خلصت لجنة العلاقات الدولية في البرلمان البريطاني مؤخرًا إلى أن بيع بريطانيا أسلحة للسعودية تخالف القانون الإنساني الدولي، وعليه قضت محكمة الاستئناف في لندن، الخميس 20 يونيو، بمراجعة تراخيص بيع الأسلحة للسعودية، معلّلًة قرارها باستخدام هذه الأسلحة في انتهاكات للقانون الإنساني الدولي خلال حرب اليمن.
جاء هذا القرار بعد رفع نشطاء بريطانيين من منظمة “الحملة ضد تجارة السلاح” دعوة قضائية أمام محكمة الاستئناف محتجين بأنّ مبيعات الحكومة البريطانية من السلاح للسعودية “غير قانونية” ويجب إيقافها لمنع سقوط قتلى من صفوف المدنيين في اليمن، التي وصفوا الحرب عليها بأنها “الأسوأ في تاريخنا الحاضر”، بعد أن سمحت لهم المحكمة برفع طلب استئناف في مايو 2018 العليا. أشارت الحملة إلى أن النظام في السعودية هو واحد من أكثر الأنظمة قسوة وقمعًا في العالم، بالإضافة إلى أنه أكبر مشتر للأسلحة بريطانية الصنع على مدار عقود.
يأتي هذا التصعيد بعد تجارة أسلحة واسعة بدأت بين بريطانيا والسعودية منذ بدء الحرب على اليمن، في آذار 2015. ووفقًا لبحث أصدره معهد ستوكهولم لبحوث السلام، المختص بمراقبة صناعة الأسلحة في العالم، بريطانيا هي ثاني مصدّر “للأسلحة الأساسية” للسعودية، بعد الولايات المتحدة وقبل فرنسا، كما تضاعفت واردات السعودية من الأسلحة الرئيسية أكثر من ثلاث مرات، بين عامي 2012 و2017، مقارنة بالسنوات الخمس التي سبقتها.
يذكر أن هذه الصفقات تضم أسلحة من نوع ثقيل ومعدات عسكرية من بينها طائرات تايفون، وتورنيدو المقاتلة، وقنابل دقيقة التوجيه. وبالرغم مما خلقته هذه القضية من جدل عام في بريطانيا ووجهات نظر متفاوتة بشأن مشاركة بريطانيا غير المباشرة في حرب اليمن، إلا أن هذه التجارة تعود بفوائد اقتصادية جمة على الاقتصاد البريطاني بسبب مساهمة المبيعات في الحفاظ على آلاف الوظائف الهندسية في بريطانيا، وتوفيرها مليارات الجنيهات من العوائد لتجارة الأسلحة البريطانية. فقد منحت بريطانيا تراخيص بيع أسلحة بأكثر من 4 مليارات و700 مليون جنيه استرليني إلى السعودية، كما تقدّر مشتريات السعودية بأكثر من 40 في المئة من صادرات الأسلحة البريطانية.
تأتي ردود الفعل الرسمية والدولية تباعًا للتعليق على الموضوع، فمن جهتها، قالت مديرة التقاضي الاستراتيجي في منظمة العفو الدولية (أمنستي)، لوسي كلاريدج، إن الحكم “خطوة كبيرة نحو منع سفك المزيد من الدماء” مضيفًة بأن هذه أول مرة تقرّ فيها محكمة بريطانية بالمخاطر المتمثلة في مواصلة مدّ السعودية بإسراف بمعدات عسكرية للاستخدام في اليمن.
بينما قال كبير القضاة، سير تيرينس إيثرتون، إن الحكومة “لم تقدم تقييمًا حاسمًا بشأن إن كان التحالف الذي تقوده السعودية انتهك القانون الدولي الإنساني في الماضي، خلال الصراع في اليمن، ولم تحاول (الحكومة) تقديم ذلك”. في حين اكتفت المتحدثة باسم رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، بالقول إن الحكومة “تشعر بخيبة أمل”، وإنها سوف تسعى إلى استئناف الحكم.
ردود الفعل السعودية والدعم الأمريكي المطلق
على الرغم من أن الحكم لا يعني بالضرورة نهاية المبيعات مستقبلًا، إلا أنه يجعلها في خطر يهدد مصالح السعودية مما دفع وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، الخميس 20 يونيو، إلى القول “إن إيران ستكون المستفيد الوحيد من أي وقف لصادرات الأسلحة من بريطانيا إلى المملكة، مضيفًا أن نشر أسلحة في اليمن أمر مشروع وأن هذا التحالف حليف للغرب أيضًا ويخوض حرًبًا مشروعة لتلبية رغبة حكومة شرعية، ولمنع إيران ووكلائها من السيطرة على دولة مهمة استراتيجيًا”. وفي الوقت ذاته قام الحوثيين بتنفيذ عمليات عسكرية على مطار جازان، جنوب السعودية، مخلفًا عطل في الملاحة الجوية، في حين لم يصدر أيّ تعليق من السلطات السعودية بهذا الخصوص.
تعتمد السعودية في هذه الحرب على دعم أمريكا الثابت والمستمر، والذي لا يقتصر على الدعم السياسي أمام مجلس الأمن الدولي. بل وصل إلى كونه دعم عسكري مبررًة أمريكا إياه بخوفها على سلامة مواطنيها الأمريكان المستخدمين للخطوط الجوية السعودية. فيما جاء تأكيد وزير الخارجية، بومبيو، توضيحًا كاملًا لرؤية أمريكا إزاء هذا التحالف قائلًا: “فيما يتعلق بالحرب الأهلية، إيران هي التي تقودها.. علينا أن نكون واضحين.. الحوثيون ما زالوا يرفضون القيام بكل ما طلبته منهم الأمم المتحدة”.
وأضاف أن هذا الرفض يعود إلى توجيهات إيرانية، مشيرًا إلى أن أنظمة الصواريخ والطائرات المسيرة التي يستعملها الحوثيون “أنظمة سلاح تم تهريبها من إيران إلى اليمن”.
لا تعتبر حرب السعودية ضد إيران جراء تصعيدات السنوات الأخيرة فقط. بل هي نتيجة لتاريخ طويل من محاولات إيران التدخل بشؤون العالم العربي. وبالطبع بسبب عداوات قوامها الدين والتاريخ والتنافس على الذهب الأسود.
التدخلات الخارجية إزاء التحالف
يأتي النزاع المسلح في اليمن تحت اسم “التحالف” الذي تقوده السعودية مع عدّة دول عربية مثل الإمارات، الكويت والبحرين والأردن والسودان، والمغرب ضد جماعة الحوثي، القوات الموالية للحكومة والمتهمين بتلقي دعم إيراني منذ بدأ التصعيد عام 2014 والذي راح ضحيته 6,592 قتيل و 10,470 مصاب بسبب ما يعيشه اليمن من غارات جوية غير قانونية تؤدي إلى انتهاكات إنسانية قاسية.
أظهرت دول أوروبية عدة ريادة في هذه القضية من بينها ألمانيا، حين أعلنت أنجيلا ميركل، في أكتوبر 2018، عقب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، أن ألمانيا ستوقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية، كما حثت دول أعضاء الاتحاد الأوروبي على القيام بالمثل. بينما لم يردّ وزير الخارجية جيريمي هانت حتى الآن على تقرير اللجنة. ولكن إذا كانت التقارير الإعلامية الأخيرة دقيقة، فقد طلب مؤخرًا من وزير الخارجية الألماني في رسالة خاصة أن تخفّف ألمانيا الحظر المفروض على مبيعات الأسلحة للسعودية، بسبب تأثيره السلبي على مبيعات الأسلحة البريطانية للسعودية.
كما شاركت منظمة حقوق الإنسان، هيومن رايتس ووتش، بتقارير خلصت بها إلى أن الفريق المشترك لتقييم الحوادث القائم بقيادة السعودية بشأن البحث بحقيقة جرائم الحرب في اليمن لم يلتزم بمعايير المصداقية الدولية، ووصفته بعدم الشفافية. كما أن استمرار الضربات الجوية وسقوط ضحايا من المدنيين وتفشي المجاعات كله يثبت أن هناك انتهاكات تشارك بها بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا على حدّ سواء مع السعودية.
تتجه الأنظار الآن حول ما إن كانت السعودية ستشهد تدخلات أخرى، أو إجراءات مشابهة للتي اتخذها القضاء البريطاني، أو تلك التي فرضتها عليها ألمانيا عقب مقتل خاشقجي. بالأخص في ضوء كشف مقررة الأمم المتحدة، أغنيس كالمارد، عن نتائج التحقيق في جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي يتهم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بالتورط بقضية قتل خاشقجي، وتوجيهه أوامر مباشرة لاختطافه. مما يجعل السعودية محط أنظار العالم لارتكابها عدة جرائم إنسانية تخالف قواعد المجتمع الدولي وعلى مرئى من الجميع.