ترجمة وتحرير: نون بوست
حتى لحظة اغتياله، لم يكن حسن نصر الله يعتقد أن إسرائيل يمكن أن تقتله. عندما كان متحصنًا داخل أحد مخابئ حزب الله على عمق 40 قدمًا تحت الأرض في 27 سبتمبر/ أيلول، حثه مساعدوه على الذهاب إلى مكان أكثر أمانًا. وفقًا لمعلومات استخباراتية جمعتها إسرائيل وكشفت عنها لاحقًا لحلفائها الغربيين، تجاهل نصر الله ذلك التحذير، وكان يعتقد أن إسرائيل لا ترغب بخوض حرب شاملة.
ما لم يدركه نصر الله، هو أن وكالات الاستخبارات الإسرائيلية كانت تتعقب كل تحركاته منذ سنوات عديدة.
ألقت طائرات إف 15 إسرائيلية عدة أطنان من المتفجرات على المخبأ، مما أدى إلى تدميره ومقتل نصر الله وعدد من أكبر القيادات في حزب الله. في اليوم التالي، عُثر على جثته وبجواره جثة جنرال إيراني كبير مقيم في لبنان. وفقا لتقارير استخباراتية ومصادر مطلعة، قُتل الرجلان نتيجة الاختناق تحت الأنقاض.
كان اغتيال زعيم حزب الله، الرجل المثير للرعب، والذي قاد ميليشيا لبنانية في صراع امتد عقودا مع إسرائيل، تتويجًا لحملة ضد الحزب استمرت أسبوعين. جمع الهجوم بين القدرات التكنولوجية المخفية والقوة العسكرية الغاشمة، بما في ذلك هجوم عن بعد بمتفجرات مخبأة في آلاف أجهزة الإرسال اللاسلكي وهواتف الاتصال الخاصة بحزب الله، وقصف جوي مكثف بهدف تدمير آلاف الصواريخ والقذائف القادرة على ضرب إسرائيل.
كان ذلك أيضًا محصلة عقدين من العمل الاستخباراتي المنهجي استعدادًا لحرب شاملة توقع الكثيرون حدوثها. كشف تحقيق أعدته “نيويورك تايمز” استنادا إلى مقابلات مع أكثر من 12 مسؤولا إسرائيليا وأمريكيا وأوروبيا، حاليين وسابقين، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، مدى اختراق أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لحزب الله. جندت إسرائيل جواسيس لزرع أجهزة تنصت في مخابئ حزب الله، وتتبعت لقاءات بين أحد كبار القادة في الحزب وأربع عشيقات، وكان لديها فكرة شبه دائمة عن تحركات القيادات العسكرية.
من بين تلك الاختراقات، ما حدث في سنة 2012، عندما حصلت الوحدة 8200 الإسرائيلية كمية هائلة من المعلومات، بما في ذلك تفاصيل حول المخابئ السرية للقيادات وترسانة الحزب من الصواريخ والقذائف.
وفي أواخر 2023، اشتبه أحد الخبراء التقنيين في حزب الله في أمر بطاريات أجهزة الاتصال اللاسلكي.
حاولت إسرائيل تدارك الأمر، وفي سبتمبر/ أيلول الماضي جمعت الوحدة 8200 معلومات استخباراتية تشير إلى أن عناصر من حزب الله كانت لديهم مخاوف بشأن أجهزة الإرسال اللاسلكي لدرجة أنهم كانوا يرسلون بعضًا منها إلى إيران لفحصها.
خوفًا من أن تُكشف العملية، أقنع كبار مسؤولي الاستخبارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإعطاء الأمر بتفجيرها، مما أدى إلى انطلاق الحملة التي بلغت ذروتها باغتيال نصر الله.
كانت عملية إسرائيل ضد حزب الله انتصارًا كبيرًا لدولة عاشت قبل سنة واحدا من أكبر الإخفاقات الاستخباراتية في تاريخها، عندما اقتحم مقاتلون بقيادة حركة حماس البلاد في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي واحتجاز 250 رهينة.
أدت الحملة على حزب الله، وهي جزء من حرب أوسع أدت إلى مقتل الآلاف في لبنان وتشريد أكثر من مليون شخص، إلى إضعاف أحد أكبر أعداء إسرائيل، وتوجيه ضربة قوية لاستراتيجية إيران الإقليمية التي تقوم على تسليح وتمويل تنظيمات مسلحة تهدف إلى تدمير إسرائيل. أدى تراجع المحور الذي تقوده إيران إلى إعادة تشكيل الأوضاع في الشرق الأوسط، وساهم في سقوط نظام الأسد في سوريا.
الفارق بين النهج الذي اعتمدته إسرائيل ضد حزب الله ونهجها في التعامل مع حماس ملفت للنظر وكانت له آثار مدمرة؛ حيث يُظهر التركيز الاستخباراتي المكثف على حزب الله أن القيادة الإسرائيلية كانت تعتقد أن الميليشيا اللبنانية تمثل تهديدا وشيكا لإسرائيل أكثر من غيرها. لكن حماس التي اعتقدت الاستخبارات الإسرائيلية أنها لا تملك الرغبة أو القدرة على مهاجمة إسرائيل، هي التي شنت هجومًا مفاجئًا لم تكن إسرائيل مستعدة له.
كانت إسرائيل في مواجهة مفتوحة مع نصر الله وقيادات حزب الله منذ عقود، وقد خلصت التقييمات الاستخباراتية الإسرائيلية إلى أن الحزب سيحتاج إلى سنوات، وربما أكثر من عقد، لإعادة بناء صفوفه في حال مقتل قادته، إذ تفتقر القيادات البديلة إلى الخبرة القتالية مقارنةً بالجيل السابق.
مع ذلك، فإن القادة الجدد، تدفعهم الفكرة المركزية التي كانت تحرك القيادات السابقة: الصراع الوجودي مع إسرائيل.
يقول اللواء شمعون شابيرا، السكرتير العسكري السابق لنتنياهو ومؤلف كتاب “حزب الله: بين إيران ولبنان”، إنه “لا يمكن لحزب الله أن يستمر في الحصول على الدعم والتمويل من إيران دون أن يكون في حالة حرب مع إسرائيل. وهذا هو سبب وجود حزب الله”.
وأضاف : “سيعيدون تسليح أنفسهم وبناء قدراتهم. إنها مسألة وقت فقط”.
بناء شبكة من المصادر
كانت حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله عبارة عن حالة من الجمود الدموي. وقد انسحبت إسرائيل من لبنان بعد 34 يومًا من القتال، الذي بدأ بعد أن قام حزب الله بخطف وقتل جنديين إسرائيليين. وكانت الحرب، التي لم تحقق أهداف إسرائيل، نوعًا من الإذلال، مما أدى إلى تشكيل لجنة تحقيق، واستقالات لجنرالات كبار، ومراجعة داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حول جودة معلوماته الاستخباراتية.
غير أن العمليات التي جرت خلال الحرب، استنادًا إلى جمع المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية، شكلت أساس النهج الذي اتبعته إسرائيل لاحقًا. وزرعت واحدة من العمليات أجهزة تتبع على صواريخ حزب الله من طراز فجر، مما منح إسرائيل معلومات حول الذخائر المخفية داخل قواعد عسكرية سرية، ومرافق تخزين مدنية ومنازل خاصة، وفقًا لثلاثة مسؤولين إسرائيليين سابقين. وفي حرب 2006، قصف سلاح الجو الإسرائيلي هذه المواقع، مما أدى إلى تدمير الصواريخ.
في السنوات التي تلت الحرب، كان نصر الله يظهر ثقة بأن حزب الله يمكنه أن ينتصر في صراع آخر ضد إسرائيل، مشبهًا الدولة بشبكة العنكبوت، أي أنها تمثل تهديد من بعيد ولكن يمكن بسهولة التخلص منها.
ومع إعادة بناء حزب الله، قام الموساد، جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي، بتوسيع شبكة من المصادر البشرية داخل الميليشيا، وفقًا لعشرة مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين حاليين وسابقين.
وعلى وجه التحديد، قام الموساد بتجنيد أشخاص في لبنان لمساعدة حزب الله في بناء منشآت سرية بعد الحرب. وقال اثنان من المسؤولين إن مصادر الموساد زودت الإسرائيليين بمعلومات عن مواقع المخابئ وساعدت في رصدها.
عمومًا، كانت إسرائيل تشارك معلوماتها الاستخباراتية عن حزب الله مع الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين.
وجاءت لحظة هامة في سنة 2012، عندما حصلت وحدة 8200 على كمية هائلة من المعلومات حول المواقع الدقيقة لقادة حزب الله، ومخابئهم، وترسانة المجموعة من الصواريخ والقذائف، وفقًا لخمسة مسؤولين حاليين وسابقين في الجيش الإسرائيلي ومسؤولين أوروبيين.
وقد عززت تلك العملية الثقة داخل وكالات الاستخبارات الإسرائيلية بأنه – إذا ما نفذ نتنياهو تهديداته بمهاجمة المواقع النووية الإيرانية – يمكن للجيش الإسرائيلي أن يساعد في تحييد قدرة حزب الله على الرد.
وزار نتنياهو مقر وحدة 8200 في تل أبيب بعد وقت قصير من العملية. وخلال الزيارة، قدم رئيس وحدة 8200 عرضًا من خلال طباعة مجموعة من المعلومات الدفينة، حيث قام بطباعة كومة طويلة من الأوراق. وقال لنتنياهو، وهو يقف إلى جانب هذه المواد: “يمكنك الآن الهجوم على إيران”، وفقًا لما ذكره مسؤولان حاليان وسابقان في الدفاع الإسرائيلي على دراية بالاجتماع.
ولم تهاجم إسرائيل؛ وخلال السنوات التي تلت ذلك عملت وكالات التجسس الإسرائيلية على تحسين المعلومات التي تم جمعها من العملية السابقة لإنتاج معلومات يمكن استخدامها في حال اندلاع حرب مع حزب الله.
ووفقًا لاثنين من المسؤولين في الدفاع الإسرائيليين المطلعين على المعلومات الاستخبارية، عندما انتهت حرب 2006، كانت إسرائيل تمتلك “ملفات الأهداف” لأقل من 200 من قادة حزب الله وعملائه ومخازن الأسلحة ومواقع الصواريخ. وبحلول الوقت الذي شنت فيه إسرائيل حملتها في سبتمبر/ أيلول، أصبحت هذه الأهداف عشرات الآلاف.
تحويل أجهزة الإرسال اللاسلكي إلى أجهزة قاتلة
ولكسب أفضلية في حرب محتملة مع حزب الله، وضعت إسرائيل أيضًا خططًا لتخريب الميليشيا من الداخل. وقامت الوحدة 8200 الإسرائيلية والموساد بتبني خطة لتزويد حزب الله بأجهزة مفخخة يمكن تفجيرها في وقت لاحق، وفقًا لستة مسؤولين حاليين وسابقين في الجيش الإسرائيلي.
داخل مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي، كانت تعرف هذه الأجهزة باسم “الأزرار” التي يمكن تفعيلها في الوقت الذي تختاره إسرائيل.
كانت عملية تصميم وتصنيع الأزرار سهلة نسبيًا، فقد أتقن المهندسون الإسرائيليون وضع متفجرات “بيتين” داخل بطاريات الأجهزة الإلكترونية، مما حولها إلى قنابل صغيرة.
أما العملية الأكثر صعوبة فقد وقعت على عاتق الموساد، الذي خدع الحزب لمدة عقد من الزمن تقريبًا بشراء معدات عسكرية وأجهزة اتصالات من شركات إسرائيلية وهمية.
وفي سنة 2014، اغتنمت إسرائيل فرصة عندما توقفت شركة التكنولوجيا اليابانية “آي كوم” عن إنتاج أجهزة الإرسال اللاسلكي الشهيرة “آي سي- في82”. كانت هذه الأجهزة، التي تم تجميعها في أوساكا، اليابان، تحظى بشعبية كبيرة لدرجة أن نسخًا مقلدة منها كانت تُصنع بالفعل في أنحاء آسيا وتُباع في المنتديات الإلكترونية وفي صفقات السوق السوداء.
وقد اكتشفت وحدة 8200 أن حزب الله كان يبحث بشكل خاص عن نفس الجهاز لتجهيز جميع قواته في الخطوط الأمامية، وفقًا لسبعة مسؤولين إسرائيليين وأوروبيين. حتى أنهم صمموا سترة خاصة لجنودهم تحتوي على جيب في الصدر مخصص للجهاز.
وبدأت إسرائيل في تصنيع نسخها الخاصة من أجهزة الإرسال اللاسلكي مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة، بما في ذلك تعبئة المواد المتفجرة داخل بطارياتها، وفقًا لثمانية مسؤولين حاليين وسابقين إسرائيليين وأمريكيين. ووصلت أولى النسخ المصنعة في إسرائيل إلى لبنان في سنة 2015 – وفي النهاية تم شحن أكثر من 15,000 جهاز، وفقًا لما قاله بعض المسؤولين.
وفي سنة 2018، وضعت ضابطة استخبارات إسرائيلية في الموساد خطة ستستخدم تقنية مشابهة لزرع مادة متفجرة داخل بطارية جهاز الإرسال اللاسلكي. وقد استعرض قادة الاستخبارات الإسرائيلية الخطة، لكنهم قرروا أن استخدام حزب الله لأجهزة الإرسال اللاسلكي لم يكن منتشرًا بما فيه الكفاية، وفقًا لثلاثة مسؤولين. وبالتالي، تم إلغاء الخطة.
وعلى مدى الأعوام الثلاثة التالية، أدت قدرة إسرائيل المتزايدة على اختراق الهواتف المحمولة إلى زيادة حذر حزب الله وإيران وحلفائهما من استخدام الهواتف الذكية، وساعد ضباط إسرائيليون من الوحدة 8200 في تأجيج هذا الخوف، باستخدام روبوتات على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر تقارير إخبارية باللغة العربية عن قدرة إسرائيل على اختراق الهواتف، وفقًا لضابطين في الوكالة.
وبسبب القلق من اختراق الهواتف الذكية، قررت قيادة حزب الله توسيع نطاق استخدام أجهزة الاستدعاء؛ حيث سمحت لهم هذه الأجهزة بإرسال رسائل إلى المقاتلين، لكنها لم تكن تكشف عن بيانات الموقع ولا تحتوي على كاميرات وميكروفونات يمكن اختراقها.
ومع ذلك؛ بدأ حزب الله في البحث عن أجهزة استدعاء صلبة بما فيه الكفاية لظروف القتال، وفقًا لثمانية مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، وأعاد ضباط المخابرات الإسرائيلية النظر في عملية أجهزة البيجر وعملوا على بناء شبكة من الشركات الوهمية لإخفاء مصدرها وبيع المنتجات للحزب.
واستهدف ضباط المخابرات الإسرائيلية العلامة التجارية التايوانية “جولد أبولو”، المشهورة بتصنيع أجهزة الاستدعاء.
في مايو/أيار 2022، تم تسجيل شركة تسمى “باك للاستشارات” في بودابست، وبعد شهر واحد، تم تسجيل شركة تُسمى “نورتا جلوبال” في صوفيا ببلغاريا لمواطن نرويجي يُدعى رينسون خوسيه.
اشترت شركة “باك للاستشارات” اتفاقية ترخيص من شركة “جولد أبولو” لتصنيع طراز جديد من أجهزة النداء المعروفة باسم “إيه آر-924 روجيد”، وكان هذا الجهاز أضخم من أجهزة الاستدعاء التي كانت “جولد أبولو” تنتجها في ذلك الوقت، وتم الترويج له على أنه مقاوم للماء وببطارية تدوم لفترة أطول من الأجهزة المنافسة.
وقد أشرف الموساد على إنتاج أجهزة الاستدعاء في إسرائيل، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين، وبدأ عملاء الموساد في تسويق أجهزة الاستدعاء من خلال وسطاء إلى مشترين من حزب الله وعرضوا سعرًا مخفضًا مقابل الشراء بالجملة.
قدم الموساد الجهاز، الذي لم يكن يحتوي على أي متفجرات مخفية، إلى نتنياهو خلال اجتماع في مارس/أذار 2023، وفقًا لشخصين على دراية بالاجتماع. كان رئيس الوزراء متشككًا بشأن متانتها، وسأل ديفيد بارنيا، رئيس الموساد، عن مدى سهولة انكسارها، فأكد له بارنيا أنها متينة.
لم يقتنع نتنياهو، فوقف فجأة وألقى الجهاز على جدار مكتبه، تصدع الجدار، لكن جهاز النداء لم يتصدع.
شحنت الشركة الوهمية التابعة للموساد الدفعة الأولى من أجهزة الاستدعاء إلى حزب الله في ذلك الخريف.
إجراء مناورات حربية
في أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما أشعلت الهجمات التي قادتها حماس جدلًا حادًا داخل الحكومة الإسرائيلية حول ما إذا كان ينبغي على إسرائيل شن حرب شاملة ضد حزب الله.
اقترح البعض، بما في ذلك وزير الدفاع يوآف غالانت، ضرب حزب الله الذي بدأ بإطلاق الصواريخ على إسرائيل في 8 أكتوبر/تشرين الأول تضامنًا مع حماس، وقال إنها كانت فرصة للتعامل مع “العدو الصعب” المتمثل في حزب الله قبل الانتقال إلى ما اعتبره العدو الأقل صعوبة المتمثل في حماس، وفقًا لخمسة مسؤولين إسرائيليين مطلعين على الاجتماعات.
وبعد مكالمة هاتفية مع الرئيس بايدن في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قرر نتنياهو، إلى جانب مجلس وزرائه المشكل حديثًا، عدم فتح جبهة أخرى مع حزب الله في الوقت الراهن، منهيًا بذلك النقاش رفيع المستوى حول الموضوع.
وحتى مع تركيز إسرائيل على حماس، استمر المسؤولون العسكريون والاستخباراتيون في إعداد خطط للحرب المحتملة مع حزب الله.
اكتشف محللو الاستخبارات الإسرائيلية، الذين كانوا يراقبون استخدام الأجهزة باستمرار، مشكلة محتملة في العملية، فقد بدأ أحد فنيي حزب الله يشتبه في أن أجهزة اللاسلكي قد تحتوي على متفجرات مخبأة، وفقًا لثلاثة مسؤولين دفاعيين إسرائيليين، وتعاملت إسرائيل مع الأمر بسرعة هذا العام، وقتلت الفني بغارة جوية.
وقال مسؤولان إسرائيليان إن المخابرات الإسرائيلية وسلاح الجو الإسرائيلي قاما أيضًا على مدار عام بإجراء ما يقرب من 40 مناورة حربية مبنية على قتل حسن نصر الله وغيره من كبار قادة حزب الله؛ حيث أرادوا أن يكونوا قادرين على استهدافهم في نفس الوقت، حتى لو لم يكونوا في نفس المكان.
وطوال هذه الفترة، جمعت إسرائيل تفاصيل دقيقة عن قادة حزب الله، بما في ذلك هويات العشيقات الأربع لفؤاد شكر، وهو عضو مؤسس لحزب الله حددته الحكومة الأمريكية كأحد المخططين لتفجير الثكنة العسكرية في بيروت بلبنان عام 1983، والذي أسفر عن مقتل 241 من مشاة البحرية الأمريكية.
في مرحلة ما من هذا العام، وبعد أن شعر شكر بعدم الارتياح على ما يبدو إزاء وضعه، طلب شكر المساعدة من أعلى رجل دين في حزب الله للزواج من النساء الأربع، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين ومسؤول أوروبي. وقام رجل الدين، هاشم صفي الدين، بترتيب أربع مراسم زواج منفصلة للسيد شكر عبر الهاتف.
اشتعل الصراع المحتدم هذا الصيف، عندما أدى هجوم صاروخي لحزب الله في يوليو/تموز إلى مقتل عشرات الإسرائيليين، من بينهم تلاميذ مدارس، في مجدل شمس، وهي بلدة في مرتفعات الجولان.
وردت إسرائيل بعد أيام بغارة جوية في بيروت أسفرت عن مقتل شكر، وكانت هذه خطوة استفزازية باغتيال قائد كبير في قوات حزب الله.
“استخدمها أو اخسرها”
بعد الهجمات المتبادلة، تجدد النقاش داخل الحكومة الإسرائيلية حول فتح “جبهة شمالية” ضد حزب الله، ووضع الجيش الإسرائيلي والموساد استراتيجيات مختلفة لحملة ضد حزب الله، وفقًا لأربعة مسؤولين إسرائيليين.
وفي أواخر أغسطس/آب، كتب بارنيا، رئيس الموساد، رسالة سرية إلى نتنياهو، وفقًا لمسؤول دفاعي إسرائيلي رفيع المستوى، وقد دعت الرسالة إلى شن حملة تستمر من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع تتضمن القضاء على أكثر من نصف قدرات الحزب الصاروخية وتدمير المنشآت الواقعة على بعد حوالي ستة أميال من الحدود الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه، بدأ كبار المسؤولين العسكريين جهودهم الخاصة للضغط على نتنياهو لتكثيف الحملة ضد حزب الله.
أفسدت معلومات استخباراتية جديدة التخطيط، فقد أصبح عملاء حزب الله يشكون في احتمالية تعرض أجهزة الاستدعاء للتخريب، وفقًا للعديد من المسؤولين.
وفي 11 سبتمبر/أيلول، أظهرت المعلومات الاستخباراتية أن حزب الله كان يرسل بعض أجهزة الاستدعاء إلى إيران لفحصها، وأدرك المسؤولون الإسرائيليون أنها مسألة وقت فقط قبل أن تنكشف العملية السرية.
في 16 سبتمبر/أيلول، اجتمع نتنياهو مع كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين للتفكير فيما إذا كان سيتم تفجير أجهزة الاستدعاء في عملية “استخدمها أو اخسرها”، وفقًا لأربعة مسؤولين أمنيين إسرائيليين. وقد عارض البعض هذه العملية قائلين إنها قد تدفع حزب الله إلى شن هجوم مضاد كامل وربما ضربة من قبل إيران.
أمر نتنياهو بتنفيذ العملية. وفي الساعة 3:30 بعد الظهر اليوم التالي بالتوقيت المحلي، أمر الموساد بإرسال رسالة مشفرة إلى آلاف أجهزة الاستدعاء، وبعد ثوانٍ، انفجرت أجهزة الاستدعاء.
في الوقت الذي انفجرت فيه أجهزة الاستدعاء، كان خوسيه؛ النرويجي الذي كان رئيس إحدى شركات الموساد الوهمية، يحضر مؤتمرًا تكنولوجيًا في بوسطن.
وفي غضون أيام، تم التعرف على خوسيه في المقالات الإخبارية على أنه أحد المشاركين في العملية، وأعلنت الحكومة النرويجية أنها تريده لاستجوابه.
وضغط المسؤولون الإسرائيليون سرًا على إدارة بايدن لضمان مغادرة خوسيه الولايات المتحدة دون العودة إلى النرويج، وفقًا لمسؤول إسرائيلي وآخر أمريكي.
لم يكشف المسؤولون الإسرائيليون عن مكان خوسيه، واكتفى مسؤول دفاع إسرائيلي رفيع المستوى بالقول إنه في “مكان آمن”.
الموافقة على عملية الاغتيال
بعد عملية أجهزة الاستدعاء، قررت حكومة نتنياهو، بدعم من كبار مسؤولي الدفاع، شن حرب شاملة، وهي حملة تميزت بسلسلة من التصعيدات.
في اليوم التالي لتفجير أجهزة الاستدعاء، قام الموساد بتفجير أجهزة اللاسلكي التي كان معظمها لا يزال في المخازن لأن قادة حزب الله لم يكونوا قد حشدوا مقاتلين لخوض معركة ضد إسرائيل.
وقُتل عشرات الأشخاص في انفجارات أجهزة الاستدعاء وأجهزة الاتصال اللاسلكي، بما في ذلك العديد من الأطفال، وأصيب الآلاف بجروح، وكان معظم الضحايا من عناصر حزب الله، مما أدى إلى إشاعة الفوضى في الصفوف العليا للحزب.
بعد أيام، في 20 سبتمبر/أيلول، قصفت الطائرات الإسرائيلية مبنى في بيروت كان قادة قوة الرضوان التابعة لحزب الله من النخبة في حزب الله يجتمعون فيه، مما أسفر عن مقتل عدد منهم إلى جانب إبراهيم عقيل، رئيس العمليات العسكرية لحزب الله.
وفي 23 سبتمبر/أيلول، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي حملة كبيرة وضرب أكثر من ألفي هدف شملت مخازن حزب الله من الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى.
وبقي القرار الأكثر أهمية: ما إذا كان يجب قتل نصر الله أم لا؟
وبينما كان كبار المسؤولين الإسرائيليين يتناقشون، تلقت وكالات الاستخبارات معلومات جديدة تفيد بأن نصر الله كان يخطط للانتقال إلى مخبأ مختلف، مخبأ سيكون من الصعب ضربه، وفقاً لمسؤولين دفاعيين إسرائيليين ومسؤول غربي.
في 26 سبتمبر/أيلول، ومع استعداد نتنياهو للسفر إلى نيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، اجتمع رئيس الوزراء مع كبار مستشاريه السياسيين والاستخباراتيين والعسكريين لمناقشة الموافقة على الاغتيال، وكان عليهم أيضًا أن يقرروا ما إذا كان عليهم إخبار الأمريكيين مسبقًا.
عارض نتنياهو وكبار المستشارين الآخرين إبلاغ إدارة بايدن، فقد اعتقدوا أن المسؤولين الأمريكيين سيقفون ضد الضربة، ولكن بغض النظر عن ذلك، فإن الولايات المتحدة ستأتي للدفاع عن إسرائيل في حال ردت إيران.
واتفقوا على إخفاء الأمر عن الأمريكيين.
وافق نتنياهو على عملية الاغتيال في اليوم التالي بعد وصوله إلى نيويورك وقبل ساعات فقط من وقوفه على منصة الأمم المتحدة.
وتحدث في خطابه عن قبضة حزب الله على لبنان، وقال للرؤساء ورؤساء الوزراء المجتمعين: “لا تدعوا نصر الله يجر لبنان إلى الهاوية”.
بعد فترة وجيزة، ألقت الطائرات الإسرائيلية من طراز إف-15 آلاف الأرطال من المتفجرات فوق بيروت.
- خلال خطاب ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة في أواخر سبتمبر/أيلول، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن قبضة حزب الله على لبنان. وقال: “لا تدعوا نصر الله يجر لبنان إلى الهاوية”
المصدر: نيويورك تايمز