يعاني الناس من نتائج تغير المناخ في جميع أنحاء العالم، ولم تكن منطقتنا العربية استثناءً، بدءًا من الفيضانات في جدة وصولًا إلى ارتفاع منسوب المياه في البحر الأبيض المتوسط، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى تعرض العديد من المدن الساحلية للخطر، إذ إن موجات الحرّ الطويلة ومما يرافقها من جفاف أو سيول تجعل أجزاء من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ذات خصائص معيشية صعبة يمكن أن تكون مستحيلة في المستقبل البعيد.
ووفقًا لعدة منتديات بشأن تبدل المناخ وتقلب درجات الحرارة بأرقام متفاوتة رأى مشاركون في المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي عقد قرب البحر الميت في الأردن، أن آثار الاحترار العالمي قلصت البحيرات المالحة بمقدار الثلث تقريبًا خلال العقدين الأخيرين، بسبب انخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وزيادة التبخر وسحب المياه.
ارتفاع درجات الحرارة في الكويت والعراق
خلال السنوات الماضية، سجلت درجات الحرارة مرتفة بشكل متكرر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ وصلت أعلى درجة حرارة مسجلة في المنطقة حتى الآن إلى 54 درجة مئوية في منطقة مطربة بالكويت عام 2016، إذ تعتبر مدينة الكويت عاصمة أعلى درجات الحرارة في العالم، بينما كانت قديمًا تسجل درجات معقولة، تتراوح بين الـ45 كحدّ أقصى لكنها بدأت تتمايز منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، أيّ ما يعني زيادة بنسبة 1.5 و2 درجة مئوية ومع دخول الكهرباء وازدياد الطلب عليها، واتساع رقعة العمران على حساب المساحات الخضراء، أسهم في وصولها إلى درجات عالية.
يحظر القانون الكويتي الحاليّ العمل في الهواء الطلق ابتداءً من فترة الظهيرة حتى الرابعة عصرًا في محاولة للحد من تعرض العمال والمواطنين لأشعة الشمس والحروق المنتشرة، وقد حذرت السلطات سابقًا السائقين من ترك سياراتهم في الشمس بعد أن اشتعلت النيران في عدة سيارات بسبب الحرارة الشديدة.
على بعد بضعة كيلومترات من مدينة الكويت تأتي البصرة، ثاني أكبر مدينة في العراق، وتعيش هي الأخرى درجات حرارة عالية مشابهة لما تعيشه الكويت، إذ تصل درجات الحرارة فيها إلى ما يقارب 50% في ساعات النهار الأولى، بينما كانت 41 هي أقصى ما تصل إليه في الستينيات.
يواجه سكان العراق الكثير من الصعوبات بسبب درجات الحرارة المتقلبة والجفاف عدا عن حالات الطوفان الناتجة عن فيض نهر دجلة الذي يمرّ من عدة مدن عراقية وآخرها حادثة العبارة التي راح ضحيتها ما يقارب 100 شخص.
تيارات الهواء المتعاكسة في مصر
حسب مقابلة مع إبراهيم عطا رئيس الإدارة المركزية للتحليل بهيئة الأرصاد المصرية، قال فيها إن الطقس في مصر تأثر كثيرًا بسبب التغيرات المناخية التي تحدث في العالم أجمع، لافتًا النظر إلى أن هناك عدة ظواهر جوية حدثت في مصر خلال الفترات الأخيرة لم تحدث قبل ذلك، منها ارتفاع درجات الحرارة في فصل الشتاء.
بالإضافة إلى تأثير تغيير الفصول الذي تعيشه مصر الذي لم يكن موجودًا قبل عدة سنوات كقدوم بعض الفصول مبكرًا بـ10 أيام من وقتها الطبيعي مما أدى إلى تقلبات مختلفة وسريعة تؤثر على الحياة اليومية وعلى منتوج المحاصيل الزراعية، بينما يرتبط هذا التقلب بشكل جزئي بعدة أسباب من بينها موقع مصر الجغرافي الذي يجعلها عرضة للكتل الهوائية الباردة من جهة البحر المتوسط ومنخفض قبرص والساخنة الجنوبية من جهة السودان.
لم تعد جملة “جو مصر حار جاف صيفًا، ومعتدل ممطر شتاءً” دقيقًة في وقتنا الحاليّ، ويعود السبب وراء ذلك إلى أن هذا التقلب والتغير في مواعيد الفصول يصحب معه سيولاً صيفية وفيضانات تعاني منها مدن مثل القاهرة وشمال سيناء.
يأخذ تغيّر المناخ أو البيئة شكلًا من أشكال التحول البطيء الذي يكاد يكون غير ملحوظ دون تدقيق من العامة إلا أنه بات مشكلة حقيقية تسعى لحلها منظمات حكومية منذ عدة سنوات، وفي العالم العربي يعود هذا التبدل إلى تعرض المنطقة العربية لجفاف مستمر منذ عام 1998، فوفقًا لوكالة ناسا الأمريكية، فإن فترة الجفاف الحاليّة هي الأسوأ منذ 900 عام، وبحلول عام 2050، ستكون درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أعلى بـ4 درجات مئوية، وقد تصل خلال النهار إلى 50 درجة مئوية، مع 200 يوم من الحرارة الاستثنائية كل عام، ودون اتخاذ إجراءات عاجلة للحدّ من هذا التدهور، قد تصبح مدن المنطقة غير صالحة للسكن قبل عام 2100.
الهجرة الدائمة والمؤقتة
انتشر بين بعض سكان الخليج من الطبقة ذات الدخل الممتاز حركة تشبه الهجرة المؤقتة كل عام خلال فصل الصيف، رغبة بتجنب درجات الحرارة المرتفعة والابتعاد عن المنطقة بأكملها، ولا يعد هذا النوع من الهجرة جديدًا كليًا، فقد عرف الإنسان الهجرة والتنقل منذ زمن طويل لأسباب تختلف كثيرًا من بينها أحوال الطقس والبيئة وتوافر الموارد والغذاء في مكان أكثر من آخر.
وفي هذا السياق طرح بعض المختصين بمجال التحليل وتنبؤات الأرصاد الجوية احتمال أن يشهد الشرق الأوسط هجرة كاملة أو جزئية بسبب قضاء درجات الحرارة على المحاصيل الزراعية، والتنافس القوي على موارد البيئة التي من الممكن أن تنحسر في المستقبل.
كما أن لجسم الإنسان قوة تحمل ثابتة تساعده على البقاء في ظروف معينة سواء كانت باردة أم ساخنة ستصيب الجسم باختلالات وظيفية من شأنها أن تشكل خطرًا على حياته إن فاقت قدراته.
أين نحن اليوم من التعاون الإقليمي؟
تزخر وسائل الإعلام بمقالات تصف مختلف برامج العمل المتعلقة بالمناخ والتي تم إعلانها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومع ذلك، فإن الإرادة السياسية والتعاون، رغم أهميتهما، ليسا إلا جزءًا من البحث عن الحلّ، ومع وجود عدد من التحديات المشتركة، كان هناك الكثير من المناقشات بين دول المنطقة بشأن التعاون لمعالجة هذه المشاكل، لكن عددًا كبيرًا منها لم ينتج عنه سوى تقارير ومؤتمرات لم تتحقق.
أحد الأسباب الرئيسية لهذا أن المشاركين، سواء كانوا مسؤولين عن البيئة أم وكالات، غالبًا ما يفتقرون إلى السلطة أو الالتزام بالانتقال إلى أبعد من المشاورات و كتابة التقارير والانتقال إلى أرض الواقع.
وفقًا لتقرير نشره المجلس الأطلسي للشؤون الدولية، الشهر الماضي يقول فيه إن تغير المناخ قد يشعل منافسات عنيفة على الموارد المتناقصة، ورغم أن تطبيق الحلول للتعامل مع هذا التغيير الكبير ليس بالأمر السهل، إلا أن الحكومات العربية وشركاءها الدوليين في المنطقة لم يفعلوا سوى القليل في تغيير إستراتيجياتهم وإيجاد حلول جذرية ومفيدة، بالإضافة إلى أنه من النادر أن تنال قضايا البيئة اهتمامًا من الحكومة مما يؤدي إلى دفعها للخطوط الجانبية بسبب عدم اعتبارها من الأولويات.
يعتبر مجلس التعاون الخليجي، وفقًا لذات التقرير، الهيئة الأكثر تماسكًا في اتخاذ القرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والجغرافية فيما يخص شؤون الخليج، إذ إنه قطع شوطًا طويلاً نحو التقدم على الرغم من التنافس الشديد بين الدول الأعضاء، في العديد من المجالات، وبالرغم من وجود مشاكل سياسية بين الدول الأعضاء بدأت في السنوات الماضية إلا أته ما زال يحمل أملًا أكبر من أي مجموعة عربية في التحرك نحو الإدارة البيئية المتكاملة.