ترجمة وتحرير: نون بوست
لا شك أن إقامة دولة كردية مستقلة وتقسيم سوريا إلى مناطق حكم ذاتي من شأنهما كبح التوسع التركي في الشرق الأوسط وتعزيز المصالح الإسرائيلية في المنطقة.
إن سوريا هي دولة اصطناعية انهارت، حيث لم يكن لها قط حق وجود حقيقي، فهي ليست دولة عربية، وبالتالي هي أيضًا ليست دولة قومية لأي أحد. ولطالما كانت سوريا وحدة اصطناعية وفقًا لما حدده “مؤتمر سان ريمو” في عام 1920، الذي ناقش تقسيم الإمبراطورية العثمانية بعد انتصار القوى العظمى، وكان من المقرر أن تُنشأ خمسة كانتونات في سوريا تعكس تواجد الأقليات هناك: الدروز، والعلويون، والأكراد، وكانتونان للسنة.
تحت ضغط فرنسا، تم تأسيس سوريا كوحدة واحدة اصطناعية، والنتيجة كانت لبنان المجاور، الذي أصبح أيضًا دولة اصطناعية بالنسبة للمسيحيين. ومع مرور الوقت، فقد المسيحيون السيطرة على دولتهم الاصطناعية، ومن هنا كانت نهايتها متوقعة مسبقًا.
إن الهدوء الوهمي في أعقاب سقوط الأسد في سوريا يثير حماسة المحللين الذين يأملون يائسين أنه ربما، ولو لمرة واحدة في الشرق الأوسط، يتحول إرهابيون لا يعرفون سوى القتل والدمار إلى مواطنين صالحين، لكن هذا لن يحدث. لقد حلم المحللون بذلك مع ياسر عرفات، وربما مع السلطة الفلسطينية أو مع حماس، لكن ذلك لم يحدث.
وبالتأكيد لن يحدث هذا مع زعيم المتمردين الجولاني، والذي يعد أيضًا بمثابة يحي سنوار آخر ولكن بشكل مجمَّل. صحيح أن الرجل يغير طلته باستمرار: من ملابس قطنية جهادية، إلى بزة عسكرية تكتيكية، ومؤخرًا بزة تجارية منمقة ومهندمة، في محاولة لتنويم المخابرات الإسرائيلية، وغيرها من الأجهزة.
والآن، هو بحاجة للهدوء، لا سيما من أجل تنويم شركائه في الثورة، وأفراد المليشيات المختلفة، ومن هذا المنطلق تأتي تصريحاته الموقوتة حيال إسرائيل والعالم بأسره، حيث لا يجب أن تكون لديه معارضة من الداخل.
حتى الآن، كان المتمردون منشغلين بالوصول إلى الأسد، ومن ثم كانت هناك وحدة في الهدف. والآن، بعدما سقط الأسد، يسعى كل فصيل من المتمردين لتحقيق أكبر مكاسب لصالح الأقلية التي يقاتل من أجلها، حيث يحاول كل فصيل توجيه عجلة القيادة ناحيته.
وفي تلك الأثناء يعدهم الجولاني قائلًا “أعطوني فرصة لتحقيق الاستقرار أولًا، وبعد ذلك سنتقاسم كنوز الدولة وأفتح لكم الأبواب”. صحيح أن الجولاني يخطط لفتح الأبواب لشركائه، ولكنه فعليًا يخطط لفتح أبواب الجحيم لهم، حيث سيقمع بيد من حديد شركائه الدروز والأكراد، وبأوامر من أردوغان سيدمر بوادر الحكم الذاتي الكردي التي بدأت تتشكل منذ وقت طويل من خلال وضع الأساس للديمقراطية والمساواة.
وهنا تكمن الفرصة لإسرائيل، حيث يمكنها إعادة تشكيل المنطقة المحيطة لعقود قادمة.
في محاضرات مختلفة، مثلما في هذا العمود، كنتُ من أوائل الناس – قبل خمسة أشهر – الذين تحدثوا عن الحاجة الإستراتيجية لإسقاط نظام الملالي، حيث إن تدمير القدرات النووية لن يجدي طالما أن هناك نظام في إيران يطمح إلى تدمير إسرائيل، لكن التهديد الأكبر على إسرائيل بعد سقوط نظام الملالي هو السلطان أردوغان، الذي في طريقه لإقامة الإمبراطورية العثمانية من جديد ويتحدث عن احتلال إسرائيل. وبالتالي، يؤيد أردوغان وجود سوريا موحدة، ففي الطريق لاحتلال الشرق الأوسط هو بحاجة للهدوء على حدوده.
وبناء عليه، فإن مصلحة إسرائيل هي العكس تمامًا، حيث تستطيع إسرائيل ويجب عليها العمل على اختفاء سوريا، وبدلًا منها ستكون هناك خمسة كانتونات، وهي قائمة بالفعل الآن. كما يجب على إسرائيل تعميق وجودها في الداخل السوري، وضرب جذورها داخل الكانتون الدرزي الذي يتطلع للتواصل معها، ولكن ليس من خلال الضم وإنما عن طريق إدارة ذاتية تحظى بحماية من إسرائيل.
ويذكر أن الدعم العسكري والسياسي العلني للأقلية الكردية (هل هم أقلية؟ إنهم حوالي أربعين مليون شخص) يعد بمثابة جوهرة التاج. فتخيلوا دولة كردية تضم عشرات الملايين من الأشخاص تسبب صداعًا لأردوغان، بامتداد حدود تركيا الشرقية. يجب على إسرائيل التخلى عن السياسة طويلة الأمد القائمة على إخفاء علاقاتها مع الأكراد. فالأكراد هم أصدقاء إسرائيل القدماء، ولديهم روابط تاريخية عميقة معها، وبالتالي فإن إخفاء هذه العلاقات والدعم للمطالبة الكردية الشرعية بالاستقلال ليس أخلاقيًا.
إذا كان هناك شيء قد علمناه هنا للمنطقة والعالم الغربي الذي لم يدعمنا، فهو الأخلاق. وهناك بيان أخلاقي مدوي يعبر عن دعم إسرائيل للشعب الكردي. وبناء عليه، فإن تشجيع إقامة كانتون/حكم ذاتي/دولة كردية على حدود تركيا سيسبب مشاكل لأردوغان، الذي سيكون مضطراً لتوضيح سبب معارضته للعالم، وسيقوض دعمه داخليًا، وسيلحق الضرر بالاقتصاد التركي المتعثر، وفي النهاية قد يؤدي ذلك إلى نهاية حكمه الاستبدادي في تركيا، الأمر الذي سيريح جميع دول الناتو.
وإذا كنتُ أعتقد أنني بالغت في ضرورة هذه الخطوة التي كتبتها هنا، فقد جاء أمس تقرير إيتامار إيخنر على لسان كبار المسؤولين في تركيا الذين ينصحوننا: “إسرائيل تراهن على الحصان الخاطئ” – واقرأوا الجملة التالية مرتين: “إسرائيل ترتكب خطأ بعدم إعطاء فرصة للجولاني”. وهذه التصريحات على الأرجح تأتي من أردوغان، مصدر الكذب والخداع التركي الإسلامي المتطرف في العالم. هذا بالضبط كما لو كان هامان ينصحنا بإقامة تحالف مع أردوغان.
المصدر: يديعوت آحرونوت