في الأيام الماضية، كانت منطقة شمالي شرق سوريا التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، قبلةً لكثير من الوفود الدولية المتجهة إلى المنطقة الخارجة من حرب عنيفة مع تنظيم داعش، وتعيش خرابًا واسعًا على جميع الأصعدة، فيما يطرق المسؤولون الغربيون إلى جانب وزراء عرب أبواب حلفائهم من “الوحدات الكردية”، لإدارة فترة ما بعد تنظيم الدولة والدخول في حالة الاستقرار.
قبل أيام زار وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، رفقة وفد أمريكي المنطقة، فيما تبعه وفد سويدي برفقة مسؤول برنامج وكالة الإغاثة العالمية (سيدا)، ومسؤولون من أستراليا على رأسهم ممثل وزارة الخارجية، إضافةً لوفد فرنسي هولندي، في الوقت الذي أجرى فيه وفد من الإدارة الذاتية، مباحثات مع وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش، في العاصمة النرويجية، والتقى وفد من التحالف الدولي، مسؤولي هذه الميلشيات في إطار الاجتماعات الدورية.
وكان اللقاء السعودي مع المليشيات قد عقد في حقل العمر النفطي بدير الزور وضم الوزير السبهان ونائب وزير الخارجية الأمريكي جويل رابيون، مع عدد من شيوخ ووجهاء قبائل ومجالس دير الزور، وناقش الاجتماع آلية مكافحة تنظيم داعش وضمان عدم عودته، إضافة إلى دعم المجلس المدني في المحافظة، وتقديم الخدمات لمنطقة شرق الفرات.
ويصنف بدر ملا رشيد الباحث في مركز عمران للدراسات لـ”نون بوست”، نوعية الوفود القادمة لشرق الفرات، حيث يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع: الأول هو نوع أمني خاص بالدول نفسها وتتعلق زياراتها بالوقوف بشكلٍ مباشر على عدد مواطنيها مع أطفالهم أو الأطفال اليتامى من والدين منتميين لتنظيم الدولة، ويكون المحور الرئيسي لهذه الزيارات كيفية إعادة الأطفال بشكلٍ خاص.
أما النوع الثاني: هي الوفود التي تهدف لفتح طرق تواصل مباشرة مع الإدارة الذاتية فيما يخص كيفية تمكين المجتمعات المحلية فيما يخص الاستقرار وتنمية البنية التحتية وما يتعلق بها من مسارات. والنوع الثالث هي وفود ذات طبيعة سياسية دبلوماسية، وهذه تتمثل بشكلٍ أساسي بزيارات وفود الولايات المتحدة الأمريكية والفرنسية.
مرحلة ما بعد داعش
في ظاهر كل اللقاءات كان الهدف الأساسي المعلن، تقديم الدعم لـ”وحدات الحماية الكردية” من أجل تنمية المنطقة بعد دحر “داعش” منها، فالوفود الفرنسية والهولندية والأسترالية تبحث إقامة محاكم لدى “قسد” لمحاكمة معتقلي داعش، في إشارة واضحة بأن هذه الدول لا تريد استرجاع مواطنيها بل محاكمتهم لدى الميليشيات الانفصالية، وذلك ما أكده الرئيس المشترك لـ”الإدارة الذاتية” عبد الكريم عمر في تصريح صحفي، موضحًا أن الوفد الأسترالي ناقش ضرورة مقاضاة عناصر تنظيم الدولة المحتجزين لدى الإدارة الذاتية، وهو الأمر الذي أكده الصحفي السوري سامر الأحمد لـ”نون بوست”.
وكانت الإدارة الذاتية قد سلمت الوفدين الفرنسي والهولندي أطفالًا من عوائل تنظيم الدولة بالوقت الذي تعد قضية أبناء وأطفال “داعش” قضية شائكة لدى الدول الأوروبية، فيما أبدى الوفدان جهوزية بلديهما لدعم إقامة محكمة دولية في سوريا لمحاكمة مقاتلي داعش المعتقلين لدى الميلشيات ويقدر عددهم حسب الإدارة الذاتية بـ5000 شخص، أما بالنسبة لزيارة الوزير السعودي فقد ناقش موضوع عدم عودة التنظيم أبدًا.
من جهته يذكر الباحث ملا رشيد، أن توقيت هذه الزيارات يمكن ربطه بعاملين رئيسيين: الأول هو القضاء على الحكم المباشر لتنظيم الدولة، والثاني موضوع المنطقة الآمنة وكيفية إنشائها.
استرضاء العشائر
من جهته يقول الصحفي الأحمد: “الأهداف المعلنة لهذه الزيارات والحراك السياسي في المنطقة، هي بحث استقرار المنطقة والخدمي والأمني بعد انتهاء التنظيم”، فيما يؤكد أن “كل الوفود تأتي بإذن أمريكي وتنقل بطائرات أمريكية”، مضيفًا “المهمة غير المعلنة والأبرز هي شرعنة الوضع القائم في مناطق شرق الفرات وإضفاء الشرعية على الوحدات الكردية وقطع الطريق على نظام الأسد وإيران من التغلغل في تلك المناطق عن طريق العشائر”.
بعد زيارة الوزير السعودي للمنطقة عقد مجلس سوريا الديمقراطية اجتماعًا مع عشائر دير الزور، لشرح آخر التطورات السياسية التي طرأت في المنطقة والاستماع لمتطلبات العشائر التي تهدف لتحسين الواقع الخدمي، الجدير بالذكر أن بعض العشائر مستاءة من تصرفات مليشيات “قسد”، التي تجري اعتقالات واسعة، مما أدى لخروج مظاهرات ومطالبات للتحالف الدولي بوقف انتهاكاتها.
وذكرت تقارير أن الوزير السعودي، حذر العشائر من مخاطر عدم المشاركة في مشروع “قسد” المدعوم من الولايات المتحدة، وتذكر التقارير أن السبهان قال في اجتماعه مع مكونات العشائر إن مشاركة قسد في الحكم والعسكرة لا تعني سيادة المكون الكردي على العشائر العربية، مؤكدًا “دعم المملكة لمشروع إدارة قسد”، ويذكر الصحفي الأحمد لـ”نون بوست” أن الوفد السعودي قدم نصائح للعشائر بعدم التظاهر ضد الوحدات وعدم التواصل مع قوات النظام في دير الزور.
ويضيف الأحمد أن من أهداف هذه الزيارات تمهيد الأجواء بعد إنشاء المجالس العسكرية الجديدة للمليشيات الانفصالية من أجل التقدم خطوة جديدة من تركيا للوصول إلى صيغة تفاهمية بشأن شمال شرق سوريا، ويشير الأحمد أنه في حال نجاح الأمريكان بتلميع صورة “قسد”، وإعادة هيكلتها وإطلاق الحريات ومنع الاعتقالات مع تحسين الوضع الخدمي وتمكين أبناء المنطقة بكل مكوناتهم من إدارة منطقتهم وشؤونهم بالإضافة للتقارب مع الأتراك، ستكون هذه المنطقة نموذجًا قريبًا من المنطقة الشمالية المحمية أمريكيًا شمال العراق التي حمتها أمريكا ودعمتها في ظل حكم صدام حسين، يأتي كل ذلك مع تطمينات أمريكية بعدم الانسحاب من سوريا.
من جهته بحث وفد التحالف الدولي كيفية تعويض كل من تعرض محصوله للحريق في موجة الحرائق التي اجتاحت المنطقة في الأسابيع الماضية، وطلب التحالف تقارير وإحصاءات عن حجم الأضرار الناتجة عن الحرائق، والآليات الهندسية والإطفائيات التي تحتاجها بغية تقديمها إلى المنظمات لتأمين الدعم اللازم لمواجهة الحرائق ودعم القطاعات المتضررة.
الدور التركي
في ظل هذا التسارع في المنطقة التي تحد تركيا، تبقى أنقرة على مواقفها المتشددة من موضوع سيطرة “الوحدات الكردية” على هذه المناطق، ورغم ظهور الموقف التركي معارض بشكل كامل للزيارات الرسمية سواءً العربية منها أم الغربية، فإن الباحث ملا رشيد يقول: “لا يمكننا فصل تركيا عن محيطها الإقليمي والدولي، وستكون طرفًا مهمًا فيما يخص المخرجات النهائية لهذه الزيارات”، وهو أمرُ تم التصريح به بشأن قيام المبعوث الأمريكي بدور الوسيط بين تركيا والإدارة في شرق الفرات للوصول لصيغة حلٍ ترضي الطرفين.
من جهته ذكر الصحفي سامر الأحمد أن نظرة تركيا إلى الآن غير واضحة ولكن شروطها معروفة وهي حماية الحدود الجنوبية لها وحفظ أمنها القومي من خلال إبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب المرتبطين بحزب العمال الكردستاني.