ترجمة وتحرير: نون بوست
من الواضح أن العبودية ليست شيئًا من الماضي. وعلى الرغم من كل الأعمال التي قامت بها الحضارة الغربية للقضاء على العبودية، إلا أنها متفشية في بعض الأماكن من العالم. ولكن، بطبيعة الحال، يمكن القول أيضًا إن التكنولوجيا على غرار مواقع التواصل الاجتماعي باتت تمثل وسيلة لاستعبادنا جميعًا. ومع ذلك، لن نتطرق إلى هذا الموضوع في هذا التقرير (على الرغم من كونه مثير للاهتمام كما يبدو)، وعوضًا عن ذلك سنسلط الضوء على “العبودية الحديثة” وكيف يمكن للتكنولوجيا أن تساهم في القضاء عليها إلى الأبد.
ما هي العبودية الحديثة؟
إن العبودية الحديثة وفقًا لهيئة الخدمات الصحية الوطنية الإنجليزية، تشير إلى “تجنيد الأطفال أو النساء أو الرجال أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم باستخدام القوة أو الإكراه أو استغلال ضعفهم، أو استعمال الخداع أو غيرها من الوسائل بهدف استغلالهم”. ولا تختلف العبودية الحديثة عن ممارسة العبودية التقليدية التي كانت سمة مشتركة بين جميع الحضارات والأمم على مر الزمن. ويعود الفضل للإمبراطورية البريطانية خلال القرن التاسع عشر وراء حظر العديد من الدول الغربية للعبودية في العصر الحديث.
لكن، قد تتفاجأ إذا علمت أن العبودية ما زالت موجودة اليوم، حيث تنتشر ممارسة العبودية في العديد من الأماكن في العالم لا سيما في “الدول الفاشلة”، على غرار ليبيا. في المقابل، أوضح أشخاص آخرون أنه منذ القرن التاسع عشر، تغيرت العبودية من حيث الشكل ومازال الأذى الذي تلحقه بالناس في جميع أنحاء العالم متواصلا.
وفقا لمواقع إلكترونية ناشطة في هذا المجال، مثل موقع “أنتي سليفري”، فإن ما يقدر بنحو 40.3 مليون شخص في جميع أنحاء العالم هم من ضحايا العبودية “الحديثة”، من بينهم 10.9 مليون طفل، و24.9 مليون ضحية للعمل القسري، و15.4 مليون ضحية زواج قسري، إلى جانب 4.8 مليون يعانون من الاستغلال الجنسي القسري.
ما هي الأنواع المختلفة للعبودية في العصر الحديث؟
وفقا لما أورده الناشطون في مجال مكافحة العبودية الحديثة، فإن هذه الممارسة تتخذ أشكالا متعددة، التي تشمل:
1. العمل القسري الذي يمثّل مشكلة حقيقية في بعض الأماكن
كما يشير الاسم، فإن العمل القسري يتمثل في إرغام أي شخص على العمل أو تقديم خدمات رغما عن إرادته خوفا من تسليط بعض أشكال العقوبة عليه.
2. عبودية الديون منتشرة في بعض أنحاء العالم
تعتبر عبودية الديون، التي تُعرف باسم نظام العمل القسري، من أهم أشكال العبودية وأكثرها شيوعا في العالم. ويشير هذا النوع من العبودية إلى اقتراض شخص ما المال وعندما يتعسر عليه سداده يجد نفسه مجبرا على العمل لسداد هذه الديون.
في حين يبدو هذا الأمر سمة شائعة للحياة الحديثة في الدول المتقدمة، فإن هذا الشكل من العبودية يشير إلى أي شخص يفقد السيطرة على ظروف عمله وديونه في ظل غياب مؤسسات وطنية (مثل “سيادة القانون”) لمساعدتهم على الخروج من هذا الوضع.
فعلى سبيل المثال، في الهند، من الشائع أن يقترض أفراد ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية الفقيرة على غرار “المنبوذين” أموالا من مزارع ثري لدفع المصاريف الطبية، وهو ما قد يؤدي غالبا إلى عقود طويلة من عبودية الديون في ظل عدم وجود إمكانية لطلب المساعدة من السلطات.
3. الاتجار بالبشر ممارسة متفشية
كما يوحي الاسم، فإن الاتجار بالبشر يشير إلى نقل وتوظيف و/ أو إيواء أشخاص بهدف استغلالهم. وعادة ما ينطوي على التهديد المستمر باستخدام العنف أو وسائل أخرى للإكراه.
4. العبودية القائمة على أساس النسب لا تزال منتشرة في بعض الأماكن
تعتبر العبودية القائمة على أساس النسب من أقدم أشكال العبودية. ويشير هذا النوع من العبودية إلى الأشخاص الذين يولدون عبيدا لأن أسلافهم تعرّضوا للأسر والاستعباد في مرحلة ما من التاريخ. وتنتشر هذه العبودية في بعض المجتمعات الأفريقية.
5. عبودية الأطفال أمر محزن
تشمل عبودية الأطفال الاتجار بالأطفال والاستغلال العسكري للأطفال وزواج الأطفال والعبودية المنزلية. ولا ينبغي الخلط بينها وبين عمالة الأطفال، التي من خلالها يحصل الطفل على مقابل، وإن كان زهيدا، لقاء عمله.
6. الزواج القسري والزواج المبكر هما شكل من أشكال العبودية
كما هو معلوم، فإن الزواج القسري يشير إلى إرغام شخص ما على الزواج رغما عن إرادته، أو هذا الشخص غير قادر على إنهاء علاقة الزواج هذه في وقت لاحق. وعادة ما يكون الأطفال ضحايا هذا النوع من الزيجات، ولكن ليس دائما.
كم بلغ عدد العبيد في سنة 2018؟
تعدّ العبودية الحديثة مصطلحا غامضا بعض الشيء، حيث يصعب تقدير أعداد العبيد في جميع أنحاء العالم في سنة 2018. وتختلف هذه الأعداد أيضًا وفقًا للظروف التي قد نعتبرها نوعا من “العبودية” في حياة شخص ما. ومن جهة أخرى، حاولت بعض المنظمات تحديد عدد العبيد حول العالم.
فعلى سبيل المثال، قدّر مؤشر الرقّ العالمي أن إجمالي عدد العبيد لسنة 2018 ربما يكون في حدود 40.3 مليون، كما قدّر أن 71 بالمئة من هذا الإجمالي هم إناث، و29 بالمئة من الذكور. وليس من المثير للدهشة أن نسمع أن معظم البلدان التي تنتشر فيها العبودية هي تلك التي تكون فيها سيادة القانون ضعيفة، بالإضافة إلى تلك الأماكن حول العالم التي ينتشر فيها الفساد الحكومي.
من الممكن أيضا أن تتبلور بعض الظروف المؤدية لبروز العبوديّة، حتى في البلدان المتقدمة مثل المملكة المتحدة. وفي هذه الحالة، يشمل الأمر المهاجرين الحاصلين على تأشيرة غير نظامية أو المهاجرين غير الشرعيين، الذين هم عرضة للإكراه تحت تهديد الكشف عنهم للسلطات الوطنية مثل وكالة الحدود. ووفقًا لمؤشر الرقّ العالمي، يختلف تعامل الحكومة مع العبوديّة المعاصرة على نطاق واسع، ففي الدول على غرار هولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة تُؤخذ هذه القضية على محمل الجد. ولكن لا يبدو أن كوريا الشمالية وليبيا وإريتريا وجمهورية أفريقيا الوسطى تعتبر أن العبوديّة مشكلة.
كيف ترتبط التكنولوجيا والعبودية ارتباطا جوهريا؟
هل توجد أي طرق يمكنها أن تساعد في القضاء على العبودية الحديثة؟
كما يتّضح، فإن التطور التكنولوجي يرتبط ارتباطًا جوهريًا بتاريخ العبودية. وفي هذا السياق، جادل مؤرخون مختلفون على مر السنين بأن هناك حصريّة متبادلة تجمع هذين الطرفين. وأينما تنتشر العبودية، يتعرّض التطور التكنولوجي للقمع أو لا يتواجد بتاتا، ولا يحتاج السبب وراء ذلك لأي توضيح.
في ظلّ وفرة العمل “الحر”، لا يوجد أي حافز لتطوير حلول لتحسين الكفاءة. لكن العبودية ليست عملا “حرا” في حد ذاتها، لأن مالكي العبيد مضطرون لإطعام القوى العاملة الخاصة بهم وإيوائهم، الذي من شأنه أن يكلّفهم مبالغ طائلة على مدى حياة العبد. ولهذا السبب، درس بعض المفكّرين مثل آدم سميث مفهوم التناقضات المتأصلة في العبوديّة وعيوبها من الناحية الاقتصادية.
في إطار عمله الخلّاق بعنوان “ثروة الأمم”، عمد سميث إلى توضيح أن العبودية، في حد ذاتها، كانت غير فعالة للغاية وبمثابة اقتصاد زائف. ولكن في هذا العالم الحديث، تغيرت العبودية إلى حد ما، كما تغيّرت دوافعها (بما في ذلك الأرباح) لتصبح شنيعة أكثر بكثير من ذي قبل. ويجري الآن تطوير بعض التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي والعمل على تطورات تكنولوجية أخرى للمساعدة على محاربة الأمثلة الحديثة للعبوديّة.
علاوة على ذلك، طوّرت العديد من الدول والشركات المتقدمة بعض الأنظمة والسياسات للبحث عن أماكن انتشار العبودية الحديثة في مؤسساتها وسلسلة التوريد الخاصة بها والعمل على معالجتها. ووفقًا لمواقع مثل “غلوبال إنيشياتيف”، فإن شركات التكنولوجيا تستكشف أيضًا بعض الحلول التكنولوجية وتطورها لمحاربة “العبودية الحديثة”.
يشمل ذلك عدة أشياء من بينها التخزين السحابي وتطبيقات الهاتف الذكي لتمكين خط الاستجابة الأول، الذي يشكل قوامه المستخدمون العاديون والعمال الضعفاء، وزيادة الوعي والنفاذ إلى الموارد والإبلاغ عن مخاوفهم، فضلا عن لائحة طويلة من الحلول الأخرى. والجدير بالذكر أن بعض المنظمات غير الربحية مثل “ليبيرتي آسيا” تستخدم التخزين السحابي وتكنولوجيا قاعدة البيانات لمكافحة العبودية الحديثة.
الأجهزة الرئيسية، على غرار الحواسيب المحمولة والهواتف الذكية، ويكون ذلك من خلال سماح مزودي الخدمات التكنولوجية للمنظمات غير الربحية التي تدعم الضحايا والمستضعفين بوصول أسهل لمثل هذه الأجهزة.
يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة لتعقب تحركات مهربي البشر عبر الإنترنت وخارجها.
خطوط المساعدة الوطنية لزيادة الوعي ودعم الضحايا وهي تعمل كمراكز لجمع البيانات وتحليلها ومشاركتها لتعزيز فهمنا للاستعباد وطريقة استجابتنا له.
أدوات البيانات للتعامل مع المعضلات المتعلقة بالتحميل الزائد للبيانات، التي يمكن أن تعطل الاستجابات الفعالة وتعرف الاتصالات على مستوى البيانات التي يمكن فقدانها (مثل استخدام الذكاء الاصطناعي والبلوكشين والبيانات الكبيرة). فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة لتعقب تحركات مهربي البشر عبر الإنترنت وخارجها.
أدوات شفافية سلسلة التوريد لتحسين جودة عمليات التتبع والشفافية ومعايير العمل في سلسلة التوريد. وفي حين يتعين علينا الانتظار لنرى ما إذا كانت هذه الأنواع من المبادرات ستساعد على إنهاء العبودية الحديثة أو لا، يجب علينا الترحيب بجميع أنواع الأنشطة التي تسعى للقضاء على العبودية.
المصدر: إنتريستينغ إنجنيرينغ