بسطت قوات النظام السوري والميليشيات الموالية له خلال يونيو/حزيران 2018 الماضي، سيطرتها على مدن وبلدات الجنوب السوري، بعد إبرام اتفاق عرف بـ”التسوية”، برعاية ضباط وعسكريين روس، يضمنون انتهاكات النظام والميليشيات بحسب ما أورد الاتفاق آنذاك، مراعيًا مختلف توجهات السكان المحليين وتسوية أوضاعهم مع قوات النظام.
الضمانة الروسية لرعاية الاتفاق لم تنجح على الإطلاق، وذلك لاستمرار قوات النظام والميليشيات الإيرانية و”حزب الله” في اعتقال المدنيين الذين استقروا في الجنوب وتضييق الخناق عليهم بكثافة الحواجز الأمنية بين الأحياء والقرى والبلدات، لإحكام القبضة الأمنية، وعلى العكس كانت روسيا الراعية للاتفاق إحدى الجهات التي جندت شبان درعا في ميليشيات تعمل لصالحها إلى جانب قوات النظام، فيما انتهت المهلة الثانية للتجنيد في صفوف قوات النظام أمس الإثنين 24 من يونيو/حزيران.
توتر في دراعا
تشهد محافظة درعا وريفها في الجنوب السوري، انتشارًا مكثفًا للحواجز التابعة لقوات النظام تحضيرًا لإبلاغ واعتقال الشبان وزجهم في الخدمة الإلزامية بصفوف قوات النظام، وذلك إثر انتهاء المهلة الثانية التي أبرمت في يناير/كانون الثاني من العام الحاليّ، لإمهال الشبان المتخلفين والمنشقين عن الخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام.
تعيش محافظة درعا حالة من الغليان خوفًا من عمليات النظام ضد الشبان المتخلفين والمنشقين عن الخدمة العسكرية في صفوفه
وتحدث “نون بوست” مع الناطق باسم تجمع أحرار حوران أبو محمود الحوراني الذي قال: “بدأت حواجز الضاحية ومدخل درعا البلد وحاجز سجنة التابعة للنظام بأخذ بصمات الشبان لمراجعة شعب التجنيد للالتحاق بصفوف قوات النظام”، وأضاف: “حدد النظام مدة أقصاها سبعة أيام لمراجعة شعب التجنيد، بينما من يتخلف عن الوقت المحدد يعتبر من الفارين والملاحقين، وسيتعرض للاعتقال”.
وتعيش محافظة درعا حالة من الغليان خوفًا من عمليات النظام ضد الشبان المتخلفين والمنشقين عن الخدمة العسكرية في صفوف الأسد، ويحاول الشبان التزام منازلهم خوفًا من التهديدات المباشرة من حواجز النظام بانتهاء المهلة لمراجعة شعب التجنيد في مدينة درعا.
وأوضح الحوراني أن هناك المئات من الشبان يجلسون في منازلهم، بينهم عسكريون انضموا لقوات النظام والتزموا منازلهم خلال إجازاتهم نظرًا لممارسات قوات النظام بحقهم وزجهم في الخطوط الأمامية للمعارك.
واعتقلت قوات النظام خلال المهلة الأولى في النصف الأخير من عام 2018، 250 شخصًا من بلدة أبطع، و800 شاب من أنخل ونوى، بينما سيق الآلاف منهم من بلدات ريف القنيطرة وريف درعا الجنوبي إلى الخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام، كما قدمت ميليشيات تابعة لإيران و”حزب الله” بشكل مباشر، عروضًا بمرتبات شهرية للانخراط في صفوفها، وهذه العروض يعتبرها البعض أخف الضررين وأفضل من الخدمة في صفوف قوات النظام، ما دفع العشرات للالتحاق في صفوف الميليشيات هربًا من الخدمة بجيش الأسد.
عصيان دراعا
ودعا ناشطون في تجمع أحرار حوران (المنبر الإعلامي الناطق بالجنوب السوري)، الإثنين 24 من يونيو/حزيران إلى حملة عصيان مدني ضد قوات النظام ضمن هاشتاغ “عصيان درعا” على على منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن الجنوب السوري متعرض للخطر خلال الأيام القليلة القادمة، وسيطرأ على الجنوب تطورات تهدد حياة الأهالي والشبان وزجهم في معارك الشمال.
وقال أبو محمود الحوراني: “الجنوب السوري مهدد من قوات النظام لذلك قمنا بإطلاق حملة عصيان درعا، رداً على سوق الشباب للخدمة الإلزامية خلافاً لاتفاق التسوية، ووضعهم في الخطوط الأمامية في معارك ضد أهاليهم في مناطق أخرى”، مؤكدًا أن النظام يحاول إفراغ المدينة من شبانها نظرًا لمشاركتهم في الثورة السورية.
وكتب قائد فوج الهندسة والصواريخ سابقًا في محافظة درعا، أدهم كراد، الأحد 23 من يونيو/حزيران في حسابه على فيسبوك: “لدينا 3 فئات شبابية متأثرة بما حصل: المنشقون والاحتياط والخدمة الإلزامية”، وأضاف: “طالما أن هناك معارك قائمة في إدلب وأنه قد تم الغدر بأبنائنا الذين صدقوا قرار العفو وتعجلوا بالالتحاق، فإن درعا لن تسلم فلذات أكبادها لتجعلوهم حطبًا لمشاريعكم، وهي قريبة من العصيان المدني، خيطوا بغير مسلة”.
أحكمت قوات النظام قبضتها الأمنية خلال الأشهر القليلة الماضية على مدن وبلدات محافظة درعا، تخوفًا من استهداف مقارها العسكرية المنتشرة بكثافة داخل المحافظة
وكانت قوات النظام قد جندت المئات في صفوفها، وزجتهم في معارك ريف حماة الشمالي ضد المعارضة، وقال النقيب ناجي مصطفى لـ”نون بوست”: “قوات النظام استخدمت عناصر التسوية في معارك حماة ووضعتهم في الصفوف الأمامية”، وأكد “العشرات منهم يقتلون بسبب قلة خبرتهم العسكرية”. وتتعرف المعارضة على عناصر التسوية من خلال الوثائق التي بحوزتهم بينما انشق العشرات من عناصر التسوية في ريف حماة، خلال الأيام القليلة الماضية.
القبضة الأمنية تنذر بانفجار
أحكمت قوات النظام قبضتها الأمنية خلال الأشهر القليلة الماضية على مدن وبلدات محافظة درعا، تخوفًا من استهداف مقارها العسكرية المنتشرة بكثافة داخل المحافظة، وتضييق الخناق على تحركات المدنيين وملاحقة الشبان المتخلفين عن الخدمة العسكرية.
وقال الحوراني: “النظام وسع عدد الحواجز الأمنية وبلغ عددها 118 حاجزًا في محافظة درعا وريفها، بينهم 24 حاجزًا داخل درعا فقط”، وأضاف: “الفرقة الـ15 التابعة للنظام نشرت حواجز قرب بلدة المفطرة شمال درعا، وتمنع هذه الحواجز المدنيين من الوصول إلى المزارع والأراضي الزراعية”.
وذكرت وكالة آكي الإيطالية في تقرير لها قبل أيام أن الوجود الروسي في محافظة درعا معدوم، مشيرةً إلى أن الأجواء توحي باحتمال حدوث انفجار للوضع الأمني والعسكري وخروجه عن السيطرة، معتبرةً أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في المحافظة تساهم بعودة التوترات، وكانت المقاومة الشعبية التي استهدفت حواجز النظام قد اغتالت العشرات من ميليشيا النظام في المنطقة.
الاستياء من قوات النظام وتضييق الخناق دفع عشرات المدنيين في محافظة درعا جنوب البلاد الجمعة 21 من يونيو/حزيران الحاليّ، إلى الخروج في تظاهرة عقب صلاة الجمعة من المسجد العمري في درعا البلد، وجابت التظاهرة أحياء وشوارع درعا البلد، وطالبوا بإزالة النقاط العسكرية التي أنشأتها قوات النظام قبل أسبوعين شمال المحافظة وتمنع تحركات المدنيين، كما أكدوا أن الدوائر الحكومية ليست مقرات أمنية وعسكرية، وطالبوا بإعادتها إلى عملها، وتتخذ ميليشيات عدة تابعة لإيران وأخرى لروسيا من المؤسسات الحكومية مقارًا عسكرية، وتنفذ من خلالها حملات اعتقال ضد المدنيين.
تقوم حكومة النظام بمعاملة الجنوب السوري، بشكل مختلف عن المناطق التي كانت تقبع تحت سيطرته منذ سنوات، محاولةً تهميشه وتغييب الخدمات عنه بشكل مباشر
ونشرت قوات النظام الجمعة 21 من يونيو/حزيران لوائح على أبواب مساجد مدينة إنخل بريف درعا، لمراجعة فرع أمن الدولة التابع لنظام الأسد، وتحمل القوائم أسماء مطلوبين جدد، أجروا تسوية مع قوات النظام، ومن بينهم النقيب المنشق عبد الحكيم العيد، القيادي السابق في قوات شباب السنة الذي انضم لصفوف الفيلق الخامس التابع لروسيا، حيث يوجد الآن بريف اللاذقية، كما تضم القوائم عددًا من المدنيين الذين قتلوا بقصف قوات النظام.
تهميش الخدمات
تعامل حكومة النظام، الجنوب السوري بشكل مختلف عن المناطق التي كانت تقبع تحت سيطرته منذ سنوات، محاولةً تهميشه وتغييب الخدمات عنه بشكل مباشر، من خلال إلغاء الدوائر الحكومية وتحويلها إلى مقار للميليشيات التي تسيطر على المنطقة.
وتعاني مدن وبلدات محافظة درعا من انقطاع للتيار الكهربائي بشكل كامل نظرًا لأعطال فنية في شبكة الكهرباء كانت تسببت بها قوات النظام خلال قصفها للمنطقة في أثناء سيطرة المعارضة عليها، كما يعاني الأهالي من قلة توافر المياه بسبب الأعطال الفنية التي لم تقم الجهات الخدمية التابعة للنظام بإصلاحها، إلى جانب سيطرة الميليشيات على هذه الدوائر.
وخلال الحديث مع الحوراني قال: “النظام همش المنطقة من الناحية الخدمية، فما زالت محطات الكهرباء ومحطات المياه واقفة دون عمل إلى الآن”، واعتبر أن الوضع الخدمي في المنطقة معدوم مما دفع الأهالي للخروج في عدة مظاهرات خلال الأسابيع القليلة الماضية، مطالبين بتحسين الواقع الخدمي، في حين جمعت بعض القرى تبرعات من الأهالي لإصلاح المدارس وشركتي المياه والكهرباء من خلال مبادرات جماعية.
وكانت حكومة النظام قد فصلت كل معلمي المحافظة الذين عملوا في مؤسسات الثورة التعليمية وحتى الخدمية، محاولة تجنيدهم في صفوفها، والقضاء عليهم عبر زجهم في معارك حماة في الشمال السوري، فهل تدفع التطورات الأخيرة أهالي “مهد الثورة” للانتفاض في وجه الأسد مجددًا؟