بعد خمسة أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية العراقية في الـ12 من مايو/أيار 2018، توافق ساسة المنطقة الخضراء على اختيار عادل عبد المهدي رئيسًا لمجلس الوزراء في الـ25 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولم تنته قصة الحكومة الجديدة حتى الآن، فما زالت حكومة عبد المهدي غير مكتملة، بواقع أربع وزارات شاغرة هي الدفاع والداخلية والتربية والعدل.
ومع كم الخلافات الكبيرة والمفاوضات، لم يستطع عبد المهدي حسم ملفات الوزارات الشاغرة، ما يطرح الكثير من الأسئلة عن إمكانية استقالته من منصبه أو إقالته، بعد الحديث عن توجه بعض الكتل السياسية إلى المعارضة البرلمانية في سابقة هي الأولى في العراق منذ الغزو في 2003.
عادل عبد المهدي وتاريخه في الاستقالات
ولد عادل عبد المهدي عام 1942، إذ ينحدر من عائلة برجوازية تعود أصولها إلى مدينة الناصرية جنوب بغداد، تنقل عبد المهدي في عدة دول خلال فترة معارضته لنظام الرئيس الراحل صدام حسين، فمن فرنسا إلى سوريا ثم لبنان، وشهد خلال حياته انتقالات فكرية من الليبرالية إلى الاشتراكية ثم إلى التوجه الإسلامي، ما أهله ليكون قياديًا في حزب المجلس الأعلى الإسلامي الذي تزعمه عمار الحكيم قبل أن ينشق الأخير ويشكل “تيار الحكمة”.
تولى عبد المهدي عدة مناصب حكومية بعد الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003، إذ كان عضوًا في مجلس الحكم الانتقالي، ثم شغل عدة مناصب مهمة في الدولة منها وزير المالية في حكومة إياد علاوي عام 2004، ثم نائب رئيس الجمهورية في عهد حكومة المالكي، ثم وزير النفط في حكومة العبادي.
مصاعب كبيرة يواجهها العراق داخليًا وخارجيًا، فمع بدء الصيف تراجعت إمدادات الكهرباء مجددًا في المحافظات الجنوبية، ما ينذر بأزمة مظاهرات شعبية كالتي حصلت في صيف العام الماضي
ويتبين من تاريخ الرجل أنه لا يجد بأسًا في الاستقالة من منصبه متى ازدادت الضغوط، إذ قدم عبد المهدي استقالته كنائب لرئيس الجمهورية إلى الرئيس الراحل جلال الطالباني في 12 من مايو/أيار 2011 احتجاجًا على عدم التزام مجلس الرئاسة بالنظام الداخلي، ثم جاءت الاستقالة الثانية لعبد المهدي من منصبه كوزير للنفط في حكومة العبادي عام 2016.
تطرح الاستقالات السابقة لعادل عبد المهدي سلسلة من التساؤلات عن إمكانية إقدامه على تقديم استقالته من رئاسة الحكومة في خضم الخلافات الكبيرة بين الكتل السياسية الطامحة لشغر الوزارات الشاغرة والدرجات الخاصة، فهل سيقدم عبد المهدي استقالته أم أن خصومه سيعملون هذه المرة على إقالته قبل الاستقالة؟
بين الإقالة والاستقالة كل شيء وارد
مصاعب كبيرة يواجهها العراق داخليًا وخارجيًا، فمع بدء الصيف تراجعت إمدادات الكهرباء مجددًا في المحافظات الجنوبية، ما ينذر بأزمة مظاهرات شعبية كالتي حصلت صيف العام الماضي.
وتترافق هذه الأزمة مع تصاعد هجمات تنظيم الدولة (داعش) في المناطق التي كان التنظيم مسيطرًا عليها بين عامي 2014 و2017 وعاد لتنفيذ بعض العمليات النوعية التي يرى خبراء أنها تاتي لتؤكد وجود خلايا نائمة في تلك المناطق، ليس هذا فحسب إذ إن الخلافات السياسية وعدم اكتمال كابينة الحكومة، جعل الكتل السياسة تهدد بإقالة الحكومة، فقد حذّر برلمانيون، يوم الإثنين 17 من يونيو/حزيران الحاليّ عبد المهدي من أزمة كهرباء في البلاد قد لا تبقيه على رأس الحكومة العراقية التي تواجه بحسب كثير من الخبراء معضلات أخرى داخلية كموجة الانتقادات التي شنها تيار الحكمة وائتلاف النصر برئاسة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بشأن طريقة إدارة الملفات الداخلية والعلاقات الخارجية للبلاد في ظل التوترات المحلية والإقليمية.
يأتي حراك العبادي والحكيم بحجة أن كتلتيهما لا تمتلكان أي مناصب في حكومة عادل عبد المهدي، إذ تعد هذه الحيثية عقدة الخلافات مع الكتل الأخرى، فيرى العبادي والحكيم أن كتلتيهما تعرضتا للخداع بعد أن تنازلا عن حصصهما في الحكومة، على أمل أن تتنازل بقية الكتل دعمًا لمساعي الإصلاح الذي وعد به عبد المهدي فور تسلمه منصبه، إلا أن ذلك لم يحدث بحسب المعارضين.
تواجه حكومة عادل عبد المهدي صعوبات جمّة قد تودي بها في القريب العاجل، في ظل وضع أمني خطير في العراق فرضته التجاذبات السياسية والعسكرية في المنطقة والصراع الأمريكي الإيراني
كم الخلافات هذه قد تطيح بحكومة عبد المهدي واتجاه منافسيه لإقالته تحت قبة البرلمان، إلا أن شخصيات سياسية بارزة في المشهد العراقي ترجح إقدام عبد المهدي على تقديم استقالته قبل الإقالة، إذ رجح نائب رئيس الحكومة العراقية الأسبق بهاء الأعرجي صحة الأنباء المتداولة في الأروقة السياسية التي تشير إلى قرب استقالة عبد المهدي من منصبه.
ويعتقد الأعرجي أن الأنباء المتداولة عن استقالة عبد المهدي إن لم تكن حقيقية، فهي ليست بالبعيدة عن التحقق، إذ يرى أن عبد المهدي يؤمن ببناء دولة المؤسسات، غير أن الشركاء السياسيين لم يمنحوه الحرية الكافية للبدء بعملية البناء وتصحيح أخطاء الحكومات السابقة، مشيرًا إلى أن المحاصصة والاستحواذ السياسي يقف حاجزًا أمام الإصلاح، بحسبه.
وأشار الأعرجي إلى أن استقالة عبد المهدي ستكون جاهزة في حال استمرار العراقيل التي تحول دون اكتمال التشكيلة الوزارية والدرجات الخاصة، لافتًا إلى أن الرجل لا يقبل تحمل أخطاء الآخرين واستقالاته السابقة تشير إلى إمكانية استقالته مجددًا.
لعبة المحاور والتوتر الإقليمي قد تطيح برئيس الحكومة
خارجيًا، تواجه حكومة عادل عبد المهدي صعوبات جمّة، قد تودي بها في القريب العاجل، في ظل وضع أمني خطير في العراق، فرضته التجاذبات السياسية والعسكرية في المنطقة، والصراع الأمريكي الإيراني، تضاف إليها الخلافات السياسية التي تمنع حتى اللحظة من تسمية وزراء للدفاع والداخلية والعدل والتربية مع سعي كل طرف للاستحواذ على حصة الأسد.
في ظل توترات إقليمية بين واشنطن وطهران واحتمال نشوب حرب بين الجانبين، يحذر الكثيرون من أن العراق سيدخلها رغمًا عنه بسبب تعدد ولاءات الجهات والفصائل التي تتمتع بثقل عسكري كبير
ويرى بعض المراقبين أن الصراع السياسي بين الكتل واختلاف الولاءات ولعبة المحاورعاد بقوة إلى أروقة السياسية العراقية، من خلال سعي بعض الأطراف إلى ربط العراق بالمحور الإيراني مقابل سعي آخر من رئيس الحكومة للنأي بالعراق عن الصراعات الإقليمية.
بدوره، يقول النائب عن كتلة الإصلاح والإعمار النيابية علي البديري في حديثه لإحدى وسائل الإعلام: “الحكومة برئاسة عبد المهدي قدمت برنامجًا (أوسع من قصص ألف ليلة وليلة) دون تحقيق شيء يذكر على أرض الواقع، فالحكومة تمضي بالإصلاحات وفق نظرية السلحفاة”، وبيّن البديري أن الحكومة لن تكمل عامها الأول إن استمرت بمنهجها الضعيف، بعد أن أصبحت أسيرة لإرادات ضيقة من بعض الأطراف السياسية ولم تعد تملك لا حولاً ولا قوة.
تتصاعد الخلافات بين ساسة المنطقة الخضراء بين من يؤيد بقاء عبد المهدي ومن يرى أن الحكومة ماضية إلى الإقالة، في ظل توترات إقليمية بين واشنطن وطهران واحتمال نشوب حرب بين الجانبين يحذر الكثيرون من أن العراق سيدخلها رغمًا عنه بسبب تعدد ولاءات الجهات والفصائل التي تتمتع بثقل عسكري كبير.