أثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بشكل عميق على وعي الكثير من الأمريكيين ومواقفهم تجاه “إسرائيل”، ما دفع الجهات الداعمة للاحتلال إلى التحرك للدفاع عنه، ومن بين هذه الجهات برزت مؤسسة التراث الأمريكية اليمينية المؤيدة للصهيونية، والتي أطلقت مبادرة مثيرة للجدل والشكوك، تحمل اسم “إستر” وتهدف ظاهريًا إلى مكافحة “معاداة السامية” لكنها في الحقيقة حملة موجهة ضد معارضي “إسرائيل” وحربها على غزة.
هذا المقال يجيب عن عدة أسئلة تحوم حول حقيقة وتوجهات هذا المشروع، وأهمها: هل يساوي المشروع بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية؟ وما تأثير ذلك على البيئة السياسية في الولايات المتحدة؟ وكيف تؤثر استراتيجيته على الحركات المؤيدة لفلسطين في الشارع الأمريكي؟.
الفصل الثاني من “مشروع 2025”
حظيت مؤسسة التراث الفكرية المحافظة، المرتبطة بالرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بدعاية واسعة لمشروعها المثير للجدل المعروف بـ”مشروع 2025” خلال الحملات الانتخابية الأمريكية الأخيرة، وهو عبارة عن وثيقة مفصلة تتألف من 922 صفحة، أعدها عشرات الموظفين السياسيين المقربين من ترامب، وتهدف إلى تنفيذ أجندة يمينية متطرفة، تشمل إصلاح الحكومة الفيدرالية في حال فوزه.
لكن يبدو أن “مشروع 2025” لم يعد كافيًا بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فقد أصدرت مؤسسة التراث وثيقة أخرى مطولة تحت عنوان “مشروع إستر: استراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية”، تستهدف من خلالها ملايين الأمريكيين المؤيدين لفلسطين والمناهضين للعدوان الإسرائيلي على فلسطين ودعم بلادهم له، واصفة إياهم بأنهم “انتهازيون وممولون من الخارج وغير أصلاء”.
يزعم هذا الاقتراح الجديد، الذي أعلنت مؤسسة التراث صراحة عن نيتها تحويله إلى سياسة حكومية خلال ولاية ترامب الثانية، أنه يقدم خطة لمكافحة معاداة السامية في الولايات المتحدة، ومع ذلك يكشف الواقع أن الهدف الحقيقي هو سحق حركة التضامن مع فلسطين كخطوة أولى تمهد لتقييد جميع أشكال المعارضة المحلية والدولية داخل الولايات المتحدة.
الجدير بالذكر أن “مشروع إستر” صدر في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2024، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لطوفان الأقصى وما تبعه من إبادة جماعية ارتكبتها “إسرائيل” في غزة، كما جاء المشروع قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في ظل إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، ووسط دور بارز للديمقراطيين في خلق بيئة خصبة لهذه المؤامرة. ورغم خطورته، لم يحظ المشروع بأي اهتمام يُذكر في وسائل الإعلام الرئيسية داخل الولايات المتحدة.
وتحت غطاء مكافحة معاداة السامية، شهدت الولايات المتحدة بالفعل موجة واسعة من القمع والمضايقات استهدفت الفلسطينيين والناشطين المناهضين للحرب والجماعات الداعمة لفلسطين، بالإضافة إلى الأمريكيين الذين ينتقدون دعم بلادهم للإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” في فلسطين، لكن مشروع إستر يجسد توجهًا يمينيًا لإضفاء الطابع المؤسسي على هذا القمع من خلال تسليح الحكومة، وخاصة بقيادة ترامب.
ورغم محاولة ترامب السابقة النأي بنفسه عن مشروع 2025، يبدو أن مشروع إستر موجه مباشرة إليه، حيث كتب مؤلفوه: “نيتنا هي تنظيم وتوجيه جميع الشركاء الراغبين والقادرين في جهد منسق يستخدم جميع الموارد المتاحة لمكافحة آفة معاداة السامية في الولايات المتحدة. نأمل أن يمثل هذا الجهد فرصة للشراكة بين القطاعين العام والخاص عندما تتولى إدارة راغبة قيادة البيت الأبيض”. ومن المتوقع أن تبدأ هذه الإدارة فعليًا في 20 يناير/كانون الثاني 2025.
وتصف وثيقة مشروع إستر، الذي ابتكرته نفس العقول التي قدمت مشروع 2025 القومي المسيحي الاستبدادي، غرضه بأنه مستوحى من قصة الملكة إستر. ووفقًا للرواية التوراتية الواردة في سفر إستر، تدخلت الملكة إستر، التي كانت متزوجة من ملك بلاد فارس في القرن الخامس قبل الميلاد، لإنقاذ الشعب اليهودي من الإبادة الجماعية التي خطط لها الوزير هامان، والذي يُصوَّر في التراث الحاخامي كواحد من أبرز الأشرار الذين اضطهدوا اليهود عبر التاريخ.
يجمع مشروع إستر بين هذه القصة التوراتية وسرديات الصهيونية الحديثة القائمة على الدفاع عن النفس والتضحية، ليقدم المشروع نفسه كمدافع عن اليهود في مواجهة الناشطين والأكاديميين، وأعضاء الكونغرس الذين يعارضون سياسات التمييز والفصل العنصري والإبادة الجماعية.
في هذا الإطار، يثير المشروع مخاوف حقيقية من اعتماده على قصة الملكة إستر باعتبارها رواية تاريخية، رغم أن أغلب علماء الكتاب المقدس يرون أن القصة ملفقة أو مجازية في أفضل الأحوال، ومن شأن هذا التوجه أن يجعل النهج المتطرف في التعامل مع سفر إستر أقرب إلى اعتباره حقيقة تاريخية.
وكما يقترح مشروع 2025 جدولًا زمنيًا لا يتجاوز 100 يوم لإحداث تغيير جذري في نظام الحكم الفيدرالي وفقًا لإملاءات اليمين المتطرف، فإن ملحقه مشروع إستر تحول إلى مخطط حقيقي يستهدف القضاء على المشاعر المعادية لـ”إسرائيل” في الولايات المتحدة خلال عام أو عامين فقط.
وبحلول نهاية هذه الفترة، وفقًا لما تروج له مؤسسة التراث، لن تكون هناك مظاهرات مؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة، حيث سيتم ترحيل المتعاطفين مع الفلسطينيين أو سجنهم. بالإضافة إلى ذلك، سيُعمل على تطهير المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة من أي عناصر تُبدي تعاطفًا مع القضية الفلسطينية.
نهاية الدعم الأمريكي لفلسطين
تستهدف وثيقة مشروع إستر التي تتألف من 10 آلاف كلمة، تحديد حركة التضامن مع فلسطين على أنها “شبكة دعم حماس”، حيث تصف الوثيقة مجموعات تُتهم بأنها “معادية للسامية وإسرائيل وأمريكا”، ومتورطة في تعزيز قضية حماس بما يتعارض مع القيم الأمريكية، ويضر بمصالح الأمن القومي الأمريكي وسلامة المواطنين الأمريكيين.
وأكدت منظمة “زيتيو” المختصة في مراقبة تغطية وسائل الإعلام الغربية، أن مشروع إستر لا يفرق بين معاداة الصهيونية وانتقاد “إسرائيل” ومعاداة السامية، بل حتى معاداة أمريكا، إذ يحاول معدو الوثيقة تقديم أي تحرك لدعم فلسطين على أنه ليس فقط ضد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي – وهو بالطبع كذلك – بل ضد الديمقراطية في أمريكا نفسها.
وبحسب المشروع، فإن أهداف “شبكة دعم حماس” المزعومة تتضمن إضفاء الشرعية على المظاهرات المؤيدة لحقوق الفلسطينيين، وإضعاف المساعدات العسكرية الأمريكية والدعم الدبلوماسي للحملة العسكرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى الدعوة للاعتراف بالدولة الفلسطينية التي قد تشمل حماس، وتزعم الوثيقة أيضًا أن هذه الأهداف لا تعرض يهود أمريكا فقط للخطر، بل تهدد حتى أمريكا نفسها.
وتتضمن الشبكة – كما تقول الوثيقة – كيانات ومنظمات فلسطينية وعربية وحتى يهودية أمريكية مثل “مسلمون أمريكيون من أجل فلسطين” (AMP)، مع “أذرع عمل” يُزعم زورًا أنها منظمات دعم حماس، بما في ذلك “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”. وتستهدف الوثيقة أيضًا منظمات أخرى تنتقد “إسرائيل”، مثل “الصوت اليهودي من أجل السلام”، التي تنظم مسيرات وتجند الأعضاء وتنشر الدعاية.
“طلاب من أجل العدالة في فلسطين”.. حركة طلابية غيّرت وجه الجامعات الأمريكية
وتكتمل الصورة بتوجيه الحكومة الفيدرالية للعمل على إغلاق المؤسسات التي تدعم المنظمات المؤيدة للفلسطينيين كجزء من سياسة متعلقة بقضايا الشرق الأوسط، بما يشمل منظمات تمويل مثل “مؤسسات المجتمع المفتوح” و”مؤسسة تايدز” و”صندوق الإخوة روكفلر”، رغم أن هذه المجموعات تدعم أكثر من القضايا الفلسطينية، حيث تعمل أيضًا على قضايا مهمة أخرى مثل العدالة المناخية والهجرة.
ويزعم المشروع بشكل غريب أن دوافع هذه المنظمات وفهمها للتاريخ تأتي مباشرة من “صفحات البيان الشيوعي” أو “المانيفيستو”، وهو كتيب سياسي ثوري يحلل صراع الطبقات ومشكلات الرأسمالية، نشره السياسيان الألمانيان كارل ماركس وفريدرك أنجلز عام 1848، وأصبح منذ ذلك الحين ثاني أكثر الكتب السياسية تأثيرًا في العالم، وألهم عدة ثورات حول العالم.
ووفقًا للكاتب والمحلل السياسي ميتشل بليتنيك، في مقال نشر في موقع “موندويس” الأمريكي، فإن هذه الاستراتيجية تحمل تأثيرين رئيسيين: الأول هو تشويه سمعة حركة التضامن مع فلسطين وجميع المنظمات التي تنضوي تحتها من خلال ربطها بحماس، والتي يصنفها معظم الجمهور الأمريكي على أنها منظمة إرهابية، استنادًا إلى عقود من التشويهات التي طالت الجماعة وأهدافها.
والهدف الثاني من مشروع إستر هو مهاجمة جميع المنظمات المدنية التي تنادي بدعم الحق الفلسطيني، من خلال تصويرها على أنها داعمة للإرهاب، وبشكل خاص تلك المنظمات التي صنفتها الحكومة الأمريكية كمنظمات إرهابية، وهذا التوجه من شأنه أن يجعل من المستحيل على هذه المنظمات جمع الأموال بشكل قانوني أو إتمام المعاملات التجارية القانونية.
ويقترح المشروع مهاجمة هذه المنظمات عبر الاستفادة من قانون تسجيل العملاء الأجانب وقانون المنظمات المتأثرة بالابتزاز والفساد، وهو قانون يُستخدم عادةً لملاحقة جماعات الضغط الأجنبية والجريمة المنظمة. كما يقترح استخدام قوانين مكافحة الإرهاب وخطاب الكراهية والهجرة لتقديم اتهامات ضد الأصوات المؤيدة للفلسطينيين.
تمتد المؤامرة التي يحاول مشروع إستر الترويج لها أيضًا إلى الحكومة الأمريكية، حيث تذكر الوثيقة أسماء العديد من دعاة العدالة الاجتماعية البارزين وممثلي الحزب الديمقراطي وأعضاء الكونغرس الأمريكي والسياسيين المنتخبين السود واليهود الذين انتقدوا “إسرائيل” بأي شكل من الأشكال.
وهناك الكثير مما يمكن قراءته بشأن مَنْ هم على رأس هذه القائمة ومَنْ ليسوا كذلك، حيث يمكن لأي شخص يتابع الكونغرس الأمريكي أن يلاحظ على الفور أن نطاق الديمقراطيين المدرجين واسع للغاية، وتشمل القائمة بعض الشخصيات مثل رشيدة طليب وكوري بوش وجمال بومان الذين كانت مواقفهم السياسية بشأن فلسطين بارزة للغاية في أقوالهم وأفعالهم.
لكن هناك آخرين في القائمة كانوا حذرين بشأن موقفهم من فلسطين، ففي بعض الأحيان يدافعون عن حقوق الفلسطينيين، وأحيانًا لا يفعلون، ويشمل ذلك شخصيات مثل براميلا جايابال وجريج كاسار، وحتى بعض الأسماء مثل ألكسندريا أوكاسيو كورتيز وإلهان عمر، الذين حاولوا في بعض الأحيان استرضاء قاعدتهم اليسارية بشأن القضية الفلسطينية، لكنهم كانوا عمومًا أكثر حذرًا من طليب وبومان وبوش في تعبيرهم عن مواقفهم.
كما تهاجم وثيقة المشروع زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ المنتهية ولايته، تشاك شومر، الذي يقول المشروع إنه “دعا إلى إقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دون سبب واضح بخلاف أن نتنياهو ينتمي إلى اليمين السياسي في إسرائيل”، لكن الحقيقة أن شومر أطلق هذه الدعوة لأنه كان يعتقد أن نتنياهو يقود “إسرائيل” إلى مسار كارثي بسبب محاولته القيام بانقلاب قضائي.
هؤلاء الأفراد المستهدفين – سواء كانت مواقفهم من “إسرائيل” وعدوانها على غزة صريحة أم مترددة – يتهمهم ملحق مشروع 2025 بقيادة “عصابة نشطة من كارهي اليهود وإسرائيل وأمريكا في واشنطن”، ويصفهم بشكل خاطئ على أنهم جزء من كتلة حماس أو داعمين لها، ويستحل استهدافهم باعتبارهم معادين للمصالح الإسرائيلية والأمريكية، وأعداء للشعب اليهودي.
لكن الأمر الأكثر دلالة هو غياب أي جمهوريين في الوثيقة، مثل السيناتور راند بول، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري الأكثر نشاطًا في إبطاء وتأخير والتشكيك في المساعدات لـ”إسرائيل”، والنائب الجمهوري توماس ماسي، الذي قطع بانتظام علاقاته بحزبه للتصويت ضد المساعدات العسكرية وغيرها من مشروعات القوانين المتعلقة بـ”إسرائيل”. ورغم ذلك، لا يظهر اسمه ولا اسم راند بول في وثيقة مشروع إستر.
يكشف غياب هؤلاء وغيرهم بوضوح عن اللعبة التي يلعبها مشروع إستر، فإذا كان التصويت ضد “إسرائيل” في الكونغرس – كما يدعي المؤلفون – هو شكل من أشكال معاداة السامية، وكان مشروع إستر يدور حول ملاحقة معاداة السامية تحت ستار القرارات المناهضة لـ”إسرائيل”، فمن الغريب أن يتم تجاهل شخصيات مثل ماسي وراند بول في الوثيقة.
بدلًا من أن يقدم المشروع إجابة على هذا السؤال، يركز المشروع على دعم شخصيات مثل حاكمة ولاية داكوتا الجنوبية الجمهورية كريستي نويم، ووزيرة الأمن الداخلي في الإدارة الأمريكية الجديدة، التي كانت قد قدمت مشروع قانون لمواجهة انتقاد “إسرائيل” تحت ذريعة ضمان أمن شعب الله المختار، وفقًا لوصف حاكمة الولاية.
مستقبل مظلم لمنتقدي الاحتلال
يركز مشروع إستر في البداية بشكل مباشر على المؤسسات الأكاديمية، حيث توضح الوثيقة أنها تهدف إلى إرساء معيار جديد في الجامعات والمدارس الثانوية للتعامل مع أي انتقاد لكل من “إسرائيل” والولايات المتحدة باعتباره أمرًا غير مقبول.
ويسعى القائمون على المشروع لفرض قيود غير مسبوقة على حرية التعبير داخل الجامعات والمؤسسات العامة، ما يجعل أي متضامن مع القضية الفلسطينية عرضة للمساءلة والعقاب، مثل إلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب وطردهم من الجامعات.
لذا فإن معظم تكتيكات مشروع إستر الأولى تدور حول العديد من الجهود التي شهدتها الجامعات الأمريكية بالفعل، مثل تحريف قوانين مكافحة التمييز القائمة للدفاع عن “إسرائيل”، واستخدام تكتيكات التسمية والتشهير وحرب القانون، وتقييد التمويل، وحتى تجميد الأصول.
لكن المشروع يسعى إلى التوسع في هذه الجهود، ويبذل جهود كبيرة في محاولة تدمير حركة التضامن مع فلسطين، كما يحاول المشروع مساواة الحركة المتنامية لدعم حقوق الفلسطينيين بصعود العناصر المؤيدة للنازية في الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الثانية، وهذا ما وُصف بـ”عودة جديدة إلى الماركسية”، حيث يُوجه الاتهام بالتآمر والخيانة دون تقديم أدلة حقيقية.
وبالتذكير بحقبة النائب الجمهوري في فترة الخمسينيات جوزيف مكارثي، الذي قاد عددًا من موظفي الحكومة الأمريكية إلى السجن بتهمة أنهم شيوعيون يعملون لمصلحة الاتحاد السوفيتي، وبلغت في عهده شكوك المعادين للشيوعية أوجها، فإن مجرد نفحة من التعاطف مع الفلسطينيين تكفي لوصف منظمة أو فرد بأنه جزء مما يسمى “شبكة حماس”.
وعلى النقيض من إنسانية الاسم الذي يحمله المشروع المنسوب إلى أسطورة الملكة إستر، يسعى القائمون على المشروع إلى خلق استراتيجية شاملة لمواجهة المنتقدين للاحتلال، حيث تنص الوثيقة على ترحيل أعضاء المنظمات المستهدفة المولودين في الخارج، وفصل المعلمين والموظفين المتعاطفين، وفحص الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الأجانب سياسيًا لأغراض التأشيرة. أما التعاطف أو الانتماء إلى منظمات مستهدفة فسوف يؤدي إلى وضعهم في القائمة السوداء للتوظيف.
وتستخدم الوثيقة مصطلحات مثل “تحليل الشبكات الاجتماعية” لوصف المراقبة والتسلل وتعطيل حركات العدالة الاجتماعية، كما تؤيد الوثيقة التسلل كتكتيك لزرع عدم الثقة بين المنظمات ومراقبتها وتدميرها، وليس من المستغرب في هذه الحالة أن يجعل مشروع إستر مجرد استخدام البيانات الصحفية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي يبدو غير شرعي لمجرد أن نشطاء التضامن مع فلسطين يستخدمونها.
مشروع إستر ليس لليهود
على النقيض مما قد يظنه المرء عن وثيقة تتحدث عن معاداة السامية، يتحدث مشروع إستر باستخفاف عن المخاوف اليهودية، ويذهب إلى حد مهاجمة اليهود الأمريكيين لفشلهم في معالجة المشكلة، وعدم توافقهم مع وجهات نظر معدّي الوثيقة المثيرة للجدل بشأن معاداة السامية.
وينتقد المشروع أيضًا ما يراه “رضا عن الذات” داخل المجتمع اليهودي الأمريكي، ويستشهد بالمثال الصهيوني المعادي للسامية المتمثل في “اليهودي الجديد” الذي يرفض المعتقدات التقليدية التي تفسر القمع والصعوبات على أنها عقاب إلهي للخطايا.
وتستمر الوثيقة في توبيخ المشرعين اليهود لأن عدد من صوتوا منهم ضد الجهود الرامية إلى إدانة النائبة الديمقراطية رشيدة طليب، أكبر من عدد الذين صوتوا لصالحها، وتزعم أن جميع أعضاء مجلس الشيوخ اليهود العشر يتبنون “مواقف سيئة السمعة معادية لإسرائيل لا يمكن تفسيرها”.
ولا يضم مشروع إستر أي مؤلفين يهود تقريبًا كما يتضح من استخدام الخطة لعبارات غير مألوفة مثل “اليهودية الإصلاحية”، وإشاراتها الخاطئة إلى النصوص اليهودية مثل الجملة الأولى من الخطة التي توظف سِفر إستر في التوراة بشكل غير صحيح.
ويتضح ذلك أكثر من المقابلات مع مؤسسة التراث، إذ يقول زعيم المبادرة جيمس كارافانو، نائب رئيس معهد “كاثرين وشيلبي كولوم ديفيس” للدراسات الدولية في المؤسسة: “لقد فهمنا حقًا المنظور اليهودي، لكن كان من المهم بالنسبة لي أن تكون كل هذه المنظمات ممثلة، وبصراحة تامة، إذا كانت تقوم بعملها وكانت فعالة، فلن نواجه المشكلة التي نواجهها”.
في هذا الخصوص، أفاد موقع “جويش إنسايدر” أن منظمتين فقط مدرجتين في فريق العمل الخاص بهم تمثلان اليهود بالفعل، فقد بدأت العديد من المنظمات البارزة التي زعمت مؤسسة التراث أنها تابعة للمشروع، في إبعاد نفسها بعد وقت قصير من إصدار الوثيقة، في حين اُستبعدت العديد من المجموعات الأخرى من المشاركة في فريق عمل المشروع عمدًا، وهو ما أثار استياء بعض الحلفاء المحتملين.
عند الفحص الدقيق، يتضح أن مشروع إستر لا يتعلق باليهود أو معاداة السامية، بل يتعلق باستغلال القلق المبرر بشأن معاداة السامية والاتجاهات المعادية للأجانب التي عززتها إدارة ترامب القادمة، لتحويل سلطة الحكومة الفيدرالية إلى تفكيك المجتمع المدني المحلي.
ويقوم المشروع بهذا أولًا من خلال مساواة معاداة الصهيونية بمعاداة السامية، وهي التهمة التي تطارد كل مناصري القضية الفلسطينية بمن فيهم اليهود، وثانيًا من خلال مهاجمة بعض الحركات التنظيمية الرائدة المؤيدة للفلسطينيين، وهو الموقف الذي تبناه العديد من المنظمات الأعضاء في فريق العمل، ومعظمهم من المجتمع المسيحي الإنجيلي وليس المجتمع اليهودي، لتهديد وتفتيت الحركات المناهضة للاستعمار التي تعارض الصهيونية والتفوق الأبيض على حد سواء.
وتحت ستار مكافحة الكراهية ومناشدة الطبقة الدنيا المرعوبة والمُهانة، يسعى مشروع إستر إلى تأطير المعارضة المناهضة للفصل العنصري والإبادة الجماعية الصهيونية باعتبارها معادية للسامية بطبيعتها، ولكن هذا يفضح الصهيونية ذاتها باعتبارها تفوقًا أبيض وتجسيدًا حديثًا للإيديولوجية المعادية للسامية، تمامًا مثل هامان في أسطورة الملكة إستر.
أحد الدلائل على ذلك تكشفها تكتيكات مؤسسة التراث، بما في ذلك عدم تحديد مخطط المشروع جماعة “كو كلوكس كلان” أو “النازيين الجدد” كأهداف محتملة في مخطط المشروع، وكأن معاداة السامية غير موجودة بين شبكة المنظمات العنصرية البيضاء التي تدعم حركة “ماجا” أو “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” التي أعاد ترامب إحيائها في حملاته الانتخابية.
ووفقًا للكاتب والطبيب الإسرائيلي الأمريكي، يوآف ليتفين، فإن أصحاب أيديولوجية مشروع إستر يرون أنفسهم أبطالًا يخوضون حربًا مقدسة بشجاعة، على غرار التصوير السيئ الذي قدمته جماعة كو كلوكس كلان في فيلم “ميلاد أمة”.
“Project Esther” ideologues see themselves as heroes, courageously waging a holy war, much to the tune of the Ku Klux Klan’s infamous portrayal in Birth of a Nation.
More- https://t.co/r4pu8pn1Xf pic.twitter.com/ZeO6omAYth
— Yoav Litvin (@nookyelur) November 16, 2024
كما يتجاهل المخطط تمامًا أكثر مظاهر معاداة السامية عنفًا، بما في ذلك القومية البيضاء ونظرية الاستبدال العظيم، فعلى مدار عام 2024، سار النازيون الجدد في عواصم تينيسي وبنسلفانيا، بينما قبل أقل من شهرين، رفع أنصار ترامب من اليمين المتطرف أعلام الصليب المعقوف في موكب قوارب في فلوريدا.
ولا تقدم الوثيقة أيضًا رواية عن الدور الذي لعبه الخطاب البغيض المناهض للمهاجرين في إلهام الهجوم على كنيس “شجرة الحياة” اليهودي في بيتسبيرغ ومسيرة “يونايت ذي رايت” (توحيد اليمين) في شارلوتسفيل.
وهذا يعني أن تجاهل معاداة السامية من جانب اليمين المتطرف لصالح شيطنة النشاط المؤيد للفلسطينيين أصبح أمرًا شائعًا، ففي حين يشن الساسة الجمهوريون حملات ضد معاداة السامية، يتاجرون في الشعارات المعادية للسامية كذريعة لتعزيز أجندة القومية المسيحية الأوسع نطاقًا في مؤسسة التراث.