يومان فقط يفصلان موريتانيا عن الانتخابات الرئاسية المنتظرة، انتخابات سيختار فيها الموريتانيون خليفة للرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز، الذي عرفت البلاد طيلة فترة حكمه تراجعًا كبيرًا في العديد من المستويات، نتيجة الفساد الذي عُرف به نظامه.
رئيس جديد دون انقلاب عسكري
يتوجّه أكثر من مليون ونصف موريتاني يحق لهم التصويت من بين 4 ملايين نسمة (عدد سكان موريتانيا)، بعد غد السبت إلى مراكز ومكاتب الاقتراع المنتشرة داخل وخارج البلاد لانتخاب رئيس بلادهم للفترة الرئاسية القادمة.
رئيس جديد سيأتي هذه المرة عن طريق صناديق الاقتراع وليس عن طريق الانقلابات العسكرية التي اشتهرت بها البلاد، وبدأت الانقلابات العسكرية في موريتانيا عام 1978، عندما أنهى العسكر حكم ولد داداه، ثم توالت الانقلابات 1979 و1980 و1984، ثم 2003 و2005، وكان آخرها عام 2008.
يتنافس في هذه الانتخابات 6 مرشحين، عمل كل منهم خلال الحملة الانتخابية التي تنتهي الليلة على إقناع أكبر عدد ممكن من الموريتانيين ببرامجه
انقلابات كثيرة جعلت الموريتانيين يعتقدون أنه من الصعب على العسكر التنازل عن حكم البلاد لفائدة مدنيين، ويرى الموريتانيون أن المؤسسة العسكرية في بلادهم لا يبدو أنها مستعدة لتقبل أن تكون السلطة لغيرها، وهي قناعة تقاسمها فيها معظم المؤسسات العسكرية في الوطن العربي، وهو ما انعكس على تنمية البلاد.
هذه الذكريات التي بقيت خالدة في العقل الجمعي للموريتانيين جعلت العديد منهم يؤكد أن أي مرشح للانتخابات الرئاسية من الجيش سينجح حتمًا، فالمؤسسة العسكرية تدعمه، وكل موارد الدولة وإداراتها ومؤسساتها مسخرة له، وإن حصل العسكر على الانتخابات فسيتم الانقلاب عليه كما حصل في السابق، وفي التاريخ ذكرى.
6 يتنافسون على منصب الرئيس
يتنافس في هذه الانتخابات 6 مرشحين، عمل كل منهم خلال الحملة الانتخابية التي تنتهي الليلة على إقناع أكبر عدد ممكن من الموريتانيين ببرامجه، وذلك لكسب أصواتهم للظفر بكرسي الرئاسة وخلافة الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز في القصر الجمهوري.
ضمن هؤلاء المرشحين وزير الدفاع السابق الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني، الذي يترشّح بصفة مستقلة رغم دعم النظام له. يعتبر هذا المرشح رفيق درب الرئيس الحاليّ، وسبق أن أطاح ولد الغزواني إلى جانب ولد عبد العزيز بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في الـ6 من أغسطس/آب 2008 الذي كان أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد.
كما نجد ضمن المرشحين أيضًا الناشط الحقوقي المدافع عن “حقوق الأرقاء والأرقاء السابقين” بيرام ولد أعبيدي، وسبق لبيرام الذي يترأس “مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية” المعروفة اختصارًا بحركة “إيرا”، أن ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2014 وحصل حينها على نحو 8% من أصوات الناخبين، ليحل ثانيًا في الترتيب بعد محمد ولد عبد العزيز.
يحاول كل طرف إقناع الناخبين ببرنامجه
دخل ولد أعبيدي المجال السياسي من بوابة المطالب الحقوقية، ويعتبره أنصاره رمز الانعتاق والحرية، فيما يراه خصومه أداة تستخدمها أطراف خارجية لتمزيق نسيج المجتمع الموريتاني، برز بيرام ولد الداه أعبيدي حقوقيًا منافحًا عن شريحة الحراطين (الأرقاء السابقين)، فشارك في نشاطات الحركات الحقوقية العاملة في المجال وخاصة “منظمة نجدة العبيد” بقيادة ببكر ولد مسعود، وقبلها “حركة الحر” العريقتين في الدفاع عن شريحة “الحراطين”.
ضمن مرشحي المعارضة نجد كذلك، رئيس الحكومة الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر، يدعم هذا المرشّح العديد من الأحزاب المعارضة ومنها “الاتحاد والتغيير الموريتاني” وحزب “المستقبل”، بالإضافة إلى حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” الإسلامي (ثاني أكبر حزب سياسي ممثل في البرلمان الموريتاني).
يعد سيدي محمد ولد بوبكر أحد أبرز قادة أركان حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، وتولى الأمانة العامة لـ”الحزب الجمهوري” الذي حكم موريتانيا إبان فترة حكم ولد الطايع، وبعد الانقلاب العسكري على ولد الطايع، كلف ولد بوبكر برئاسة الحكومة الانتقالية في الفترة ما بين 2005 و2007، ثم شغل بعد ذلك بعض المناصب الحكومية وسفيرًا لبلاده بعدد من الدول.
ضمن الستة المرشحين نجد أيضًا رئيس حزب “اتحاد قوى التقدم” والنائب البرلماني محمد ولد مولود، ويقول حزب “اتحاد قوى التقدم” إنه رشّح ولد مولود للرئاسية “نظرًا لتعذر توصل التحالف الانتخابي للمعارضة الديمقراطية إلى مرشح موحد خلال هذا الاقتراع رغم الجهود المضنية والمتواصلة التي بذلها الحزب بقيادة الرئيس محمد ولد مولود”.
سبق أن شارك هذا المرشح ذو الخلفية اليسارية في انتخابات سابقة، فقد ترشح للانتخابات الرئاسية التي نظمت في 2007 وحصل على أقل من 5% من أصوات الناخبين، ويعتبر ولد مولود أحد أبرز السياسيين الذين عارضوا كل الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في موريتانيا.
يبرز اسم محمد أحمد ولد الغزواني الذي يعتمد على أجهزة الدولة ومؤسساتها الرسمية للظفر بكرسي الرئاسة، وفق المعارضة الموريتانية، كأحد أبرز المرشحين
خامس المرشحين هو المرتجي ولد الوافي، وهو أصغرهم، ويعمل المرتجي، إطارًا في وزارة المالية الموريتانية، وهو خبير محاسبة، خريج المدرسة الوطنية للصحافة والقضاء، وحاصل على الأستاذية في المحاسبة من تونس، وسبق له أن عمل مديرًا ماليًا لإحدى شركات توزيع البترول في موريتانيا.
يقدم نفسه مرشحًا للشباب، وكان قد تعهد في كلمة أمام مناصريه لدى افتتاح حملته الانتخابية، عن عزمه إشراك الشباب في تسيير البلد فور انتخابه رئيسًا لموريتانيا، مشددًا على أن نهوض أي بلد لا يمكن دون إشراك الشباب في إدارة الشأن العام.
سادس المرشحين هو بابا حميدو كاني، وقدم ملف ترشحه بصفته مرشحًا عن ائتلاف التعايش المشترك، وهو ائتلاف يضم أحزابًا ذات خلفية قومية زنجية، وسبق أن شارك حميدو كاني الذي يعمل صحفيًا، في انتخابات 2009، وحصل حينها على أقل من 2%.
مستعينًا بأجهزة النظام.. الغزواني في طريق مفتوح
ضمن الستة مرشحين السابق ذكرهم، يبرز اسم وزير الدفاع السابق الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني الذي يعتمد على أجهزة الدولة ومؤسساتها الرسمية للظفر بكرسي الرئاسة، وفق المعارضة الموريتانية، كأحد أبرز المرشحين.
وكان ولد الغزواني قد شارك مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز في انقلابين في 2005 و2008 وهو التاريخ الذي أصبح فيه رئيسًا لأركان الجيش قبل أن يعين في الحكومة وزيرًا للدفاع حتى مارس/آذار 2018.
يعتبر ولد الغزواني مرشحًا للسلطة
المكانة التي يحظى بها داخل المؤسسة العسكرية، إلى جانب ثقة بعض القوى المدنية به واستعماله أجهزة الدولة في حملته الانتخابية، جعلت الغزواني الأكثر حظًا في انتخابات 2019، وفي حال فوزه بالرئاسة منتصف السنة الحاليّة، سيكون أول قائد أركان للجيوش الموريتانية يصل إلى الرئاسة عبر صناديق الاقتراع وليس عبر الدبابات في انقلاب عسكري.
ويسجّل للغزواني دخوله المبكر في الحملة الانتخابية، فمذ توليه منصب وزير الدفاع، أصبح ولد الغزواني أكثر تحررًا ليمارس السياسة، وبالتالي الترويج لشخصه، يوصف ولد الغزواني بأنه مرشّح السلطة رغم ترشحه بصفة مستقلة، فسبق أن أعلن وزير الثقافة المتحدث باسم الحكومة الموريتانية سيدي محمد ولد محم، في يناير/كانون الثاني الماضي، اختيار ولد الغزواني مرشحًا للسلطة.
رغم ادعائه العمل باستقلالية بعيدًا عن النظام، يؤكد الموريتانيون أن ولد الغزواني الذي كان لسنوات طويلة يد ولد عبد العزيز التي مدت للغرب والخليج سيكون امتدادًا للرئيس الحاليّ، وبالتالي امتدادًا للنظام الذي ساهم في تفقير الشعب وتهميشه رغم الثروات التي تمتلكها البلاد.