ترجمة وتحرير نون بوست
عادة ما يبدأ الفيلم الذي يصوّر كارثة طبيعية بمشهد يتعمّد فيه الرئيس تجاهل أحد العلماء، ولكن بقاء البشرية ليس مجرد فيلم. ولو تمتع أي رئيس أمريكي خلال العقود الخمسة الماضية بنظرة استشرافية تجعله يأخذ تكنولوجيا الطاقة الشمسية الفضائية على محمل الجد، لكان من الممكن تجنب الكارثة المناخية القادمة التي تسبب فيها الإنسان من خلال استخدام مصدر طاقة نقي وثابت وغير محدود وأقل تكلفة من حرق الوقود الأحفوري. لو حدث ذلك، لكانت الولايات المتحدة رائدة في هذا المجال.
اليوم، إذا كانت التقارير المنشورة دقيقة، فإن الصين تحتل الصدارة في قطاع التكنولوجيا القائم بالأساس على الطاقة الشمسية (باستثناء الستيرويد)، وهي قادرة على جمع الطاقة على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع وعلى امتداد 365 يومًا في السنة. وبدلا من استغلال ملايين الأفدنة من الأرض، ستتركّز مزارع الطاقة الشمسية في مدار أرضي جغرافي متزامن على بعد 22 ألف ميل فوق مستوى سطح البحر، أي أعلى بكثير من مستوى الغيوم والمطر ودورة النهار والليل التي تجعل ذروة الطاقة الشمسية الأرضية متقطعة جدا.
بحلول سنة 2050، تخطط الصين لتركيز محطة للطاقة الشمسية على نطاق تجاري في المدار، وهو ما يعتبر إنجازا من شأنه أن يمنحها حق التباهي باعتبارها أول دولة تستغل الطاقة الشمسية في الفضاء وترسلها إلى الأرض. في هذه الحالة، من المتوقع أن تزداد الأمور تعقيدا. أولا، يعد برنامج الفضاء الصيني جزءًا لا يتجزأ من برنامج البلاد العسكري، وذلك وفقا لتقرير حديث صادر عن لجنة المراجعة الأمنية والاقتصادية الأمريكية الصينية. وهذا يعني أن قوات الجيش تتولى مهمة الإشراف على أنشطة الفضاء الصينية، علما بأن “معظم أنشطة الفضاء المدنية المزعومة في الصين تعتبر مزدوجة الاستخدام”.
ثانيا، تتمحور جميع طموحات الصين الفضائية حول كسب المال، وتندرج ضمن الأهداف الوطنية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي والتنمية. وإذا نجح البيان العملي للطاقة الشمسية في الفضاء الذي يعتزم الحزب الشيوعي الصيني إجراءه على شبكة الإنترنت في أقرب وقت ممكن من السنة المقبلة، فإنه من المحتمل أن يساهم هذا الأمر في تحفيز المزيد من الدول على المشاركة في مشروع السياسة الخارجية الذي أطلقه الرئيس الصيني شي جين بينغ، المعروف بمبادرة الحزام والطريق.
حاولت وكالة ناسا أن تأخذ بزمام المبادرة في مجال الطاقة الشمسية الفضائية من خلال تزويد مختلف الإدارات الرئاسية بتقارير تطوير وتقييم إلى جانب دراسات الجدوى في هذا المجال
لكن سيكون من الصعب على العديد من الدول التغاضي عن هذه الطاقة ذات التكلفة المنخفضة والخالية من الانبعاثات الملوثة، وهو ما سيساعد بشكل كبير على تعميق النفوذ السياسي للصين ومنح بكين القدرة على السيطرة الفعلية على البلدان التي تشتري منها هذه الطاقة، كما سيعزز من هدف الصين المتمثل في إنشاء أول شبكة كهربائية عالمية.
لطالما تمتّعت الولايات المتحدة بإمكانات في تكنولوجيا الطاقة الشمسية الفضائية منذ سنة 1968، أي عندما قام مستشار وكالة ناسا ومدير مشروع أبولو 11 بيتر جليسر بنشر مفهومه عن القمر الصناعي للطاقة الشمسية باعتباره وسيلة لتسخير هذا النوع من الطاقة ونقله إلى الأرض في مجلة تعنى بالدراسات العلمية.
إلى جانب ذلك، تنبأ إسحاق عظيموف، الذي يعد من بين أكثر كتاب الخيال العلمي شهرة وإنتاجا على مر العصور، بهذه الفكرة في سنة 1941 حيث تحدث في كتاباته عن محطة فضائية تنقل الطاقة التي تجُمع من الشمس إلى كواكب أخرى باستخدام أشعة الموجات الميكروية. وفي سنة 1983، كتب عظيموف مرة أخرى عن محطات الطاقة الشمسية حيث توقع أن تكون جاهزة للعمل بحلول سنة 2019.
لقد حاولت وكالة ناسا أن تأخذ بزمام المبادرة في مجال الطاقة الشمسية الفضائية من خلال تزويد مختلف الإدارات الرئاسية بتقارير تطوير وتقييم إلى جانب دراسات الجدوى في هذا المجال. ومن جهة أخرى، اقترحت الوكالة أن تمثل هذه الطاقة المصدر الرئيسي لأول جيل من قاعدة استيطان بشرية على سطح القمر.
لم تسلط الكتب الخاصة بالناسا الضوء على أي بعثات نشطة تتعلق بالطاقة الشمسية في الفضاء، الأمر الذي أثار ذعر المئات وإن لم يكن الآلاف من مهندسي وعلماء الناسا القدماء والجدد
أورد الباحثون في التقرير الأخير أن “الطاقة تعد أحد أهم التحديات التي تواجه تنفيذ قاعدة مأهولة ودائمة على سطح القمر. لذلك، ينبغي النظر في استخدام محطة توليد طاقة شمسية فضائية في المدار بهدف توليد الطاقة الكهربائية ونقلها إلى قاعدة في أي مكان على سطح القمر. وتتوفر اليوم تقنية تخزين أشعة الشمس، التي تولّد أكثر من 35 كيلووات من الطاقة بصفة مستمرة والتي تحتاجها القاعدة القمرية، وإرسالها إلى السطح باستخدام الموجات الميكروية”.
لكن لأسباب عديدة قد لا يتعلق معظمها بنقص الأموال، لم تسلط الكتب الخاصة بالناسا الضوء على أي بعثات نشطة تتعلق بالطاقة الشمسية في الفضاء، الأمر الذي أثار ذعر المئات وإن لم يكن الآلاف من مهندسي وعلماء الناسا القدماء والجدد الذين يرون الطاقة الشمسية الفضائية مشروع أحلامهم.
من بين هؤلاء العلماء جون مانكينز، وهو فيزيائي سابق في وكالة ناسا يعرف بعمله في مجال الطاقة الشمسية الفضائية وصبره الشديد. لقد قضى مانكينز 25 سنة في ناسا ومختبر الدفع النفاث التابع لناسا معبّرا عن دعمه للطاقة الشمسية الفضائية دون أن يطالب بشيء في المقابل، ولكنه أمضى أيضا بضع ساعات وهو يشرح لي قانون ماكين لتفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2019 للعثور على أي علامة على وجود الطاقة الشمسية الفضائيّة التي قد تكون مدفونة في تلك “الوحشية البيروقراطية”. كما راجع مانكينز وبعض الأفراد الآخرين طريقة تفكيرهم وهم واثقون اليوم من أن تكاليف الطاقة الشمسية الفضائية لم تعد سخيفة.
على غرار الصين، تعمل وكالات الفضاء في اليابان والاتحاد الأوروبي والهند على إطلاق برامج الطاقة الشمسية الفضائية الخاصة بها. ومن هذا المنطلق، تستحق وكالة استكشاف الفضاء اليابانيّة اهتماما إضافيا، إذ أشار مانكينز إلى أنها تعمل حاليًا على تحديد خطّة جديدة ومحسنة لبرنامجها إلى جانب العمل على كل شيء بما في ذلك المصاعد الفضائية، وكيفية التخلّص من القمامة الفضائية، والبحث عن الماء على سطح الكويكبات، وبناء مركبات فضائيّة في حجم منزل.
إقناع الإدارة الأمريكية الحالية بالالتزام بالطاقة الشمسية الفضائية واعتمادها هو اقتراح غير وارد
في نهاية شهر أيار/ مايو، وافقت حكومتا الولايات المتحدة واليابان، الشريكتين الرئيسيتين في محطة الفضاء الدولية، على زيادة التعاون بينهما في مجال الفضاء الذي قد يشمل نقل رواد فضاء يابانيين إلى القمر. لكن التناقض بين الاهتمام الذي تبديه الصين بالطاقة الشمسية الفضائية وعدم الاهتمام الواضح للولايات المتحدة، هو السبب وراء الآثار الجيوسياسية المتبلورة، علاوة على أن الطاقة تلعب دورا حاسما في الشؤون الجيوسياسيّة العالمية والنظام الدولي.
عزّزت الطاقة بروز القوى العظمى وخلقت التحالفات وحفّزت في كثير من الأحيان اندلاع الصراعات والحروب. وخلاصة الحديث هي أن الدولة التي ستنجح في تسخير قوة الشمس من الفضاء أولا هي التي ستنتصر. وفي حين أن الطاقة المتجددة تندرج إلى حد كبير ضمن القطاع الخاص، فإن الطاقة الشمسية الفضائية، في هذا السياق، ستكون مصدرًا تابعا للدولة ويمكن استغلاله بسهولة لتحقيق مكاسب جيوسياسية. لذلك، إن سعي الصين الثابت لإضفاء الطابع العسكري على تكنولوجيا الفضاء التجارية يزيد الأمور تعقيدا أو شؤما، اعتمادًا على منظور الفرد.
في هذا السياق، أن تكون أوّل مبادرٍ لا يمنح الصين ميزة مطلقة أو منيعة، وجلّ ما نعلمه الآن هو أن تكنولوجيا الطاقة الشمسية الفضائيّة الخاصة بهم مأخوذة مباشرة من الدليل المفتوحة الخاص بوكالة ناسا. ولكن هذا الأمر يعني أنه يجب على الولايات المتحدة أن تتصرف بسرعة، ليس فقط لمواجهة تطور التكنولوجيا الذي لا مفر منه، وإنما لمواكبة تطوّر سوق الطاقة الناجم عن أزمة المناخ أيضا.
مما لا شك فيه أن إقناع الإدارة الأمريكية الحالية بالالتزام بالطاقة الشمسية الفضائية واعتمادها هو اقتراح غير وارد. وفي هذا الإطار، يتعين على ناسا البحث عن التمويل حتى في الوقت الذي يسرّع فيه البيت الأبيض في تواريخ بعثات مهمة. (على رغم من أنها تحصل على أموال لم تطلبها مقابل بعض الأشياء، مثل مبلغ مالي إضافي قدره 125 مليون دولار لتطوير صواريخ نووية.)
تجدر الإشارة إلى أن هذا الأمر من شأنه أن يضع الولايات المتحدة في موقف حرج. فهل سيتمسك المرشح الرئاسي الأمريكي لسنة 2020 بالطاقة الشمسية الفضائية كوسيلة لتحويل الصفقة الخضراء الجديدة إلى مسعى عالمي؟ قد يكون ذلك أمرا ممكنا. هل ستشترك الشركات التجارية، الأمريكية أو غيرها، إلى جانب البلدان التي تعمل على هذه الطاقة، باسم العلم الكبير، من أجل التعاون معًا لجعلها حقيقة؟ هذا أمر وارد أيضا. أم أن اللعبة التي تلعبها الصين بالطاقة الشمسية الفضائية ستؤدي إلى تحول استثنائي في السيطرة العالمية؟ يبدو أن الأمر سيكون على هذه الحال وهو ما يؤرقني.
المصدر: فورين بوليسي