ترجمة وتحرير: نون بوست
أثار إسقاط إيران لطائرة دون طيار أمريكية يوم الخميس مخاوف دولية من أن تزيد هذه الحادثة من حدة التوترات بين طهران وواشنطن وأن تجعلهما على شفا حرب وشيكة. ومع ذلك، سبّب تصريح دونالد ترامب بأن الطائرة أُسقطت عن طريق الخطأ من قبل “شخص غير منظم وأحمق”، موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي الإيرانية. وتوالت النكات حول ردة فعل ترمب الذي كان يحاول إيجاد تبرير لغضب القيادة الإيرانية، حيث ذهب البعض إلى القول: “سأضحي بحياتي في سبيل الخامنئي” من المرجح أن يكون هذا تصريح ترامب القادم”.
كان هذا مجرّد مثال على العديد من ردود الأفعال الهزلية التي طفت على السطح، التي كان يحاول الإيرانيون من خلالها التعامل مع وضع يبدو أنه يزداد خطورة كل يوم. وعموما، عزز قرار الحرس الثوري الإسلامي بإسقاط طائرة غلوبال هوك الأمريكية من ثقة المؤسسة الحاكمة، التي أكدت أن هذه الطائرة كانت تلّحق فوق أراضيها، في حين أن واشنطن زعمت بأن طائرتها كانت تحوم فوق المياه الدولية. وفي الواقع، يبدو أن هذا القرار قد حظي بتأييد جميع الأطياف السياسية.
يعتقد العديد من الإيرانيين أن مثل هذه الخطوة كانت ضرورية لمنع الولايات المتحدة من اتخاذ إجراء عسكري ضد طهران
في هذا السياق، صرح سهيل صادغيان، وهو إيراني عاطل عن العمل وناقد لهذه المؤسسة السياسية، لموقع “ميدل إيست آي” قائلا: “أنا من منتقدي الحرس الثوري الإيراني، لكن هذا الأمر غير مهم في الوقت الراهن. أنا أؤيد وأدعم الخطوة الذي اتّخذت ضد الطائرة الأمريكية، باعتبار أنه إجراء يتناسب مع ضرورة حماية وحدة أراضي الإيرانية”. وواصل صادغيان حديثه قائلا: “لقد كانت الطائرة الأمريكية مكلّفة بالتجسس على إيران وليس لحضور حفلة”.
رادع ضروري
في الأثناء، يعتقد العديد من الإيرانيين أن مثل هذه الخطوة كانت ضرورية لمنع الولايات المتحدة من اتخاذ إجراء عسكري ضد طهران. وفي هذا الصدد، قال مجتبى تافانش، الذي يعتبر نفسه إصلاحيا ويعمل لصالح شركة تصدير في طهران: “إن إسقاط الطائرة الأمريكية كان قرارا صائبا للغاية”. وأضاف تافانش قائلا: “في ظل الوضع الراهن، ينبغي ألا تتلقى الولايات المتحدة رسالة تُظهر ضعف إيران، نظرا لأن ذلك من شأنه أن يحثها على اتخاذ إجراء عسكري، ناهيك عن الحرب الاقتصادية التي تخوضها في الوقت الراهن”.
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين واشنطن وطهران قد شهدت تدهورا منذ أن تولي ترامب الرئاسة والانسحاب من الاتفاق النووي لسنة 2015، الذي وقع بموجبه تخفيف العقوبات على إيران مقابل وقف تطوير أسلحتها النووية. ومنذ ذلك الحين، فُرضت عقوبات جديدة على طهران، مما أدى إلى تدمير اقتصادها الهش، الذي اعتبره الإيرانيون بمثابة صراع اقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، اقترح ترامب ومستشار الأمن القومي، جون بولتون، فرض عقوبات جديدة يوم الاثنين.
على إثر انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة النوويّة، انتقد عدد من الإيرانيين الحرس الثوري الإيراني والمتشددين المتواجدين في السلطة بسبب استفزازهم لواشنطن
في المقابل، يعترف الكثير من الإيرانيين بأن قرار إسقاط الطائرة الأمريكية كان مجازفة. والجدير بالذكر أن ترامب قد أصدر قرارا يقضي بإلغاء سلسلة من الضربات العسكرية الانتقامية في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الحربية تحلق استعدادا لضرب مواقع إيرانية، كانت ستودي بحياة 150 شخصا.
لذلك، اعتقد الكثيرون أن الخطوة التي قام بها الحرس الثوري الإيراني قد زادت من شعبية هذه الوحدة العسكرية الخاصة إلى حد ما. وفي هذا الصدد، أفاد آريا حساني، وهو خريج هندسة مدنية ومعارض للنظام السياسي في الجمهورية الإسلامية بسبب غياب مساحة من الحريات الاجتماعية قائلا: “أنا لست من المهتمين بالسياسة، لكن ترامب ألحق الأذى بحياة المجتمع الإيراني ككل. في البداية، عندما وردت تقارير حول وجود خطة أمريكية محتملة للهجوم على إيران، شعرت بالخوف. لكن عندما تراجع ترامب عن قراره بعد أن أسقطت إيران طائرة دون طيار، شعرت بثقة حقيقية في بلدي. فإذا ما كان اقتصادنا قويا مثلما هو حال صواريخنا، سيكون ذلك بمثابة أمر رائع”.
تعزيز قوّة المتشدّدين
على إثر انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة النوويّة، انتقد عدد من الإيرانيين الحرس الثوري الإيراني والمتشددين المتواجدين في السلطة بسبب استفزازهم لواشنطن. وأشارت الولايات المتحدة إلى أن إطلاق الصواريخ الإيرانية يمثّل دليلا على أن طهران لديها نوايا دولية شنيعة. وفي هذا الإطار، تساءل الإصلاحيون والإيرانيون الآخرون عن سبب إجراء الحرس الثوري الإيراني لاختبارات الصواريخ بعد وقت قصير من توقيع الاتفاق النووي.
على الرغم من أن الإصلاحيين والمعتدلين كانوا ينتقدون واقع إنفاق أجزاء كبيرة من ميزانية إيران على الصواريخ، إلا أن الكثيرين يعتقدون اليوم أن الأسلحة تعدّ استثمارا مفيدا
في الوقت الراهن، ومع إسقاط الحرس الثوري الإيراني لما أسماه “طائرة تجسس دون طيار”، اكتسب المتشددون المزيد من القوة، وعزّزوا خطّتهم حول “كيفية التعامل مع العدو”. وفي هذا الشأن، أوضح عبد الله داياني، وهو سائق سيارة أجرة وأحد داعمي المتشدد إبراهيم الريسي في الانتخابات الرئاسية لسنة 2017، أنه بعد اسقاط الطائرة الأمريكية، يبدو ترامب مستعدا للتفاوض.
من جهته، تساءل داياني قائلا: “أين هؤلاء الرجال الذين اعتادوا على القول إن الحرس الثوري الإيراني يسعى لإلغاء خطّة العمل الشاملة المشتركة من خلال إطلاق الصواريخ؟ لقد رأينا خلال السنوات القليلة الماضية أن التخاطب مع الولايات المتحدة وحلفائها بناءً على لهجة ونهج ضعيفين لم تكن له أي نتائج بالنسبة لإيران، باستثناء فرض مزيد من العقوبات. ولكن بعد أن استعرضت إيران قوّتها، يبدو أن الولايات المتحدة تتراجع عن تهديداتها السابقة”.
من جهة أخرى، دعم مسعود فروتانيان، الذي كان يجلس في المقعد الأمامي لسيارة الأجرة، والذي قال إنه صوّت لصالح المعتدل حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية لسنتي 2013 و2017، تصريحات السائق قائلاً: “لقد دعمت روحاني لأنني اعتقدت أن الدبلوماسية والمفاوضات هي أفضل طريقة ممكنة لحل الخلاف القائم بيننا وبين القوى العظمى، لكن منذ تولي ترامب للسلطة، لم يترك لنا أي خيار، خاصة بعد انسحابه من الصفقة النووية”.
علاوة على ذلك، صرّح فروتانيان أن صواريخ إيران ليست مصممة للحرب، بل لتُستخدم كرادع. وأضاف فروتانيان قائلا: “لو كان لدينا مثل هذه الصواريخ والطائرات دون طيار في الثمانينات، لما هاجمنا الديكتاتور العراقي صدام حسين، كما أن المعدات الدفاعية والدبلوماسية مهمة على حد سواء، ولا ينبغي إغفال أي منها”.
ساعدت التوترات التي تعيشها دول الخليج، التي تفاقمت بعد تعرض ناقلات النفط للهجوم في الممر المائي الاستراتيجي لمضيق هرمز، والخطاب العدواني المتزايد للقادة، على توحيد صفوف الإيرانيين إلى حد كبير
في الواقع، أصبحت هذه النظرة شائعة بشكل متزايد بين مؤيدي روحاني. وعلى الرغم من أن الإصلاحيين والمعتدلين كانوا ينتقدون واقع إنفاق أجزاء كبيرة من ميزانية إيران على الصواريخ، إلا أن الكثيرين يعتقدون اليوم أن الأسلحة تعدّ استثمارا مفيدا.
تزايد القلق
في المقابل، ساعدت التوترات التي تعيشها دول الخليج، التي تفاقمت بعد تعرض ناقلات النفط للهجوم في الممر المائي الاستراتيجي لمضيق هرمز، والخطاب العدواني المتزايد للقادة، على توحيد صفوف الإيرانيين إلى حد كبير. ومع ذلك، هناك قلق متزايد بشأن ما يمكن أن يجلبه تطوّر الأحداث التالي، خاصة إذا كان ذلك يعني اندلاع الحرب.
في هذا السياق، صرّح إبراهيم بني، وهو عامل في أحد فروع بنك اقتصاد نوفين في شماليّ طهران، لميدل إيست آي: “منذ أن أشار ترامب إلى أنه سيهاجم ثلاثة مواقع في إيران، أصبحت قلقا بشأن المرحلة المقبلة من التوترات. فنحن لا نزال نعاني من تداعيات سنوات الحرب الثماني التي شنها صدام، لكن لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تتوقع من إيران ألا نحرّك ساكنا بينما ترسل طائرة التجسس دون طيار الخاصة بها لتحلق فوق بلادنا”.
عرض الإيرانيون نقاشاتهم حول إمكانية شنّ الحرب على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشر الكثير من المستخدمين هاشتاغ “لا للحرب”
فضلا عن ذلك، أشار بني إلى أن إيران تتعلم بالفعل التغلب على الضغوط التي تتعرض لها، وأنه حتى التصريحات الأخيرة لترامب فشلت في التأثير على عملة البلاد التي تعاني بالفعل كثيرا. وفي هذا الصدد، قال بني إن “تهديدات ترامب لم تعد تؤثر على سوق صرف العملات الأجنبية. وحتى اليوم [السبت]، ارتفعت قيمة الريال بشكل طفيف مقارنة بالدولار الأمريكي”. وفي 22 يونيو/حزيران، أي بعد يومين من إسقاط إيران للطائرة دون طيار الأمريكية، كان الدولار الواحد يعادل حوالي 13.350.000 ريال، بينما في 20 يونيو/حزيران، أصبح كل دولار يعادل 13.450.000 ريال.
في هذه الأثناء، عرض الإيرانيون نقاشاتهم حول إمكانية شنّ الحرب على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشر الكثير من المستخدمين هاشتاغ “لا للحرب”. ومع ذلك، لم يدعم الجميع الموقف السلمي. ومن جانبه، نشر إحسان منصوري، وهو أحد الإيرانيين الذي يستخدمون التويتر، يوم الأحد: “عندما تدافع بلادنا عن نفسها، فإن شعار “لا للحرب” يعني عدم الدفاع. إنه أمر شبيه بالتواجد وسط عملية سطو مسلح وإيقاف الشرطة التي تريد القبض على اللصوص من خلال رفع لافتة كتب عليها “لا للعنف”.
المصدر: ميدل إيست آي