ترجمة وتحرير نون بوست
استدعى كل من رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي ريتشارد بور، ونائب الرئيس (يسارًا) مارك وارنر، المدعو والتر سوريانو لاستجوابه بشأن علاقته بأوليغارشية من الروس وشخصيات قادت حملة دونالد ترامب الرئاسية لسنة 2016.
سبق أن تحدثنا عن نفوذ والتر سوريانو خلال شهر شباط/ فبراير الماضي في عددنا الخاص حول “عودة الجواسيس” والعملاء السريين بمختلف مجالاتهم. وقد كشف العدد عن أربعة تسريبات خاصة بوالتر سوريانو، وهو شخص مجهول أضحى في غضون بضع سنوات من بين عملاء الاستخبارات الاقتصادية الأقوى في العالم. ويعتبر سوريانو مقرّبًا من بنيامين نتنياهو وعدد من رجال الأعمال وخاصة المليارديرات الروس، حيث تلقى استدعاء خلال شهر نيسان/ أبريل من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي في إطار التحقيق في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.
لكي نفهم القضية جيدا، علينا العودة بضع سنوات إلى الوراء. في سنة 2017، كشفت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية أن أفرادا من الشرطة من بين المكلفين بالتحقيق في قضية الفساد التي تطارد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كانوا يفكّرون في وضع سوريانو تحت الرقابة. ومن هنا ظهر اسم والتر سوريانو للعلن. وهو يلّقب برجل الشبكات، خاصة شبكات المخابرات، وأوساط اليهود الأرثوذوكس، كما يترأس مجموعة “يونايتد سيكيورتي غروب ليميتيد” وهي شركة مقرها لندن تبعد بضعة أمتار عن بكنغهام.
استعانت روث باراسول، التي تترأس ثروة ضخمة وامبراطورية القمار على الإنترنت “بارتيغايمنغ”، بوالتر سوريانو سنة 2006 عندما كانت تحت ضغط تحقيق وزارة العدل الأمريكية
قوّة الشبكة
يحافظ سوريانو على عمله سرًا لدرجة أنه لا توجد أي صورة فوتوغرافية رسمية له. ووفقا لصحيفة “جلوبس” الإسرائيلية، يحظى سوريانو بسمعة مرموقة لدى أغنياء رجال الأعمال ولا يتردد في استخدام أساليب “هجومية” مستغلا علاقاته داخل الجيش ووكالات الأمن السيبراني الإسرائيلي. كما أن عمالقة العالم في هذا المجال يستعينون بخدماته لتتبّع منافسيهم، لاسيما في حالات النزاع التجاري أو التحقيقات القضائية.
فعلى سبيل المثال، استعانت روث باراسول، التي تترأس ثروة ضخمة وامبراطورية القمار على الإنترنت “بارتيغايمنغ”، بوالتر سوريانو سنة 2006 عندما كانت تحت ضغط تحقيق وزارة العدل الأمريكية. وفي إنجلترا، لحقت مطوّري العقارات المعروفين باسم “لو كاندي براذرز” تهم وجهها لهم أحد منافسيهم حول استخدام شركة سوريانو “يونايتد سيكيورتي جروب ليميتيد” للتجسس عليه، ولكن صاحب الدعوة لم ينجح في إثبات ذلك وفقا لوثيقة قضائية نشرتها مجلة “لوبوان”.
ووفقا لأحد مصادر المجلة، لجأ والتر سوريانو خلال أحد مهامه في خدمة المليارديرات إلى شبكة من المقاولين الفرعيين حتى لا يظهر في أول الصف، على غرار شركة “سيركلس بلغاريا” التي يتمثل أحد اختصاصاتها في تصنيع تقنيات اعتراض البيانات المتنقلة. وقد أكد وسيط يمثل محاميه أن هذه المعلومة “غير صحيحة”.
مرت المعلومات التي سربتها صحيفة “جلوبس” حول تجسس محققين مزعومين مكلفين بالتحقيق في قضايا تطال بنيامين نتنياهو، دون أن تترك انطباعا في أوروبا والولايات المتحدة، ولكنها أثارت فضيحة في إسرائيل
نفوذ داخل عالم كرة القدم
وفقا لمصادر من المجتمع الدولي للمخابرات، أصبح والتر سوريانو في غضون بضع سنوات رجلا أهلا لثقة العديد من أبناء الطبقة الأوليغارشية، ناهيك عن أنه يعتبر بمثابة “سوبر مستشار” بالنسبة للمليارديرات الروس. وحسب معلوماتنا، عمل سوريانو لصالح ديمتري ريبولوفليف، مالك نادي موناكو، لإجراء تحقيقات حول تاجر الفنون إيف بوفييه كما سبق وكشفنا عن ذلك خلال شهر شباط/ فبراير، إلى جانب شخصيات أخرى لها علاقة بعالم كرة القدم. ويعرف سوريانو جيدا الوسط الكروي، حيث سبق له أن كان وكيل أعمال دييغو مارادونا، وكُلّف في بعض المناسبات بالبحث عن خطة مدرب في الدوري الإنجليزي الممتاز.
من جهته، رفض والتر سوريانو التعليق على هذه المعلومة، بينما أكد لنا صحة هذه المعطيات شخص آخر من الأوليغارشية يدعى رومان إبراموفيتش، مالك نادي تشيلسي. وفي الوقت الذي تدّعي فيه العديد من وسائل الإعلام أن سوريانو قد عُيّن عدة مرات من قبل رجل الأعمال المذكور لتسوية النزاعات التجارية، أكد لنا أحد مساعديه أن العلاقة بين إبراموفيتش وسوريانو كانت محدودة ولم تتعد وسط كرة القدم، تحديدا عندما كان سوريانو “وكيلا”.
رجل أهل لثقة الأوليغارشية؟
خلال سنة 2017، مرت المعلومات التي سربتها صحيفة “جلوبس” حول تجسس محققين مزعومين مكلفين بالتحقيق في قضايا تطال بنيامين نتنياهو، دون أن تترك انطباعا في أوروبا والولايات المتحدة، ولكنها أثارت فضيحة في إسرائيل. وأخذت القضية حجما أكبر بعد أن أجبر بنيامين نتنياهو على إنكار أي علاقة تربطه بسوريانو في حسابه على فيسبوك.
قرر والتر سوريانو، الذي خيّر التحفظ، متابعة النشرات التي تتحدث عن نشاطاته السرية، وقد دفع موقع ” ذي 7آي” الثمن باهظا، تماما مثلما حدث مع ريتشارد سيلفرشتاين
في حين نفى سوريانو لعب أي دور في هذه القضية، قرر ملاحقة رفيف دروكر، أحد أبرز الذين سطع نجمهم في عالم الصحافة في إسرائيل الذي تجرأ على تداول اسم سوريانو في أحد البرامج التلفزيونية. وقد رفع في حقه شكوى اعتبرها موقع الأخبار الإسرائيلي “ذي 7آي” محاولة لتخويف الصحافة، قبل أن يتلقى الموقع بدوره شكوى قضائية.
قرر والتر سوريانو، الذي خيّر التحفظ، متابعة النشرات التي تتحدث عن نشاطاته السرية، وقد دفع موقع ” ذي 7آي” الثمن باهظا، تماما مثلما حدث مع ريتشارد سيلفرشتاين، وهو مدوّن أمريكي أعاد رواية قصة سوريانو باللغة الإنجليزية. وقد تلقى سيلفرشتاين، الذي ربح مؤخرا معركة إجرائية حاسمة، طلبًا من سوريانو بدفع تعويض قدره 75 ألف دولار بسبب التشهير به والأضرار التي لحقت بسمعته. ولكن يبدو أن سوريانو متضايق من تسريبات وسائل الإعلام حول علاقاته بعدد من الأوليغارشية الروسية، ولسبب وجيه أيضا.
استدعاء من مجلس الشيوخ الأمريكي لسوريانو للتحقيق في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية
يوم الأربعاء الموافق للخامس من حزيران/ يونيو، كشف الموقع الأمريكي “بوليتيكو” أن والتر سوريانو تلقى استدعاء خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي من لجنة التحقيق في مجلس الشيوخ الأمريكي المكلفة بملف التدخل الروسي للاستماع له في جلسة مغلقة. ووقع صياغة نصّ الاستدعاء، الذي اطلعت عليه “لوبوان”، من قبل النائب الجمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الشمالية ريتشارد بور، والنائب الديمقراطي عن ولاية فيرجينيا مارك وارنر، قبل أيام من نشر المحقق الخاص روبرت مولر تقريره الذي برّأ فيه الرئيس الأمريكي من أي تهم موجهة إليه.
في المقابل، كان نص الاستدعاء واضحا حيث طلب المحققون من سوريانو توفير كل المعلومات المتعلقة بالاتصالات التي أجراها من تاريخ 16 حزيران/ يونيو 2015 إلى اليوم، مع ذكر أسماء عدد من الشخصيات والشركات الروسية والأمريكية والإسرائيلية. وفي الواقع، طلب مجلس الشيوخ من والتر سوريانو توضيح طبيعة علاقاته بجميع موظفي ترامب تقريبًا المكلفين بحملته الانتخابية لسنة 2016، انطلاقا من منظم الحملة بول مانافورت، إلى مستشاره الإعلامي ستيف بانون، مرورا بنائب مدير الحملة ديفيد بوسي، إلى جانب توضيح طبيعة علاقته بإريك برنس، رجل الأعمال المقرب من ترامب.
يتساءل مجلس الشيوخ عما إذا كان لإسرائيل دور في انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة عن طريق توظيف أشخاص وشركات لها علاقة بالمليارديرات الروس
أوليغ ديريباسكا محط أنظار الجميع
أراد مجلس الشيوخ في رسالته المُرسلة في شهر نيسان/ أبريل الماضي اختبار والتر سوريانو بشأن شركات الاستخبارات الإسرائيلية، بما في ذلك “بسي غروب” و”بلاك كيوب” و”ويكيسترات” و”أوربس بيزنس”. وقد تأسست الشركة الأخيرة من قبل كريستوفر ستيل، وهو جاسوس بريطاني سابق ندّد بالتدخل الروسي المحتمل في العملية الانتخابية في الولايات المتحدة. وفي وقت لاحق، كشف التحقيق عن أن اللجنة الديمقراطية الوطنية منحت ستيل مقابلا ماليا من أجل تولي إجراء تحقيقاتها.
بعبارة أوضح، يتساءل مجلس الشيوخ عما إذا كان لإسرائيل دور في انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة عن طريق توظيف أشخاص وشركات لها علاقة بالمليارديرات الروس، كما هو الحال بالنسبة لوالتر سوريانو، وهو ما يعتبر السبب وراء الاهتمام الخاص للمجلس الأعلى الأمريكي بأوليغ ديريباسكا. لقد أُدرج ديبراسكا الملقّب “بملك الألمنيوم” من قبل وسائل الإعلام ضمن القائمة السوداء للولايات المتحدة، إذ تتهمه وزارة الخزانة الأمريكية بلعب دور في التدخل الروسي في الحملة الرئاسية، إلا أنه يواصل نفي هذه الادعاءات.
في قطاع الاستخبارات، يُعتبر سوريانو أحد أكثر المستشارين الموثوقين لدى أوليغ ديريباسكا. ووفقًا لمصدر مطلع على القضية، يعرف الطرفان بعضهما البعض شخصيًا، كما أنهما يلتقيان في بعض الأحيان في لندن رفقة مستشاريهما بمن في ذلك العميل السابق في كي جي بي، يفغيني فوكين. علاوة على ذلك، لعب مستشار مستقل آخر عمل في ويكيسترات لفترة من الزمن، علما بأن والده كان عضوًا في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، دور الوسيط لصالح ديريباسكا. وعند الاتصال به، أصرّ المستشار الذي فضّل عدم الكشف عن هويته على إنكار ما نُسب إليه.
تتعامل الأجهزة الأمنية الداخلية البريطانية مع مسألة تواجد العديد من المليارديرات الروس على الأراضي البريطانية وخوضهم منافسة في الأعمال التجارية إلى جانب حضورهم أحيانا في مجال المخابرات
شبكة من المتعاقدين
اقترح رئيس “يونايتد سيكيورتي جروب ليميتيد” على لندن القيام بمهام حماية خاصة بحاشية أوليغ ديريباسكا، بمن في ذلك والد زوجته فالنتين يوماشيف الذي كان جزءًا من طاقم الحراسة الشخصي لبوريس يلتسن. كما يُعرف سوريانو بصلاته بالممول البريطاني ومستشار أوليغ ديريباسكا، نات روتشيلد، حيث تصدّر كلاهما عناوين الصحف الرئيسية في سنة 2008 لاسيما عند الإعلان عن اجتماعهما في إطار وليمة على متن يخت قبالة جزيرة كورفو، بحضور جورج أوسبورن، العضو السابق في حزب المحافظين ووزير الخارجية السابق لديفيد كاميرون.
تتعامل الأجهزة الأمنية الداخلية البريطانية مع مسألة تواجد العديد من المليارديرات الروس على الأراضي البريطانية وخوضهم منافسة في الأعمال التجارية إلى جانب حضورهم أحيانا في مجال المخابرات، بمنتهى الجدية. وقد ظهرت هذه الجدية منذ قضية العميل المزدوج سيرغي سكريبال الذي تعرّض إلى تسمّم في آذار/ مارس 2018 في مدينة ساليسبري في ظل ظروف غامضة. وفي الوقت الحالي، وبعد قضاء فترة طويلة في المستشفى، بدأ سكريبال يتماثل إلى الشفاء تدريجيا.
والتر سوريانو يمتنع عن الإدلاء بأي تعليق
ردا على السؤال حول علاقته بالمليارديرات الروس، أشار محامي سوريانو، شلومو ريتشتشافين، دون الخوض في التفاصيل إلى وجود “حملة” حالية تهدف إلى تشويه سمعة موكله قائلا: “نحن نوصي بشدة بعدم المشاركة فيها”. وقد أخبر المحامي المجلة بأنه لا يتردد في مهاجمة وسائل الإعلام التي تعمل على نشر “الشائعات” وتلفيق “تصريحات كاذبة”، مؤكدا أنه كان قد كتب بالفعل لصحيفة “بوليتيكو”، التي كشفت في مطلع حزيران/ يونيو عن دعوة مجلس الشيوخ لسوريانو.
مع ذلك، رفض ريتشتشافين إخبار المجلة بالخطأ الذي ارتكبته الصحيفة الأمريكية في المقال الذي نُشر على موقعها. وإثر التواصل مع مؤلفة المقال، ناتاشا برتراند، أشارت إلى أنها لم تسمع قط عن أمر استدعاء، ما يدعو إلى التساؤل: هل تعرضت برتراند للتخويف من قبل عميل خبير في الترويع؟
لقد رفض محامي سوريانو الإدلاء بأي تصريح في الوقت الحالي، إذ يقول: “أنتم لم تقوموا بتزويدنا بنسخة من المقال الذي تنوون نشره، وبالتالي لا يمكننا التعليق”. ومن جهتها، رفضت لجنة التحقيق التابعة لمجلس الشيوخ الكشف عما إذا كان والتر سوريانو قد استجاب للاستدعاء الذي تلقاه، وما إذا كان قد قدم نفسه أمام التمثيل الوطني.
المصدر: لوبوان