مع بداية شهر أغسطس/ آب عام 2013، ومع اشتداد حرارة الطقس وفقدان بعض السياسيين التونسيين برودة دمائهم تزامنًا مع إحساسهم بالنشوة والانتصار المعنوي على الحراك الثوري في البلاد بعد استقوائهم بالخارج، خرج عدد من السياسيين على التونسيين بالتهديد والوعيد، بأن مصيرهم سيكون كمصير مرسي والإخوان المسلمين.
في ذلك الصيف الساخن سياسيًا، لم يكد التونسيون يستفيقون من صدمة الانقلاب العسكري على حركة الإخوان المسلمين في مصر، حتى فاجأتهم طائفة من الطبقة السياسية بمحاولة تكرار السيناريو المصري في بلدهم، غير آبهين بالنتائج الوخيمة لما قد يحدث من جر البلاد إلى بحر من الدماء وشبح حرب أهلية كانت أطراف داخلية وخارجية تراهن عليها.
قد يقول بعض إننا نهول الأحداث ونضخمها وإنهم لم يشعروا بذلك في تلك الفترة، ولا لوم عليهم، لكن من الواجب علينا تذكيرهم ببعض خيوط المؤامرة التي كانت تحبك على أمن تونس وسلمها الأهلي حينذاك، حيث كانت المؤشرات كلها تؤكد اقتراب حدوث انقلاب دموي سيروح ضحيته مئات الضحايا من المدنيين.
كثيرة هي الشهادات والروايات عن المؤامرة التي كانت تحاك ضد الشعب التونسي على إثر نجاح الانقلاب العسكري في مصر
ففي حواره مع قناة “نسمة” الخاصة التي يملكها في شهر مايو 2015، قال رجل الأعمال المعروف نبيل القروي، وهو أحد رجال السياسة والإعلام النافذين في تونس، إن بعض المسؤولين الحكوميين في حكومة نداء تونس في تلك الفترة، كانوا يصرحون بأنهم مستعدون لقتل 20 ألف تونسي من المنتمين والمتعاطفين مع حركة النهضة دون أي إشكال، فقط من أجل إخراج “الخوانجية (الإخوان المسلمين) من الحكم”.
لم يكتف نبيل القروي بهذا الاعتراف الخطير الذي لم تتحرك على إثره النيابة العامة في تونس لفتح تحقيق وكشف الضالعين في هذه المؤامرة، بل زاد تفصيل المخطط الذي كان مسؤولو جبهة الإنقاذ التونسية ينوون تنفيذه لتحويل البلاد إلى ساحة حرب حقيقية، من خلال مهاجمة البرلمان واحتلاله والاشتباك مع قوات الأمن التي ستقوم برد الفعل وإطلاق الرصاص وسفك الدماء، ما سيتسبب في دخول البلاد بحرب أهلية مثلما حدث في ليبيا وسوريا، وفق تعبيره.
لم يكن تصريح القروي المدوي وقتها كذبًا وبهتانًا واستفزازًا لرفقاء دربه في حزب نداء تونس الذي كان أحد أعضائه، لأن الرجل كان عنصرًا فاعلاً في الحركات الاحتجاجية التي اندلعت في أرجاء متفرقة من البلاد مباشرة بعد نجاح الانقلاب العسكري في مصر في 3 من يوليو 2013، بل إن قناة “نسمة” التي يملكها كانت السلاح المدوي الذي استخدمه الانقلابيون التونسيون لتحقيق مبتغاهم، خاصة أن الإعلام المصري كان دوره محوريًا في إسقاط الرئيس محمد مرسي من كرسي الحكم.
في السياق ذاته، يتذكر كثير من الصحفيين التونسيين تصريح مراسل قناة الجزيرة في تونس، حافظ مريبح، مع كل حديث عن خطورة ما كان ينتظر البلاد في واحدة من أخطر الفترات التي عاشتها، حيث روى مريبح تفاصيل التهديد الخطير الذي وجهه له القيادي بحزب نداء تونس وقتها، محسن مرزوق، بقوله له على هامش تغطية القناة للتحركات الاحتجاجية التي يعيشها محيط البرلمان: “مصير الجزيرة في تونس سيكون مثلما حدث لصحفييها في مصر بعد الانقلاب من اعتقالات ومنع من العمل…”.
كثيرة هي الشهادات والروايات عن المؤامرة التي كانت تحاك ضد الشعب التونسي على إثر نجاح الانقلاب العسكري في مصر، ولا يتسع المجال لذكرها، لكن كان واجبًا علينا التذكير ببعضها، لأن حادثة وفاة محمد مرسي الرئيس المصري المنقلب عليه، أعادت إلى الأذهان سيناريو حرب الشوارع الذي كان يحلم بها البعض في تونس، وأحيت في التونسيين أمل المحافظة على بلادهم من كل من توسوس له نفسه العبث بأمنها القومي.
كان لوفاة الرئيس المنقلب عليه محمد مرسي، وقع كبير على التونسيين خاصة، تمامًا مثلما كان الانقلاب بالنظر للدروس العديدة التي تم استخلاصها من هاتين التجربتين
صحيح أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس صعبة خلال السنوات الأخيرة، وصحيح أن منسوب الحريات مهدد، ولكن ما من شك عند التونسيين، في أنهم نجوا من حرب أهلية محققة لا تبقي ولا تذر، كما نجا سياسيوها من قمع أصواتهم وكبت حريتهم والزج بهم قطعانًا في السجون، نتيجة تغليب العقل والمصلحة العامة على المصلحة الخاصة وحكم زائل.
لقد كان لوفاة الرئيس المنقلب عليه محمد مرسي، وقع كبير على التونسيين خاصة، تمامًا مثلما كان الانقلاب بالنظر للدروس العديدة التي تم استخلاصها من هاتين التجربتين، ولو كان العقل سلاح الأذكياء، لكان لزامًا على “الاستئصاليين” الرافضين قراءة الفاتحة ترحمًا على الرجل داخل البرلمان التونسي أمس الثلاثاء، ختم القرآن كاملاً في ليلة واحدة، تضرعًا لله وشكرًا له على الأمن الذي تنعم به بلادهم بفضل محمد مرسي، ذلك الرجل الذي كانت تجربته سببًا في أن يعيش الشعب التونسي في سلام وأمن ورخاء.