على مدار عشرات الأعوام دأب المهاجرون من أفريقيا على المرور باليمن سعياً للعمل في المملكة العربية السعودية. ومنذ عام 2010، نزل أكثر من 337 ألف مهاجر ولاجئ بالساحل اليمني على البحر الأحمر وخليج عدن. زادت أعدادهم كثيراً ثم انحسرت مرة أخرى في يوليو/تموز 2013، والأرجح أن السبب هو حملة السعودية على العمال المهاجرين غير الشرعيين، ثم زاد العدد مرة أخرى في مارس/آذار 2014. تنامى في اليمن نشاط يُقدر بملايين الدولارات، من الإتجار بالمهاجرين وابتزازهم، مع مرورهم بالأراضي اليمنية. قلب هذا النشاط هو بلدة حرض ذات المناخ الحار الجاف عند الحدود الشمالية لليمن، حيث قدّر أحد المسؤولين الحكوميين أن الإتجار والتهريب يشكل نحو 80 في المائة من إجمالي اقتصاد البلدة.
خريطة توضح مسارات الهجرة في القرن الأفريقي
ومنذ عام 2006 وجد المُتجِرون اليمنيون في حرض وحولها سبيلاً مروعاً لجني النقود، وهو اتخاذ المهاجرين أسرى ونقلهم إلى معسكرات معزولة، حيث يلحقون بهم الألم الشديد والمعاناة لابتزاز النقود من أقاربهم وأصدقائهم في أثيوبيا والسعودية.
وفي مقابلات مع هيومان رايتس ووتش، أشار المهاجرون الذين نجوا أو هربوا من هذه الأماكن، أشاروا إليها بمسمى “معسكرات التعذيب”. شهاداتهم – بالإضافة إلى شهادات المُتجِرين والمهربين والمسؤولين الحكوميين والعاملين بالمجال الصحي والمساعدات الإنسانية – ترسم صورة لشبكة كبيرة من العمليات غير القانونية، والتي بحسب تقديرهم، ترتبط بمسؤولين يمنيين من مختلف الرتب والمناصب، والذين – في الحد الأدنى – يتلقون الرشاوى لتجاهل ما يحدث، أو قد يلعبون دوراً أنشط وأساسياً في هذه العمليات.
وباستثناء قلة من المداهمات الحكومية اليمنية التي انتهت في 2013، فلم تبذل السلطات الكثير لوقف الإتجار. ولقد لجأ مسؤولون إلى تحذير المُتجِرين من المداهمات، وأفرجوا عنهم بعد القبض عليهم، وفي بعض الحالات ساعدوا المُتجِرين في أسر واحتجاز المهاجرين.
وفي الفترة من يونيو/حزيران 2012 إلى مارس/آذار 2014، قابلت المنظمة 67 شخصاً من أجل إعداد التقرير، منهم 18 مهاجراً من أثيوبيا، ومن هؤلاء أربعة أشخاص هاجروا وهم صبية، وقابلت 10 مُتجِرين ومهربين، وكذلك عاملين بالمجال الصحي، ومسؤولين حكوميين ونشطاء ودبلوماسيين وصحفيين.
هؤلاء الرجال المسلحون من عصابات للمهربين والمُتجِرين، تمتد شبكاتها إلى جيبوتي والصومال وأثيوبيا والسعودية. يبيعون المهاجرين الأفارقة، من عصابة للأخرى، من خلال هذا التجمع العصابي، يمر المهاجرون من بلد إلى بلد. لكن في اليمن، لا يصبح للمهاجرين أي خيار في الأمر. يدفع المهربون والمُتجِرون على الشاطئ اليمني لطواقم القوارب على كل مهاجر يتسلمونه، ثم يطلبون النقود من الأفارقة. يأخذون قسراً من لا يمكنهم السداد أو يرفضون الدفع، إلى معسكراتهم النائية لتعذيبهم.
قال أحد المُتجِرين لمهاجر لدى وصوله إلى أحد المعسكرات: “مرحباً بك في جهنم”. وقام مسؤول بإظهار معلومات حول 12 معسكراً من هذا النوع، ورغم أن العدد الإجمالي في المنطقة كان 30 معسكراً، فإن شخصاً يعمل بالمساعدات الإنسانية منذ زمن طويل قدر عدد المعسكرات في حرض وحولها بمائتي معسكر. تتكون بعض المعسكرات من فناء محاط بسور يحتجز فيه المُتجِرون العشرات أو المئات من المهاجرين، وأحياناً لا يزيد عن غطاء بلاستيكي بسيط معلق على قوائم لحمايتهم من الشمس الحامية. وأحياناً لا يكون هناك مأوى من الأساس. المعسكرات الأكبر بها أبراج حراسة ومبانٍ خرسانية.
والقسوة هي أداة المُتجِرين. وصف المهاجرون كيف قام آسروهم بتعذيبهم لإجبارهم على الاتصال بالأقارب لطلب النقود. وتبين أن الضرب شائع. وصف رجل كيف شاهد رجلاً آخر وهم يخرجون عينه من محجرها بزجاجة ماء. وقال آخر إن المُتجِرين لفوا أسلاكاً معدنية حول أصابعه وعلقوه لمدة 15 دقيقة، وربطوا قضيبه بخيط علقوا به زجاجة مياه ممتلئة. وصف آخرون مشاهدة وسماع المُتجِرين يغتصبون النساء من مجموعاتهم.
أحياناً ما ينتهي التعذيب بالوفاة. قال رجل أثيوبي إنه رأى مُتجِرين يربطون قضيب رجل بخيط ويضربونه بعصي خشبية حتى مات الرجل أمام عينيه. وقال آخر إن المُتجِرين قتلوا رجلين ضمن مجموعته بأن ضربوهما بحد الفأس. وقال كبير الأطباء في مستشفى حرض إن المستشفى يستقبل أجساد اثنين من المهاجرين تقريباً كل أسبوع. ويقوم المُتجِرون من الحين للآخر بتعذيب رجل أفريقي حتى يوشك على الوفاة، ثم يقلونه عند سور مركز المهاجرين في حرض، والذي تديره المنظمة الدولية للهجرة.
واستخدام التعذيب ضد المهاجرين مسألة مربحة للغاية. قال مهاجرون إن أقاربهم وأصدقائهم دفعوا فدية لإطلاق سراحهم تراوحت بين 200 دولار إلى أكثر من ألف دولار. هناك مُتجِر يتفاوض على الفدية، قال إنه عادة ما يتمكن من استخلاص 1300 دولار من عائلة المهاجر.
يدفع المتجرون للمسؤولين لدى نقاط التفتيش تعريفة موحدة لتركهم يمرون وهم يحملون مهاجرين يمنيين وأفارقة إلى الحدود السعودية. لكن مستوى التواطؤ الحكومي في عمليات الإتجار يتجاوز الرشوة على المستوى الصغير؛ إذ وصف المهربون والمهاجرون على السواء أن بعض المسؤولين الحكوميين يوقفون مهاجرين ثم يحيلونهم إلى المتجرين مقابل نقود.
قال علي كيبيدي، وهو مهاجر، إنه هرب من معسكر تعذيب برفقة صديق في أغسطس/آب 2013 وأنهما سارا عشرة أيام قبل أن يقبض عليهما جنود يمنيون في نقطة تفتيش قرب حرض. في حين تم إطعامهما الخبز والشاي، أجرى الجنود بعض المكالمات وظهرت سيارة على متنها رجلين. ناقش الرجال نظام الحوالة النقدية مع الجنود، وسلموا الجنود نقوداً سعودية. أجبر الجنود كيبيدي وصديقه على ركوب السيارة، وتحرك الرجال بهما إلى معسكر التعذيب.
ويستمر التقرير في سرد الظروف القاسية، وعلاقات المسؤولين وتواطؤ الجنود على الحدود اليمنية مع المتاجرين بالبشر، وتقول هيومان رايتس ووتش إن على الحكومة اليمنية أن تعد استراتيجية متكاملة، بما في ذلك المداهمات، لوقف نشاط معسكرات التعذيب. وعلى المسؤولين أن يعملوا مع منظمات الإغاثة على إمداد جميع المهاجرين المحررين من الأسر بما يكفي من طعام ومأوى ورعاية صحية.