محاولة انقلابية للاستيلاء على السلطة، دُبرت خيوطها في إقليم أمهرة البعيد عن العاصمة أديس أبابا، وباغتت إثيوبيا، الدولة صاحبة الديمقراطية الوليدة، والباحثة عن إرساء مصالحة واستقرار بين مختلف عرقياتها، وهي أيضًا واحدة من أكثر وأسرع دول العالم نموًا اقتصاديًا.
محاولة انقلاب فاشلة في خضم أزمة سياسية
لم تمر المحاولة الانقلابية دون أن تترك الدماء تسيل على الأرض، ففي أديس أبابا لم يكن رئيس أركان الجيش الجنرال سيري ميكونين بمأمن، وهناك اُغتيل في منزله إثر إطلاق النار عليه من حراسه الشخصيين، وهو أحد أبرز الداعمين لإصلاحات رئيس الوزراء آبي أحمد بعد أشهر قليلة من توليه دفة حكم البلاد في أبريل/نيسان 2018.
فيما بدا أنه هجوم منسق، قُتل أيضًا حاكم إقليم أمهرة إيمباشيو ميكونن – حليف لرئيس الوزراء – ومستشاره إيزي واسي إثر اقتحام مجموعة مسلحة اجتماع حكومي في مدينة بحر دار
وقال متحدث باسم رئيس الوزراء الإثيوبي لوكالة “أسوشيتيد برس” إن جنرالاً متقاعدًا كان يزور قائد الجيش في ذلك الوقت قُتل أيضًا في نفس الهجوم في وقت متأخر يوم السبت.
وفيما بدا أنه هجوم منسق، قُتل أيضًا حاكم إقليم أمهرة إيمباشيو ميكونن – حليف لرئيس الوزراء – ومستشاره إيزي واسي إثر اقتحام مجموعة مسلحة اجتماع حكومي في مدينة بحر دار شمال غرب البلاد، لمناقشة كيفية كبح التجنيد المفتوح للميليشيات العرقية.
حمّل مكتب رئاسة الوزراء قائد جهاز الأمن في أمهرة الجنرال أسامنيو تسيجي – أحد المعتقلين المفرج عنهم العام الماضي بعد محاولة انقلاب مماثلة – المسؤولية عن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي وصفها بـ”الهادفة إلى تقويض السلام”، وأكدت المتحدثة باسم رئاسة الوزراء بيلين سيوم للصحفيين أن “معظم الأشخاض الذين نفّذوا محاولة الانقلاب اعتقلوا بعد إغلاق الطرقات”، لكنها لم تذكر أي تفاصيل عن مكان وجودهم.
بيان مجلس الوزراء الإثيوبي
في خطاب نُقل عبر التليفزيون الرسمي، ظهر رئيس الحكومة آبي أحمد في حالة استنفار تام مرتديًا الزي العسكري، وتحدث عن الأزمة التي شهدها إقليم أمهرة، ومات فيها البعض وجُرح آخرون، وقال إن إدارته أحبطت محاولة انقلاب خطط لها مسؤول عسكري رفيع المستوى وعسكريون آخرون داخل جيش البلاد.
ثم عوَّل آبي أحمد على وعي الشعب قائلاً: “شعب إثيوبيا لا يريد حكومة قمعية وقاتلة، لقد أثبت أنه من الممكن إزالة الطغاة بنظام موحد وديمقراطي، في السنوات الماضية، أظهر شعب إثيوبيا بشكل موحّد أنه لن يقبل الحكومات التي لديها موقف الديكتاتورية”.
وأدَّت أعمال العنف إثر المحاولة الانقلابية إلى انقطاع خدمة الإنترنت والكهرباء في كل أنحاء البلاد منذ مساء السبت، ما دعا بعض الدول مثل أمريكا إلى تحذير رعاياها من الفوضى، إلا أن حكومة البلاد أكدت السيطرة على الوضع وعدم وجود انقسامات داخل الجيش، بحسب ما ذكر قائد القوات الخاصة في أمهرة العميد تفيرا مامو.
#Ethiopia: The U.S Embassy is aware of reports of gunfire in Addis Ababa. Chief of Mission personnel are advised to shelter in place. https://t.co/ULRfCXIEOd pic.twitter.com/ZiB4UFjHlZ
— Travel – State Dept (@TravelGov) June 22, 2019
ويبدو التأكيد على احتواء الأزمة مهمًا بشكل خاص، لأن الجنرالين اللذين قُتلا في أديس أبابا هما جزء من قومية تيغراي العرقية، أمَّا الشخص الذي يُعتقد أنه مسؤول عن مؤامرة الانقلاب فهو من قومية الأمهرة، ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، وتمثل نحو ربع سكان البلاد.
دوافع ما حدث تهدد الانتقال الديمقراطي
تأتي عمليات القتل الأخيرة في الوقت الذي تستعد فيه البلاد لإجراء انتخابات برلمانية وطنية العام المقبل، وعلى الرغم من أن مجلس الانتخابات حذر في وقت سابق من هذا الشهر من أن عدم الاستقرار قد يسبب مشكلة في الاقتراع، فإن عدة جماعات معارضة دعت إلى إجراء الانتخابات في موعدها.
يطرح ذلك تساؤلاً عن دوافع ما حدث في هذا التوقيت، وفي أحد أهم ولايات إثيوبيا التسعة، وأحد الأقاليم المكونة للائتلاف الحاكم وأكبرها وذي الثقل السياسي تاريخيًا، وثاني أكبر منطقة سكانية تواجه نزاعات عرقية، الذي اُعتمدت لغته (اللغة الأمهرية) كلغة رسمية للبلاد.
ما زال العنف العرقي المتزايد عصيًا على الحكومة، ويعاني منه سكان البلاد، فقد اندلعت أعمال العنف العرقية في العديد من المناطق، بما في ذلك أمهرة
كان وصول رئيس الوزراء الحاليّ آبي أحمد إلى السلطة بمثابة محطة مهمة في التاريخ الإثيوبي أنهت سيطرة طائفة الإقليم الذي شهد محاولة الانقلاب، فهو أول رئيس حكومة مسلم ينحدر من قومية الأومورو، وهي أكبر مجموعة عرقية في البلاد التي كانت تقود الاحتجاجات المناهضة للحكومة السابقة على مدار 3 سنوات.
ومنذ عقود تعيش إثيوبيا نزاعات عرقية متعددة، تخف تارة وتشتد تارة أخرى، لذلك يبدو من المهم للغاية الآن ألا تزيد الجهات الفاعلة في جميع أنحاء البلاد من عدم الاستقرار من خلال الرد بعنف أو محاولة استغلال هذا الوضع الناشئ لتحقيق أغراضها السياسية.
ووسط اضطرابات واسعة، حاول آبي أحمد – وهو جندي سابق ووزير العلوم والتكنولوجيا ونائب رئيس منطقة أوروميا – إجراء تسويات على جبهات عدة، فنفَّذ إصلاحات سياسية شاملة في دولة يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة في القرن الإفريقي، بعد سنوات من العنف السياسي التي أدت إلى فرض حالة الطوارئ منذ استقالة سلفه هيليم مريم ديسالين.
ظهر رئيس الحكومة آبي أحمد في حالة استنفار تام مرتديًا الزي العسكري
فتح آبي أحمد البلاد التي كانت في وقت سابق معزولة وسحبها من شفا الانهيار السياسي وحارب الفساد وأطلق سراح سجناء سياسيين، وحاكم المسؤولين المتهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ورفع الحظر عن الأحزاب السياسية، ودشَّن مصالحة مع إريتريا.
رغم ذلك، ما زال العنف العرقي المتزايد عصيًا عليه، ويعاني منه سكان البلاد، فقد اندلعت أعمال العنف العرقية في العديد من المناطق، بما في ذلك أمهرة التي حُكمت منذ فترة طويلة تحت قبضة الدولة الحديدية، وقبل ذلك بأسبوع، حثَّ الجنرال أسامنيو علانية شعب أمهرة على تسليح أنفسهم، في مقطع فيديو نُشر على “فيسبوك”، وفق ما ذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية.
ومنذ أن تولى أبي أحمد السلطة وانتقلت البلاد نحو الديمقراطية، كان هناك أشكال مختلفة من التعبئة، من مختلف الجهات الفاعلة وخاصة الحركات القومية، وهو ما غذَّى شعورًا لدى قومية الأمهرة بأنهم مهمشون، وأن هؤلاء الأفراد الذين يُشتبه في أنهم كانوا وراء الانقلاب قالوا مؤخرًا إنه لن يتم إخضاع شعبهم أبدًا.
يرى محللون أن مثل هذه الحوادث المأساوية أظهرت عمق وخطورة الأزمة السياسية في إثيوبيا، حيث أدَّت جهود آبي لتخفيف قبضة أسلافه الحديدية والمضي قدمًا في الإصلاحات إلى إطلاق موجة من الاضطرابات
أمَّا هذه المحاولة الانقلابية فتعتبر تحديًا لسياساته، وتُظهر وجود عناصر تناهضها، وتسعى للزج بإثيوبيا في حالة من الفوضى التوتر الأمني والانقسام داخل صفوف الجيش، فقد تعرَّض لمحاولة اغتيال العام الماضي، عندما ألقى مهاجم يرتدي زي الشرطة قنبلة يدوية على تجمع حاشد حضره آبي، مما تسبب في انفجار قاتل، وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن 9 من ضباط الشرطة اعتقلوا بعد الهجوم.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام، تسبب الجنود الإثيوبيون المتمردون الذين يسعون إلى زيادة الرواتب في حادث أمني في العاصمة، قال آبي في وقت لاحق إن بعض الجنود الذين دخلوا مكتبه لمواجهته بشأن القضية أرادوا قتله.
Explosion at rally attended by Ethiopia’s Prime Minister Abiy Ahmed in Addis Ababa – 23 June 2018 #Ethiopia #AbiyAhmed pic.twitter.com/TJfBKJgPLN
— Zim Local (@zimlocals) June 23, 2018
ويرى محللون أن مثل هذه الحوادث المأساوية أظهرت عمق وخطورة الأزمة السياسية في إثيوبيا، حيث أدَّت جهود آبي لتخفيف قبضة أسلافه الحديدية والمضي قدمًا في الإصلاحات إلى إطلاق موجة من الاضطرابات.
لم يعد بمقدور أي إقليم إثيوبي التحكم في البلاد مثلما كان قبل ذلك بسبب تطبيق الفيدرالية، لكن مثل هذه الاضطرابات في بلد من أكبر المؤثرين في محيطه الإقليمي ستترك تداعيات داخلية وخارجية، فهي أعادت لفت الأنظار إلى نزاعات سياسية داخلية في وقت تسعى فيه إثيوبيا إلى تطبيق نهضة اقتصادية ومصالحة داخلية دون إغفال أن استقرار إثيوبيا ضروري في منطقة القرن الإثيوبي، وأساسي للمساعدة في استقرار هذا الجزء بأكمله من إفريقيا.
من يدعم الانقلاب في إثيوبيا؟
هناك تخبط بين يرون أن ما حصل هو انقلاب داخل إقليم واحد من أقاليم الدولة ومن يعتبرون أنه انقلاب على السلطة المركزية، لكن امتدادت هذا الأمر وصلت بالفعل إلى العاصمة أديس أبابا، وأسفرت عن مقتل مسؤولين كبار، وهذا يستدعي التساؤل عن الأطراف التي تسعى إلى أن تعيش الدولة أزمة داخل مؤسساتها العسكرية والأمنية.
انحصرت الإشارت بوجود أيادٍ خارجية ساعدت في دعم المحاولة الانقلابية في دول تعبث بأمن إثيوبيا بهدف إسقاط ديمقراطيتها الناشئة، وعلى رأسها دول مثل السعودية والإمارات ومصر من ناحية، والمجلس العسكري السوادني من ناحية أخرى
في هذا السياق، ألمح نشطاء بوسائل التواصل الاجتماعي إلى قناعتهم بأن دولاً عربية معينة تقف وراء الانقلاب الفاشل الذي شهدته إثيوبيا، سعيًا لإفشال الوساطة السياسية التي تلعبها إثيوبيا لإطفاء نار الأزمة في بعض دول الجوار.
وربط البعض الأطراف التي تقف وراء المحاولة الانقلابية في إثيوبيا بتلك الداعمة للمجلس العسكري في السودان، في مسعى منها لتوتير الأوضاع في إثيوبيا وإفشال الجهود السلمية التي تقوم بها أديس أبابا لإنهاء الأزمة بالسودان، بما يكفل حقن دماء السودانيين وانتقالهم للدولة المدنية التي ينشدونها.
#أثيوبيا
محاولة انقلاب فاشلة تفوح منها رائحة غباء دولة الانقلابات العربية مع رائحة العقل المدبر لعملية خاشقجي “السرية”
محاولة انقلاب فاشل في أثيوبيا “أمهر” شمالي البلاد قاده مسؤول عسكري رفيع فقتل حاكم أمهر مع مستشاره كما قتل رئيس أركان الجيش الاثيوبي برصاصة من حارسه الشخصي
— قتيبة ياسين (@k7ybnd99) ٢٣ يونيو ٢٠١٩
وانحصرت الإشارت بوجود أيادٍ خارجية ساعدت في دعم المحاولة الانقلابية في دول تعبث بأمن إثيوبيا بهدف إسقاط ديمقراطيتها الناشئة، وعلى رأسها دول مثل السعودية والإمارات ومصر من ناحية، والمجلس العسكري السوادني من ناحية أخرى، الذي أبدى مؤخرًا تحفظات على خطة الانتقال إلى الحكم المدني التي قدمتها إثيوبيا ووافقت عليها قوى الحرية والتغيير.
الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد
واستدل الكثيرون على قولهم باستدعاء تاريخ تلك الدول في دعم الانقلابات والثورات المضادة التي ارتبط اسمها بمساعي إجهاض الديمقراطية في الكثير من دول العالم، في ليبيا وتونس ومصر واليمن وقطر وتركيا والسعودية وعُمان والصومال، وكلها ساحات لحرائق يشعلها بلد صغير يطمع في حكم المنطقة.
الاضطراب الغامض في #اثيوبيا هو رسالة واضحة الى #ابي_احمد،،فالمشاركين في الانقلاب الغبي صنع في الخارج وهدفه توتير الأوضاع في اثيوبيا التي تتحرك بقوة نحو الصلح في #السودان والإصلاح في البلاد ان عملية الصلح ستكشف الكثير الكثير ،،،ابحثوا عن المستفيد ومن يرغب في إفشال بناء #أفريقيا
— الدكتورة فاطمة الوحش #القدس،،هي #الوعي (@fatimaalwahsh) ٢٣ يونيو ٢٠١٩
من الناحية الاقتصادية، أرجع البعض ذلك إلى كون حكومة إثيوبيا المنتخبة ديمقراطيًا قوة اقتصادية صاعدة في منطقة القرن الإفريقي التي باتت ساحة للصراع والنفوذ الإقليمي العسكري والتجاري، وهو ما يزعج مساعي الإمارات لإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة عبر احتكار إدارة موانئها، بل وحتى بناء قواعد عسكرية تمنحها القوة والنفوذ في هذه المنطقة.