رغم فشل مجلس النواب اللبناني في انتخاب خليفة له، ودع الرئيس اللبناني “ميشال سليمان” اللبنانيين وأخلى قصر بعبدا الرئاسي تاركًا إياه لخلفه الذي لا يعلمه أحد.
وكانت 5 جلسات لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قد فشلت بسبب عدم حضور نواب التيار الوطني الحر وحزب الله تلك الجلسات؛ وبالتالي عدم إكمال النصاب البرلماني اللازم لانتخاب الرئيس، وذلك منعًا لانتخاب رئيس حزب القوات اللبنانية “سمير جعجع” أو غيره من قوى 14 آذار بأكثرية 65 صوتًا تمتلكها قوى 8 آذار المؤيدة لسمير جعجع بعد اتفاق مع كتلة النائب “وليد جنبلاط”، مما يحول دون وصول “ميشال عون” المدعوم من حزب الله إلى سدة الرئاسة.
اليوم، الذي يصادف ذكرى تحرير الجنوب اللبناني في العام 2000 ليس يومًا سعيدًا هذه السنة على اللبنانيين الذين يعيش الكثير منهم ولاسيما المسيحيون هاجس الفراغ في رئاسة الجمهورية.
وبحسب المادة 62 من الدستور: “في حال خلو سدة الرئاسة لأي علّة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء”، لكن ثمة فريقًا من اللبنانيين يتحفظ بشأن هذا الانتقال شبه الميكانيكي للسلطة من مركز دستوري إلى آخر.
قبل أيام صرح بطريرك المسيحيين الموارنة “مار بشارة بطرس الراعي”: “الرئاسة الأولى هي بمثابة الرأس من الجسد، تعطي الشرعية للمجلس النيابي والحكومة وسائر المؤسسات، وتضمن الاستقرار في البلاد، وتعطيها شرعيتها الدولية، فلا أحد أعلى من الرئاسة، ولا أحد يحلّ محلها، وأمام استحقاقها تسقط كل الاعتبارات الشخصية والفئوية والحزبية والسياسية”.
تأسيسًا على هذا الفهم والتوصيف للرئاسة الأولى، يعلن البطريرك الراعي بصراحة: “لا يمكن أن نرضى بالفراغ في سدة الرئاسة ولو ليوم واحد لأنه انتهاك صارخ ومدان للميثاق الوطني وإقصاء للمكوّن الأساسي في الحكم الميثاقي في لبنان، وهو المكوّن المسيحي، لأنه انتهاك صارخ ومدان للدستور الذي يأمر المجلس النيابي في مادته 73 و74 بانتخاب رئيس على الفور”.
إذن، يبدو أن أبرز تداعيات الفراغ ستكون على الصعيد التشريعي من خلال مقاطعة نواب مسيحيين من كتلتي القوات اللبنانية والكتائب وتكتل التغيير والإصلاح جلسات مجلس النواب اعتراضًا على عدم انتخاب رئيس.
كما أن هناك خشية حقيقية من استغلال الفراغ والمقاطعة لتحريك نقابات تعليمية وعمالية وموظفين في الدولة للقيام باحتجاجات واعتصامات، إضافةً إلى الخشية من تنظيم نازحين سوريين موالين للنظام السوري مهرجانات ومسيرات تأييدًا لبشار الأسد كما حدث منذ أيام في إحدى الضواحي المسيحية في بيروت.
ويرى نواب من ائتلاف 14 آذار في تصريحات لصحيفة القدس العربي أن “تصعيد الأزمة سياسيًا قد يُترجم بشلّ عمل حكومة المصلحة الوطنية من خلال امتناع وزراء عن توقيع قرارات وزارية وعن توقيع مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب؛ مما يجعل المجلس النيابي بعد 31 مايو الجاري عاجزًا عن الانعقاد والتشريع”.
وهذا هو الفراغ الرابع في تاريخ الجمهورية اللبنانية، الفراغ الأول تمّ فجر 18 أيلول (سبتمبر) 1952 ،عندما أطل رئيس الاستقلال الشيخ “بشارة الخوري” مستقيلاً ومسلّمًا الدستور لقائد الجيش اللواء “فؤاد شهاب” بعد مرور 3 سنوات على التجديد له 6 سنوات، حيث نشبت ثورة ضد الرئيس فاتخذ قراره بالتنحّي لئلا تتحوّل الثورة البيضاء إلى حمراء نتيحة حرارة الشارع.
والفراغ الثاني تمّ في 23 أيلول 1988 (تاريخ انتهاء ولاية الرئيس الثامن للجمهورية أمين الجميل) وتسليم مقاليد السلطة إلى رئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون، وكان هذا الفراغ الأطول حيث دام حتى 5/11/1989 وتخلله دخول البلد مرحلة الجمهورية بلا رئيس وبدء مرحلة جديدة من الأزمات والحروب بدءًا بحرب التحرير وصولاً إلى حرب الإلغاء وانتهاءً بإتفاق الطائف
أما الفراغ الثالث فقد حدث إثر انتهاء ولاية الرئيس العماد إميل لحود في 24/11/2007 حيث غادر القصر تاركًا الفراغ ورائه، بعد فشل انتخاب رئيس بسبب توازن القوى بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار وعلى رأسها حزب الله الذي نفّذ في 7 أيار اجتياحًا لبيروت، ودام الفراغ الثالث حتى 25 أيار 2008 (تاريخ انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان).
المصادر: القدس العربي + وكالات