على مدار سنوات طويلة مضت نجحت شركات السيارات ذات المكانة الكبيرة في تصدر قائمة العلامات التجارية الأعلى قيمة في العالم، لكن خلال الآونة الأخيرة لم يعد الأمر كذلك، إذ سحبت شركات التكنولوجيا البساط من تحت أقدام مصنعي السيارات لتتصدر الخطوط الأمامية بجدارة.
مركز الأبحاث الأمريكي Kantar Millward Brown في أحدث تقاريره المنشورة على موقعه الإلكتروني عن أعلى 100 علامة تجارية في العالم للعام الحاليّ 2019، كشف تراجعًا واضحًا في ترتيب غالبية شركات السيارات، بل تراجعت كذلك الشركات الثلاثة التي ظلت ضمن السباق لهذا العام.
التقرير كشف تصدر شركة تويوتا اليابانية لقائمة شركات السيارات الأعلى حضورًا في الترتيب، بعد أن بلغت قيمتها نحو 29.5 مليار دولار، تلتها شركة مرسيدس بنز الألمانية في المركز الثاني بقيمة 23.35 مليار دولار، فيما جاءت شركة “بي إم دبليو” في المركز الثالث بقيمة 23.32 مليار دولار
تراجع الكبار
من الواضح أن خريطة العلامات التجارية شابها الكثير من التغيير خلال السنوات القليلة الماضية، إذ أضحت شركات التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية في الصدارة، وهو ما أكدته النتائج التي خرج بها التقرير، حيث جاءت أمازون في الترتيب الأول بين أكبر 100 علامة تجارية، بعد أن وصلت قيمة علامتها إلى 315.5 مليار دولار، تلتها آبل بنحو 309.5 مليارات دولار، ثم جوجل بقيمة 309 مليارات دولار، ومايكروسوفت بنحو 251.2 مليار دولار.
فيما جاءت فيزا لخدمات الدفع في المرتبة الخامسة بقيمة 177.9 مليار دولار، ثم فيسبوك بقيمة 158.9 مليار دولار، بينما جاءت شركة علي بابا المتخصصة في التجارة الإلكترونية في الترتيب السابع بقيمة 130.8 مليار دولار، تلتها تينسنت الصينية المتخصصة في الإنترنت بقيمة 130.8 مليار دولار.
هوي ترتيب مرسيدس إلى الـ54 هذا العام، مقابل الـ46 العام الماضي والـ40 في 2017، لتعود وفق تصنيف العام الحاليّ إلى ما كانت عليه قبل 9 سنوات، حيث كان ترتيبها الـ53 من الشركات المئة الكبرى
أما على مستوى شركات السيارات فقد غادر عدد من الكبار السباق هذا العام، على رأسهم شركتا فورد الأمريكية وهوندا اليابانية، بعدما ظلت لسنوات طويلة تزاحم الثلاثة الكبار في المنافسة على منصات الصدارة، كما تراجعت تويوتا هذا العام 5 مراكز من المرتبة الـ36 العام الماضي إلى الـ41 هذا العام، فيما كانت الـ30 في 2017 والـ25 في 2010، بعدما كانت في المركز الـ14 عام 2009.
الأمر ذاته تكرر مع كبيري ألمانيا مرسيدس وبي إم دبليو، فقد هوي ترتيب مرسيدس إلى الـ54 هذا العام، مقابل الـ46 العام الماضي والـ40 في 2017، لتعود وفق تصنيف العام الحاليّ إلى ما كانت عليه قبل 9 سنوات، حيث كان ترتيبها الـ53 من الشركات المئة الكبرى، أما بي إم دبليو فتراجعت إلى الترتيب الـ55 هذا العام، مقابل الـ47 العام الماضي، والـ35 في 2017، بينما كانت في الترتيب الـ18 عام 2009.
تراجع ترتيب شركة تويوتا في قائمة العلامات التجارية الأكبر عالميًا هذا العام
انخفاض المبيعات
تراجع ترتيب شركات السيارات في قائمة العلامات التجارية الأكبر في 2019 ليس وليد الصدفة، بل ترجمة عملية لواقع مبيعات تلك الماركات في الأسواق العالمية، وهو ما تكشفه الأرقام الصادرة بشأن حجم سوق السيارات خلال العام الماضي الذي تراجع بصورة غير مسبوقة لا سيما في الصين، أكبر أسواق السيارات بالعالم.
وفق البيانات التي نشرتها الجمعية الصينية لمصنعي السيارات، هناك حالة واضحة من التباطؤ في سوق السيارات في الصين، تزامن ذلك مع التعريفات التي تلوح بها أمريكا بين الحين والآخر وفرضتها على السيارات المستوردة، وهي الخطوة التي ساهمت في تراجع حركة البيع بشكل ملحوظ.
البيانات أظهرت تراجع مبيعات سيارات الركوب في الصين بنحو 18% في يناير/كانون الثاني مقارنة بالعام الماضي، وهو مؤشر ينعكس بطبيعة الحال على العديد من العلامات التجارية العالمية الأخرى، مثل جنرال موتورز وفولكسفاغن، التي أصبحت تعتمد على مبيعات ضخمة للمستهلكين الصينيين.
من المنتظر أن تنخفض المبيعات بصورة لم تحدث من قبل، حيث من المتوقع أن تزيد نسبة انخفاض المبيعات في العالم إلى 5% أي 79.5 مليون سيارة
انخفاض المبيعات في سوق السيارات الصيني خلال الأشهر السبع الأخيرة هو الأصعب على مدار العشرين عامًا الماضية، الأمر الذي ربما ينعكس سلبًا على الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، رغم مساعي بكين كبح جماح الإقراض الخطير بعد الارتفاع السريع في مستويات الديون.
شركة “جنرال موتورز” قالت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إن مبيعاتها في الصين انخفضت بنسبة 10% في العام الماضي مقارنة بالعام 2017، وتأمل الشركة في عكس التباطؤ هذا العام بإطلاق أكثر من 20 طرازًا جديدًا في الصين، وتحويل التركيز إلى السيارات الكهربائية، بعد أن انخفضت مبيعات فورد في الصين بأكثر من الثلث في عام 2018.
ورغم الأرباح الكبيرة التي حققتها مجموعة فولكس فاغن الألمانية في الصين بداية 2018 فإن مبيعاتها تراجعت مع نهاية العام بصورة غير مسبوقة وصلت إلى 3% تقريبًا بداية 2019، هذا بخلاف تصاعد التوقعات التي تشير إلى مزيد من التراجع خلال الأشهر المقبلة.
وفي أوروبا تراجعت مبيعات السيارات هي الأخرى للشهر الثامن على التوالي، في ظل تراجع الطلب في بريطانيا، حيث يؤجل المستهلكون عمليات الشراء وسط حالة من الاضطراب قبيل استعداد البلاد للخروج نهائيًا من الكتلة الأوروبية، حيث ذكرت رابطة مصنعي السيارات الأوروبية، أن حجم المبيعات الشهرية انخفض بنسبة 1% إلى 1.22 مليون سيارة، كما شهدت بريطانيا انخفاضًا أكثر حدة بلغت نسبته 4.1%.
وكالة بلومبرج للأنباء كشفت أنه خلال الأشهر الأربع الأولى من العام الحاليّ، انخفضت معدلات تسجيل السيارات في أوروبا بنسبة 2.9% إلى 5.01 مليون سيارة، وجاءت إيطاليا وإسبانيا في صدارة الدول التي شهدت تراجعًا من بين الأسواق الخمس الرئيسية للسيارات في أوروبا، حيث بلغت نسبة التراجع في الدولتين 4.6% و4.5% على الترتيب.
انكماش حركة البيع والشراء في سوق السيارات الصيني
تحديات مستقبلية
العديد من التحديات باتت تواجه صناعة السيارات خلال المرحلة المقبلة، وهو ما حذرت منه الدراسة الألمانية التي أجراها معهد (كار) التابع لجامعة دويسبورج – إيسن غربي ألمانيا، تلك الدراسة التي اعترفت أن صناعة السيارات في العالم قد تواجه أزمة عالمية خطيرة استندت إلى أحدث تحليل لمبيعات السيارات حتى مايو الماضي.
الدراسة أكدت أنه من المنتظر أن تنخفض المبيعات بصورة لم تحدث من قبل، حيث من المتوقع أن تزيد نسبة انخفاض المبيعات في العالم إلى 5% أي 79.5 مليون سيارة، فيما أرجع البروفيسور فرديناند تودنهوفر المشرف على الدراسة، أحد الأسباب الرئيسية لهذه الأزمة العالمية إلى حروب الجمارك والعقوبات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأمام هذا التغيير السريع في عالم الماركات العالمية والعلامات التجارية، ليس أمام شركات السيارات سوى تطوير أجيال جديدة من المركبات أكثر اعتمادًا على التكنولوجيا سواء بإنتاج المركبات الكهربائية أو ذاتية القيادة، ما يجعلها تدخل في شراكات مع العلامات التجارية الكبرى في عالم التكنولوجيا مثل جوجل وآبل ومايكروسوفت وغيرها.
في استطلاع للرأي أجرته شركة GRS Explori مؤخرًا لمصلحة شركة “ميسي فرانكفورت الشرق الأوسط” الألمانية العاملة في مجال تنظيم المعارض، رجح أن تشهد صناعة السيارات تغيرات هائلة في السنوات المقبلة، فيما توقع ما يقرب من 50% من المشاركين في الاستطلاع حدوث تحولات في غضون السنوات الخمس المقبلة.