ترجمة حفصة جودة
بمجرد أن انتشرت الأخبار في قرية العدوة عن وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي يوم الإثنين، بدأ المواطنون في مسقط رأسه الواقع في دلتا النيل بالاستعداد لجنازته، لكن في غضون ساعتين بدأ ضباط شرطة يرتدون ملابس مدنية في تفتيش الميكروباصات والسيارات على نقاط التفتيش التي انتشرت حول القرية.
تحوّلت قرية العدوة – التي لم تتصدر عناوين الأخبار إلا عندما أصبح مرسي رئيسًا للجمهورية عام 2012 – من منطقة حداد إلى ثكنة عسكرية، مما أثار بعض الاحتجاجات العفوية الطفيفة التي استمرت حتى يوم الثلاثاء.
انتشرت العربات المدرّعة وعشرات من أفراد الشرطة لمكافحة الشغب في شوارع القرية، أما مسجد العدوة التابع للدولة الذي كان نقطة الالتقاء في الاحتجاجات ضد الانقلاب، فقد رفض إذاعة القرآن الكريم حدادًا على وفاة مرسي.
تقول المصادر إن وزارة الأوقاف في الحكومة المصرية أصدرت تحذيرًا للأئمة والخطباء تطلب منهم عدم إقامة أي صلاة جنازة لأي شخص في جميع أنحاء البلاد، وفي السنوات الأخيرة عينت آلاف المساجد المصرية موظفين حكوميين من وزارة الأوقاف لضمان عدم مشاركة أي أحاديث سياسية في المساجد التي تعد مركزًا رئيسيًا للتعبئة السياسية بعد انقلاب 2013.
تنتشر قوات الشرطة في شوارع قرية العدوة
لذا قام السكان بتشغيل القرآن من خلال مكبرات صوت في نوافذ بيوتهم بدلًا من ذلك، وفي النهاية علم السكان أن السلطات رفضت السماح بدفن مرسي في قرية العدوة وأنه سيوضع في إحدى مقابر القاهرة تحت مراقبة قوات الأمن.
يقول سيد أحد أصدقاء عائلة مرسي: “لقد قمنا بالاستعداد لجنازة الرئيس ونقله في صمت إلى مثواه الأخير، لم نكن نعتقد أن الخلاف مع الحكومة المصرية سيصل إلى هذا المستوى المتدني ومنع الناس من دفن شخص عزيز لديهم”.
الحزن يتحول إلى إحباط
مع قدوم المساء أصبح السكان أكثر إحباطًا عندما تم منع نحو 30 شخصًا من المصلين في المسجد من إقامة صلاة جنازة في المسجد الذي تديره الدولة، يقول محمد – طبيب شاب من القرية -: “هرع الإمام وعمال المسجد إلى طردنا منه، لكننا لسنا بحاجة لمسجد الدولة، فقد أقام المصلون صلاة الغائب عليه في المسجد الأقصى ومكة المكرمة”.
أما محمدي – مدرس 47 عامًا – الذي كان من بين المصلين الذين حاولوا إقامة الصلاة، فقد قال إن القرية كانت مبتهجة عند انتخاب مرسي، وأضاف: “كان مرسي وأسرته مثل ملايين المصريين: يعمل بجد ومن الطبقة المتوسطة الذي سافر إلى الخارج ليتعلم في الغرب ثم عاد ليفيد وطنه، لم يكن قاضيًا أو ضابط شرطة أو رجل أعمال”.
لقد قتل مرسي في قاعة المحكمة أمام قاضٍ بلا قلب ولا يعلم سوى الانتقام والقمع
يقول محمدي: “لقد كان رجلًا متواضعًا وبسيطًا، وعند انتخابه شعرنا أن رجلاً عاديًا يعمل بجد مثلنا أصبح الرئيس”، وأضاف محمد أنه والآخرون شعروا بحزن شديد لوفاة مرسي، كما شعروا بالإحباط لمنعهم من الحداد عليه، “لا نستطيع أن نجتمع حتى في منزل أحدهم ونسمع القرآن، فالقرية مليئة بالمخبرين وإذا عُرف الأمر فربما يعتقلونا”.
قال مواطن آخر يعمل في المحاماة لكنه رفض ذكر اسمه أنه في أي خلاف سياسي يكون هناك احترام للموت، ويضيف: “لقد قتل مرسي في قاعة المحكمة أمام قاضٍ بلا قلب ولا يعلم سوى الانتقام والقمع”.
في المساء تجمع حشد غاضب أمام المسجد وهتفوا: “السيسي قتل مرسي” و”الشهيد في الجنة الآن”، لكن المتظاهرين قوبلوا بمقاومة بعض الموالين للجيش مما أدى إلى نزاع طفيف ثم تفرق الحشد سريعًا.
يقول أحد الأشخاص الذين شاهدوا النزاع وهو موظف في شركة عقارية، – 24 عامًا – أنه لم يكن من مؤيدي مرسي، لكنه لا يصدق هذا التناقض الصارخ في معاملة مرسي بالسجن مقارنة بمعاملة الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي أطيح به في احتجاجات 2011.
ويضيف: “بينما كان يتم حرمان أحدهم من الإنسولين، كان الآخر يتلقى تحية عسكرية وتُقدم له القهوة في قفص الاحتجاز بقاعة المحكمة، وسواء أردنا مرسي أم لا، فيجب الاعتراف بأن العام الذي حكم فيه كان ذروة حرية الصحافة والتعبير”.
“يشعر الناس بالأسف لحزنهم على وفاة أحد جيرانهم، وفي بعض البيوت هناك جنازة بلا جسد أو نعش”، وفي يوم الثلاثاء تظاهر سكان القرية ومشوا في شوارع القرية الضيقة التي من الصعب على المركبات المدرعة الوصول إليها.
المصدر: ميدل إيست آي