هذه أول مرة يُترجم فيها لـ”آليس ووكر” عملًا باللغة العربية، أول مرة يتعرف فيها القارئ العربي على أدب ووكر الممتلئ بالتساؤلات وطرح ومناقشة كثير من القضايا. تأخير كبير لنتعرف عليها وعلى ما تكتبه، رغم أن لها أكثر من 13 رواية ومجموعة قصصية و9 مجموعات شعرية، وكثير من الكتب الفكرية والسياسية.
“اللون أرجواني” هي البوابة الأولى التي ندخل منها لعالم ووكر، رواية ساحرة، حازت جائزة البوليتزر وجائزة الكتاب الوطني.
خطاب إلى الله
ما مدى المخاطرة عند سؤال الناس عن فكرتهم عن الله؟
سيلي بطلة الرواية كان لديها فكرة وتصور عن الله، حاولت الحفاظ عليه داخل قلبها حتى في أكثر لحظاتها شكًا وبعدًا ومعاملة زوجها السيئة. صاحبة بشرة سمراء، ممتلئة الجسم، يخبرها أبيها دائمًا أنها غبية ولا تستطيع التفكير وكل ما تقدر عليه هو الأعمال المنزلية الشاقة.
البيض في أمريكا وكثير من أجزاء العالم، فكرتهم عن الله، تختلف كثيرًا عن فكرة سيلي، هم يرون السيد المسيح رجلًا أبيض، في حين أن في الجانب الآخر يراه السود رجلًا أسود، هكذا يبدو منطقيًا بالنسبة لهم.
تبدأ الرواية بخطاب موجه إلى الله، حديث تبدأه سيلي عبارة عن سرد داخلي لا تود أن ينتهي أبدًا، وفي الجزء الثاني من الرواية تبدأ خطابات سيلي وأختها نيتي التي تحيا في إفريقيا مع البعثة التبشيرية
تطرح ووكر هذه القضية في أول ورقة، حتى في مقدمتها للرواية بعد خمس وعشرين سنة من نشرها، تتناول كيف كانت العلاقة بين السود والبيض في أمريكا، وأن الرجل الأبيض المسيطر الأول على الأمور والميسر لكل شيء، والرجل الأسود ما هو إلا عبد خلق ليزرع أرضهم ويأكلون من يديه، لا يتساوى معهم في الحقوق والواجبات.
ووكر قالت معبرة عن استيراد وتهجير الأفارقه لأمريكا كعبيد بدءًا من القرن الـ16: “وجدوا أنفسهم وسط شعب يعتبرهم أشياء يصدرون لها الأوامر ويستخدمونها، غير مبالين بأبدانهم أو مشاعرهم”.
أنا فتاة صالحة لطالما كنت
تبدأ الرواية بخطاب موجه إلى الله، حديث تبدأه سيلي عبارة عن سرد داخلي لا تود أن ينتهي أبدًا، وفي الجزء الثاني من الرواية تبدأ خطابات سيلي وأختها نيتي التي تحيا في إفريقيا مع البعثة التبشيرية، رواية كلها عبارة عن خطاب طويل لا تشعر فيه بملل، بل على العكس تمامًا، فآليس ووكر لتتجنب هذه المشكلة كانت تجعل الفصل لا يتجاوز صفحتين أو ثلاث، مما يدعو للاستمرارية في القراءة ومتابعة ما بقي من أحداث بنفس الوتيرة التي يزداد إيقاعها كل صفحة.
كل الخطابات التي تبدأها سيلي تكون بهذه الكلمة: عزيزي الله!
في أواخر السبعينيات، حين بدأت آليس تفكر في كتابة الرواية، كان نتيجة لكثير من التغيرات طرأت عليها، طلقت وباعت منزلها وتركت عملها كمحررة في مجلة “مس ms“، سافرت إلى سان فرانسيسكو، ثم شمالًا إلى مستعمرة صغيرة اسمها بونفايل
ما حل بسيلي من ألم لا تستطع أن تتحمله فتاة في عمرها، خصوصًا لو كانت سمراء في مجتمع لا يرى أي حق لهؤلاء، فهي تولت أعمال البيت بعد مرض أمها وتربية أخواتها الكثيرين وخرجت من المدرسة بحجة قول أبيها المستمر أنها غبية! حتى إنها أجبرت أن تقوم بما لم تعد تستطيع الأم القيام به من واجبات تجاه الأب.
“أنا في الرابعة عشر من عمري، أنا فتاة صالحة، لطالما كنت فتاة صالحة، فهلا أرسلت إلي إشارة تفسر ما ألم بي”!
لم يكن لسيلي رأيًا في زواجها ولا القدرة على الرفض أو الإيجاب، كل ما حدث أن ناداها أبيها قائلًا: “استديري، يمينًا، يسارًا”، وكان يشاهدها زوجها، من على الحصان، ثم سيقت إليه وبحوزتها بقرة ثمينة.
الزواج لسيلي كان مهربًا من الأب بالتأكيد، خصوصًا بعد أن حملت مرتين منه، وفي كل مرة كان يأخذ الطفل ويبيعه، لكن زواجها من السيد، كان من أجل بحثه عن خادمة ومربية لا تأخذ منه مال وتحافظ على بيته وتهتم بأولاده، وسيلي كانت المنشودة وحققت ما تمناه.
السردين في العلبة
“العالم الجديد الذي يصوره مؤسسوه لا يمكن بناؤه من دون جهود العبيد”
في أواخر السبعينيات، حين بدأت آليس تفكر في كتابة الرواية، كان نتيجة لكثير من التغيرات طرأت عليها، طلقت وباعت منزلها وتركت عملها كمحررة في مجلة “مس ms“، سافرت إلى سان فرانسيسكو ثم شمالًا إلى مستعمرة صغيرة اسمها بونفايل واستأجرت كوخًا صغيرًا عبارة عن غرفة واحدة أمامه مرج أخضر، فناؤه عبارة عن بستان من التفاح وشجرة زيزفون عملاقة، وبدأت تكتب “اللون أرجواني” وسط الطبيعة، قرب النهر، عبارة عن تجربة أشبه بالفردوس، كانت تفتقدها بشدة في أثناء العيش بنيويورك.
سيلي التي ينعتها أبوها دائمًا بالشريرة التي لا تصلح لشيء، المأخوذ منها أطفالها عنوة، المحكوم عليها بالعيش داخل جدران أربع، لم تتخل عن الأمل، أمل أن تغادر بيتها هذا
“اللون أرجواني” بعد أكثر من 25 سنة تطرح على أنها كتاب يدور حول الله، فكانت أول كلمتين نطقت بهم سيلي بطلة الرواية هما: “عزيزي الله”.
آليس نقلت كل شكوكها وحيرتها وبحثها الدائم عن الله وعلاقة السود بالبيض في أمريكا والعالم، في شخصية سيلي، عن طريق الكتابة، ملجأها الأول والأخير، فهي الفتاة السمراء التي خرجت من المدرسة وأصبحت ثمينة، لا تفعل إلا الطبخ وحرث الأرض وتربية الأبناء، الفتاة التي أبعدت عنها أختها بعيدًا لإفريقيا، حيث عالم آخر تمامًا، لا تعلم ماهيته، وحيث أطفالها التي لا تعلم عن وجودهم شيئًا، كل ما هنالك إحساس يكبر داخلها، أنهم أحياء بالفعل.
“جئت إلى العالم وفي قلبي محبة الله”
آليس تقبلت سريعًا، حب الكل، مهما كان لونهم، أو ما يؤمنون به، تقبلت خوفهم ورغباتهم، كل ذلك كان نتيجة الحب الذي وجد في قلبها ناحية الله.
أغلب الرجال في نظر سيلي، يبدون متشابهين، لا يختلفون كثيرًا، تحركهم دائمًا نفس الأشياء والرغبات
على الناحية الأخرى، سيلي التي ينعتها أبوها دائمًا بالشريرة التي لا تصلح لشيء، المأخوذ منها أطفالها عنوة، المحكوم عليها بالعيش داخل جدران أربع، لم تتخل عن الأمل، أمل أن تغادر بيتها هذا حتى لو تذهب لمكان آخر لا تحصل فيه على كل حقوقها، لكن على الأقل معها محبة الله التي تحافظ بها على ما تبقى من أمل وحياة مختلفة.
مانيفستو المرأة
“أنظر إلى النساء لأنني لا أخافهن”
أغلب الرجال في نظر سيلي، يبدون متشابهين، لا يختلفون كثيرًا، تحركهم دائمًا نفس الأشياء والرغبات. سيلي منذ البداية أدركت أن عليها أن تكون ذكية، حتى تنجو من هذا العالم، عالم أبيها وزوجها، العالم الذي يتحكم فيه الرجل، فهي رغم كل معاناتها لم تعرف كيف تغضب، دائمًا مسالمة، محتكمة لتعاليم الإنجيل، وكلما شعرت في مرة أنها تقترب من الغضب، كانت تشعر بالغثيان، حتى أصبحت سيلي لا تشعر بشيء على الإطلاق، مجردة تمامًا وخاوية.
بدخول شوغ إفري، المرأة الجميلة، حب وحلم زوج سيلي منذ أن كان شابًا، تغيرت حياتها تمامًا، أخيرًا بدأت تشعر بشيء ما متواري داخلها، كانت شوغ المرأة التي عوضت سيلي عن كل الفترات السيئة التي مرت بها، عن كل ألم حل بها، سيلي أحبت شوغ وأغرمت بها، كذلك شوغ.
نبذ سيلي لزوجها، نتيجة لكل ما فعله، كان ظاهرًا جدًا حين لم تعطه أي اسم، فقط السيد
لو أننا بحثنا عن مانيفستو نسائي لاخترنا دون تردد رواية “اللون أرجواني”، فآليس عن طريق بطلتها سيلي صنعت وكتبت هذا المانيفستو من خلال الرواية، عبرت بشكل كبير وناضج، وعن تجربة قوية، ما تشعر به النساء المحطمات من كل شيء، ورغبتهن القوية في أخذ فرصة للوصول لأحلامهن مهما بدت صعبة وبعيدة، وسيلي كانت خير مثال للوصول للحلم، فمن مجرد ربة منزل لا تفعل سوى الطبخ والتربية والتعرض للإهانة المستمرة يوميًا، أصبحت مصممة أزياء كبيرة، لها مكانها الخاص، ولها شخصية قوية تختلف عن سابقتها، تنظر للأمور بشكل مغاير تمامًا.
نبذ سيلي لزوجها، نتيجة لكل ما فعله، كان ظاهرًا جدًا حين لم تعطه أي اسم، فقط السيد، فالأشخاص الذين عملوا على جعل حياة سيلي أسوأ كل يوم، كانت لا تعطيهم أسماء، مجرد لقب جاف وتجاهل كبير.
“الله في داخلك وداخل كل إنسان. تأتين إلى هذا العالم وهو في داخلك. وحدهم من يبحثون عنه في دواخلهم يلقونه.”
ما يميز الرواية هي التحولات الدرامية الكثيرة التي تحدث، بجانب الأفكار والقضايا التي تطرحها أليس ووكر، الفلسفة الموجودة في كل صفحة، بين فلسفة حياتية مكتسبة وفلسفة روحانية لا يحصل عليها إلا القليل، فيتعاملون مع الحياة بحكمة وزهد.
“بعد كل هذه السنوات في إفريقيا، أمسى الله مختلفًا بالنسبة إلينا، أكثر روحانية من أي وقت مضى”.
تعبير آليس القوي عن مشاكل المرأة ونقلها للمعاناة كما ينبغي، ليس فقط نابعًا من كونها امرأة تشعر بما يشعرن به، بل أيضًا نتيجة لكونها ناشطة حقوقية ونسوية، مناهضة للعنصرية، تعرف المجتمع الأمريكي جيدًا، خصوصًا مجتمع السود وما تعاني فيه المرأة.
آليس ليست كل جهودها أو آرائها منصبة فقط على المرأة، بل لها دائمًا رأي فيما يحيطها من قضايا سياسية عالمية، فكانت من أبرز الكتاب الأمريكيين المناهضين للحرب على العراق ومناصرة للقضية الفلسطينية.