لا يزال العراق وحكومته الضعيفة وقواه السياسية أمام مواقف متعددة ومترددة وقلقة مما يجري في محيطه الخارجي وحتى الداخلي، وذا رؤية ضبابية في التعامل مع الضغوط الإيرانية من جهة والأمريكية من جهة أخرى لاتخاذ موقف واضح ومحدد من العقوبات الأمريكية على إيران، وذلك بالتزامن مع عودة المحيط العربي والدولي للاهتمام بالعراق وإعادة العلاقات معه سياسيًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا بالإضافة لتقديم عدد من الدول حوافز وعروض اقتصادية وعسكرية وسياسية ليبتعد العراق عن إيران قدر المستطاع والعودة إلى محيطه العربي.
القرار العراقي الخارجي والداخلي مفكك وغير موحد وغير مُدرك لأهمية العراق الجديد ومكانته مع الانفتاح العربي والعالمي عليه ودوره المستقبلي في الاستقرار الإقليمي، فالسياسة الخارجية العراقية قائمة على ردود الفعل وليس على خطة إستراتيجية واضحة قائمة على الفعل ومعرفة ماذا يجب على العراق القيام به في الوقت الراهن وتحقيق مصلحته الوطنية واستثمار مكامن القوة لديه، هذا التخبط والانقسام في السياسة الخارجية هو مرآة تعكس الواقع العراقي الداخلي المتخبط والمنقسم، ويعود ذلك بالدرجة الأساس هو سيطرة إيران على القرار العراقي أو تأثيرها عليه بشكل كبير.
أي خسارة وابتعاد عربي أو أمريكي عن العراق يعتبر مكسبًا لإيران ونفوذها المتنامي الذي لا يرغب بأي منافس عربي أو غربي على مستوى الاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة
إن إيران ونفوذها والفاعل السياسي الشيعي المؤيد لها ينظرون للعودة العربية والعالمية إلى العراق من خلال مبدأ “الربح والخسارة” والصراع الصفري، بمعنى أن أي اتفاقيات جديدة مع العراق وأي تقارب أو انفتاح أو أي مكسب عربي – عراقي أو عراقي – أمريكي يعتبر من خلال هذا المبدأ خسارة لإيران واستهداف لها والعكس صحيح، أي أن أي خسارة وابتعاد عربي أو أمريكي عن العراق يعتبر مكسبًا لإيران ونفوذها المتنامي الذي لا يرغب بأي منافس عربي أو غربي على مستوى الاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة والسلع والنفوذ السياسي والعسكري، لأن العراق بالنسبة لإيران ليس إلا ساحة حرب، ويجب على العراق الاعتماد على إيران فقط في تحقيق احتياجاته.
الخطورة تكمن في قدرة إيران على نفث روح الطائفية والإرهاب من جديد إذا دخل العراق معركة الاستقطاب الإقليمي وابتعد عنها أو شعرت أن المحور الأمريكي العربي حقق مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية كبيرة في العراق.
فعلى مستوى الطاقة يضغط نفوذ إيران ويحاول عرقلة مفاوضات مع شركات عالمية لمنع أي بديل وطني عراقي لاستثمار الغاز العراقي، فهو يعتبر إيرانيًا مكسبًا لشركتي سيمنز وجنرال إلكتريك وخسارة لإيران التي تصدر إلى العراق ما قيمته 4 مليارات دولار غاز وكهرباء سنويًا، كما تُغرق إيران السوق العراقية ببضائعها الرخيصة لتجنب أي بديل تركي أو خليجي، وتنسق مع حزب العمال الكردستاني في سنجار بالقرب من مثلث الحدود التركي – العراقي – السوري الذي تجري بالقرب منه أعمال لافتتاح معبر جديد “فيشخابور” مع تركيا، ومن المتوقع أن يساهم المعبر في توسيع التبادل التجاري العراقي التركي بشكل كبير ووصول المنتجات التركية إلى الجنوب العراقي حتى البصرة وهو ما يقلق ملالي طهران، وقد تعمل على ضربه بحزب العمال الذي تنسق معه مليشياتها المنتشرة حول الموصل حيث مرور الخط التجاري المقترح.
الموقف العراقي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ولا يملك قراره الوطني ولا يملك القدرة على وضع قدمه في المكان المناسب مع وجود الاستقطاب الإقليمي الذي يزداد تمحورًا خاصة مع سياسة ترامب
أخيرًا، بالنسبة لموقف بغداد من الحرب الباردة الإقليمية التي قد تتحول إلى حرب حقيقية بالوكالة أو بالأصالة، فهي تضع قدمها الأولى لدى إيران وروسيا وسوريا، والقدم الأخرى تتجه إلى الولايات المتحدة والخليج والعرب، فالموقف العراقي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ولا يملك قراره الوطني ولا يملك القدرة على وضع قدمه في المكان المناسب مع وجود الاستقطاب الإقليمي الذي يزداد تمحورًا خاصة مع سياسة ترامب التي لا تعترف بنصف عدو ونصف صديق ولا ترغب بأن يقف العراق على الحياد، حيث تعتبر سياسة ترامب الحياد يخدم إيران ويُخرجها من عزلتها باستخدام العراق الذي ينفتح عليه العالم، خاصة أن إيران تنظر إلى العراق بمبدأ “الربح والخسارة” والصراع الصفري – كما قلنا – وهو غير مُدرك أن الوقوف إلى جانب طهران فيه مقامرة ومغامرة قد تهدد أمن واستقرار العراق الهش والنسبي بعد الانتصار على داعش.