال بلماضي أكد أكثر من مرة صعوبة فوز فريقه بلقب كأس الأمم الإفريقية، ففي رسالة له وجهها لجماهير بلاده أوضح “يتعين علينا أن ندرك أن منتخب الجزائر ليس فريق برشلونة الإسباني، لنفوز على المنافسين بثلاثة أو أربعة أهداف، هذا أمر غير وارد حدوثه”.
وفي الأخير يأتي منتخب موريتانيا الذي نجح في تحقيق معجزة بكل المقاييس لصعوده للمشاركة في نهائيات البطولة القارية للمرة الأولى في تاريخه وذلك بعدما نجح ومنتخب أنغولا في خطف بطاقتي التأهل بعد أن جمع كل منهما 12 نقطة في مفاجأة من العيار الثقيل حين أطاحا معًا بمنتخب بوركينا فاسو.
مشاركة منتخب المرابطين في حد ذاته إنجاز يحسب للفريق بصرف النظر عن احتمالية عبوره للدور الأول، التي ربما تكون مهمة شبه مستحيلة في ظل وجود منتخبات مثل تونس ومالي داخل مجموعته، وهو ما يقتنع به الشارع الموريتاني جيدًا في ظل تراجع الدعم والتمويل المقدم للفريق.
وفي المجمل تعد البطولة الحاليّة فرصة جيدة لاستعادة المنتخبات العربية أمجادها القارية بعد غياب طويل، مستغلة في ذلك تفوقها على مستوى الأندية وامتلاكها للعديد من اللاعبين المحترفين في الدوريات الأوروبية، هذا بخلاف عنصري الأرض والجمهور بالنسبة لمنتخب الفراعنة خصيصًا، إلا أنه في الوقت ذاته فإن المنافسة لن تكون سهلة بكل المقاييس في ظل تقارب المستويات بين الفرق المشاركة والطموح الذي يداعب الجميع في التتويج باللقب.