يستعد محمد المحمود للحصول على بطاقة الإقامة الدائمة بعد وصوله إلى الحدود الكندية بطريقة غير شرعية قبل ثمانية أشهر، وبحصول محمد على بطاقة الإقامة الدائمة تبدأ محاولته الثالثة للشروع بحياة جديدة طبيعية خارج حدود مدينته حلب التي مزقتها الحرب، فقد بدأ محمد المحمود – 30 سنة – محطته الأولى في تركيا، ثم اتجه إلى هولندا مع الآلاف غيره خلال موجة اللجوء إلى أوروبا.
“ما زلت لا أشعر بالانتماء إلى المجتمع الكندي، إنني في مرحلة البداية الصعبة التي اختبرتها عدة مرات من قبل، أنا بطور اكتشاف طبيعة البلد والقوانين والأنظمة وحقوقي وواجباتي، إلا أنني متأكد من أنني سأكون منتميًا إلى كندا أكثر بعد مرور عام من الآن”، ويضيف محمد مفسرًا أمله بالاندماج بشكل سلس مع مرور الوقت: “رغم أنني أحسست بالانسجام الكامل مع المجتمع المضيف خلال وجودي في تركيا نظرًا للتقارب الثقافي بيننا، ورغم الدعم المادي الأقوى المتوافر في هولندا وأوروبا، فإن في كلتا الدولتين شعبًا أصليًا يرفض الاعتراف بالمهاجرين كجزء من البلد مهما مر من الزمن، على عكس كندا التي لا يضع فيها لا القانون ولا المجتمع أي معايير على صعيد الشكل أو الدين أو الثقافة تجعل من أحد الأشخاص كنديًا ولا تجعل من آخر”.
يحصل اللاجئون القادمون إلى كندا عن طريق الأمم المتحدة على أوراق الإقامة الدائمة بمجرد هبوطهم على الأراضي الكندية وقبل مغادرة المطار
فكيف تعمل كندا من خلال الحكومة والشعب يدًا بيد على دمج آلاف المهاجرين واللاجئين سنويًا في المجتمع الكندي، ليس فقط بإدخالهم سوق العمل وإنما بجعلهم جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الكندية؟
سهولة الحصول على الأوراق الرسمية
يحصل اللاجئون القادمون إلى كندا عن طريق الأمم المتحدة على أوراق الإقامة الدائمة بمجرد هبوطهم على الأراضي الكندية وقبل مغادرة المطار، فيما يحصل اللاجئون القادمون بطرق غير شرعية عبر الحدود الجنوبية مع الولايات المتحدة الأمريكية على الإقامة المؤقتة بمجرد عبورهم نقطة الحدود.
ويعد الوضع القانوني للإنسان في أي بلد هو المفتاح الأول للانطلاقة الصحيحة والبدء بعملية الاندماج، حيث تتيح الأوراق النظامية العلاج والتعليم، والأهم من ذلك العمل، بالإضافة إلى الكثير من الحقوق والمزايا الأخرى، كما يتمتع حامل البطاقة الدائمة في كندا بجميع حقوق المواطن الكندي عدا حق الانتخاب، ولعل ما سهل تطبيق هذه التسهيلات في كندا هو قلة عدد اللاجئين مقارنةً بالدول الأوروبية وعدم وجود أي حدود يتسرب عبرها أعداد كبيرة من المهاجرين سنويًا، وإنما تتم عملية قبول اللاجئين بطرق نظامية وبأعداد تحددها الدولة.
“النظام الموضوع للاجئين في أوروبا من الحكومات يحد كثيرًا من مساهمتهم في المجتمع لمدة طويلة بعد تاريخ وصولهم، بسبب طول مدة الانتظار للحصول على الإقامة المؤقتة التي تتيح العمل بشكل نظامي، قد تصل هذه المدة في بعض الأحيان إلى سنة ونصف، بالإضافة إلى إجبار اللاجئين على البقاء في “الكامب” وهو المأوى المخصص للاجئين خلال هذه المدة، وبحال مغادرته يفقد الشخص العديد من المزايا المتاحة له ويخضع للاستجواب”، يضيف محمد.
تشجع وتمول الحكومة المبادرات الفردية والمجتمعية التي تهدف لتمكين اللاجئين ومساعدتهم ببدء حياة جديدة، سواء كانت على صعيد التعليم أم العمل أم الترفيه والتعريف بالثقافة الكندية
التشديد على أن التنوع الثقافي مصدر قوة كندا
في المدارس، في الجامعات، في خطابات السياسيين، في جميع وسائل الإعلام، ومنذ اللحظة الأولى لوصول أي “قادم جديد” كما جرت العادة بتسمية اللاجئين في كندا، يتم التأكيد على نقطة جوهرية ترتكز عليها الثقافة الكندية، وهي أن تعدد ثقافاتنا مصدر لقوتنا.
تشجع وتمول الحكومة المبادرات الفردية والمجتمعية التي تهدف لتمكين اللاجئين ومساعدتهم ببدء حياة جديدة، سواء كانت على صعيد التعليم أم العمل أم الترفيه والتعريف بالثقافة الكندية، وتحرص مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة على ضم وجوه جديدة ومتنوعة إلى طاقمها من خلفيات ثقافية مختلفة.
كما يفتخر الكنديون بضم هذه التشكيلة الواسعة من الأعراق والأديان في بلدهم، وبقدرتهم على العيش معًا مع محافظة كل منهم على عاداته وتقاليده، وفي حين يطلق على الولايات المتحدة لقب الـMelting Pot ويقصد بها الإناء الذي تذوب مكوناته معًا لينتج شيئًا واحدًا متجانسًا، لتشبيه حالة المهاجرين القادمين إلى أمريكا، حيث يتخلى معظمهم عن قسم كبير من تقاليده ويتبنى أسلوب الحياة الأمريكي، يطلق على كندا لقب الموزاييك، حيث يشكل الناس بهوياتهم المختلفة قطعة فنية واحدة.
ففي مدينة تورنتو بمقاطعة أونتاريو مثلًا، يوجد العديد من الأحياء الملقبة بأسامي دول ينتشر أبناؤها في هذه الأحياء مثل الحي اليوناني والإيطالي والصيني والبرتغالي والكوري والهندي والبولندي وغيرها، وتزدحم هذه الأحياء بالمطاعم ودور العبادة والبضائع القادمة من موطن قاطنيها.
عند الحديث عن قيام دولة كندا على اللاجئين والمهاجرين، يمكننا أن نلمس ذلك من خلال العديد من الأمثلة الواقعية مثل وزير الهجرة واللاجئين أحمد حسين وهو لاجئ سابق من الصومال
ويألف المقيمون في كندا أعياد غيرهم من الشعوب، بسبب قيام كل جالية بتنظيم الاحتفالات والفعاليات حيث تقام طقوسهم التقليدية، سواء كانت احتفالات رأس السنة الصينية أم عيد الديوالي الهندي أم حتى أعياد المسلمين وغيرها.
إيناس عبد العزيز إحدى القادمات الجدد إلى كندا، تعمل كمندوبة مبيعات في شركة اتصالات وتستعد لدخول الجامعة العام القادم، تصف تجربتها في المجتمع الكندي كمسلمة ومحجبة خلال تسعة أشهر من وجودها فيه، بالقول: “لم أتعرض حتى الآن لأي موقف عنصري، رغم تخوفي الشديد قبل قدومي بسبب انتشار الإسلاموفوبيا في الغرب. ينظر لي المجتمع على أنني أقلية وألاحظ من تعامل الأصدقاء والمعارف الكنديين أنهم يحرصون على إشعاري بالأمان”.
قيام دولة كندا على المهاجرين
عبد العزيز فاتح – 33 سنة – يقيم في ألمانيا منذ نحو أربعة أعوام، قال: “تعد ألمانيا من أفضل الدول في استقبال اللاجئين، من حيث القدرة على التنظيم ومساعدة اللاجئين على شق طريقهم في بيئة جديدة كليًا، وهي تربة خصبة للعمل والإنجاز، إلا أنه رغم ذلك، من الصعب جدًا الإحساس بالانتماء للهوية الألمانية، فهنالك شعب أصلي يرفض النظر للمهاجرين على أنهم ألمان. على عكس تجربة اللاجئين في كندا، حيث تقوم الدولة على المهاجرين والقادمين من دول أخرى، ولا يوجد شكل معين أو ثقافة معينة لما يجب أن يكون عليه المواطن الكندي. في ألمانيا تزداد احتمالية تعرضك للعنصرية بازدياد وضوح هويتك غير الألمانية من مظهرك الخارجي، فتعرض رجل عربي أشقر للعنصرية له احتمالية أقل من نظيره الأسمر، رغم أن القوانين الرسمية تمنع ذلك. وتنتشر العنصرية بصورة خاصة في القسم الشرقي من ألمانيا”.
على مستوى العمل، يعاني جميع المهاجرين إلى كندا وخصوصًا ذوي الشهادات الطبية والهندسية والحقوقية من العودة إلى نقطة الصفر
ويؤكد محمد المحمود ذلك قائلاً: “رؤية مزيج من الأشكال المختلفة والأعراق المتنوعة يعطي إحساسًا بالأمان، حيث لا يستغرب أحد وجودك في أي مكان بسبب مظهرك الخارجي، كما أن استخدام الكنديين لمصطلح “قادم جديد” أو “الكنديين الجدد” للإشارة للاجئين والمهاجرين يعطي شعورًا فوريًا بالإحساس بأنك جزء من هذا المكان”.
وعند الحديث عن قيام دولة كندا على اللاجئين والمهاجرين، يمكننا أن نلمس ذلك من خلال العديد من الأمثلة الواقعية، حيث بات لاجئون في مناصب سياسية رفيعة، مثل وزير الهجرة واللاجئين أحمد حسين وهو لاجئ سابق من الصومال، وجاغميت سنيغ رئيس حزب الديمقراطيين الجدد الذي ينحدر من أبويين مهاجرين من الهند، وهارجيت سجان وزير الدفاع الوطني من أصول سيخية هندية ومولود في الهند.
الجانب السلبي من كندا
على مستوى العمل، يعاني جميع المهاجرين إلى كندا وخصوصًا ذوي الشهادات الطبية والهندسية والحقوقية من العودة إلى نقطة الصفر، حيث لا تعترف كندا بأي من تلك الشهادات قبل الخضوع لامتحانات رسمية يسبقها سنين إضافية من الدراسة.
كما يرى البعض أن هناك صعوبةً وبطئًا شديدًا في عملية العثور على عمل في مجالات تخصصاتهم، مما يدفع الكثير من المهاجرين للعمل في المطاعم والمحال التجارية مقابل الحد الأدنى للأجور، وهي من الوظائف المرهقة جدًا.
أما على مستوى العنصرية، فتختلف نسبها بين مقاطعة وأخرى، وتبلغ ذروتها كما يرى البعض في مقاطعة كيبيك الكندية.
لحق إعلان القانون الجديد Bill 21 الذي ينص على حظر ارتداء الرموز الدينية موجة عارمة من الاحتجاجات في أوساط الأقليات وخبراء القانون، الذين عبروا عن قلقهم بأن القانون الجديد قد يعمل كأداة للتمييز العنصري بشكل مؤسساتي
حيث شّرعت مقاطعة كيبيك، قانونًا جديدًا ينص على منع موظفي الخدمات المدنية مثل موظفي الشرطة وطواقم التدريس في المدارس الحكومية من ارتداء أو وضع أي رموز دينية مثل القبعة اليهودية أو التوربان أو الحجاب والنقاب.
وستعمل حكومة المقاطعة على تطبيق القانون من خلال مراقبة الموظفين ومعاقبة المخالفين منهم، إلا أن المجلس الوطني للمسلمين الكنديين بالإضافة لمنظمات أخرى أعلنت نيتها تقديم مذكرة اعتراض على القانون في محكمة كيبيك العليا للمطالبة بإبطال العمل به.
وقد لحق إعلان القانون الجديد Bill 21 الذي ينص على حظر ارتداء الرموز الدينية موجة عارمة من الاحتجاجات في أوساط الأقليات وخبراء القانون الذين عبروا عن قلقهم بأن القانون الجديد قد يعمل كأداة للتمييز العنصري بشكل مؤسساتي، كما صرحت المعارضة بأن قانون حظر الرموز الدينية يتضارب مع الحقوق الأساسية للمواطن الكندي.