منذ ساعات معدودة، تداولت وسائل الإعلام أخبارًا عن زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لجمهورية باكستان الإسلامية، من أجل التوقيع على اتفاقات بين البلدين تقدر قيمتها بنحو 22 مليار دولار، من شأنها تعزيز المصالح التجارية وتطوير العلاقات الإستراتيجية والمسائل المتعلقة بالشؤون الإقليمية والعالمية، فلطالما كان كلا البلدين دائمًا على نفس الصفحة، كما يبدو أن كلاهما يسعيان إلى تحسين الأسس المشتركة بينهما بصورة أكبر.
ومن هذا المنطلق، نبحث في هذا المقال تاريخ هذه العلاقات على المستوى الاقتصادي والدبلوماسي، والأهم من ذلك، سوف نشير إلى سياسة باكستان في الحفاظ على هذه العلاقات رغم كونها واحدة من أقرب الحلفاء الإستراتيجيين للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وهي الدول المعروفة بسياساتها الهجومية تجاه قطر.
علاقات متينة على جميع الأصعدة تقريبًا
يعود تاريخ المجتمع الباكستاني في قطر إلى فترة الأربعينيات، حيث كان الباكستانيون من أوائل الوافدين والعمال الأجانب في قطر، إذ يصل عددهم إلى أكثر من 50 ألف نسمة يعملون في مجالات مختلفة، مثل قطاع الخدمات والبترول والبناء والتعليم والهندسة والطب والخدمات المصرفية.
ويمكن قياس هذا القرب والتعاون بلغة الأرقام، فعلى مدى العشر سنوات الماضية، تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين، وارتفع من 782 مليون دولار أمريكي عام 2016 إلى 2.6 مليار دولار عام 2018، أي أنه ارتفع بنسبة 233% خلال عامين فقط.
ومع تشجيع الحكومات الدائم على تبادل الفرص الاستثمارية، حققت التجارة الخارجية لقطر فائضًا تجاريًا بقيمة 52 مليار دولار، وبنسبة نمو بلغت 40%، مع نمو صادراتها بنسبة 25%، كما أدى ذلك الدعم إلى احتضان الدوحة نحو ألف و488 شركة برأس مال مشترك، تعمل في مجالات الطاقة والمقاولات وصناعة البلاستيك وتأجير المعدات الثقيلة، إضافة إلى وجود 7 شركات برأس مال باكستاني بنسبة 100%.
رغم تداخل العلاقات في العديد من المجالات منذ تسعينيات القرن الماضي، فإن فيضانات باكستان عام 2010 نقلت هذه العلاقات إلى مستوى ثانٍ، ففي الوقت الذي شهدت فيه باكستان أسوأ كارثة في تاريخها والأخطر على الإطلاق، أعلنت قطر إطلاق حملة شعبية لإغاثة الشعب الباكستاني ومنكوبي الفيضانات التي اجتاحت أجزاءً واسعة من البلاد ودمرت أجزاءً كبيرةً منها، ومنذ تلك الحادثة تقريبًا، أصبحت الروابط أكثر قربًا وتماسكًا على الصعيد الإنساني.
تعد قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال إلى باكستان، وواحدة من أهم موردي المنتجات البتروكيميائية
يضاف إلى ذلك حادثة أخرى عام 2017، حين قررت المحكمة العليا في باكستان التحقيق في مصادر ثروة أسرة رئيس الوزراء السابق نواز شريف، وتحديدًا فيما يتعلق بملفه العقاري في العاصمة البريطانية لندن، الأمر الذي وضعه تحت ضغط سياسي وقانوني، إلا أن تصريح رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، بأن هذه الممتلكات كانت هدية منه، أنقذت الشريف من هذه الاتهامات وقدمت له التبرئة على طبق من ذهب. من جهة أخرى، دفع الانحياز القطري للمسؤول الباكستاني إلى تعزيز الثقة بين البلدين، لا سيما في وقت الأزمات.
إلى جانب هذه المواقف، يعد قطاع الطاقة بُعدًا آخر مهمًا في العلاقات الباكستانية القطرية، فلقد وصف وزير الداخلية والتنمية والتخطيط الباكستاني أحسن إقبال، قطر، ذات مرة بأنها “جزء من أمن الطاقة في باكستان”، على اعتبار أنها تزودهم بمصدر ثمين لتشغيل محطات الطاقة في البلاد، إذ تعد قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال إلى باكستان، وواحدة من أهم موردي المنتجات البتروكيميائية، وذلك بعدما وقعتا مطلع عام 2016، اتفاقًا مدته 15 عامًا لاستيراد 1.3 طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا، بقيمة 15 مليار دولار.
مجموعة من العاملين الباكستانيين في مجال البناء بقطر
لم تنته التبادلات التجارية عند هذا الحد، فلقد عرضت باكستان على قطر في بداية العام الحاليّ، اتفاقًا يشمل 30 مشروعًا حكوميًا واستثمارات وإنشاء محطات توليد الكهرباء بقيمة 10 مليارات دولار، وحاليًّا يجريان مباحثات تتناول سبل تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية في قطاع الأعمال والسياحة.
بالطبع، لا يمكننا صرف نظرنا عن الاتصالات العسكرية والدفاعية بين الدوحة وإسلام أباد، حيث وقع البلدان العديد من المعاهدات ومذكرات التفاهم لتعزيز التعاون العسكري، وأبرزها اتفاقية التعاون الدفاعي عام 2010، والاتفاق المتعلق بانتداب القوات المسلحة الباكستانية إلى قطر في عام 1958، وذلك عدا عن مشاركتها في التمرينات البحرية في المياه الإقليمية لدولة قطر، التي تضمن بدورها الدفاع عن حقول النفط والغاز ومكافحة عمليات القرصنة البحرية والتهريب وعمليات اقتحام السفن والتجاوزات الأخرى.
حياد باكستان ومصالحها التجارية في ظل الأزمة الخليجية
إجمالًا، تملك باكستان روابط وثيقة بدول الخليج مثل المملكة السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، وتعد علاقاتها بهذه الدول أعمق بكثير من تلك التي تربطها بقطر، ومع ذلك اتخذت إسلام آباد موقفًا محايدًا في الأزمة الأخيرة بدلًا من دعم الرياض وأبو ظبي، ويرتبط ذلك جزئيًا بعلاقتها القوية بالعائلة المالكة القطرية، ومشاركة قطر الواسعة في قطاع الطاقة في باكستان كما ذكرنا سابقًا.
مصالح باكستان الأخرى مع دول الخليج الأخرى تمنعها من تبني موقفًا صريحًا ودقيقًا، ولذلك تحاول دومًا التوسط في سياساتها لتبقى على وفاق مع حلفائها التقليديين في منطقة شبه الجزيرة العربية
وقد يفسر ذلك، إشادة السفير الباكستاني في قطر مؤخرًا بقدرة قطر على التعامل مع التهديدات الداخلية و”الخارجية” وإعرابه عن ثقته في أن البلدين يمكنهما زيادة العلاقات التجارية والسياحية، ما جعل الدوحة تعلن منح الوافدين الباكستانيين التأشيرة لدى وصولهم إلى قطر، كإشارة على قرب العلاقات وإعجاب قطر بهذه التصريحات التي تفصح ضمنيًا عن انحياز باكستان إلى صف قطر.
يتضح ذلك أيضًا من خلال تدشين خط ملاحي مباشر بين قطر وباكستان، بدلًا من ميناء جبل علي في دبي الذي كان يستخدم وسيطًا، بعدما أعلنت 4 دول عربية قطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع قطر وإغلاق حدودها ومنافذها البرية والبحرية معها، ما دلل على استعداد الحكومة الباكستانية لدعم الاقتصاد القطري ومساندته في محاربة الحصار والتضييق الاقتصادي.
لكن بجميع الأحوال، تمنع مصالح باكستان الأخرى مع دول الخليج الأخرى تبني موقفًا صريحًا ودقيقًا، ولذلك تحاول دومًا التوسط في سياساتها لتبقى على وفاق مع حلفائها التقليديين في منطقة شبه الجزيرة العربية.