مرسي.. فارس الحرية الذي بكاه العالم

8a355d4cdb2ba1034c2dc7b1cca1eaed

عشية أمس الإثنين الموافق 17 من يونيو/حزيران 2019، تاريخ لن تنساه البشرية وسيدونه الجميع، ففيه نعى العرب وأحرار العالم في كل مكان، فارس الحرية وشهيدها الرئيس المصري محمد مرسي الذي قدم حياته فداءً لوطنه وأمته التي كان يأمل أن يراها موحدة في وجه أعداء الداخل والخارج.

فارس الحرية يترجل

“بلادي وإن جارت علي عزيزة، وأهلي وإن ضنوا علي كرام”، كانت هذه آخر الكلمات التي نطق بها الرئيس المصري محمد مرسي قبل أن يسقط مغشيًا عليه داخل القفص البلوري في المحكمة، وتدركه المنية وينقل جثمانه إلى المستشفى، قبل أن يواري الثرى في مقابر “الوفاء والأمل” في منطقة مدينة نصر شمالي شرق القاهرة.

توفي مرسي أمام قاضي البشر الذي يحاكمه في قضية التخابر مع دولة قطر، لينتقل إلى قاضي السماء، حيث ستكون هناك المحاكمة أعدل، ففيها سيسمح له بالكلام أمام العادل الذي لا يظلم عنده أحد، وهناك سيقاضي قاتليه الذين أرادوا إسكاته.

أقام مئات الفلسطينيين صلاة الغائب في المسجد الأقصى بمدينة القدس الشريف، على الرئيس المصري الراحل محمد مرسي

أسكتت سلطات الانقلاب محمد مرسي الذي يعتبر أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، حيث انتخب رئيسًا للجمهورية يوم 30 من يونيو/حزيران 2012، لكن حكمه لم يستمر إلا عامًا واحدًا حيث انقلب عليه وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي في 3 من يوليو/تموز 2013.

بعد عام انتقالي تولى السيسي الرئاسة عقب انتخابات صورية، وظل بها حتى الآن، بينما تم سجن مرسي ووجهت له اتهامات في العديد من القضايا منها القضية التي نظرت فيها المحكمة أمس صحبة 22 من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، يتقدمهم المرشد العام للجماعة محمد بديع.

سارعت سلطات الانقلاب إلى دفن مرسي، فجرًا، إلى جانب ثلاثة من المرشدين السابقين لجماعة الإخوان المسلمين، وسط حراسة أمنية مشددة في غياب تام لأنصاره الذين يعدون بالملايين ولم تسمح للصلاة عليه إلا لأسرته وذلك بمسجد سجن ليمان طره (جنوبي القاهرة)، وفق ما دونته زوجته.

صلاة الغائب

منع الانقلابيون الصلاة على مرسي داخل مصر، فصلى عليه الآلاف خارجها، فمباشرة إثر سماع خبر وفاته أقام مئات الفلسطينيين صلاة الغائب في المسجد الأقصى بمدينة القدس الشريف، على الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وصلى الجمع على مرسي داخل المسجد القبلي بالمسجد الأقصى.

فيما قال ناشطون سوريون إن صلاة الغائب على الرئيس المصري محمد مرسي، أقيمت مساء الإثنين، في مناطق المعارضة السورية، ونشر ناشطون صورًا من صلاة الغائب على مرسي في إدلب وفي مدينة الأتارب بريف حلب الغربي.

أما في تركيا، فقد أصدرت رئاسة الشؤون الدينية هناك قرارًا بإقامة صلاة الغائب اليوم الثلاثاء، في كل المساجد المركزية بعموم البلاد على روح الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، وقالت الرئاسة في بيان عبر تويتر “ستقام صلاة الغائب بسبب استشهاد محمد مرسي – أول رئيس جمهورية منتخب في مصر – بعد صلاة الظهر في المساجد المركزية”.

وفي تونس مهد الثورات العربية، دعت العديد من الشخصيات العامة والنشطاء إلى إقامة صلاة الغائب على روح مرسي بعد عصر اليوم الثلاثاء، بساحة القصبة المقابلة للتجمع الحكومي بالعاصمة تونس، وفي عمان أيضًا أكدت العديد من الفعاليات الشعبية إقامة صلاة الغائب أمام السفارة المصرية في عبدون والقنصلية المصرية في العقبة.

قتل ممنهج

في كلماته الأخيرة، قال مرسي إنه يتعرض للموت المتعمد من سلطات الانقلاب، وإن حالته الصحية تتدهور، وإنه تعرض للإغماء خلال الأسبوع الماضي أكثر من مرة دون علاج أو إسعاف، لكن ما من أحد يسمع حديثه.

كان مرسي متأكدًا من أنه يتعرض إلى القتل الممنهج لكن لم يكن بيده حيله، نفس الشيء بالنسبة لمنظمة هيومن رايتس ووتش التي حمّلت الحكومة المصرية مسؤولية وفاة مرسي، لأنها لم توفر له الرعاية الطبية الكافية أو حقوق السجناء الأساسية، وأضافت أن مرسي سيُذكر كأول رئيس منتخب ديمقراطيًا في مصر.

قالت “هيومن رايتس ووتش”، الإثنين، إن وفاة مرسي أمر فظيع، لكنها متوقعة تمامًا نظرًا لفشل الحكومة (المصرية) في توفير الرعاية الطبية الكافية له (مرسي)، أو الزيارات العائلية اللازمة، جاء ذلك في تغريدة لسارة ليا ويتسون رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة، حيث وصفت مرسي بأنه “الرئيس الوحيد المنتخب ديمقراطيًا في مصر” .

بدورها، عبرت منظمة العفو الدولية عن صدمتها الشديدة لنبأ وفاة مرسي، ودعت السلطات المصرية إلى إجراء تحقيق نزيه وشامل وشفاف في ظروف وفاته وحيثيات احتجازه، بما في ذلك حبسـه الانفرادي وعزله عن العالم الخارجي، وقالت المنظمة إن لدى السلطات المصرية سجلاً حافلاً في احتجاز السجناء بالحبس الانفرادي لفترات طويلة وفي ظروف قاسية، وتعريضهم للتعذيب وغير ذلك من ضروب سوء المعاملة، مما يجعل إجراء تحقيق في وفاة مرسي وظروف احتجازه مطلبًا ملحًا.

من جانبها، قالت جماعة الإخوان المسلمين في بيان إن وفاة مرسي تمثل “جريمة قتل مكتملة الأركان”، ودعت المصريين إلى تشييع جثمانه في جنازة حاشدة، كما دعت إلى تنظيم وقفات أمام السفارات المصرية في الخارج، وطالب قياديون في الجماعة بإجراء تحقيق دولي في ملابسات الوفاة.

في السياق نفسه، اتهم المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن عبد الحميد الذنيبات نظام عبد الفتاح السيسي بقتل محمد مرسي، كما دعت منظمة “عدالة وحقوق بلا حدود” في باريس إلى إجراء تحقيق دولي شفاف في وفاة الرئيس المصري المعزول.

الكل يبكيه

إثر وفاة مرسي، سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التنديد بنظام العسكر في مصر، وقال إن مرسي استشهد في سجون “السيسي الظالم”، والتاريخ لن ينسى أبدًا أولئك الظالمين، وأضاف أردوغان أنه لم يجتمع بقتلة محمد مرسي ولا يمكن أن يلتقيهم أبدًا.

من جهة أخرى، انخرط الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي في نوبة بكاء حادة خلال مقابلة على قناة “الجزيرة مباشر” وهو يرثي الرئيس المصري محمد مرسي، واعتبر المرزوقي أن مرسي “دخل التاريخ اليوم من أوسع أبوابه”، مؤكدًا أن ظروف وفاته شهادة على انعدام الشهامة عند خصومه ودليل على صلابته.

بدوره، كتب أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عبر حسابه على تويتر: “تلقينا ببالغ الأسى نبأ الوفاة المفاجئة للرئيس السابق الدكتور محمد مرسي.. أتقدم إلى عائلته وإلى الشعب المصري الشقيق بخالص العزاء.. إنا لله وإنا إليه راجعون”.

وقال رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري إن الرئيس مرسي تعرض “لعملية اغتيال بطيئة استمرت لسنوات”، مضيفًا أن الاغتيال “بدأ بالانقلاب ثم السجن الانفرادي ومنع الدواء”، بدورها، نعت حركة النهضة التونسية الرئيس المصري المعزول وأعربت عن أملها بأن تكون وفاته مدعاة لوضع حد لمعاناة آلاف السجناء السياسيين في مصر.

ونعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مرسي، مؤكدة أن غزة وشعبها لن ينسوا مواقفه الخالدة والشجاعة تجاهها، والعمل على فك حصارها، وفي ماليزيا، قالت عزيزة وان إسماعيل نائبة رئيس الوزراء: “وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي تمثل خسارة كبيرة للديمقراطية”، معربة عن خالص تعازيها لأسرته ولشعب مصر.

تصدرت صور مرسي وتصريحاته السابقة وتدخلاته الإعلامية زمن حكمه مصر، مواقع التواصل الاجتماعي، تعبيرًا عن الحزن الكبير الذي انتاب أحرار العالم أجمع

كما نعت أيضًا رابطة علماء فلسطين، الرئيس محمد مرسي، وقالت الرابطة في بيان صحفي: “تتقدم رابطة علماء فلسطين إلى الشعب المصري الشقيق وإلى الشعب الفلسطيني وإلى الأمتين العربية والإسلامية بخالص العزاء بوفاة الرئيس المصري محمد مرسي”، وأشارت إلى أن مرسي “كان علمًا من أعلام الأمة العربية والإسلامية دينًا ووطنية وانتماءً ونصرة للقضية الفلسطينية وثوابتها”.

بدورها، دعت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، الثلاثاء، جميع المنظمات الدولية إلى “العمل من أجل الوصول إلى جثمان الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي للتأكد من أسباب الوفاة المباشرة وغير المباشرة”، وقالت الجماعة في بيان “صُدمنا مع كل أحرار العالم، بنبأ وفاة الرئيس الشهيد محمد مرسي”، واصفة ما حصل بـ”الطريقة المسرحية لتغطية جريمة قتل أول رئيس شرعي لمصر”.

من جهة أخرى، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ردًا على أسئلة الصحفيين بشأن وفاة مرسي خلال مؤتمر صحفي، إنه يقدم خالص التعازي لعائلة مرسي ومحبيه، وغرد السياسي المصري محمد البرادعي عبر حسابه على تويتر “رحم الله الدكتور محمد مرسي وألهم آله وذويه الصبر والسلوان”.

المواقع الاجتماعية تتفاعل

مباشرة إثر إعلان السلطات المصرية خبر وفاة الرئيس محمد مرسي، تصدرت صور مرسي وتصريحاته السابقة وتدخلاته الإعلامية زمن حكمه مصر، مواقع التواصل الاجتماعي، تعبيرًا عن الحزن الكبير الذي انتاب أحرار العالم أجمع.

كتبت الشاعرة والصحفية الكويتية سعدية مفرح: “رحم الله محمد مرسي، أول رئيس مصري مدني منتخب مباشرةً من قبل الشعب منذ سبعة آلاف سنة، كان الانقلاب له بالمرصاد فأُجهضت التجربة الديمقراطية ومات رمزها في معتقله”.

بدوره كتب الشيخ الموريتاني محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي، ينعى مرسي: “سيُخاصِم المقتولُ قاتلَه أمام اللهِ بحضورِ القاضِي الذي حكم، والمُفتِي الذي أفتى، والسياسي الذي خطط، والإعلامي الذي كذب، والمواطنِ الذي بهت {وقِفُوهُمْ إِنَهُمْ مَسْؤُولُونْ .. }”.

من جانبها، نشرت الناشطة الفلسطينية أميرة فؤاد صورة فيها صورة مرسي معلقة فوق أسوار المسجد الأقصى الشريفة، وكتبت معلقة، يكفيك فخرًا وشرفًا أن صورتك رُفعت على المسجد الأقصى المبارك.. نبكيك ما بكت الحمام هديلها ونحن ما حنت له الأوكارُ”.

أما الإعلامي العراقي عامر الكبيسي، فقد نشر تدوينة عدد فيها مناقب الرئيس مرسي وإنجازاته خلال السنة التي حكم فيها مصر عقب ثورة يناير 2011 التي أطاحت بنظام الديكتاتور حسني مبارك الذي حكم البلاد لعقود طويلة.

كتبت اليمينة توكل كرمان: “رحل الرئيس محمد مرسي، وبقى السيسي، إحدى اللعنات التي حلت على مصر. السيسي واحدة من المؤامرات الكبيرة التي جلبتها قرن الشيطان المملكة السعودية على أمتنا، التي ابتليت بها خلال قرن ولا تزال، لن ننسى، وسنرد كيل الصاع بالقنطار”.

ناصر فلسطين وسوريا

عرف مرسي بنصرته لفلسطين وسوريا، يذكر أنه قال في أثناء العُدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 2012: “لن نترك غزة وحدها، ومصر اليوم مختلفة تمامًا عن مصر الأمس”، لم يكتفِ بلغة الخطابة، بل تحرك على الأرض من خلال إرسال رئيس وزرائه في حينها هشام قنديل، على رأس وفد رفيع المستوى يضم عددًا من الوزراء والقيادات المصرية الدبلوماسية إلى قطاع غزة، وأمر بفتح معبر رفح على مدار الساعة.

ولم تكن غزة وحدها التي حظيت بدعم ومساندة الرئيس المصري الراحل، فكانت القدس حاضرة في خطاباته، حيث قال في أحدها: “نفوسنا تتوق إلى بيت المقدس، وأقول للمعتدي: خذ من التاريخ الدروس والعِبر، أوقِفوا هذه المهزلة وإراقة الدماء، وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبدًا أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة”.

كما عرف الرئيس الراحل بدعمه “اللامشروط” للثورة السورية ضد نظام بشار الأسد الدموي (قطع العلاقات مع سوريا وأغلق سفارتها بالقاهرة وسحب القائم بأعمال السفير المصري من دمشق)، وسعيه المتواصل طيلة فترة حكمه لحشد التأييد والدعم المالي والمعنوي لهذه الثورة التي وأدت في المهد ولم يسمح لها بالنجاح.