يواصل نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، مساعيه الحثيثة لتصدّر المشهد العام في البلاد، تحضيرًا لإحكام قبضته على هذا البلد الإفريقي مستعينًا بأساليب عدة، وصلت حدّ الاستعانة بالفن والرياضة، فالكل متاح في سبيل تحقيق غايته الكبرى، وهي حكم السودان.
أغاني تمجّد قائد الميليشيات
في القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية، أينما وجّهت سمعك، تسمع أغاني تمجّد تاجر الإبل الذي حوّلته الصدفة إلى أمير حرب في السودان. أغاني منها الجديد ومنها القديم، تتغنى بالجنرال محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري الذي تولّى السلطة عقب الإطاحة بعمر البشير في 11 ابريل/نيسان الماضي.
على إيقاعات محلية وعلى أنغام الأوركسترا، يؤدي شباب سودانيون من الجنسين ما يعتبرونه أعمالًا فنية، تشيد بدور قوات الدعم السريع وقائدها حميدتي في حفظ أمن واستقرار السودان منذ سنوات عدّة.
تقول كلمات إحدى الأغاني التي تبثّ في التلفزيون الرسمي السوداني، “حبيناك يا حميدتي وحبيناك ويبقى الأمان، حبيناك يا جيش وحبيناك للسودان، حبيناك يا دعم سريع حبيناك لنسير قدام”، كلمات أراد الفنان صديق متولي من خلالها التغني بقوات الدعم السريع التي تتهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور وفضّ اعتصام القيادة العامة.
اعتماد حميدتي على الفن والرياضة للترويج لشخصه “المتزن المحب للبلاد والغيور عليه”، يأتي بالتزامن مع اعتماده على قوات الدعم السريع
أغاني يبتغي حميدتي ومن معه من خلالها رسم صورة جديدة للجنرالات، الذين عرفوا بإراقة دماء الآلاف من السودانيين في مناطق عدّة، وآخرها ما حصل عند فض اعتصام القيادة العامة بالقوة وقتل العشرات هناك واغتصاب النساء وترويع الأطفال والشيوخ.
جاء الاعتماد على الغناء، لقدرته الكبيرة على تزييف وعي الشعوب، والتعبئة الجماهيرية، فالأغاني تخاطب العاطفة وتقصي العقول، وهو ما يمكّن من فرض الحاكم الفرد، الأمر الذي يسعى إليه حميدتي منذ فترة طويلة.
ويرى حميدتي أن مخاطبة السودانيين عبر الأغاني الثورية التي تبدأ بالتغني بالثورة وتختم بتمجيده، أداة جيدة للسيطرة على العقل الجمعي للسودانيين والتأثير فيه عاطفيا واستغلال الفراغ الذي أحدثه عزل عمر البشير للترويج لشخصه، بأنه الشخصية الأجدر لقيادة البلاد.
حميدتي يدقّ أبواب الرياضة
لم يتوقّف حميدتي عند الأغاني الثورية التي تمجّد صورته فقط، بل اقتحم ميادين أخرى حتى يظهر بمثابة الحاكم الفعلي للسودان، فرغم كونه نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، فإنه الآمر والناهي في البلاد في هذه الفترة.
أمس، قدّم الفريق أول محمد حمدان دقلو دعمًا ماليًا هامًا لأندية الدوري الممتاز لكرة القدم، بواقع نصف مليون جنيه (نحو عشرة آلاف دولار) كدفعة أولى لكل ناد؛ لتمكينها من تجاوز بعض المشاكل التي تواجهها في هذه الفترة.
وشدّد حميدتي -أثناء لقائه بمكتبه بالقصر الجمهوري أمس الخميس مع كتلة أندية الدوري الممتاز- وفق ما نقلته وكالة السودان الرسمية للأنباء، على ضرورة التوافق والاتفاق بين الأندية، والبعد عن العصبية من أجل تطوير لعبة كرة القدم.
بدوره، عبر عمر محمد عبد الله عضو مجلس إدارة نادي المريخ -حسب الوكالة السودانية- عن “شكر وتقدير الأندية للدعم الكبير والرعاية والاهتمام التي تجدها الرياضة من نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي”.
ويسعى حميدتي من خلال هذه الخطوة إلى الظهور بمظهر المهتم بالرياضة والداعم الكبير للمنتخبات الوطنية وأندية الدوري الممتاز، خاصة المشاركة في بطولات الكاف لما لها من شعبية كبيرة بين السودانيين.
هذا الأمر سيمكّنه من السيطرة على عقول محبي الرياضة، وفق تصوره الذي يقوم على أن تقديم الدعم لأي فريق كرة قدم سيؤدّي حتمًا إلى انسياق جماهيره ورآه وإتباع خطواته دون سؤال عن جدواه أوعواقبها على البلاد.
الجنجويد.. القوة الضاربة على الأرض
اعتماد حميدتي على الفن والرياضة للترويج لشخصه “المتزن المحب للبلاد والغيور عليه”، يأتي بالتزامن مع اعتماده على قوات الدعم السريع التي تعرف باسم الجنجويد لترويع الأهالي وفرض قوته ميدانيا، حتى لا تخرج الأوضاع عن سيطرته.
عملت هذه الميليشيا لسنوات إلى جانب نظام عمر البشير في دارفور، قبل أن تتحول إلى قوات نظامية تحت مسمى “حرس الحدود” ثم “قوات الدعم السريع” ويمنح أعضاءها بطاقات بأنهم يتبعون الجيش السوداني، غير أن أسلوبها ظل نفسه “القتل والترويع”.
يستغل القائد السابق للميليشيات التي بثت الرعب في إقليم دارفور “حميدتي”، ضعف باقي مكونات المجلس العسكري لتصدّر المشهد العام في البلاد
تتهم هذه القوات المسلحة بارتكاب فظائع هائلة تجاه المدنيين في دارفور من قتل واغتصاب ومحو لقرى كاملة بأهلها من الوجود والتسبب في واحدة من أكبر عمليات النزوح الجماعي في القارة السمراء، إلا أن عناصرها لم يقدموا إلى المحاكمات، نتيجة دعم نظام الرئيس المعزول عمر البشير لهم.
ومنذ الإطاحة بعمر البشير، تنتشر قوات الدعم السريع في كامل مدن السودان خاصة في العاصمة الخرطوم، وهي التي تتولى فرض الأمن هناك، وفرض توجهاتها على المواطنين بالقوة، دون مراعاة لأحد ما جعل الأهالي في مناوشات دائمة معهم.
إحكام السيطرة على السودان
هذه الأساليب المعتمدة، تخفي وراءها رغبة كبيرة لدى حميدتي للسيطرة على البلاد، ووضع يده عليها، والنكث عن وعوده بتسليم السلطة للمدنيين، فهو يعلم يقينا أن ذهاب السلطة للمدنيين سيعجّل بمحاسبته هو وقواته على جرائم الحرب التي ارتكبوها خاصة في دارفور.
تتبين هذه الرغبة، من خلال تتبع تحركات حميدتي، فمنذ تخليه عن عمر البشير ورفض الانضمام للمجلس العسكري الذي أراد وزير الدفاع السوداني ونائب البشير الفريق عوض بن عوف تشكيله وانضمامه للمجلس الذي شكّله عبد الفتاح البرهان، ما فتئ طموحه يزداد.
يسعى حميدتي للسيطة على السودان بكلّ الطرق المتاحة
يستغل القائد السابق للميليشيات التي بثت الرعب في إقليم دارفور “حميدتي”، ضعف باقي مكونات المجلس العسكري لتصدّر المشهد العام في البلاد وهو ما أفلح فيه، ويرأس المجلس العسكري الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وهو عسكري غير معروف إلى حين وصوله إلى رأس البلاد.
يسعى حميدتي الذي ينحدر من قبيلة عربية بدوية على الحدود بين تشاد والسودان تسمى “الرزيقات”، إلى استغلال هذا الوضع على أحسن وجه خدمة له ولجماعته، فهو يرى أنه الأجدر على قيادة السودان في هذه المرحلة التاريخية.
يحاول حميدتي الاستنجاد بهذه الأساليب لإضفاء الشرعية الشعبية عليه، في ظل تشديد الخناق عليه خارجيًا، فالكل يطالبه والمجلس العسكري الذي ينوب رئيسه بتسليم السلطة للمدنيين وعودة العسكر إلى ثكناته، وهو ما يتعارض مع خططه الرامية إلى حكم السودان والتمتع بخيراته، فكيف سيكون عليه وضع السودان في الفترة القادمة؟