الصورة: لاجئون فلسطينيون في مخيم اليرموك – دمشق
مرّ أكثر من أربعة أعوام على بدء النزاع في سورية، ومنظمة التحرير الفلسطينية ما زالت تصرّح “موقفنا هو تحييد اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات من الصراع والعمل على تأمين عودة الذين نزحوا من مخيماتهم”.
احتدم الصراع في سورية ولم تسلم المخيمات الفلسطينية من تبعات الصراع كما وعدتنا المنظمة وباقي الفصائل على اختلاف أطيافها، ليجد الفلسطينيون أنفسهم يواجهون لجوءا بعد لجوء، ويراكمون معاناة على معاناة. فتستمر حكايتهم مع عذابات المنفى. ولعل اللاجئ يكون في أصعب مراحل لجوئه حين يقترب من لبنان… الأرض التي ضاقت بأهلها.
لاجئ، فلسطيني، ومن سورية؟ “كتير هيك”
لا يخفى على أحد سوء الأوضاع التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون (عام 48 و67) في مخيمات لبنان، خاصة بعد الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، التي نتج عنها تدمير كثير من المخيمات وتشريد أهلها، ولطالما اعتبرتهم الحكومة اللبنانية عبئا كبيرا على الدولة، فكيف نتوقع الآن أن يكون وضع اللاجئين الجدد؟ لا شك أن العداء ضدهم سيكون مضاعفا، فهم قادمين من سورية، البلد التي عاشت توترا مع لبنان لسنوات طويلة.
حسب إحصائية “الأونروا” عام 2013، بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين السوريين في لبنان 80 ألفاً، ومع تشديد إجراءات الحكومة اللبنانية في تجديد الإقامات، وعمليات الاعتقال والترحيل، وصل عددهم إلى ما يقارب 52 ألف لاجئ.
في السابق، كان يُمنح للفلسطيني تأشيرة دخول لمدة أسبوع فقط مقابل 25 ألف ليرة لبنانية بدل فيزا على الحدود (حوالي 18 دولارا للفرد الواحد)، ومع تدفق الهجرات القسرية طُبق نفس النظام لكن مع تمديد الإقامة من أسبوع إلى شهر، وذلك باتفاق بين الأونروا وسفارة فلسطين في بيروت مع الأمن العام اللبناني. فيما بعد، تم تمديد الإقامة إلى ثلاثة شهور، تُجدد تلقائيا إلى حدّ السنة. لكن هذا الإجراء لم يكن لصالح اللاجئين كما يبدو في ظاهره، لأن القرار يتضمن مخالفة قيمتها ما يقارب 230 دولارا على الفرد الواحد ( فوق سن 15) الذي تجاوز وجوده السنة. وكان مصدر رسمي في الأمن العام اللبناني قد صرح: “اللاجئ الفلسطيني في سورية لا يحق له في الأصل الإقامة في لبنان، لأن وكالة الأونروا تُصنفه كلاجئ في سورية”، مضيفاً “ويحق لهم دخول لبنان لسبعة أيام، وتغاضينا عن الأمر بسبب الأوضاع في سورية… حيث سمحنا لهم بالإقامة لمدة ثلاثة أشهر”.
وحتى قانون منح الإقامة بهذه الشروط لم يدم تطبيقه طويلا، حيث صدر في 3/5/2014 قرار يمنع دخول الفلسطيني بشكل نهائي. ولاحقا؛ صدر قرار آخر بمنع تجديد الإقامات لأي لاجئ فلسطيني سوري، الأمر الذي يجعل لبنان خارج دائرة الاتفاقية الموقعة عام 1951 بشأن وضع اللاجئين، وكذلك اتفاقية حقوق الإنسان الدولية.
طارق حمود رئيس مجموعة العمل من أجل فلسطيني سورية، قال لـ”شبكة قدس” إن السلطات اللبنانية حاولت الالتفاف على قرار منع تجديد الإقامة من خلال إصدارها قرارا ينظم دخول الفلسطينيين السوريين إلى لبنان وفق معايير لا تنطبق على أكثر من 90% منهم. ومن تنطبق عليه المعايير لا يحق له الإقامة وإنما المرور عبر مطار بيروت فقط ذهابا أو إيابا، وبالتالي بقي قرار المنع قائما ولم يُمس جوهره.
من يتابع إجراءات السلطات اللبنانية في التعامل مع اللاجئين من سورية منذ بداية الأزمة يلاحظ بوضوح التمييز بين السوري والفلسطيني السوري دون الاستناد إلى مرجعية قانونية. وفي هذا السياق يقول حمود إن أبرز مظاهر هذا التمييز هو “أن السوري يمكنه دخول لبنان بأي وقت وبموجب البطاقة الشخصية فقط، ولايحتاج لتأشيرة أو فيزا أو معاملة خاصة، ويحق له الإقامة في لبنان بدون تجديد إقامته، فيما الفلسطيني لا يمكنه الدخول إلا بموجب تأشيرة تصدر عن الهجرة والجوازات السورية، وهذه مفارقة أن تحتاج لتأشيرة سورية لدخول لبنان. أما الآن فممنوع الدخول بغض النظر عن هذه الورقة أو غيرها، كما أن اللاجئ السوري يتمتع بحماية قانونية في لبنان توفرها له المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وهو ما ترفض المفوضية تأمينه للفلسطينيين بحجة ولاية الأونروا على اللاجئ الفلسطيني، وذلك بموجب الفقرة (د) من المادة (1) في اتفاقية جنيف عام 1951. وهذا صحيح من حيث قضايا الرعاية الصحية والتعليمية، فالأونروا تقدم الرعاية الأولية والتشغيل، لكنها لا تقدم الحماية القانونية مثل المفوضية، وهذا ما يجعل الفلسطيني عرضة لتعسف السلطات المحلية بالقرارات التي لاتملك الأونروا أن توقفها أو حتى تعترض عليها بخلاف المفوضية، ولهذا يبقى الفلسطيني في لبنان بدون حماية قانونية دولية كما في حالة السوري”.
أكثر من لجوء… إنه تشرد
ميرة بشارة الباحثة في الدائرة القانونية بالمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، قالت لـ”شبكة قدس” إن السلطات اللبنانية تمتنع منذ مدة عن تجديد الإقامة لأي لاجئ فلسطيني من سورية، ما أدى إلى أن ثلثي هؤلاء باتوا يعيشون حالياً في لبنان دون إقامات. وتضيف بشارة: “الجديد الآن أن السلطات اللبنانية بدأت تتشدد مع هؤلاء، حيث تقوم بتوقيف كل فلسطيني لاجئ من سورية انتهت إقامته، ومن ثم تقوم بإعادته إلى سورية”. مشيرةً إلى أن عدداً كبيراً من هؤلاء “يواجهون خطر الموت الحقيقي في حال إعادتهم إلى سورية”.
وكان الأمن اللبناني قام بترحيل 49 لاجئاً فلسطينياً وسوريًا إلى الأراضي السورية يوم 4/5/2014، منهم (41) لاجئاً فلسطينياً سوريًا، من ضمنهم ست نساء وطفلين، بحجة أنهم “يحملون تأشيرات سفر مزورة”. و ما زال ثلاثة منهم موجودين في العراء بين الحدود السورية – اللبنانية، حيث رفضوا العودة إلى الأراضي السورية التي يتهددهم فيها خطر الاعتقال التعسفي أو الموت.
لم يقتصر خطر الترحيل على ما سبق، حيث وثق المرصد حالة تفريق بين أفراد إحدى العائلات من فلسطينيي سورية المقيمين في مخيم عين الحلوة بلبنان، فبعد أن كانت العائلة المكونة من أربع أخوات -إحداهن معاقة- في بيت واحد، لم يُسمح للأخت الكبرى التي ذهبت إلى سورية للاطمئنان على ابن أخيها المصاب هناك بالعودة إلى لبنان مرة أخرى، وبذلك أصبحت العائلة مقسَّمة بين داخل سورية وخارجها.
الانتهاكات تصل إلى حدّ اعتقال الأطفال
خلال الشهر الحالي تزايدت الاعتقالات والانتهاكات بحق فلسطينيي سورية في لبنان. الاستثنائي منها هو اعتقال الطفل طارق عنيسي (15عاما) في 15/5/2014 بحجة أنه “لا يملك تصريح إقامة”، وقد احتجز مدة أسبوعين بنية النظر في ترحيله إلى سورية. بالإضافة إلى منع الرضي ع”مازن سليمان” من الدخول إلى لبنان بالرغم من أن والدة الطفل الرضيع فلسطينية لبنانية، حيث برّر عناصر الأمن منعهم لدخول الطفل بأنه لاجئ فلسطيني سوري. وفي هذا خرق للاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل المعتمدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989، والتي تنص في مادتها الثامنة على احترام الطفل في الحفاظ على هويته وصلاته العائلية. وقد صادقت الحكومة اللبنانية على هذه الاتفاقية في العام 1990.
لا تقتصر أزمة فلسطينيي سورية في لبنان على الترحيل والاعتقال، فحتى الذين بقوا في المخيمات إلى جانب إخوانهم اللاجئين الفلسطينيين “القدماء”، بقيت تطاردهم صعوبات كثيرة في حياتهم اليومية.
قاسم عباسي رئيس لجنة متابعة شؤون مخيمات النازحين من سورية إلى لبنان قال لـ”شبكة قدس”: “يعاني المهجّرون من قلة المساعدات المالية والغذائية، بالإضافة لانعدام سوق العمل، والبعض القليل من يجد عملا شاقا ودواما طويلا وأجرة قليلة، ويتعرض الكثير منهم للابتزاز والنصب، حيث يتم استغلال حاجته واضطراره للعمل تحت أي ظرف كان بحكم أنه غريب ومهجّر”.
كما أن هناك مشاكل في التعليم، فخلال هذا العام تسرب من مقاعد الدراسة حوالي 50% من طلاب المهجّرين لأسباب عدة أهمها ضعف الامكانيات المادية.
كل هذا يدفع إحدى اللاجئات الفلسطينيات في لبنان إلى كتابة مدوَّنة بعنوان “أنا فلسطينية، أنا أهدد الأمن العام اللبناني”… وتفعل أكثر!
هذا التقرير يأتيكم ضمن سلسلة تقارير مشتركة بين نون بوست وشبكة قدس الإخبارية