منذ اللحظة الأولى لتولي دونالد ترامب مهامه في البيت الأبيض إبّان فترته الرئاسية الأولى، شهد العالم حالة من الذهول بسبب تطرف قراراته وإقصائه لمبدأ الدبلوماسية الأمريكية المعهودة، فقد بدا ترامب، القادم من عالم المال والاقتصاد، فاقدًا لأساسيات صنع القرار الشامل الذي يراعي مكانة الولايات المتحدة في الساحة السياسية العالمية.
لكن آلية صنع القرار في شخصية ترامب، الذي ينتمي إلى التيار الجمهوري القومي ذي الخلفيات المحافظة، ليست اعتباطية ولا مجرد استجابة لنزعة نرجسية فردية، بل تتعدّى ذلك لتتداخل مع أنماط متعددة ومختلفة الروافد تؤثر في اتخاذ القرارات.
يسعى هذا المقال ضمن ملف “شريعة ترامب” إلى تحليل المدخلات المؤثرة في عملية صنع القرار في إدارة ترامب، من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية: ما هي العوامل التي شكلت قراراته؟ وكيف تضافرت البيئة المحيطة والنسيج المجتمعي للحزب الجمهوري مع الصفات الشخصية لترامب في اتخاذ قراراته؟ وأي دور لعبته المصالح الاقتصادية وشبكات المال والنفوذ في هذه العملية؟
الخروج عن الأعراف الجمهورية
لا يقف الحزب الجمهوري على قدم رجل واحد في المسائل الداخلية والخارجية الرئيسية؛ إذ يضم التيار المحافظ الذي يتدرّج في تطرفه واعتداله، بالإضافة إلى التيار الأكثر وسطية الذي قد يتقاطع مع الحزب الديمقراطي في بعض القيم، ويصوّت إلى جانبه في بعض أجنداته داخل الكونغرس وفي الإدارات المختلفة.
لكن هناك توافقًا بنسب متفاوتة بين أعضاء الحزب الواحد على الأقل فيما يتعلق بالمسائل التي تحتل الأولوية في أجندة الحزبَين، مثل مسائل الهجرة والسلاح والإجهاض والميزانية والتغير المناخي والرعاية الصحية واقتصاد السوق، كما تعدّ مسألة مواجهة “الإرهاب الإسلامي”، التي يختصرها الحزبان تحت عنوان “مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية”، من القضايا التي يتفق حولها أعضاء الحزبَين برؤى متمايزة.
ورغم أن ترامب الجمهوري يتقاطع مع أساسيات وقيم حزبه، التي تركز على السوق الحر وتضخيم رأس المال وتقليل الضرائب على الشركات الكبرى ورؤوس الأموال، مع سياسة خارجية شرسة ومتقوقعة وتفوقية، على الأقل لدى قطاعات واسعة من الجمهوريين المحافظين، إلا أن الرجل تفوق في سياساته حتى على تقاليد حزبه ذاتها.
إذ أعاد ترامب تشكيل القيم الجمهورية وترسيم حدودها حتى بات يطلق على الحزب الجمهوري “حزب ترامب“، حيث وجد الحزب نفسه مضطرًا لتبنّي خطاب ترامب وقيمه لجذب القبول بين الناخبين، والتغلب على تحديات الانتخابات، إلى الدرجة التي دفعت بالكثير من الجمهوريين الوسطيين خارج حلبة المنافسة لمجرد اختلافهم مع سياسات وقرارات دونالد ترامب.
بل إن ترامب، الذي اعتبره بعض المحافظين في الحزب الجمهوري “ليس محافظًا بالشكل الكافي”، بالنسبة إلى الوعود التي أطلقها بالحفاظ على التأمين الاجتماعي وأنظمة الرعاية الصحية المجانية، وهي قضايا ينظر إليها على أنها سمة من سمات الليبراليين، بدا وكأنه يعيد تشكيل منظور الحزب الجمهوري ذاته بشأن هذه القضايا، محاولًا التوازن بين ما يجذب قاعدة الناخبين وما يعدّ منفرًا ويؤدي إلى دفعهم إلى أحضان الديمقراطيين.
بينما حافظ ترامب على بعض التقاليد المتعلقة بملف الضرائب، من خلال تبنيه لقانون خفض الضرائب والوظائف لعام 2017، وتعييناته القضائية التي تماشت مع القيم الاجتماعية للمحافظين الرافضين للإجهاض وزواج المثليين، فقد مثّل عداء ترامب المبالغ فيه للمهاجرين، وانسحابه من المعاهدات والالتزامات الدولية، وإعجابه بالقوى العنصرية والديكتاتورية العالمية، انفصالًا صادمًا عن تقاليد حزبه التاريخية.
العقلية التجارية والقطيعة الدولية
يأتي الرئيس البالغ من العمر 78 عامًا من خلفية محافظة، لعائلة أمريكية متنفذة في عالم المال والاقتصاد، انطلقت من مدينة نيويورك وأسّست إمبراطورية عقارية في المدينة قُدّرت قيمتها عشية وفاة مؤسسها، فريدريك ترامب، بحوالي 300 مليون دولار أمريكي في تسعينيات القرن الماضي، لتمسي مؤسسة ترامب (The Trump Organization)، التي يقودها الآن ابنه دونالد، مالكة اليوم لأكثر من 500 شركة وعلامة تجارية متنوعة في عوالم الترفيه والسكن والتصنيع حول العالم.
وقد كان لخلفيته الاقتصادية تأثير بالغ في قراراته وسياساته المتعلقة بالسوق والتنظيمات التجارية والعلاقات الدولية المبنية على المنفعة، فالرجل المندفع نحو المخاطرة واقتناص الفرص يبدو عازمًا الآن على التحول باتجاه العملات المشفرة والأصول الرقمية، في انفصال عن السياسة الأمريكية المالية التي تميل باتجاه العملات الورقية والأصول الأكثر ثباتًا في سوق عالمية متأرجحة وغير ثابتة.
فقد تعهّد ترامب في أحد مؤتمرات البيتكوين قبيل انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ببناء مخزون حكومي من العملة، والتخلص من إرث بايدن-هاريس الذي يميل إلى الابتعاد عن المخاطرة في عالم العملات المشفرة.
كما أن عقلية المنفعة التي تتجاوز القيود تظهر أثرها المباشر على السياسات والقرارات البيئية، حيث ينوي ترامب رفع القيود التنظيمية الخضراء، أي تلك المتعلقة بحماية البيئة، والتي كانت سمة مميزة لإدارة بايدن-هاريس، باتجاه السماح بالتوسع في حفر آبار الغاز والنفط وتعدين الفحم.
كما تعهّد ترامب بإلغاء القيود المفروضة على مئات مليارات الدولارات التي حجزتها إدارة بايدن بموجب قانون خفض التضخم لغايات بيئية، والتي تسوق لقطاعات الطاقة المتجددة على حساب مصادر الطاقة التقليدية.
من ناحية أخرى، يظهر مرة أخرى أثر شعار “أمريكا أولًا” الذي يتبناه ترامب ويعتبره محددًا رئيسيًا في أجندته الرئاسية في العلاقات الدولية التي تربط واشنطن ببكين وحلفائها، فقد اتخذت هذه العلاقات شكل حرب تجارية وشبه قطيعة إبّان فترة ترامب الرئاسية الأولى، في محاولة لحماية السوق الأمريكية من التأثيرات الخارجية.
ومن المرجح أن يتخذ هذا التوجه صورًا متعددة، بدءًا من رفع التعرفة الجمركية واعتراض سلاسل التوريد العالمية، إلى رفع كلفة الاستهلاك والتصنيع المحلي على السواء، كما قد تترتب عن ذلك تصادمات مع حلفاء بكين، ما يضغط على دول أوروبا الغربية وكندا، ويعزز القوقعة الاقتصادية في السوق الأمريكية، وتضع علاقاتها بأقرب حلفائها في حالة من الشد والتوتر المستمر.
الدائرة المقربة من ترامب
شهدت السنوات الأربع التي قضاها دونالد ترامب في البيت الأبيض اعتمادًا متزايدًا وتأثيرًا واضحًا للدوائر المقربة والمغلقة التي أحاطت به، والتي تم اختيارها بعناية لتتناسب مع رؤاه الشخصية وأجندته السياسية، فقد كانت هذه الدوائر تضم أفراد عائلته المقربين، مثل ابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر، بالإضافة إلى مستشارين يتقاطعون مع أفكار ترامب وقيمه.
كما شملت الحلفاء المخلصين له، من القانونيين والإعلاميين والمختصين في الشأن العام، الذين عملوا على تعزيز خطاب ترامب ووجهات نظره، بطريقة مختلفة عمّا اعتاده البيت الأبيض الأمريكي.
وقد أثرت شخصيات بعيدة عن الشأن السياسي في تشكيل سياسات وتشريعات داخلية وأخرى متعلقة بالشأن الدولي كان لها آثار كارثية على الولايات المتحدة وسلاسة العلاقات الدولية التي تربطها ببقية دول العالم، وكان أبرز مثالَين على هذا التوجه التأثرات التي تركها كل من إيفانكا ترامب وزوجها جاريد كاشنر على عدد من القضايا الهامة إبّان الفترة الرئاسية الأولى لترامب.
على سبيل المثال، لعب الثنائي الشهير دورًا بارزًا في تعديل قوانين العدالة الجنائية، حيث ساهما في صياغة ودعم قانون الخطوة الأولى (First Step Act) لعام 2018، الذي أقرَّ تخفيف العقوبات على بعض الجرائم، وتعديل شروط الإدانة، وتقليل مدد السجن لعدد من المدانين، بزعم معالجة عدم المساواة في نظام العدالة الجنائية.
بينما كان لجاريد كوشنر، اليهودي الأمريكي ذو الخلفية الصهيونية، دور محوري ومؤثر في تشكيل سياسة ترامب الخارجية في الشرق الأوسط، حيث عرف بأنه المهندس الرئيسي لـ”صفقة القرن” وأحد المحركات الأساسية وراء “اتفاقيات أبراهام”.
وقد أثارت سياساته، التي وُصفت بأنها تفتقر إلى الخبرة السياسية والوعي بتعقيدات المنطقة، جدلًا واسعًا، حيث اقتربت من تصفية القضية الفلسطينية ودفع المنطقة إلى نفق مظلم من التوترات، ورغم أن انتهاء فترة ترامب الأولى بهزيمته في انتخابات 2020 حال دون تنفيذ كامل رؤى كوشنر، فإن عودته الآن كلاعب في الظل ومستشار غير رسمي في شؤون الشرق الأوسط خلال الدورة الرئاسية الثانية المحتملة لترامب، تثير مخاوف بشأن مستقبل المنطقة وسياساتها.
لعب عدد من مستشاري دونالد ترامب الخاصين أدوارًا لا تقل تأثيرًا عن أفراد عائلته في صياغة أكثر سياساته تطرفًا وإثارةً للجدل، ومن أبرزهم ستيف بانون، الذي كان له دور محوري في تشكيل الإطار الأيديولوجي لسياسة “أمريكا أولًا”، القائمة على القومية الانعزالية، والتي دفعت إلى تبني قرارات تنفيذية مثل “قرارات منع السفر”، التي أظهرت عداءً واضحًا للمهاجرين القادمين من دول إسلامية.
كما ساهم بانون في اتخاذ قرار انسحاب إدارة ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، وهو قرار أثار صدمة عالمية وأسهم في تعزيز التقوقع الأمريكي وتوتر العلاقات مع الحلفاء الغربيين. إلى جانب ذلك، لعب مستشارون آخرون، مثل ستيفن ميلر، أدوارًا مماثلة في مواجهة الهجرة اللاتينية، حيث دفعوا نحو سياسات مثيرة للجدل مثل قوانين فصل العائلات على الحدود والدعوة إلى بناء الجدار الفاصل على طول الحدود الأمريكية الجنوبية.
وجون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، كان من بين الشخصيات المؤثرة التي دفعت إدارة ترامب نحو اتخاذ قرارات مثيرة للجدل، مثل الانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران، وهي واحدة من أبرز إنجازات إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
على الجانب الآخر، ركز مستشارون آخرون جهودهم على السياسات الداخلية، مثل مارك ميدوز وأنثوني فوشي، اللذين كان لهما تأثير واضح على استجابة إدارة ترامب المبكرة لجائحة كوفيد-19، وهي استجابة أثارت تباينًا كبيرًا عن نهج إدارة بايدن التي أعادت رسم سياسات التعامل مع الجائحة بمجرد وصولها إلى السلطة.
ومع بروز ملامح فريق إدارة ترامب الثانية، يبدو أن اختياراته للدائرة المقربة لا تبشر بالكثير من التغيير الإيجابي، فالشخصيات التي بدأت تظهر على السطح، والتي يتوقع أن تلعب أدوارًا رئيسية في صنع القرار، تتنوع بين من لهم سجلّات جنائية وأخلاقية مشبوهة وشخصيات شعبوية ذات توجهات متطرفة، ما يدقّ ناقوس الخطر بشأن طبيعة القرارات التي قد تحملها السنوات الأربع المقبلة للولايات المتحدة والعالم.
خاصة مع التقارير المتداولة التي تشير إلى تأثير شخصيات قادمة من عالم الأعمال على تشكيل فريق ترامب الجديد، مثل إيلون ماسك، المعروف بمواقفه الشعبوية واستفزازاته الإعلامية، وستيف ويتكوف وهاورد لوتنيك، وهما من رجال الأعمال الذين يفتقرون إلى الخبرة السياسية اللازمة للتعامل مع القضايا المعقدة التي تواجه الولايات المتحدة.
المموّلون وشبكات المال والنفوذ
يأتي ترامب من عالم المال، وهو يدرك بعمق ديناميكيات النفوذ وألعاب القوة المرتبطة بالطبقات الأكثر ثراءً في المجتمع الأمريكي، فمنذ اللحظة الأولى لترشحه للدورة الرئاسية الأولى عام 2016، مرورًا بانتخابات 2020، وحتى دورة انتخابات 2024، لم يتوقف ترامب عن التواصل مع القاعدة الانتخابية الثرية ذات النفوذ، على عكس النهج التقليدي للرؤساء السابقين الذين يميلون إلى التفرغ للأعمال الخيرية أو الأنشطة العامة ذات الطابع الثقافي خلال فترة ما بعد ولايتهم.
ظل ترامب يعزز علاقاته مع النخبة الاقتصادية، ووجد فيهم داعمين مؤثرين لإنقاذ معسكره الانتخابي خلال الفترات الحرجة لترشحه، وكل ذلك مقابل ثمنه الواضح، وهو التأثير على سياساته الداخلية والخارجية.
فبالإضافة إلى الأدوار الاقتصادية التي لعبتها الشخصيات التي يطلق عليها Mega Donors أو المتبرعين الكبار، وعلى رأسها روبرت ميركر وبرني ماركوس وآخرون، في صياغة قوانين وقرارات الإقتطاع الضريبي، والتي تعفي كبريات الشركات والأسماء التجارية من أجزاء ضخمة من الضريبة الفيدرالية، وتسمح بتضخيم رأس المال، وترفع القيود بما فيها القيود البيئية وقيود العدالة الاجتماعية عن حرية السوق والعمليات التجارية، فقد لعبت تلك الشخصيات أدوارًا مهمة في صياغة القرارات الخارجية التي حكمت علاقة الولايات المتحدة ببقية دول العالم.
على سبيل المثال، لعبت عائلة شيلدون وميريام أديلسون دورًا مهمًّا في صياغة صفقة القرن وتبني ترامب لمواقف متطرفة موالية لـ”إسرائيل”، كان من ضمنها خطة ضمّ الضفة الغربية ونقل السفارة الأمريكية وتصفية القضية الفلسطينية إقليميًا ودوليًا، مقابل التبرع بمبلغ يقارب 100 مليون دولار لحملة ترامب الانتخابية 2016 و2020، ومبلغ يفوق ذلك في انتخابات عام 2024، ما يهدد بعودة شبح تأثير العائلة ذات الجذور الإسرائيلية، والتي تملك موطنًا لها في مستوطنات الضفة الغربية، إلى واجهة الأحداث المستعرة أصلًا في الأرض المحتلة.
كما لعب كل من الثري الأمريكي بيتر ثايل القادم من عالم التكنولوجيا، وستيف واين القادم من عالم تجارة الجملة، دورًا مهمًّا في إشعال فتيل الحرب التجارية التي قادها ترامب في مواجهة السوق الصينية، والتي كان لها أثر بالغ على الخارطة الاقتصادية العالمية.
الشخصية النرجسية وثغرات القانون
إضافة إلى المعطيات السابقة، لا يمكن إغفال تأثير الصفات الشخصية لترامب على عملية صنع قراره، فشخصيته النرجسية اللاذعة التي لا تقبل النقد، وترى في أي اختلاف بمثابة إعلان حرب، ساهمت في تأجيج الخلافات داخل البيت الأبيض بينه وبين حلفائه المقربين الذين خاض معهم حروبًا إعلامية وشخصية، بعد أن كانوا محل ثقته، وجرّته إلى اتخاذ قرارات تتعلق بفريقه والمحيطين به، وكان لها تأثير واضح على سياساته الخارجية.
كما استغل ترامب العديد من الثغرات القانونية المتعلقة بسلوك المسؤولين المنتخبين، والتي كانت تعتمد في الماضي على معايير اجتماعية وسياسية وتقاليد ثابتة، وعلى رأسها الكشف عن الأصول والملفات الضريبية وفصل الأموال الشخصية عن العامة، وهي أمور انتهكها ترامب بشكل صارخ، بالإضافة إلى رفضه التعاون مع المحققين وجهات إنفاذ القانون لضمان الشفافية والنزاهة، وهو ما خالفه أيضًا خلال فترته الانتخابية الأولى.
إلا أن أوضح انتهاك لمعايير السلوك الرسمية في الولايات المتحدة، كان عدم إقرار ترامب بنتائج العملية الانتخابية والانتقال السلمي للسلطة بعد فوز بايدن في انتخابات عام 2020، وشيطنته للمعارضين وملاحقتهم بوصفهم “أغيارًا وشياطين وغير وطنيين” كما حدث بعد خسارة هيلاري كلينتون أمامه في انتخابات 2016، ما شكّل منعطفًا خطيرًا في المجتمع الأمريكي وكشف عن انقسام حاد تحول إلى العنف في السنوات القليلة الماضية.
كما أن عقلية “الرجل الحديدي” التي لا تقبل المنافسة والتي تبحث عن المكاسب الفورية وتعمل على تمجيد الذات، دفعت ترامب لاتخاذ قرارات خارجية متهورة، إما بشكل فردي وإما عن طريق الاستماع لشخصيات متطرفة وجدلية، ما أثّر سلبًا على علاقات الولايات المتحدة حتى مع حلفائها المقربين، ودفعها نحو العزلة والتقوقع، وكاد يهددها بحرب أهلية بعد تولي بايدن السلطة في بداية عام 2021.
الآن يعود ترامب بنفس العنجهية والعقلية السابقة، محاطًا بمجموعة من المقربين والمستشارين الذين لا يختلفون كثيرًا في خلفياتهم وولاءاتهم وأجنداتهم عن فريقه السابق، لكنه يعود إلى عالم مختلف عمّا وجده أمامه عام 2016، عالم أكثر توترًا وديناميكية، مع فاعلين مختلفين ومحاذير جديدة. فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: أي مستقبل ينتظر الولايات المتحدة والعالم خلال فترة رئاسية ثانية لترامب؟