ببدلة أنيقة، ورابطة عنق، ذات لون أزرق داكن، وعلم الثورة السورية ذو النجوم الثلاثة يزين الخلفية، أجرى قائد الإدارة الانتقالية الجديدة في سوريا، أحمد الشرع مقابلة مع قناة “العربية” السعودية، بُثت الأحد 29 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أثارت الكثير من الصدى وردود الفعل لما حملته من رسائل عديدة على كافة المستويات في الداخل والخارج.
المقابلة، التي استمرت نحو 45 دقيقة، تُعد الأولى من نوعها لأحمد الشرع مع وسيلة إعلامية عربية، وذلك بعد سلسلة من اللقاءات التي أجراها مع وسائل إعلام أجنبية، كان أبرزها حديثه مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية. جاءت هذه المقابلة بهدف إيصال رسائل تطمينية للدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
اختيار قناة “العربية” السعودية تحديدًا كأول قناة عربية يختصها قائد الإدارة السورية الجديدة بالمقابلة، فضلًا عن مضمون هذا اللقاء الذي قدم جوابًا شافيًا وكافيًا لعشرات التساؤلات الحرجة التي كانت تتردد على ألسنة الشارع العربي وليس السوري وحده، خلال الـ 20 يومًا الماضية، جعلت من تلك المقابلة حديث الجميع، فهي -رغم تخوفات الكثيرين- كانت بمثابة خارطة طريق كاشفة لملامح الإدارة الجديدة فيما يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية، ومحددات العلاقات مع دول المنطقة، الحلفاء والخصوم.
الثورة المسلحة.. فض الاشتباك الجدلي
استهل الشرع اللقاء بمحاولة فض الاشتباك حول الثورة السورية المسلحة، والهجوم الذي تعرضت له المعارضة بشتى فصائلها لحملها السلاح في مواجهة نظام الأسد، منوهًا أنه على مدار 14 عامًا لم يترك النظام السوري فرصة ولا متنفسًا للحل السياسي الدبلوماسي، بل كان الرصاص والبارود والكيماوي هو لغة الخطاب الوحيدة في مواجهة المدنيين السلميين المطالبين بالتغيير.
وفي مواجهة هذا الجدار الخرساني من الصلف والجمود والعناد، وما تلاه من جرائم وانتهاكات أقل ما توصف به بأنها حرب إبادة وجرائم ضد الإنسانية، لم يجد السوريون بديلًا عن السلاح لمواجهة نظام لا يجد أي غضاضة في وأد شعبه حيًّا في مقابر جماعية، والزجّ بمئات الآلاف في السجون والمعتقلات، وإجبار الملايين على النزوح والتشرد خارج أوطانهم.
ومع ذلك التزمت الثورة بمقارباتها السلمية حتى آخر رمق، مكتفية باستخدام السلاح في أضيق الحدود وحين تكون الضرورة واجبة وملحّة، فكان الحفاظ على المدنيين أولوية، ومراعاة خصوصيات النساء والعجزة حتى من أنصار النظام واجب، وهو ما ترجمه الأداء العام للمعارضة خلال معركة “ردع العدوان”، فلا تهجير قسري ولا استهداف ممنهج ولا إقصاء متعمد، حتى الأحداث الطائفية الطفيفة التي شهدتها الساحة السورية كانت فردية في مسارها ولم تكن بأي حال من الأحوال ترجمة لتوجُّه أو استجابة لأوامر.
ويعكس الانتقال السلس للسلطة وأدواتها من النظام البائد إلى الإدارة الجديدة، والحفاظ على مؤسسات الدولة من الانهيار، والاستعانة بعدد كبير من رموز النظام لتسيير الأمور وضمان تقديم الخدمات الحياتية لجميع السوريين، سلمية الثورة والمرحلة الانتقالية، وإن كان ذلك لا ينفي وجوب محاسبة الضالعين في الانتهاكات التي تعرض لها الشعب السوري، لكنه في سياق المحاكمات العادلة التي من المرجح أن تنصبها الثورة لمجرمي الكيماوي والاعتقالات والسجون، ممن أذاقوا السوريين المآسي والجراح على مدار أكثر من عقد كامل.
تراتيب البيت.. ملامح السياسة الداخلية
حرص الشرع خلال المقابلة على تقديم رؤية تفصيلية كاشفة للسياسة الداخلية المتوقعة للإدارة الجديدة خلال المرحلة الانتقالية، وذلك عبر التشديد على بعض النقاط والمسارات المحددة:
أولًا: العملية الانتقالية
حدد قائد الإدارة الجديدة في سوريا المرحلة الانتقالية بـ 3 سنوات على أن تُجرى الانتخابات في السنة الرابعة، ورغم تخوف البعض من إطالة أمد تلك الفترة، إلا أن الواقع السوري والدروس المستفادة من التجارب السابقة تميل إلى ضرورة ألا تقل تلك المرحلة عن هذه الفترة.
فسوريا اليوم بلا إحصاء سكاني دقيق، بعدما أحرق النظام البائد ترسانتها الوثائقية، ولا قوى سياسية قادرة على خوض الانتخابات، كنتيجة منطقية لاحتكار البعث للمشهد السياسي لعقود طويلة، ولا بنية تشريعية ولا قانونية تساعد على إجراء تلك الخطوة، كما أن إجراء الانتخابات في هذا التوقيت قد يعيد استنساخ النظام الساقط مرة أخرى عبر أدوات الدولة العميقة التي لا تزال متغلغلة في الصفوف وتحتاج إلى فترة ليست بالقصيرة لاجتثاثها.
وتمنح تلك الفترة سوريا النفس الطويل والوقت الكافي لتدشين دستور جديد، على أُسُس المواطنة والديمقراطية والتشاركية، بعيدًا عن الدستور الإقصائي لنظام الأسد، إذ إن تلك المهمة تحتاج إلى مساحة زمنية ليست بالقصيرة، ومشاركة أكبر قدر ممكن من القوى السياسية وخبراء القانون والدساتير، وعقد جلسات ومشاورات ولقاءات عديدة مع كافة ألوان الطيف السياسي، وهو أمر لا يمكن إتمامه بشكل عاجل لما قد يترتب عنه من كوارث مستقبلية، تجهض كافة المكتسبات التي حققتها الثورة.
يقول البعض إن الشرع لو كان راغبًا حقًّا في رئاسة سوريا لأجرى انتخابات عاجلة في الوقت الراهن، مستغلًّا شعبيته الجارفة وحضوره الجماهيري الكبير الذي يؤهله لحسم تلك المعركة من الجولة الأولى، ثم بعد ذلك يبدأ عملية وضع الدستور، حسب مقاس السلطة الجديدة، بما يمهد الطريق نحو سنوات من الحكم.. لكنه لم يفعل ذلك، وشدد على أن يوضع الدستور أولًا، الذي يحدد فيما بعد ملامح الانتخابات ومن ثم الضوابط والآليات التي تحكم أي نظام تأتي به صناديق الاقتراع.
ثانيًا: تعيينات اللون الواحد
قوبلت تعيينات واختيارات الإدارة السورية الجديدة بالعديد من الانتقادات، إذ جاءت في معظمها ذات لون واحد، وسط مخاوف من إعادة استنساخ استراتيجية الشللية وأهل الثقة، أحد معاول الهدم المدمرة في كافة الأنظمة الإقليمية، وهو ما يتعارض مع تصريحات الإدارة الجديدة الأولية بشأن التشاركية وعدم الإقصاء.
الشرع من خلال المقابلة حاول تقديم تفسير منطقي -من وجهة نظره- لتلك المعضلة، لافتًا أن المرحلة الحرجة الحالية تحتاج انسجًاما بين السلطة وأدواتها، وأضاف: “شكل التعيينات الحالي كان من ضرورات المرحلة وليس إقصاء لأحد”، معتبرًا أن “المحاصصة في هذه الفترة كانت ستدمّر العملية الانتقالية”، منوهًا أن تلك الاختيارات مؤقتة لحين ترتيب الأمور بشكل يسمح بانخراط الجميع.
ويبدو أن قائد المرحلة الانتقالية السورية يحاول قدر الإمكان الاستفادة من الدروس التي قدمتها التجارب الإقليمية، التي رضخت لضغوط المحاصصة والتشاركية بداية الثورة، فاختلط حابلها بنابلها، فلولها بثوارها، أنقياؤها بفاسديها، ما ساعد على تغلغل سرطان الدولة العميقة في عظم التجربة الثورية فأرداها ميتة في غضون أشهر قليلة، وهو الفخ الذي لا يريد الشرع الوقوع فيه مرة أخرى.
ثالثًا: دولة موحدة وسوريا للجميع
حرص زعيم الإدارة الجديدة على تقديم رسالة مباشرة وواضحة بأن سوريا للجميع، وطن يحتضن الكل، لا مكان فيه لإقصاء ولا استقطاب، فالكل تحت جناحيه سواسية، موجهًا نداءه للمعارضة في الداخل والخارج بالتعاون والتكاتف والعمل من أجل نهضة سوريا الجديدة، داعيًا الجميع لحضور الحوار الوطني المرتقب لوضع مستقبل الدولة على طاولة النقاش، كل الآراء مقبولة وبأريحية كاملة وستوضع تحت دائرة النقاش والدراسة.
تحدث كذلك عن نزع السلاح وحل الكيانات المسلحة ودمجها في المؤسسة العسكرية الوطنية وفق ضوابط وشروط محددة، فلا سلاح إلا بيد الجيش، ولا فصيل مسلح إلا الجيش النظامي، بما فيها هيئة تحرير الشام التي يتزعمها، قائلًا: “بالتأكيد سيتم حل الهيئة، وسيعلن ذلك في مؤتمر الحوار الوطني”.
أحمد الشرع، قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا:
📌 نتفاوض مع "قسد" لحل أزمة شمال شرق سوريا
📌 لا تقسيم لسوريا بأي شكل ولا فيدرالية
📌 الأكراد جزء لا يتجزأ من المكونات السورية
📌 وزارة الدفاع السورية ستضم القوات الكردية إلى صفوفها#الشرق_للأخبار #سوريا #أحمد_الشرع pic.twitter.com/E9uM80WGgM
— Asharq News الشرق للأخبار (@AsharqNews) December 29, 2024
ولم يغفل الشرع التطرق إلى الأكراد كإحدى القنابل الموقوتة التي تهدد وحدة سوريا، مؤكدًا على أنهم جزء لا يتجزأ من المكونات السورية، ومرحّبًا في الوقت ذاته باندماج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في الجيش الوطني السوري، مشيرًا إلى التفاوض معها حاليًا لحل أزمة شمال شرق البلاد، ومؤكدًا في الوقت ذاته على تسليم سلاحها أسوة ببقية الفصائل، إذ “أنه ينبغي أن يكون السلاح بيد الدولة فقط وهذا ينطبق على “قسد”،” على حد قوله.
ولاقت تلك التصريحات الاستثنائية تقدير المجلس الكردي في سوريا، والتي وصفها بأنها إيجابية وتعكس إدراك الإدارة الجديدة بقضية الأكراد، مضيفًا في تصريحات نقلتها “العربية/ الحدث” بأنهم مستعدون للعمل مع الشرع لبناء دولة ديمقراطية تعددية، لافتين إلى أن النظام الفيدرالي سيكون فعالًا من وجهة نظرهم.
وشدد الشرع -قبل انتهاء حديثه عن السياسة الداخلية للمرحلة الانتقالية-، على انتمائه المتجذر للثورة السورية وأهدافها الوطنية، لافتًا إلى الانتقال حاليًا من مرحلة الثورة -بعدما حققت أهدافها الأولية- إلى مرحلة بناء الدولة، تلك المرحلة التي تتطلب أبجديات وسياسات وضوابط وآليات مختلفة.
السياسة الخارجية.. رسائل الطمأنة
استغل الشرع الـ 45 دقيقة هي مدة المقابلة، لإيصال رسائل الطمأنة والمغازلة وطرق الأبواب للعديد من القوى الإقليمية، مختلفة التوجهات والأيديولوجيات، الحلفاء والخصوم، الداعمون والمناوئون، البداية كانت برسالة عامة للمتخوفين من فكرة تصدير الثورة، إذ شدد على أن المرحلة الثورية، رغم خصوصيتها، قد انتهت بالفعل ودخلت سوريا الآن مرحلة بناء الدولة الحديثة على أُسُس مدنية بحتة.
كما طمأن الجميع بأن سوريا أبدًا لن تكون منصة لتهديد الجيران، بما فيهم “إسرائيل”، وهو التخوف الذي فرض نفسه على الخطاب الإعلامي للعديد من القوى الإقليمية، التي جيّشت آلتها الإعلامية لشيطنة المعارضة السورية وتشويه الإدارة الجديدة وإثارة الرعب والخوف من تداعيات حكمها على الإقليم والمنطقة بأسرها.
حتى إيران التي اتهمها بإثارة النعرات الطائفية في سوريا على مدار 40 عامًا، لم يغلق الباب بالكلية أمام التعامل معها، مطالبًا إياها بإعادة حساباتها في تدخلاتها على حساب شعوب المنطقة، موضحًا أن إدارة العمليات تعاملت مع إيران بمنطق الدولة إذ حمت مقراتها وانتظرت منها إشارات إيجابية، منوهًا في الوقت ذاته على أن شريحة واسعة في إيران تريد دورًا إيجابيًا لطهران بالمنطقة.
#سوريا#أحمد_الشرع رجل دولة وليس زعيم جماعة
في حواره مع قناة " العربية " رسخ أحمد الشرع السياسية الواقعية والمطمئنة للسوريين والعرب والعالم، التي سارت عليها الإدارة لانتقالية في سوريا منذ اليوم الاول لسقوط نظام الأسد. لم يدع الزعامة، ونسب تحرير سوريا من النظام العلوي للسوريين…
— داود الشريان (@alshiriandawood) December 30, 2024
ولم تغفل رسائل المغازلة روسيا التي دعمت نظام الأسد لأكثر من 9 سنوات تقريبًا، إذ شدد الشرع على أن الإدارة الجديدة لا تريد لها خروجًا بطريقة لا تليق بعلاقاتها بسوريا، منوهًا أن لموسكو ثقلًا وأهمية عالية كبيرة، وأن لدمشق مصالح استراتيجية معها، وأن مصلحة البلدين تتطلب الإبقاء على تلك العلاقة على أُسُس من الاحترام المتبادل واحترام السيادة وعدم التدخل في شؤون الآخرين.
وعن الجدل الذي أثارته صورة قائد الإدارة السورية الجديدة مع بعض الشخصيات السياسية المتحفظ عليها في بعض الدول، مثل مصر تحديدًا كما في صورة القيادي الإسلامي محمود فتحي، المحكوم عليه في قضية مقتل النائب العام هشام بركات، أشار الشرع بذكاء واضح أن مثل تلك الصور كانت عفوية ولا تحمل أي رسائل من هنا أو هناك، فالأمر في بدايته لا يعدو كونه استقباًلا بروتوكوليًا لكافة المهنئين من مختلف الجنسيات دون تمييز لهم ولا لخلفياتهم السياسية، وهو بذلك يُبقي الباب مفتوحًا مع القاهرة رغم خطاب الشيطنة وتأخُّر الانخراط في المشهد.
القائد أحمد الشرع يستقبل الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ووزير الخارجية الكويتي في قصر الشعب بدمشق.
اللهم اجمع كلمتهم على الهدى واجعلها زيارة خير وبركة pic.twitter.com/wiHs8Op0zj
— عادل العازمي 🇰🇼 (@alazmi_3del) December 30, 2024
لعبة التوازنات الخارجية.. السعودية نموذجًا
لم يكن تخصيص قناة “العربية” السعودية لإجراء المقابلة الأولى للشرع على القنوات العربية، بعد خطاب الشيطنة بداية معركة “ردع العدوان”، فضلًا عن استحواذ المملكة على النصيب الأكبر من الاهتمام والثناء، أمرًا اعتباطيًا، ولا يمكن قراءته بمعزل عن موجة الرسائل التي تبعث بها الإدارة السورية الجديدة لدول الإقليم.
تحدث القائد الجديد عن أهمية السعودية كدولة محورية إقليميًا، ذات نفوذ سياسي واقتصادي مؤثر، كما أبدى إعجابه بنموذج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته المملكة، والانتقال رويدًا من الاعتماد على الموارد النفطية إلى تنويع مداخل الاقتصاد، استجابة لرؤية ولي العهد السعودي (2030)، معربًا عن تكرار هذا النموذج سوريًّا، ناهيك عن حنينه للعاصمة الرياض التي وُلد فيها وقضى سنوات عمره السبعة الأولى.
الرسائل كانت مباشرة ولا تحتاج لجهد القراءة المتأنية، فالشرع يحاول فتح صفحة جديدة في العلاقات مع السعودية، تقوم على أساس الشراكة والتعاون الاقتصادي الذي يعود بالنفع على الشعبين، السعودي والسوري، مشددًا على الفرص الاستثمارية الكبيرة أمام المملكة داخل السوق السوري الزاخر بالفرص الواعدة.
#أحمد_الشرع
أعتز بأني وُلدت في #الرياض، وأشتاق للعودة إليها، وأشعر بالهوى تجاه #السعودية pic.twitter.com/A4boHI9zQi
— فايز المالكي (@fayez_malki) December 29, 2024
رسائل الاطمئنان لم تغفل البُعد الأمني والسياسي، فتحرير سوريا من نظام الأسد الطاغية، هو الضمانة الأكبر لضمان أمن الخليج لأكثر من 5 عقود قادمة، بعدما أُطيح بالمخطط الإيراني واستئصال جذوره من سوريا التي كانت إحدى أهم أذرع طهران في الشرق الأوسط، والتي طالما كانت تمثل تهديدًا كبيرًا للخليجيين رغم محطات التهدئة المؤقتة بين الحين والآخر.
قائد سوريا الجديد يخطو أولى خطواته في لعبة التوازنات الإقليمية، فالرجل يأبى أن يلقي بالبيض كله في سلة واحدة، مدشّنًا خارطة متشابكة من التحالفات، مع تركيا وقطر أكبر الداعمين للثورة السورية منذ بدايتها، سياسيًا واقتصاديًا ومع السعودية -وبالتبعية الخليج بأكمله ومحوره الإقليمي- وما لها من ثقل اقتصادي مؤثر، كذلك مع الغرب والولايات المتحدة حيث الدعم اللوجستي والسياسي والدولي، ومغازلة القوى القلقة والمتخوفة كمصر، والإبقاء على الباب مواربًا مع روسيا وإيران.
حتى الكيان المحتل حاولت الإدارة الجديدة تحييده بتصريحات مطمئنة، رغم انتهاكاته التي لا تتوقف في الجنوب، وهي التصريحات التي هاجمها البعض على أنها خيانة وتواطؤ، فيما يعتبرها آخرون براغماتية سياسية تستهدف تصفير الأزمات وتجنُّب الولوج في صدامات مبكرة مع أي قوى خارجية أيًّا كانت في تلك المرحلة الحرجة من الثورة، والتي تتطلب ترتيب البيت من الداخل أولًا، وتعبيد الطريق نحو ترسيخ التجربة الثورية أركانها في مواجهة الدولة العميقة وأنصار الثورة المضادة، ثم يكون الانتقال حيث المهام الخارجية والحدودية التالية، وهو ما يتخوف منه الإسرائيليون بشكل كبير بحسب وسائل إعلامهم المحلية.
في المجمل، كان اللقاء ناجحًا بامتياز على المستوى السياسي الدبلوماسي، إذ نجح الشرع مع الإطلالة الأولى له عربيًا -بعدما بات قائدًا للإدارة السورية الجديدة- أن يقدم أوراق اعتماده كرجل دولة، استفاد بشكل واضح من التجارب التي شهدتها المنطقة خلال العشرية الأخيرة، ليفتح الباب على مصراعيه نحو الاعتراف الإقليمي والدولي بسوريا الجديدة، وهي الخطوة المهمة لكنها ليست الأهم، فالمرحلة الانتقالية بإدارتها ومواجهة تحدياتها ومخاطرها وعراقيلها وكيفية التصدي للمتربصين بها، هي من سترسم المستقبل بشكل كبير وتحدد مدى نجاح الثورة السورية التي من المبكّر تقييمها النهائي في الوقت الراهن.