يدخل قطاع غزة عامًا جديدًا مع حرب تجاوز عمرها العام والشهور الأربعة، إذ لم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية عن تدمير المنازل والبنية التحتية، واستهداف المدنيين بأساليب وحشية تتنافى مع القوانين والأعراف الدولية كافة، أظهر فيها الشعب الفلسطيني في شمالي قطاع غزة إرادة لا تقهر، فقد واصلت المقاومة الفلسطينية تقديم أداء استثنائي، حوّلت من خلاله هذه المعركة إلى نموذج يحتذى في حرب المدن والدفاع عن الأرض.
منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2024، يشن الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية كبرى على شمالي قطاع غزة، في إطار حرب إبادة متواصلة ضد الشعب الفلسطيني، تأتي كمدخل رئيسي لمحاولة الاحتلال إنقاذ خططه بعيدة المدى في القطاع، والتي تهدف إلى إعادة صياغته وفقًا للمعايير الإسرائيلية والطموح الصهيوني. ووفقًا لتقييمها مدى محورية هذه المواجهة وتأثيرها على مستقبل الحرب، تخوض المقاومة مواجهتها في الشمال بإقدام منقطع النظير.
مفاجآت ميدانية لا تتوقف
شملت حرب الإبادة الصهيونية، التي تعدّ واحدة من أكثر الحملات العسكرية تدميرًا في تاريخ الاحتلال، استهدافًا واسع النطاق لأحياء وقرى شمالي قطاع غزة، كان في مقدمتها مدينة بيت حانون، التي لم تكتفِ بالصمود، بل فاجأت العالم بقصف مدينة القدس المحتلة بصاروخين بعيدَي المدى قبيل نهاية هذا العام، في خطوة نوعية أكدت استمرار المقاومة في توجيه ضربات موجعة للاحتلال رغم الظروف الصعبة.
جاءت هذه الخطوة النوعية، التي شكّل مكانها إضافةً مضاعفةً لنوعيتها المتمثلة بطراز ومدى الصواريخ المطلقة، بعد سلسلة من العمليات العسكرية الإسرائيلية تجاوز عددها 10 عمليات استهدفت بيت حانون استهدافًا مركزًا بهدف محوها من الخريطة، إلا أن هذه المدينة الصغيرة أبت أن تختفي من المشهد وأصبحت رمزًا للصمود والمقاومة.
خلال المعارك في شمالي القطاع، لجأت المقاومة إلى تكتيكات مبتكرة واستراتيجيات جديدة تجاوزت مفهوم حرب المدن التقليدية، ففي مواجهة الاحتلال، الذي سعى إلى فرض وقائع جديدة على الأرض تمهيدًا لتحييد المقاومة، لجأت الفصائل الفلسطينية إلى أساليب قتال تستنزف العدو إلى أقصى حد.
شملت هذه التكتيكات الكمائن المركبة التي استهدفت الجنود والآليات، والعبوات الناسفة التي صُمّمت خصيصًا للتعامل مع الآليات الثقيلة، والقذائف الترادفية المضادة للدروع المصنّعة محليًا، كما برزت بندقية القنص “الغول”، التي طورتها المقاومة لتكون سلاحًا فعّالًا في مواجهة القناصة الإسرائيليين وجنود المشاة، ما شكل إضافةً نوعيةً في الاستنزاف البشري لجيش الاحتلال على الأرض.
إضافةً إلى ذلك، نفّذت المقاومة الفلسطينية عمليات نوعيةً أخرى، كان أبرزها تحرير أسرى فلسطينيين احتجزهم الاحتلال داخل أحد المنازل في شمال القطاع، وذلك بعد هجوم مباغت استهدف الجنود المكلفين بحراسة المنزل، وأسفرت عن مقتل وجرح عدد منهم، في دلالة واضحة على أن المقاومة ليست فقط في موقع الدفاع، بل لديها القدرة على تنفيذ هجمات تكتيكية ناجحة تربك حسابات الاحتلال وشكل وطبيعة انتشاره وتمركزه على الأرض.
رسائل تتجاوز الميدان
أثبتت المقاومة أن شمالي قطاع غزة ليس ساحة معركة فحسب، بل هو خط الدفاع الأول عن مستقبل القضية الفلسطينية، ففي ظل المحاولات الإسرائيلية المستميتة لخلق مساحة جغرافية خالية من المقاومة في القطاع، واصل الشمال تقديم أروع الأمثلة على الشجاعة والابتكار.
لم يستطع الاحتلال، رغم مسح العديد من الأحياء والمخيمات عن وجه الأرض، أن يوقف زخم المقاومة. وفي أكثر الأمثلة وضوحًا كان مخيم جباليا، المعروف بكثافته السكانية العالية، الشاهد الأبرز على وحشية الاحتلال الذي حاول إبادة سكانه واستهدافه استهدافًا منهجيًا، إلا أن المقاومة لم تتوقف يومًا، بل استمرت في تنفيذ عمليات نوعية أربكت الاحتلال وكبّدته خسائر فادحة.
اعترف الاحتلال بخسارة أكثر من 40 جنديًا خلال هذه العملية، بينما وثّقت المقاومة عددًا أكبر بكثير، تجاوز 70 جنديًا. تعكس هذه الأرقام حجم الفشل الإسرائيلي في تحقيق أهدافه، وتظهر قدرة المقاومة على تكبيد الاحتلال خسائر تفوق توقعاته رغم التفوق العسكري الكبير.
لم تكن هذه المعركة مواجهة على الأرض فقط، بل كانت أيضًا مواجهة نفسية وإعلامية، إذ أجبرت المقاومة الاحتلال على الاعتراف بعجزه وفشله في تحقيق الأهداف المعلنة للعملية العسكرية.
تدرك المقاومة تمامًا أن القتال في شمالي قطاع غزة في جوهره قتال سيحسم العديد من المعادلات، ورغم أن المقاومة قد اعتمدت استراتيجية الدفاع المرن والمتحرك منذ الأيام الأولى للحرب العدوانية على غزة، فإنها تأخذ في الحسبان تقديرها أهداف كل عملية عسكرية، وتصيغ خطط الدفاعية آخذة في الحسبان جوهرية إفشال هذه الأهداف.
مقاربة غزة لحرب المدن
تمثل فلسفة القتال التي انتهجتها المقاومة في قطاع غزة نموذجًا متطورًا يجمع بين تكتيكات حرب العصابات وحرب المدن، مع مراعاة خصوصية بيئة القطاع الجغرافية والسكانية، ورغم أن قطاع غزة في وضعه الطبيعي يعدّ بيئة ساحلية ذات تضاريس سهلة تمنح الاحتلال أريحية نسبية في تحركاته الميدانية، فإن المقاومة تمكنت بفضل استراتيجياتها المبتكرة إعادة صياغة هذا التحدي لتحويله إلى ميزة تكتيكية.
اعتمدت المقاومة اعتمادًا رئيسيًا على استحداث شبكة متطورة من الأنفاق والعقد القتالية، التي لم تقتصر على دورها التقليدي بوصفها وسيلة للاختباء والتنقل، بل أصبحت عنصرًا محوريًا في تكتيكات الاشتباك المباشر.
صُمّمت هذه الأنفاق بحيث تتيح للمقاومة مرونة في الحركة، والقدرة على تنفيذ هجمات مباغتة تعيد رسم قواعد الاشتباك مع الاحتلال. علاوةً على ذلك، شكلت الأنفاق خطوطًا أمامية ومنصات لوجستية متكاملة، تمكنت المقاومة من خلالها من الصمود أمام موجات القصف العنيف، وإدارة معاركها بفعالية رغم كثافة النيران.
إلى جانب هذه الشبكة الدفاعية، طوّرت المقاومة ترسانة تسليح محلية الصنع تتغلب على الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات، وتتناسب مع احتياجات العمليات، وتراعي خصوصية البيئة الميدانية، ما أضاف بُعدًا جديدًا إلى القدرة العملياتية للمقاومة.
لم تقتصر استراتيجية المقاومة على تسليح متناسب مع الحاجة الميدانية، بل شملت استشرافًا دقيقًا لطبيعة سلوك الاحتلال الميداني. فعلى سبيل المثال، ركزت المقاومة على تكتيكات الاستنزاف طويل الأمد، من خلال الكمائن المركبة التي تستهدف الجنود والآليات بشكل متزامن، ما أوجد ضغطًا ميدانيًا على القوات المهاجمة.
كما أن عنصر المفاجأة، الذي يعتمد على الهجمات المباغتة والتغيير المستمر في مواقع الاشتباك، أتاح للمقاومة الحفاظ على زمام المبادرة، ومنع الاحتلال من تحقيق أية اختراقات استراتيجية مستدامة.
إن هذا المزج بين الابتكار العسكري، والتحليل الاستراتيجي، والمرونة التكتيكية، مكّن المقاومة من تحويل قطاع غزة إلى ساحة مواجهة غير تقليدية، وحوّل القطاع -الذي يفترض أنه بيئة سهلة للسيطرة- بفضل هذه الاستراتيجيات إلى نموذج معقد للدفاع والهجوم في الحروب الحديثة.
وإن هذه التجربة ستبقى درسًا تاريخيًا ملهمًا يثبت أنه يمكن للإبداع والإرادة التغلب على الفوارق التقنية والعسكرية، وأن الشعوب التي تؤمن بقضيتها قادرة على خلق معادلات جديدة في مواجهة أي احتلال.
صورة مستقبلية لثمن البقاء العسكري
إن إعلان كتائب القسام تنفيذ عمليات الطعن، والاستيلاء على أسلحة الجنود، ثم إعادة استخدامها في هجمات جديدة، بالإضافة إلى تنفيذ عملية استشهادية استهدفت قوة إسرائيلية متحصنة، يشكل رسائل ميدانية بالغة الوضوح حول طبيعة الاستنزاف الذي ينتظر جيش الاحتلال، في حال قرر فرض وجود عسكري مستدام في قطاع غزة، أو إدارة القطاع تحت حكم عسكري مباشر.
لم تأتِ هذه العمليات لتكون تكتيكًا ظرفيًا أو ردَّ فعل محدودًا، بل هي انعكاس لاستراتيجية متكاملة تهدف إلى جعل أي وجود إسرائيلي على الأرض مكلفًا إلى حد لا يمكن تحمله، سواء من الناحية العسكرية أو تلك السياسية.
تقدم المقاومة الفلسطينية من خلال هذه العمليات صورةً مصغّرةً عن شكل الجدول اليومي الذي سيواجه الاحتلال إذا قرر توسيع مهامه العسكرية، بما يشمل التعامل المباشر مع السكان الفلسطينيين وإدارة شؤونهم الحياتية، فالرسالة التي تبعث بها المقاومة من الميدان واضحة: إن كل خطوة يخطوها جنود الاحتلال ستكون محفوفة بالمخاطر، وإن كل شارع أو زقاق يمكن أن يتحول إلى ساحة مواجهة مباشرة.
لا تقتصر تداعيات هذه العمليات على الخسائر البشرية المباشرة في صفوف جيش الاحتلال، بل تمتد إلى تأثيرات نفسية ومعنوية، فالهجمات التي تنفذ من مسافات قريبة للغاية، وصولًا إلى القتال وجهًا لوجه، تؤكد أن الاحتلال لن يتمكن من السيطرة على الأوضاع بسهولة، وأن الجنود سيواجهون مقاتلين يفتقرون إلى الخوف ويؤمنون بالمواجهة حتى النهاية.
تذكر المقاومة الاحتلال بأن أحلام فرض الحكم العسكري على قطاع غزة أو إعادة الاستيطان في أراضيه ستقابل بثمن باهظ من دماء جنود الاحتلال، وبمقاومة لا تهادن ولا تستسلم.
وتظهر مثل هذه العمليات أن المقاومة لا تنظر إلى الاحتلال بوصفه قوة لا تقهر، بل ترى فيه خصمًا يمكن استنزافه وإرهاقه، ما يجعل فكرة فرض الحكم العسكري الكامل على القطاع مليئة بالتحديات التي تفوق توقعات الاحتلال.
إلى جانب ذلك، تبرز عمليات الاستيلاء على الأسلحة بعد الاشتباكات واستخدامها لاحقًا في هجمات أخرى قدرة المقاومة على تحويل محدودية الإمدادات إلى محفز تكتيكي، فهذه العمليات تقدم نموذجًا لاستدامة القتال حتى في ظل الحصار والضغط العسكري الأقصى.
تبعث المقاومة أيضًا، من خلال هذه الاستراتيجية، برسالة واضحة مفادها أن محاولات الاحتلال لكسر إرادة المقاتلين عبر تدمير البنية التحتية أو فرض الحصار لن تفلح، وأن أية خطوة لتوسيع العمليات العسكرية أو إدخال الجيش في مهام مدنية على الأرض، ستتحول إلى فرصة جديدة للمقاومة لزيادة خسائر الاحتلال والتغلب على العقبات الميدانية التي يفرضها تحصُّن جنود الاحتلال خلف الآليات والسيطرة النارية من الجو.
علاوةً على ذلك، تبرز هذه العمليات تكامل العمل الميداني مع القيادة المركزية للعمليات، التي تظهر من خلال الإعلان السريع بشأن تفاصيل العمليات، من حيث المكان والزمان، ما يعكس أن هذه التحركات ليست اجتهادات فردية أو خطوات يائسة، بل إنها جزء من استراتيجية مدروسة تصدر من قيادة عليا تمتلك رؤية واضحة عن طبيعة المواجهة المقبلة. ويشير هذا التكامل إلى سلامة خطوط الاتصال، التي سعى الاحتلال مرارًا إلى قطعها أو تدميرها دون جدوى.
إن الرسالة الأهم التي تسعى المقاومة إلى إيصالها من خلال هذه العمليات، أن الاحتلال لن يجد في غزة أي استقرار إذا قرر البقاء على الأرض أو توسيع نطاق وجوده، وتؤكد جهوزية المقاومة لتحويل أية محاولة كهذه إلى كابوس ميداني دائم، إذ لن يكون جنود الاحتلال قادرين على التحرك بحرية، وسيواجهون استنزافًا مستمرًّا يجعل من فكرة الاحتلال العسكري الكامل للقطاع خيارًا غير واقعي ومليئًا بالمخاطر التي لا يمكن للمنظومة الإسرائيلية تحمّلها على المدى الطويل.
دلالات المقاطع المصورة
تكشف المقاطع المصورة التي تبثها المقاومة عن درجة عالية من التكامل بين قيادة العمليات الميدانية والمقاتلين المنتشرين في العقد القتالية، وتحمل دلالات تحرص المقاومة على إظهارها في المقاطع، وتعطي دلالةً عن طبيعة الوضع الميداني سواء في العقد القتالية، أو في غرف القيادة والسيطرة، وتتمثل أبرز هذه الدلالات بالتالي:
روح معنوية وإدراك ميداني وسياسي: تظهر المقاطع المعنويات العالية التي يتمتع بها المقاومون، بالإضافة إلى إدراكهم الكامل للواقع الميداني وذلك السياسي.
في أحد المقاطع، ظهر أحد المقاتلين يتحدث عن الوضع الميداني بالتفصيل، موضحًا انسحاب لواء إسرائيلي وبقاء 3 ألوية عاملة في شمالي القطاع، مع تأكيده أن مكان تمركز القوات الإسرائيلية لا يبعد سوى 200 متر عن موقعه.
تكشف هذه المشاهد عن ثقة المقاومين في السيطرة الميدانية والاستخباراتية، وتؤكد أنهم على دراية دقيقة بمواقع قوات الاحتلال وحجم تحركاتها، ما يتيح لهم العمل بفعالية حتى في ظل ظروف الخطر الشديد.
استمرارية القدرات التسليحية رغم الاستنزاف: تعكس المقاطع المصورة قدرة المقاومة على الحفاظ على مخزونها التسليحي وتطويره رغم الاستنزاف المستمر.
أحد أبرز الأمثلة مقطع فيديو لـ”سرايا القدس”، يظهر تجهيز صواريخ “غراد” في ورشة داخلية في شمالي قطاع غزة، بما يؤكد أن المقاومة لا تزال تحتفظ بقدراتها النوعية. ورغم طول أمد القتال، تمكنت من إطلاق صواريخ بعيدة المدى من مناطق قريبة جدًّا من الحدود، مثل بيت حانون، مستهدفة مدينة القدس المحتلة.
تعكس هذه الدلالات نجاح المقاومة في تأمين قدراتها الهجومية وإبقاء الاحتلال في حالة من المفاجأة المستمرة، إذ تفوق إمكانياتها الميدانية كل التوقعات الإسرائيلية.
اختيار الأهداف وتكيُّف التكتيكات: تظهر المقاطع أيضًا دقة المقاومة في اختيار أهدافها بناءً على رصد وتقييم ميداني شامل. ففي كمين الفالوجا، ظهر عدد كبير من المقاومين بتخصصات متعددة تشمل استخدام مضادات الدروع والأسلحة الرشاشة الثقيلة والمتوسطة، بالإضافة إلى مهاجمة الهدف من عدة محاور.
تشير هذه العمليات إلى دراسة دقيقة لطبيعة الهدف ومتطلبات الإطباق عليه. في المقابل، تظهر عمليات أخرى، مثل الكمين في دوار التعليم، بمشاركة مقاتل أو مقاتلين فقط، ما يعكس قدرة المقاومة على تكييف تكتيكاتها وفق طبيعة الهدف وحجم القوة المطلوبة.
استخدام التكنولوجيا في إدارة المعركة: تعتمد المقاومة اعتمادًا كبيرًا على التكنولوجيا في الميدان، كما يظهر في المقاطع التي توضح استخدام كاميرات المراقبة والطيران المسيّر، لرصد تحركات قوات الاحتلال وتحديد موقع الكمائن وطبيعتها.
تبرز هذه القدرة التكنولوجية فشل الغارات الإسرائيلية في شلّ الإمكانيات الفنية للمقاومة، التي تواصل إدارة معاركها بفعالية ودقة، وتمتع المقاومة بقدرات استخباراتية متماسكة في الميدان.
تنوع أساليب الحركة والتنقل: تبرز المقاطع المصورة تنوعًا كبيرًا في أساليب حركة المقاومين على الأرض. ففي بعض المشاهد، يتحرك المقاتلون عبر أنفاق تحت الأرض للوصول إلى مواقع محددة أو لاستخراج قدرات تسليحية، بينما تظهر مشاهد أخرى تحركهم فوق الأرض في وضح النهار لتنفيذ عملياتهم.
يعكس هذا التنوع في الأساليب مرونةً تكتيكيةً عالية، إذ تكيف المقاومة حركتها وفق متطلبات الميدان، ما يجعل من الصعب على الاحتلال التنبؤ بتحركاتها أو التعامل معها بفعالية.
يحمل بث هذه المقاطع رسائل استراتيجيةً متعددة، أهمها أن المقاومة لا تزال في موقع المبادرة رغم التفوق العسكري الإسرائيلي، كما تؤكد أن محاولات الاحتلال لإضعاف المقاومة عبر الغارات المكثفة وفرض الحصار لم تنجح في كسر إرادتها أو إعاقة قدراتها.
الرسالة الأهم أن المقاومة قادرة على الاستمرار في تطوير أدواتها وتنفيذ عملياتها بفعالية، ما يجعل تكلفة استمرار الاحتلال أو توسيع عملياته في قطاع غزة عبئًا استراتيجيًا باهظ الثمن.
مع دخول العام الجديد، يستمر شمالي قطاع غزة في مواجهة واحدة من أشد العمليات العسكرية وحشيةً وإجرامًا في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي، تتجاوز حتى ما ورد في وصف “خطة الجنرالات” الإجرامية، التي تهدف إلى تحويل شمالي القطاع إلى منطقة خالية من السكان ومحيدة تحييدًا كاملًا.
ورغم ذلك، لم ينجح الاحتلال في تحقيق أي إنجاز ملموس على الأرض، سواء من الناحية التكتيكية أو تلك الاستراتيجية، فـ”الإنجاز” الوحيد الذي يمكن نسبه إلى الاحتلال تصعيد جرائمه الوحشية، من خلال تدمير المربعات السكانية، ومسح عائلات بأكملها عن وجه الأرض، واستهداف المستشفيات والطواقم الطبية استهدافًا ممنهجًا.
على النقيض، تواصل المقاومة الفلسطينية مفاجأة الاحتلال وكل المراقبين، إذ تقدم نموذجًا فريدًا في البطولة، وتبعث برسائل سياسية تتجاوز الفعل الميداني، إذ تعيد المقاومة صياغة المشهد، وتثبت أن استراتيجية الضغط العسكري الأقصى لن تؤدي سوى إلى المزيد من الفشل الإسرائيلي.
علاوةً على ذلك، تذكر المقاومة الاحتلال بأن أحلام فرض الحكم العسكري على قطاع غزة أو إعادة الاستيطان في أراضيه ستقابل بثمن باهظ من دماء جنود الاحتلال، وبمقاومة لا تهادن ولا تستسلم.