يتواصل النزاع المسلح في إقليم كشمير المتنازع عليه منذ أكثر من 70 سنة، رغم محاولات التهدئة بين أطراف الصراع على رأسها الهند وباكستان فضلاً عن الجماعات المسلحة التي تقاتل الطرفين وتسعى لاستقلال الإقليم عن كلا البلدين، في هذا التقرير لنون بوست سنقدم لمحة عن هذا النزاع.
تقاسم السلطة
يقع كشمير شمال غرب شبه القارة الهندية في وسط آسيا، ويشترك في الحدود مع أربع دول هي الهند وباكستان وأفغانستان والصين. تبلغ مساحته الكلية 86023 ميلاً مربعًا، يقسمه خط وقف إطلاق النار منذ عام 1949، ويعرف منذ اتفاقية “شملا” الموقع عليها عام 1972 بخط الهدنة.
تبلغ مساحة الجزء الهندي 53665 ميلاً مربعًا ويسمى جامو وكشمير، في حين تسيطر باكستان بطريقة غير مباشرة على 32358 ميلاً مربعًا يعرف باسم ولاية كشمير الحرة (آزاد كشمير)، وهناك مساحة صغيرة خاضعة للصين منذ عام 1962 تسمى أكساي تشين.
أوعزت بريطانيا إلى الإمارات الواقعة في ولاية جامو وكشمير بأن تنضم إما إلى الهند أو باكستان التي تشكلت سنة 1947
يتكون الشعب الكشميري من أجناس مختلفة أهمها الآريون والمغول والأتراك والأفغان، وينقسمون إلى أعراق متعددة أهمها كوشر ودوغري وباهاري، ويتحدثون عدة لغات أهمها الكشميرية والهندية والأوردو ويستخدمون الحروف العربية في كتابتهم، أما بخصوص عدد سكان الإقليم فغير معلوم، فكل طرف يقدم إحصائية خاصة به لكن المتفق عليه وجود أغلبية مسلمة في الإقليم.
بداية الأزمة
خلال خروجها من الهند سنة 1947، أوعزت بريطانيا إلى الإمارات الواقعة في ولاية جامو وكشمير التي باعتها سابقًا إلى عائلة الدوغرا الهندوسية بموجب اتفاقيتي لاهور وأمرتسار، بأن تنضم إما إلى الهند أو باكستان التي تشكلت في تلك السنة، مع مراعاة الوضع الجغرافي والعوامل الاقتصادية والإستراتيجية، ثم رغبات الشعب.
اختارت كل إمارة البلد الذي ستنظم إليه، إلا ثلاث منهم لم يتخذوا قرارًا بهذا الشأن هي حيدر آباد وجوناغاد وكشمير، ثم قرر حاكم إمارة جوناغاد المسلم أن ينضم إلى باكستان رغم وجود أغلبية هندوسية في الإمارة، وهو ما دفع القوات الهندية إلى دخول الإمارة والسيطرة عليها، وهو ما حصل أيضًا في ولاية حيدر آباد.
الوضع في كشمير الذي كان يسكنه أغلبية مسلمة وحاكمهم هندوسي كان مختلفًا، فقد قرر حاكمها الهندوسي الانضمام إلى الهند، وقبلت الهند ذلك عكس ما حصل في حيدر آباد وجوناغاد عندما رفضت انضمامهم لباكستان بحجة أن الأغلبية هندوسية.
لم تقبل الغالبية المسلمة ذلك، وخوفًا من خروج الوضع عن سيطرته، عرض الحاكم الهندوسي معاهدتين على كل من الهند وباكستان لإبقاء الأوضاع كما كانت عليه والمحافظة على الاتصالات والإمدادات، فقبلت باكستان بالمعاهدة في حين رفضتها الهند ومن ثم راحت الأمور تتطور سريعًا باتجاه الحرب.
بدأت أزمة الإقليم مع استقلال الهند
اندلع قتال مسلح بين الكشميريين والقوات الهندية عام 1947 أسفر عن احتلال الهند لثلثي الولاية، ثم تدخلت الأمم المتحدة في النزاع وأصدر مجلس الأمن قرارًا في 13 من أغسطس/آب 1948 ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم.
اقترحت الأمم المتحدة انضمام الأجزاء التي بها أغلبية مسلمة وتشترك مع باكستان في حدود واحدة (تقدر بنحو 1000 كيلومتر) لباكستان، وانضمام الأجزاء الأخرى ذات الغالبية الهندوسية ولها حدود مشتركة مع الهند (300 كيلومتر) للسيادة الهندية، لكن هذا القرار ظل حبرًا على الورق.
هدأت الأجواء قليلاً قبل أن تعود إلى التوتر سنة 1965، لكن هذه المرة كان القتال بين الجيشين النظاميين الهندي والباكستاني، استمرت الحرب 17 يومًا ولم يتحقق نصر حاسم لأي من الدولتين، وانتهت الجهود الدولية بعقد معاهدة وقف إطلاق النار بين الجانبين في 23 من سبتمبر/أيلول 1965.
يستمد هذا الإقليم أهميته بالنسبة إلى الهند كونه يمثل عمقًا أمنيًا وإستراتيجيًا لها أمام الصين وباكستان
سنة 1971، عاد القتال مجددًا بين الجارتين، إثر اتهام باكستان للهند بدعم باكستان الشرقية (بنغلاديش) في محاولتها الانفصالية، استمرت الحرب 13 يومًا فقط وتعد واحدة من أقصر الحروب في التاريخ، وكانت الغلبة هذه المرة للهند، حيث انتهت الحرب بعد توقيع قائد الجبهة الشرقية للقوات المسلحة الباكستانية على وثيقة الاستسلام، وانفصال باكستان الشرقية عن باكستان لتشكل جمهورية بنغلاديش.
عقب هذه الحرب، دخل البلدان في مفاوضات سلمية أسفرت عن توقيع اتفاقية شِملا عام 1972. تنص على اعتبار خط وقف إطلاق النار الموقع بين الجانبين في 17 من ديسمبر/كانون الأول 1971 هو خط هدنة بين الدولتين. وبموجب هذا الاتفاق احتفظت الهند ببعض الأراضي الباكستانية التي سيطرت عليها بعد حرب 1971 في كارغيل تيثوال وبونش في كشمير الحرة في حين احتفظت باكستان بالأراضي التي سيطرت عليها في منطقة تشامب في كشمير المحتلة.
بروز الحركات الانفصالية
توقفت الحرب بين الهند وباكستان إثر توقيع هذا الاتفاق، إلا أن القتل والترويع لم ينته في الإقليم، فقد قتل الآلاف في طرفي الإقليم، وحصلت المجازر وعمليات الاغتصاب الممنهجة، كما شرد عشرات الآلاف، وعملت الهند على شراء ذمم الشعب الكشميري للسيطرة على الإقليم.
هذا الوضع ساهم في ظهور حركات التمرد الداخلي في الإقليم، وبروز منظمات مسلحة تطالب باستقلال الإقليم عن الهند وباكستان، وتدعم ذلك سنة 1987 إثر تزوير الهند للانتخابات في الإقليم واعتقال قادة “الجبهة الإسلامية المتحدة” التي كانت تتمتع بشعبية كبيرة هناك، فتأسست حركة “المجاهدين” و”حركة تحرير كشمير” و”تحالف الحرية لكل الأحزاب” ومنظمات أخرى.
هذه الحركات اختارت الكفاح المسلح للاستقلال، حيث استهدفت القوات المسلحة الهندية في الكثير من الجبهات، ما جعل الوضع في الإقليم متوترًا، ينذر بنشوب حرب رابعة بين الهند وباكستان في أي وقت، فاتفاقيات السلام لم تؤت أكلها بعد.
أي حظوظ للمفاوضات؟
مؤخرًا، ذكرت قناة “جيو نيوز” الباكستانية، أن الهند أبدت استعدادها لإجراء حوار شامل مع باكستان، وذلك ردًا على عرض من إسلام آباد لتسوية الخلافات القائمة بين البلدين، بما في ذلك منطقة كشمير المتنازع عليها.
الهند قالت في رسالتها، إنها تسعى لإقامة علاقات طيبة مع جميع دول المنطقة من أجل إحلال السلام والتنمية في المنطقة، وأنها مستعدة لإجراء مناقشات مع باكستان ودول أخرى، مع التركيز بشكل خاص على الإرهاب في المفاوضات، وفق القناة الباكستانية.
تعددت المفاوضات لكن دون الوصول لحل
يعتبر هذا الأمر جيدًا، خاصة أنه تزامن مع تأكيد زعيم أكبر جماعة انفصالية في كشمير، استعداد جماعته لإجراء محادثات مع الحكومة الهندية للوصول إلى حل للأزمة المتواصلة في الإقليم منذ خروج المستعمر البريطاني منه سنة 1947، إلا أن المطلع على حيثيات الأوضاع هناك، يرى صعوبة الوصول إلى حل.
صعوبة الوصول إلى حل لأزمة إقليم كشمير تعود إلى إصرار كل طرف على تمرير تصوره والحفاظ على مصالحه الإستراتيجية في الإقليم، فضلاً عن وجود أطراف خارجية ترى ضرورة تواصل الصراع هناك خدمة لأجندتها المختلفة في المنطقة.
أهمية إستراتيجية كبرى
يستمد هذا الإقليم أهميته بالنسبة إلى الهند كونه يمثل عمقًا أمنيًا وإستراتيجيًا لها أمام الصين وباكستان، فهي تنظر إيه باعتباره خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه أو التفريط فيه، أي أنه حاجز أمام أي توسع للبلدين خاصة باكستان ذات الأغلبية المسلمة.
أما أهمية إقليم كشمير بالنسبة لباكستان، فتعود إلى أن مصالح الإقليم الاقتصادية وارتباطاته السكانية قوية بباكستان، فالإقليم ليس له ميناء إلا كراتشي الباكستاني، فضلاً عن تقارب السكان الديني والعائلي، إلى جانب أن الأنهار الثلاث الرئيسية (السند وجليم وجناب)، تنبع من الأراضي الكشميرية ما يجعل احتلال الهند لها تهديدًا مباشرًا للأمن المائي الباكستاني.