أبدى سكان إسطنبول الليلة الماضية اهتمامًا شديدًا بمتابعة المناظرة المباشرة بين مرشحي بلدية إسطنبول بن علي يلدرم وأكرم إمام أوغلو، وعلى طراز متابعة مباريات كرة القدم في المقاهي والبيوت تحلق الأتراك في كل مدن تركيا حول شاشات التلفاز لمتابعة المناظرة الأولى بين مرشحين في تركيا منذ 17 عامًا، حيث قرر الرئيس أردوغان منذ وصول حزبه للحكم في 2002 أن يتجنب المناظرات بمبرر أنها تؤدي إلى المشاحنة والاستقطاب، وفي ذلك الوقت كان الحزب يخاطب كل شرائح المجتمع التركي العلمانيين والأكراد والإسلاميين والقوميين الأتراك وغيرهم.
في البداية لا بد أن نشير إلى أن قبول حزب العدالة والتنمية المناظرة بإدارة مذيع معارض ومعروف بتحيزه ضد حزب العدالة والتنمية أعطت إشارة ثقة، ولكن أداء المذيع لم يكن قويًا بحجم المناظرة، حيث تم انتقاد أدائه من كثير من المتابعين في طريقة الأسئلة ونوعيتها وظهور تحيزه في بعض اللقطات.
جاء المرشحان وفي عينهما هدف التأثير على الناخبين الذين لم يشاركوا في انتخابات 31 من مارس، وقد أعد كل واحد منهم عدته، وبدا المرشح إمام أوغلو أكثر جاهزية وحضورًا وسرعة وأناقة في المظهر وشبابًا في الحديث مقارنة بمنافسه الذي حافظ على طريقته المعتادة بالحديث بهدوء وبطء، ولكن ثقته بنفسه انطلاقًا من خبرته خففت من ظهور الفارق بين المرشحين.
ضربات يلدرم
يرى المؤيدون لبن علي يلدرم أنه تميز في 5 مواضع على منافسه:
الأول جوابه الأول عن سؤال لماذا أعيدت الانتخابات، حيث قال يلدرم إن السبب سرقة الأصوات، وأن حزبه طلب إعادة العد وليس إعادة الانتخابات، ولكن حزب الشعب الجمهوري أعاق ذلك، مما أدى للتوجه لإعادة الانتخابات، ولم يتكلم إمام أوغلو عن سبب معارضة حزب الشعب الجمهوري لإعادة الانتخابات.
كانت الضربة المزدوجة التي وجهها بن علي يلدرم لإمام أوغلو هي سؤاله عن سبب نسخه لبيانات بلدية إسطنبول من خلال 3 أشخاص من خارج البلدية، وعندما أجاب إمام أوغلو أن هذه نسخة للاحتفاظ بها، رد يلدرم بأن الذين يعرفونه يعرفون جيدًا أن علاقته بالتكنولوجيا جيدة، وأن ما قاله إمام أوغلو ليس إجابة عن سؤاله لأن البلدية لديها عدة سيرفرات تقوم بوضع نسخ احتياطية عليها للبيانات، ثم أكمل يلدرم بقوله إن الذي فعل هذا الأمر من قبل هم جماعة غولن وهذا تكتيك جماعة غولن، أما إمام أوغلو فقد رد بأنه نسخ البيانات بطريقة بريئة.
جاءت الضربة الثانية من يلدرم بشأن حادثة سب إمام أوغلو لوالي مدينة أوردو بسبب تعليمات الأخير بعدم مرور إمام أوغلو من مدخل كبار الزوار في المطار، حيث سجلت الكاميرات كلمات سب من إمام أوغلو عليه، ولكن إمام أوغلو أنكر أنه سب الوالي وادعى انه استخدم كلمة بساطة الوالي، حيث دعاه يلدرم في المناظرة للاعتذار عن السب وعدم المرواغة، وقال له لو أنك اعتذرت من البداية لكان أفضل، وأنه يتوجب عليه الاعتذار من أهل إسطنبول ومن شعب تركيا.
أما الضربة التي تلتها فقد قال يلدرم إن إمام أوغلو يعد الشباب بالمنح، في حين أن حزب العدالة كان يقدم المنح من خلال البلديات، لكن حزب الشعب الجمهوري قدم قانونًا للبرلمان وألغى بذلك حق البلديات في تقديم المنح للشباب، وتساءل يلدرم عن تناقض إمام أوغلو وحزبه، ودعا حزب الشعب الجمهوري للتفاهم مع حزب العدالة والتنمية من أجل إصدار قانون جديد يسمح للبلديات بتقديم الدعم والمنح للشباب.
أيضًا في مجال الوعود، ركز يلدرم على أن إمام أوغلو عندما كان مرشحًا لبلدية بيلك دوزو وعد أهل المنطقة ببناء 11 حضانة، لكنه لم يقم خلال فترة رئاستة إلا ببناء حضانة واحدة وتساءل كيف لشخص لم يستطع أن يبني 11 حضانة أن يعد كل إسطنبول ببناء حضانات جديدة فيها، مع العلم أن موضوع الحضانات مهم نظرًا لنقص الحضانات وارتفاع أعداد الأمهات العاملات.
ضربات إمام أوغلو
أما إمام أوغلو فقد بدأ حديثه بسؤال بن علي يلدرم عن سبب قطع وكالة الأناضول لبثها بعد تغير النتيجة لصالح إمام أوغلو، فكان رد بن علي يلدرم أن ذلك لم يكن شيئًا عاديًا لكنه نفى علاقته ومسؤوليته عنه.
بادر إمام أوغلو بتقديم هدية لبن علي يلدرم بمناسبة يوم الأب ولكن يلدرم كان جاهزًا وقدم له هدية هو الآخر، ولمذيع البرنامج، وقبل نهاية البرنامج طلب إمام أوغلو حضور الزوجات لالتقاط صورة جماعية، ويرى أغلب المتابعين أن الهدف منها تأكيد فرق السن والتأثير على الشباب.
حاول إمام أوغلو وصف يلدرم بالتكبر، ولكنه لم ينجح في ذلك، فشخصية بن علي يلدرم ليست شخصية متكبرة وهو معروف بتقديمه آخرين على شخصه، وختم يلدرم كلامه بما يؤكد هذا أن الذي صنع منه شخصية هم أهل إسطنبول الذين خدمهم ويعرفهم من 50 عامًا، وعند سؤال المذيع عن تعامل المرشح مع الناخبين قال إمام أوغلو سأكون رئيسًا لـ16 مليون، أما بن علي يلدرم فقال عندما نقدم الخدمة لن نفرق بين أحد وآخر.
بعد المناظرة مباشرة انطلق مؤيدو بن علي يلدرم بشكل مكثف إلى مواقع التواصل الاجتماعي معتبرين أن مرشحهم فاز في المناظرة، وذكرت شركة أوبتيمار أن حجم الضخ الإعلامي على وسائل التواصل الإعلامي كان لصالح بن علي يلدرم بنسبة 59% بينما حصل إمام أوغلو على 41%.
هناك خلاف بين من يرى أن المناظرة لم تؤد إلى نتيجة كبيرة وكانت عادية ومن يراها في مصلحة أحد المرشحين علمًا أن كل أنصار حزب العدالة والتنمية مرتاحين من نتيجة المناظرة وهذا يدل أنهم كانوا يتوقعون صعوبة أكثر، وكان من الجلي أن القسم الأول من المناظرة كان لصالح أكرم إمام أوغلو لكن القسم الثاني كان بن علي يلدرم متقدمًا فيه.
ومن الجدير بالذكر ملاحظة أن أنصار حزب الشعب الجمهوري لم يكونوا بنفس الحماسة السابقة لأكرم إمام أوغلو، ولعل هذا ينسجم مع أحاديث تدور أن بعض قيادات الحزب لا تريد نجاح إمام أوغلو.
يوجد في تركيا كتلة حرجة لكل حزب ومن غير المرشح أن يحدث تغير كبير ولذلك لم تكن المناظرة تستهدف الناخبين كافة بل تستهدف الناخبين المترددين أو الذين لم يذهبوا في المرة الماضية ولهذا فإن قرار كل واحد من هؤلاء وأثر المناظرة عليه أهم بكثير من آراء الآخرين الذين حددوا اصطفافاتهم.
وعلى كل الأحوال كان جو المناظرة يحتوي على بعض المزاح بين المتنافسين وقد أبرز ظهورهما معًا وعائليًا إشارات على تخفيف الاستقطاب لكن ليس من المرجح أن يخف الاستقطاب في الأيام التالية بل من المرشح أن تشتد حملات المرشحين.
أما الأمر الآخر الذي استفاده حزب العدالة والتنمية فهو حرية الإعلام والصحافة وإجراء المناظرة دون أي تعقيدات ومع مذيع معروف بمعارضته للحزب.