داخل معهد أمناء الشرطة بطرة وفي أثناء انعقاد جلسة محاكمته في قضية التخابر مع حركة حماس الفلسطينية توفي الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي بعد طلبه الكلمة من رئيس المحكمة، وبعد أن سمح له المستشار محمد شيرين فهمي بالتحدث، وعقب إنهائه لكلمته سقط مغشيًا عليه حيث أصيب بنوبة قلبية توفي بعدها على الفور.
وما إن أُعلن وفاة الرئيس الأسبق حتى تصدر اسمه قائمة الهاشتاغات الأكثر تداولًا على موقع تويتر عالميًا، إذ سجل هاشتاغ #MuhammedMursi أكثر من 29 ألف تغريدة في أقل من 3 ساعات من خبر الوفاة، واحتل هاشتاغ #محمد_مرسي المرتبة الأولى في لائحة الهاشتاغات الأكثر تداولًا بالدول العربية، حيث سجل أكثر من مليون تغريدة في أقل من 20 ساعة.
ولأن حقبة حكم الرئيس مرسي كانت مثيرة للجدل، فلم يتوقف هذا الجدل بعد وفاته، وهو ما تجلى في التغريدات التي انقسمت بشأن ملابسات موته، إذ احتم الصراع بشدة بين مؤيدي مرسي وأنصار السيسي وذلك عبر هاشتاغي #السيسي_هوا_الرييس والرييس_الشرعي، وفي نفس الوقت امتلأ موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بعبارات الرثاء والتعازي من أطياف مجتمعية مختلفة التوجهات السياسية، ولكن بعيدًا عن مواقع التواصل الاجتماعي كيف تناولت وسائل الإعلام المصرية خبر وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي؟
محمد مرسي العياط: هكذا ذُكر الاسم مجردًا من أي صفة رسمية
في تناولها لتغطية خبر وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث، خالفت جميع وسائل الإعلام المصرية المقروءة والمسموعة، الحكومية والخاصة جميع المعايير المهنية المتعارف عليها بالعمل الصحفي، إذ أهملت ذكر صفة مرسي كرئيس معزول أو أسبق واكتفت باستخدام الاسم الثلاثي “محمد مرسي العياط” في مخالفة جسيمة للعرف الصحفي الذي يقتضي الإشارة للشخصيات العامة بأسماء شهرتها.
صحيفتا الجمهورية والأخبار الحكوميتان تناولتا الخبر بشكل أكثر اقتضابًا من جريدة الأهرام وذلك من خلال خبر صغير للغاية في إحدى الصحفات الداخلية يتناول حدث الوفاة فقط دون الحديث عن أي تفاصيل أو ملابسات
وباستثناء جريدة المصري اليوم المستقلة فقد خلت الصفحات الأولى للجرائد المصرية الحكومية والخاصة الصادرة صباح يوم الثلاثاء 18 من يونيو 2019 من خبر وفاة الدكتور مرسي، إذ اكتفت جريدة الأهرام – أكبر الصحف الحكومية – بذكر خبر الوفاة في الصفحة الرابعة المخصصة لتغطية أخبار الحوادث دون إرفاق صورة للرئيس الأسبق في إطار لم تزد مساحته على ثلاثة أعمدة عريضة.
أما صحيفتا الجمهورية والأخبار الحكوميتين فقد تناولتا الخبر بشكل أكثر اقتضابًا من جريدة الأهرام وذلك من خلال خبر صغير للغاية في إحدى الصحفات الداخلية يتناول حدث الوفاة فقط دون الحديث عن أي تفاصيل أو ملابسات وهو الأمر الذي اختلف قليلًا مع جريدة الشروق الخاصة التي أبرزت الخبر في الصفحة الثالثة مع إرفاق صورة للرئيس الراحل وذكر تفاصيل بسيطة عن ملابسات الحادث.
وبالنسبة لجريدتي الوطن واليوم السابع المملوكتين لجهاز المخابرات العامة، فلم تذكر جريدة الوطن خبر الوفاة بأي شكل كان، أما اليوم السابع فقد نشرت تحقيقات موسعة ضد جماعة الإخوان المسلمين والرئيس الراحل محمد مرسي مع تجاهل متعمد لخبر الوفاة، وعلى صعيد آخر اكتفت الصحف السابقة بإفراد صفحاتها الأولى من أجل إبراز زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لبيلاروسيا، كما خصصت ملفات كاملة لتناول بطولة الأمم الإفريقية التي ستنطلق في القاهرة يوم الجمعة المقبل.
التليفزيون الحكومي وبرامج التوك شو: الخضوع المخزي لسطوة النظام العسكري المصري
التليفزيون الحكومي أعلن في خبر عاجل وفاة محمد مرسي دون وصفه كرئيس أسبق، وتم التحدث عنه كمتهم ينتمي إلى جماعة إرهابية محظورة، أما برامج التوك شو فقد تجاوزت كل حدود أخلاقيات العمل الإعلامي وكذلك حدود التعامل الإنساني مع الموت، حيث شن إعلاميو النظام الحاليّ هجومًا حادًا على الدكتور محمد مرسي واتهموه بالقتل والتجسس والإرهاب.
لم يكتف أحمد موسى بمهاجمة مرسي ولكنه هاجم كل من رثاه أو نعاه وعلى رأسهم لاعب كرة القدم محمد أبو تريكة حيث وصفه بالإرهابي والعميل وتوعد بالقبض عليه قريبًا وإيداعه داخل السجن
في برنامجه “على مسئوليتي” الذي يذاع على قناة صدى البلد انفعل الإعلامي أحمد موسى بشدة واصفًا مرسي بالإرهابي والجاسوس والعميل، كما انتقد موقف قطر وتركيا لأنهما نعيا الرئيس الراحل، وأضاف أن لجماعة الإخوان المسلمين تاريخ طويل من الدم والقتل والإجرام وأنها أساءت للبشرية، وقال موسى موجهًا كلامه لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين “أنتم دلوقتي عايزين تبقوا أبطال لا أنتم قتلة ومجرمين وولعتوا في البلد منذ العام 2011”.
ولم يكتف أحمد موسى بمهاجمة مرسي ولكنه هاجم كل من رثاه أو نعاه وعلى رأسهم لاعب كرة القدم محمد أبو تريكة حيث وصفه بالإرهابي والعميل وتوعد بالقبض عليه قريبًا وإيداعه داخل السجن.
أما وائل الإبراشي فقد اعتبر من خلال برنامجه “كل يوم” المذاع على قناة One أن الإخوان سيسعون إلى استغلال حادثة موت مرسي سياسيًا من أجل اجترار التعاطف، مذكرًا المشاهدين أن تاريخ الجماعة حافل بالدم وأنهم سرقوا الثورة وحرقوا مؤسسات الدولة وتسببوا في سقوط العديد من الشهداء.
فضحية المصدر الصحفي صاحب جهاز سامسونج
تزامنًا مع وفاة الدكتور محمد مرسي بسبب الإهمال الطبي داخل السجن طفت على السطح قضية إهمال المساجين، حيث وجهت الكثير من الانتقادات إلى السلطات المصرية فيما يتعلق بحرمان مرسي وجميع المساجين السياسيين من حقوقهم في محاكمة عادلة ومعاملة آدمية ورعاية طبية، ولم توجه تلك الانتقادات من الداخل المصري فقط ولكنها امتدت إلى المنظمات الحقوقية العالمية، حيث غردت سارة ليا ويتسون المدير التنفيذي لمنظمة هيومان رايتس ووتش في الشرق الأوسط عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر قائلة إن وفاة مرسي أمر فظيع ولكنه كان متوقعًا تمامًا.
وقعت مذيعة قناة “إكسترا نيوز” في خطأ إعلامي فادح، فبعد أن ذكرت نص الخبر الموحد قالت في النهاية “تم الإرسال من جهاز سامسونج” في إشارة إلى المصدر الذي أُرسل من خلاله الخبر
وكرد فعل على تلك الانتقادات وفور انتصاف ليل يوم الإثنين نشرت المواقع الإخبارية والقنوات الخاصة خبرًا بصيغة موحدة على لسان “مصدر طبي مسؤول” يتحدث فيه عن الحالة الصحية للرئيس السابق محمد مرسي مؤكدًا بأنه كان يتلقى رعاية طبية متكاملة حتى وفاته، وقد نُشر هذا النص الذي بثه التليفزيون الحكومي دون أي تدخل تحريري على الإطلاق عبر كل المنصات الإعلامية مثل الأهرام وصدى البلد والأخبار والفجر والمصري اليوم واليوم السابع.
ووقعت مذيعة قناة “إكسترا نيوز” في خطأ إعلامي فادح، فبعد أن ذكرت نص الخبر الموحد قالت في النهاية “تم الإرسال من جهاز سامسونج” في إشارة إلى المصدر الذي أُرسل من خلاله الخبر وهو ما أثار عدة تكهنات بأن الخبر لم يذكره مصدر طبي مسؤول ولكنه جاء من جهة سيادية.
الصوت الأوحد للدولة العسكرية
عرف المشهد الإعلامي المصري تحولات كبرى منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مايو 2014، بدأ الأمر بالأذرع الإعلامية للسيسي والممولة من مال المخابرات المصرية حتى استفحل وصولًا إلى ترسانة متشعبة القوى تحكم قبضتها الشديدة على الصحافة والصحفيين، ففي مارس 2013 حذر السيسي بنفسه وسائل الإعلام من أي محاولة للإساءة للجيش قائلًا بأنها توازي الخيانة العظمى خاصة أن الجيش – على حد قوله – يضحي بنفسه في سيناء ضد تنظيم الدولة.
ومرت العلاقة بين الصحافة والسلطة السياسية في مصر بعدة مراحل بدأت بمحاولات الاستغواء مرورًا بالترغيب والترهيب والتحالف حتى صار الإعلام في النهاية شريكًا مع النظام في كل ما يقوم به، أما المعارضون فقد أودعوا السجون، فوفقًا لتقرير أعدته منظمة “مراسلون بلا حدود” يوجد في مصر 29 صحافيًا مسجونًا وتحتل مصر المرتبة الـ163 من أصل 180 دولة في الترتيب العالمي لحرية الصحافة خلال عام 2019.
تحول المشهد الإعلامي في مصر إلى صوت للدولة العسكرية التي تبدأ دائمًا وأبدًا سيطرتها من خلال الإعلام
وأضافت منظمة مراسلون بلا حدود أن حكومة السيسي تستهدف الصحفيين منذ عام 2013، والقابعون منهم خلف القضبان لا يحظون بمحاكمات عادلة، ومن جانبها أكدت مؤسسة الفكر والتعبير المصرية أن النظام المصري الحاليّ حجب أكثر من 500 موقع على الإنترنت من ضمنهم قناة الجزيرة القطرية وموقع مدى مصر الإخباري، كما شمل الحجب منظمات حقوقية مثل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” التي نشرت تقريرًا عن التعذيب في السجون المصرية.
وفي نهاية المطاف تحول المشهد الإعلامي في مصر إلى صوت للدولة العسكرية التي تبدأ دائمًا وأبدًا سيطرتها من خلال الإعلام وهو الأمر الذي سبق وذكره الصحفي المصري محمد حسنين هيكل في كتابه “بين الصحافة والسياسة” الصدار خلال عام 1984 حيث قال: “عندما يضيع الحلم، يبدأ المسار المتاح للأنظمة الاستبدادية/ العسكرية بمحطة تليفزيونية أو إذاعية، وينتهي بدبابات وطائرات وبنادق”.