في أجواء وصفت بـ”المبهرة”، ومن داخل إستاد القاهرة الدولي، أطلقت شارة البدء لانطلاق النسخة الـ32 من بطولة كأس الأمم الإفريقية التي تحتضنها مصر في الفترة من 21 من يونيو الحاليّ حتى 19 من يوليو المقبل، بحضور ما يزيد على 70 ألف متفرج وممثلي الاتحادين، الدولي والإفريقي، لكرة القدم.
الحفل الذي استغرق قرابة 14 دقيقة نجح في تقديم لوحة فنية رائعة، استدعى فيها ملامح مصر الفرعونية وجذورها الضاربة في عمق الحضارة، هذا بجانب العزف على أوتار الفولكلور الإفريقي المميز الممتزج بروح البهجة والرقي، في مشهد أثار إعجاب وانبهار الكثيرين، داخل مصر وخارجها.
في مباراة الافتتاح نجح منتخب الفراعنة في اقتناص فوز صعب على فريق زيمبابوي “المتواضع فنيًا” بهدف دون رد، أحرزه محمود حسن الملقب بـ”تريزيغيه” اللاعب المحترف في صفوف قاسم باشا التركي، ورغم الفوز بأول ثلاث نقاط في البطولة فإن حالة من القلق خيمت على الشارع المصري بسبب مستوى الفريق وإمكانية حصوله على اللقب الثامن في تاريخه رغم إقامة البطولة فوق أرضه وبين جماهيره.
حفل أسطوري
بدأ الحفل بإقامة مجسمات مصغرة لثلاثة أهرامات فوق أرضية الملعب، تحولت فيما بعد إلى منصة حية للموسيقى والألوان والألعاب النارية، تعبيرًا عن الحضارة الفرعونية المصرية والتقاليد الإفريقية، هذا بخلاف العروض الفنية المميزة التي قدمت على مدار دقائق الافتتاح.
كما قدمت بعض الفرق الفنية العديد من العروض الراقصة والغنائية المفعمة بالفولكلور الإفريقي، تخللتها أغنية البطولة “متجمعين” التي اشترك في أدائها المغني المصري حكيم الذي غنى بالعربية، والنيجيري فيمي كوتي المرشح لجائزة غرامي أربع مرات الذي غنى بالإنجليزية، والمغنية دوبيه غناهوري من ساحل العاج الفائزة من قبل بجائزة غرامي التي أدت الجزء الخاص بها باللغة الفرنسية.
نجح اللاعب المصري محمد أبو تريكة في خطف الأضواء داخل ملعب الافتتاح رغم عدم حضوره، إذ أوفت الجماهير المصرية بوعدها الذي قطعته على نفسها دعمًا لـ”أمير القلوب” كما يلقبونه
التناغم الواضح بين فريق العمل المكلف بإدارة هذا الحفل أسفر عن مشهد أسطوري خرج به الكرنفال الذي خطف الأضواء وأثار تقدير وامتنان الكثيرين من رواد السوشيال ميديا، من بينهم لاعبون وفنانون وبعض الشخصيات العامة التي وصفت الحفل بأنه “يليق بتاريخ مصر وحضارتها”.
حفل افتتاح عظيم #شجع_مصر
— Mohamed Henedy (@OfficialHenedy) June 21, 2019
إسداء تنظيم البطولة لإناس متخصصين كان كلمة السر في نجاح حفل الافتتاح ومن قبله حفل قرعة المجموعات المشاركة الذي أقيم عند سفح الهرم في الـ13 من أبريل الماضي بحضور كوكبة من نجوم الرياضة والفن في مصر والعالم العربي والقارة الإفريقية.
أرجع المحللون والنقاد الصورة الجميلة التي خرج بها حفل الافتتاح إلى إبعاد الجهات غير المؤهلة عن إدارته، وعلى عكس العادة فقد تم إسناده للاعب المصري ونجم النادي الأهلي محمد فضل الذي نجح في توظيف فريق عمل شبابي استطاع أن يقدم نموذجًا رائعًا في الإدارة والتنظيم بعيدًا عن الإدارات التقليدية الأخرى التي تحتكر الساحة في الآونة الأخيرة.
صوت السيسي
رغم حالة الانبهار الكبيرة بالحفل، فإن صوت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي – في كلمته الافتتاحية لبطولة كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم – أثار حالة من الجدل بين المستمعين داخل الإستاد والمتابعين أمام الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفع إلى التساؤل عن الأسباب الحقيقية لما حدث، وتصدر وسم #صوت_السيسي قائمة الوسومات الأكثر تداولاً في مصر، صباح السبت.
صوت السيسي وهو يعلن افتتاح البطولة كان بطيئًا ومترددًا بشكل ربما يوحي بوجود مشكلة فنية، إلا أنه وحتى كتابة هذه السطور لم يصدر توضيح رسمي لما حدث مساء أمس الجمعة، وهو ما صعد من بورصة التكهنات لدى رواد السوشيال ميديا، حيث تنوعت الأسباب التي جاءت في معظمها ساخرة.
البعض سعى إلى تحميل مجموعة قنوات “بي إن سبورت” صاحبة الحق في بث مباريات البطولة، المسؤولية المتعمدة، بزعم إحراج الرئيس المصري وتقديمه في صورة ساخرة، وهو ما بدا واضحًا من تعليقات المتابعين على فيسبوك وتويتر، حيث خرجت بعض الأصوات التي تطالب بمساءلة القناة ومحاسبة مسؤوليها.
فريق آخر ذهب إلى أن المشكلة فنية في الأساس تتعلق بتقنية الصوت في الإذاعة الداخلية لإستاد القاهرة، وهو ما أكده الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه “الحكاية” المقدم على قناة “إم بي سي مصر” حيث أشار إلى اتصاله بالمسؤولين داخل الملعب وأفادوه بأن المشكلة تتعلق بالصوت من داخل المقصورة الزجاجية التي ألقى منها السيسي كلمته، وأن القناة ليس لها يد في هذا العطل الفني.
اهتف لتريكة
نجح اللاعب المصري محمد أبو تريكة في خطف الأضواء داخل ملعب الافتتاح رغم عدم حضوره، إذ أوفت الجماهير المصرية بوعدها الذي قطعته على نفسها دعمًا لـ”أمير القلوب” كما يلقبونه، ردًا على الحملة الممنهجة التي شنها عليه الإعلامي أحمد موسى، ولجانه الإلكترونية التي اتهمت تريكة بدعم الإرهاب في أعقاب تغريدة له ترحم فيها على روح الرئيس المعزول محمد مرسي الذي وافته المنية في أثناء محاكمته قبل يومين.
الجماهير ردًا على موسى دشنت وسمًا تحت عنوان #اهتف_لتريكه في الدقيقة 22 خلال مباراة منتخب مصر مع نظيره الزيمبابوي في المباراة الافتتاحية، ورغم التشديدات الأمنية والتحذيرات التي سبقت المباراة، وما أثير بشأن اعتقال بعض المشجعين بسبب ارتدائهم قمصان تحمل اسم ورقم اللاعب تريكة، فإن حناجر المشجعين هزت أرجاء الإستاد في الدقيقة المتفق عليها.
لم تنجح حملات الترهيب في إجهاض دعم الجماهير المصرية للاعبهم الخلوق، فبينما كان السيسي يجلس على بعض أمتار قليلة كانت أرجاء الملعب تهتز باسم اللاعب الذي يتعرض بين الحين والآخر لحملات إلكترونية منظمة، تستهدف النيل منه وتشويه سمعته، إلا أنها سرعان ما تتحطم على صخور مكانة اللاعب في قلوب عشاق الساحرة المستديرة.
ورغم ما يتعرض له اللاعب من تشويه متعمد على مرأى ومسمع من الجميع، فإنه ردًا على هذا الموقف جدد مرة أخرى تأكيده حب وطنه واستعداده لتقديم أي عمل من شأنه رفعته، مشيرًا في تصريحات له على هامش مشاركته في الإستوديو التحليلي لمباراة الافتتاح بأن ما حدث أمر طبيعي، قائلًا: “اللي بيخرج من القلب بيصل للقلب، لو بلدي فين لازم أخدمها”، وختم: “مصر ستظل في القلب، مصر لو طلبت مني عينيا وقلبي أنا تحت أمرها”.
Mission Complished ?#اهتف_لتريكه ❤.. pic.twitter.com/lIYx4IKABM
— Ayman Fikry (@AymanFikry95) June 21, 2019
فوز صعب للفراعنة
رغم الفارق الكبير في المستوى والترتيب والقيمة السوقية لمجموع لاعبي الفريقين، فشل المنتخب المصري في تقديم عرض يليق باسمه وتاريخه كونه الأكثر حصولاً على اللقب الإفريقي بمجموع 7 مرات (1957، 1959، 1986، 1998، 2006، 2008، 2010) حتى إن استطاع الحصول على نقاط المباراة الثلاثة.
هدف دون رد، كان محصلة مباراة الافتتاح الفقيرة فنيًا، حيث نجح “تريزيغيه” بمهاراته الفردية في تسجيل هدف الفوز الوحيد في الدقيقة 41 من الشوط الأول، مقتنصًا ثلاث نقاط غالية تضع منتخب الساجدين على رأس المجموعة (الأولى) في انتظار مباريات اليوم بين الكونغو وأوغندا في المجموعة ذاتها.
رغم الأداء الذي كشف الكثير من الثغرات في صفوف المنتخب المصري، فإن الفوز بالنقاط الثلاثة وتصدر المجموعة ربما أرضى مؤقتًا الملايين من محبي كرة القدم في مصر
انطلقت المباراة في شوطها الأول سريعة، حيث نجح لاعبو المنتخب المصري في فرض كامل سيطرتهم على أرجاء الملعب، وسنحت لهم أكثر من فرصة كانت كفيلة بإلإجهاز على الموقعة مبكرًا، لكن بسالة حارس مرمى زيمبابوي سيباندا كانت حائط الصد أمام تعزيز الهدف.
وفي الدقائق الـ15 الأولى من الشوط شن لاعبو الفراعنة على رأسهم محمد صلاح ومروان محسن وعبد الله السعيد هجمات متتالية، لكن التسرع في إنهاء الهجمة وغياب التنسيق كان وراء الفشل في إسكانها شباك سيباندا الذي خرج نهاية الشوط الأول إثر تعرضه لإصابة في أثناء كرة مشتركة مع المهاجم المصري مروان محسن.
فرحة لاعبي منتخب مصر بعد الهدف الأول
تغيرت الأوضاع كثيرًا في الشوط الثاني، حيث تراجع أداء الفراعنة لصالح المنافس الذي نجح لاعبوه في إحكام قبضتهم على منطقة نصف الملعب لفترات طويلة، هذا في الوقت الذي تراجعت فيه القوة الهجومية المصرية، الأمر الذي دفع المدير الفني للمنتخب المصري “أجيري” لإجراء عدد من التبديلات، حيث دفع بلاعب الأهلي وليد سليمان بدلاً من مروان محسن في الدقيقة “60” من المباراة، يليه عمرو وردة بدلاً من عبد الله السعيد في الدقيقة “71” وأخيرًا الدفع بنبيل عماد “دونجا” بدلاً من تريزيغيه في الدقيقة “81”.
وفي الوقت الذي اطمأن فيه لاعبو الفريق المصري لنتيجة المباراة التي ظلت معلقة حتى نهايتها كان للاعبي زيمبابوي رأي آخر، فمع مرور الوقت عادوا لأجواء الملعب دقيقة تلو الأخرى، حيث هددوا مرمى الحارس محمد الشناوي الذي نجح في التصدي لأكثر من كرة كانت كفيلة بإحداث المفاجأة.
كما قدم خط الدفاع في منتخب الفراعنة أداءً جيدًا يعكس حجم الضغوط التي تعرضوا لها لا سيما الشوط الثاني، ولعل حصول المدافع محمود علاء نجم نادي الزمالك على جائزة رجل المباراة تجسيدًا لسير المباراة التي جاءت غير متوقعة بالنسبة لكثير من المحللين والمشاهدين على حد سواء.
ورغم الأداء الذي كشف الكثير من الثغرات في صفوف المنتخب المصري فإن الفوز بالنقاط الثلاثة وتصدر المجموعة ربما أرضى مؤقتًا الملايين من محبي كرة القدم في مصر، في انتظار الجولات القادمة التي بات يقينًا أنها لن تكون سهلة وربما تحمل مفاجآت إن استمر الوضع على ما هو عليه.