أسفر قمع الانتفاضة الشعبية في سوريا وتحويلها إلى صراع دام، عن حركة لجوء ونزوح مهولة، حيث تشظى السوريون في معظم دول العالم، إلا أن دول الجوار فازت بالحصة الأكبر من اللاجئين بأعداد مليونية ضاقت بها صدور البعض قبل أن تضيق الجغرافيا، ومع إصرار بعض الدول على تضييق الحياة على اللاجئين لكيلا تسمح بحالة توطين على أراضيها، تولدت لدى اللاجئين مشاكل خطيرة على أكثر من مستوى، عاشت النساء الطور الأصعب فيه.
ففي لبنان، الجار الصغير الذي تسيطر عليه حالة التقلب والفراغ السياسي أغلب الوقت، والاقتصاد الهزيل والبنية الضعيفة، تجد اللاجئات هناك أنفسهن أمام وضع مزر، وتمر معظمهن بظروف كثيرة تجعل لجوئهن محنةً وكابوسًا، فبالإضافة إلى عدم وجود رعاية صحية أو أوراق حكومية كالإقامات تساعدهن في العمل والدراسة والاستفادة من كثير من الخدمات، يأتي التحرش الجنسي واستغلال القاصرات في الزواج والمضايقات في العمل الذي يحصلن عليه بصعوبة، ليزيد من معاناتهن ويهدد حياتهن ومستقبلهن.
العيش داخل المخيم وما يفرضه من مصاعب
تبدو الحياة في مخيم للاجئين بحي فقير ومكتظ في لبنان، يبلغ طوله كيلومترًا واحدًا فقط، ويضم ما بين 25000 و37000 شخص كأسوأ مكان يصلح للعيش والبقاء لفترة طويلة، إذ يكافح اللاجئون من أجل أبسط الاحتياجات كالحصول على الكهرباء والماء وغيرها من أساسيات العيش الضرورية.
كما يعيش معظمهم منتظرًا فرصته في الحصول على العلاج والرعاية الصحية بين أطفال وشيوخ ونساء، مما يؤدي بالطبع إلى انتشار الأمراض داخل المخيم أو الوفاة في بعض الحالات، ويؤثر هذا تباعًا على المواليد الجدد من الأطفال الذين لا ينالون نصيبهم من الرعاية، فيزيد معدل التشوهات والإعاقات الجسدية رغم لجوء شريحة من النساء إلى تناول حبوب منع الحمل.
يضم مخيم منطقة البقاع في لبنان آلاف اللاجئين السوريين 55% منهم نساء تتراوح أعمارهن بين الـ18 عامًا وما فوق، والنساء اللواتي فقدن أزواجهن في الحرب يعانين كثيرًا من أجل تأمين لقمة العيش لأطفالهن ويحملن عبء إعالة أسرهن لتلبية أصغر الاحتياجات في ظروف عمل صعبة ومهينة، ومع قلّة فرص العمل المتوافرة والمقابل المادي الزهيد تكون ساعات العمل طويلة وفي بيئة غير آمنة كالمصانع والورشات الموجودة داخل أقبية، مع تعرضهن لمواقف عنصرية متكررة.
كما يشتكين من فقدان الخصوصية داخل الخيمة والرغبة في العيش ضمن بيئة آمنة تضمن لهن حرية التنقل دون الخوف من التعرض للتحرش والمضايقات من رجال وشبان المخيم، وفي ظل هذا الوضع وضعف البنية الأساسية للمخيم تكمن معاناتهن في استخدام المنشآت العامة التي تفرضها عليهن بيئة المخيم، إذ يشكل الذهاب إلى الحمام لقضاء الحاجة أو الاستحمام تحديًا يوميًا.
ازدياد معدلات الزواج القسري وغياب الأمان
أفادت دراسة جديدة أجرتها بلان إنترناشيونال وهي منظمة تنموية وإنسانية، أن أكثر من نصف الفتيات اللاتي يعشن كلاجئات في لبنان تحدثن عن تعرضهن للمضايقة أو المطاردة من الرجال والأولاد، في حين أعربت أخريات عن قلقهن بشأن الاختطاف أو الاغتصاب.
وبناءً على الدراسات الاستقصائية التي شملت 400 فتاة تتراوح أعمارهن بين 10 و19 عامًا، تعيش أغلبهن في العاصمة بيروت، أن ما يقارب 70% منهن يشعرن بعدم الأمان في أثناء التنقل داخل المدينة خلال النهار، في حين أكدت 90% خشيتهن على سلامتهن في الليل مما ينعكس بالطبع على قدرتهن على الذهاب إلى المدرسة وحصولهن على فرصة للدراسة والتعلّم، حتى تشكّلت لدى البعض منهن مشاعر يائسة من العزلة بسبب القيود المفروضة عليهن من آبائهن.
كل هذا يدفع الآباء للتفكير بتزويج بناتهم في سن صغيرة رغبةً في الحفاظ على الشرف وحمايتهن من التعرض لأيّ إساءة أو قد يجدها البعض فرصة مناسبة للتخلص من عبء شخص آخر داخل الأسرة، بالأخص إن كان الزواج يحمل معه عروضًا مادية وهو ما يعرضه غالبًا “العريس”.
يأخذ هذا الزواج في أغلب الأحيان شكلًا عنيفًا، إذ يجبر الآباء بعض الفتيات على الزواج وترك المدرسة، وفي مقابلة قامت بها بلان إنترناشيونال مع عدة فتيات قالت واحدة منهن تبلغ من العمر 13 عامًا: “بعض الفتيات أولياء أمورهن يجبروهن على ترك المدرسة للزواج، وصديقاتي جميعهن تزوجن والآن لديهن أطفال”.
مخاطر العمل والممارسات العنصرية
لم تنحصر تحديات اللجوء على سوء الأوضاع المادية والضرر النفسي أو الجسدي للنساء والأطفال، بل إن هناك معاناة مزدوجة مرت أو تمر بها اللاجئات السوريات في لبنان، تتمثل في التحرش الجنسي داخل بيئة العمل، إذ تتعرض الفتيات اللاجئات لأنواع مختلفة من التحرش اللفظي والإيحاءات الجنسية وعروض لبيع أجسامهن مقابل المال أو ضمان صحي ودفع نفقات إقامتها.
قال تقرير لمنظمة العفو الدولية: “بعض اللاجئات السوريات قلن إن رجالاً لبنانيين يعرضون المال أو المساعدة في مقابل الحصول على الجنس، علمًا بأن معظم اللاجئين واللاجئات السوريات يعيشون في فقر مدقع، وقالت نساء أخريات إنهن يتعرضن للتهديد، بما في ذلك استخدام السلاح. معظم النساء اللاتي تحدثنا إليهن قلن إنهن يتعرضن للتحرش الجنسي باستمرار في الأماكن العامة سواء من الجيران أم سائقي الحافلات وسيارات الأجرة أم الغرباء في الشارع، بل أحيانًا من أفراد الشرطة والموظفين الحكوميين”، ورغم إظهار النساء قوة ومرونة في التعامل مع محيطهن الجديد، فإنهن في وضع يشكل خطرًا يوميًا على حياتهن جميعًا كنساء بالغات أو كبنات قاصرات في بيئة تسعى لاستغلال أوضاعهن.
المحاولات البائسة لتقديم العون
تقول لمى جرادي وهي باحثة اجتماعية في مؤسسة “أبعاد” المتخصصة في المساواة بين الجنسين، إن اللاجئات السوريات في لبنان في وضع سيء جدًا ويزداد سوءًا في كل مرة يشهد فيها الوضع السوري تصعيدًا جديدًا، فتخفيض المؤسسات العالمية للمساعدات المالية ساهم في توقف الحكومة اللبنانية عن إعطاء مساكن جيدة نسبيًا لإيواء أعداد جيدة من اللاجئات.
وتضيف لمى بأن ما تعانيه اللاجئة السورية من صعوبات ومضايقات يفوق قدرة الجمعيات والمنظمات الأهلية، كما أن لغياب الدعم الحكومي تأثيرًا كبيرًا في الحدّ من إيجاد حلول لمشكلاتهن، بينما تحاول مؤسسة “أبعاد” دعم الكثير من اللاجئات اللواتي تعرضن لأيّ نوع من أنواع العنف وتؤمن لهن مكانًا آمنًا لفترة معينة حتى يتم حمايتهن وتسجيل حالتهن في أجندة المؤسسة.