“المسلمون مثل سمك الكارب الإفريقي، يتكاثرون بسرعة ولديهم سلوك عنيف، ويأكلون بعضهم والأنواع الأخرى”، هذه بعض تصريحات الراهب البوذي آشين ويراثو، الذي يُنظر إليه على أنه وجه التطرف البوذي في ميانمار من قبل العالم، والمتهم بمحاولات لإثارة الكراهية والتحريض على التعصب والعنف ضد المسلمين، ولا سيما أقلية الروهينجا.
صعود مفاجئ
جاء ويراثو، الذي يسمي نفسه “بن لادن البورمي”، إلى الأضواء فجأة في عام 2012، وأصبح وجها مألوفًا في العديد من الصحف والمجلات المحلية والدولية، وهو شاب صغير السن نسبيًا للوصول إلى مثل هذه المكانة، فما الذي أدَّى إلى شعبيته وصعود نجمه المفاجئ بسرعة الصاروخ؟
وُلد ويراثو في بلدة صغيرة تسمى كياوكي في مقاطعة ماندالاي في 10 يوليو/تموز 1968، ورغم أنه ينحدر من خلفية متواضعة، إلا أنه خطف الأنظار لأول مرة في عام 2001 بعد دعوته لمقاطعة الأعمال التجارية للمسلمين.
جاء ويراثو إلى واجهة الأحداث كأحد الرهبان المثيرين للجدل من خلال قيادة تجمع في ماندالاي لدعم خطة الرئيس السابق ثين سين المثيرة للجدل لإرسال مسلمي الروهنجيا إلى بلد آخر
وعلى الرغم من اعتقاله من قبل الحكومة العسكرية السابقة في عام 2003، والحكم عليه بالسجن لمدة 25 عامًا بتهمة التحريض ضد الإسلام، إلا أنه حصل على عفو عام 2011، مع صعود أول حكومة مدنية جديدة إلى السلطة بعد 50 عامًا من حكم العسكر، ليعود بعدها للتبشير بالكراهية ودعم القتال بين البوذيين ومسلمي الروهينجا.
ارتبط ويراثو في بداياته بمنظمة “969”، التي يقول أنصارها إن رقم 9 الأول يرمز إلى السمات الخاصة ببوذا، أما الرقم 6 فيشير إلى الشخصيات الخاصة في التعاليم البوذية، ورقم 9 الأخير يمثل صفات جماعة الرهبان.
الراهب البوذي الراديكالي آشين ويراثو
لكن في الواقع كانت حركة “969” معروفة بحملتها المعادية للمسلمين، وكانت تتلقى الدعم من الدولة، وتهدف إلى إنقاذ ميانمار من التهديد المتصوَّر لارتفاع عدد المسلمين داخل البلاد، ولكل من ويراثو وحركته عدد كبير من المتابعين في ميانمار.
وتدعو المنظمة القومية البوذيين للتعامل في البيع والشراء والزواج مع بني عقيدتهم فحسب، مقابل مقاطعة البضائع والمحال التجارية المملوكة للمسلمين، حيث تقوم تلك المنظمة بتوزيع الملصقات الصغيرة الملونة التي تقدم بوضوح أسماء الشركات التي يمتلكها بوذيون حتى يتم التعامل معها، وهو ما عبَّر عنه ويراثو بقوله في تسجيل فيديو خاطب فيه أتباعه: “إن ما تُنفقونه من أموال على البضائع المشتراة من محلاتهم سيستفيد منها العدو”.
في غضون عامين، أصبح هذا الراهب – من مقره في دير “ماسووين” الهادئ في آخر عاصمة للمملكة -وجه التطرف البوذي في ميانمار
في عام 2012، جاء ويراثو إلى واجهة الأحداث كأحد الرهبان المثيرين للجدل من خلال قيادة تجمع في ماندالاي لدعم خطة الرئيس السابق ثين سين المثيرة للجدل لإرسال مسلمي الروهنجيا إلى بلد آخر.
وفي العام نفسه، ألقي باللوم على ويراثو إلى جانب حركته التي يدعمها، في اندلاع التوترات وأعمال العنف ضد المسلمين في ولاية راخين غربي ميانمار، التي كانت تُعرف سابقًا ببورما، وبلغت ذروتها بنزوح أكثر من 700 ألف شخص إلى بنغلاديش المجاورة.
وتأتي هذه الأعمال بعدما أصبح ويراثو رئيسًا في سن مبكرة للغاية لدير ضحم يُدعى”ماسووين”، وتحت إمرته 2500 طالبًا يقوم بتدريبهم لمحاربة ما يسميهم “المسلحين المسلمين”، وأقام في مقره في الدير معرضًا دائمًا لصور “ضحايا عنف المسلمين” على حد قوله.
وفي غضون عامين، أصبح هذا الراهب – من مقره في دير “ماسووين” الهادئ في آخر عاصمة للمملكة -وجه التطرف البوذي في ميانمار، وفي عام 2014، أصبح رئيسًا لمنظمة “ماباثا” أو الرابطة الوطنية لبورما، التي انتشرت بسرعة في جميع أنحاء البلاد قبل حظرها عام 2017.
التطرف في رداء الراهب
سيكون من السهل تجاهل ويراثو باعتباره راهباً مضللاً له آراء متشددة، لولا شعبيته، فخطبه تبشر بالعداء، وهدفه هو المجتمع المسلم، وخاصة الروهينجا، وقد ألقى باللوم على المسلمين في الاشتباكات، وكرر مزاعم لا أساس لها من الصحة حول معدلات الإنجاب، كما ادعى أن النساء البوذيات يتم تحويلهن بالقوة، ويقول محللون إن مثل هذه المشاعر أثارت وضعًا ضعيفًا بالفعل في المناطق التي تكشفت فيها أعمال العنف.
في الوقت الذي منعت فيه الأديرة التقليدية في مجلس سانغا المدعوم من الحكومة ويراثو من الوعظ وإلقاء الخطب لمدة عام كامل في عام 2017، إلا أنه كان له على مدى الأشهر القليلة الماضية دور منتظم في المسيرات المؤيدة للجيش
كما قاد ويراثو حملة لإصدار تشريع يمنع النساء البوذيات البورميات من الزواج من المعتقدات الأخرى دون إذن رسمين وقد أقرَّ البرلمان البورمي في يونيو/حزيران من العام 2015، مشروع القانون مثير للجدل، وتم التوقيع على هذا القانون في أغسطس/آب 2015، وتضمن ذلك حزمة مؤلَّفة من أربعة قوانين دعمتها حركة “969” التي يقودها الراهب البوذي.
كما دعم الراهب البوذي المتشدد، الذي كان في طليعة الحركة القومية المتطرفة في ميانمار، الحملة العسكرية على الروهينجا في أغسطس/آب 2017 في ولاية راخين، ومنذ ذلك الحين عرّفت الأمم المتحدة العنف العسكري بأنه “تطهير عرقي” تم تنفيذه “بقصد الإبادة الجماعية”.
منذ فترة طويلة، اُتهم ويراثو بالتحريض على العنف الطائفي ضد مسلمي ميانمار من خلال خطب مليئة بالكراهية، ويشارك كرهه للإسلام على أقراص “DVD” وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما دعا فيسبوك لحظره منذ يناير/كانون الأول 2018، كما حُظر عليه دخول تايلاند في أبريل/نيسان الماضي.
أيد بعض الرهبان مقترحات لقانون الجنسية يقيد الزواج من المسلمين
وفي الوقت الذي منعت فيه الأديرة التقليدية في مجلس سانغا المدعوم من الحكومة ويراثو من الوعظ وإلقاء الخطب لمدة عام كامل في عام 2017، إلا أنه كان له على مدى الأشهر القليلة الماضية دور منتظم في المسيرات المؤيدة للجيش، مثيرًا مرة أخرى المشاعر المعادية للمسلمين من خلال الدعوة إلى مقاطعة الشركات الإسلامية والإشارة إلى الروهينجا كمهاجرين غير شرعيين.
لكن مشاكله الحقيقية بدأت عندما بدأ بالتهجم على شخصيات البلاد الأكثر شعبية، فحتى بعد تعيين أونغ سان سو كي مستشارة لميانمار تهجم عليها، ووصفها أمام الحشود، في أبريل/ نيسان الماضي، بأنها تلبس مثل عارضات الأزياء وتضع المكياج وتلبس أحذية أنيقة ذات الكعب العالي، وتهز مؤخرتها امام الأجانب”.
وفي خطاب آخر ألقاه في مايو/أيار، اتهم أحد أعضاء الحكومة “بمضاجعة أجنبي”، لذلك أصدرت شرطة ميانمار في الشهر نفسه مذكرة توقيف بحق آشين وراثو، بسبب تصريحاته مزعومة بحق الزعيمة السياسية أونغ سان سو كي، وتحمل عقوبة بالسجن لمدة 3 سنوات، لكن لم يُلق القبض عليه بعد.
الدعم الحكومي من وراء الكواليس
على عكس الرهبان الآخرين الذين تم اعتقالهم من قبل الحكومة العسكرية السابقة، دعا ويراثو لأفكاره المعادية للمسلمين في جميع أنحاء ميانمار بحرية، وواصل تعليمه الاستفزازي دون أن يتم القبض عليه، ما يشير إلى تلقيه دعمًا من الجناح المتطرف بالحكومة وقتها.
ويؤكد ذلك الرئيس السابق الذي أبدى دعمه لحركة “969”، ووصف ويراثو بأنه “ابن بوذا”، وكذلك فعل وزير الدين السابق سان سينت، الذي قال صرَّح في مقابلة له مع وكالة “رويترز” إن “مواعظ ويراثو تدور حول تعزيز المحبة والتفاهم بين مختلف الأديان”، ليصبح “بن لادن البورمي” في غضون عامين، وجه التطرف البوذي في ميانمار بدعم ومباركة السلطات المحلية.
استغل ويراثو الاضطرايات الداخلية في البلاد، وبنى – إلى جانب حركة “969” – دعمه على أساس التوترات الموجودة مسبقًا بين البوذيين والمسلمين، والتي كانت موجودة منذ قرون
ويعد عام 2012 – العام الذي جاء فيه ويراثو إلى الأضواء – عامًا مهمًا، لأنه نفس العام الذي دخل فيه حزب “الرابطة الوطنية الديمقراطية” (NLD) البرلمان الميانماري بفوز كبير في الانتخابات الفرعية التي أجريت في نفس العام، وبالتالي يبدو أن دعم ويراثو هو استراتيجية من جانب هذا الجزء من الحكومة التي تفضل استمرار العنف داخل البلاد بحيث يتم استغلال أفكار ويراثو لتشتيت الأنظار عن مطالب الديمقراطية التي روّج لها حزب “الرابطة الوطنية الديمقراطية” وزعيمته أونغ سان سو كي.
إلى جانب هذا الدعم الحكومي، تضافرت كل هذه العوامل لدفع ويراثو إلى دائرة الضوء المفاجئة، حيث استغل ويراثو الاضطرايات الداخلية في البلاد، وبنى – إلى جانب حركة “969” – دعمه على أساس التوترات الموجودة مسبقًا بين البوذيين والمسلمين، والتي كانت موجودة منذ قرون، تمهيدًا إعادة توجيه أجندته لإبادة جماعية أصبحت قائمة بالفعل في البلاد.
كما استخدم وسائل الإعلام كأداة للترويج لأفكاره المتطرفة، ففي عام 2011، قامت الحكومة المدنية في ميانمار برفع الرقابة جزئيًا عن وسائل الإعلام، وهو ما أتاح لويراثو نشر رسائله على نطاق أوسع، ومهَّد استخدام الوسائط غير الخاضعة للرقابة الطريق أمامه لدخول عالم الأضواء، فنادرًا ما رفض الصحفيين والعلماء الذين طلبوا موعد أو إجراء مقابلة معه.
استخدم ويراثو وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض على العنف والكراهية ضد المسلمين
وعلى إثر التحول الديمقراطي، من توجه ليبرالي وإصلاحات أُدخلت على مجال الإعلام، بات من الممكن الوصول إلى خطب ويراثو و”مواعظه” بسهولة على مواقع قنوات وسائط التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك ويوتيوب، إلا أنه بالكاد تتوفر أي معلومات واقعية عن حياته المبكرة، باستثناء مكان وموعد ولادته، إذ يبدو أن ويراثو يعرف جيدًا أي من جوانب حياته سيظهرها وأي منها يريده أن يبقى سرًا.
كما كان لوسائل الإعلام الدولية دورًا بارزًا في صعود نجم ويراثو، على سبيل المثال، في يوليو/تموز 2013، جاءت صورة ويراثو على غلاف مجلة “التايم” تحت عنوان “وجه الإرهاب البوذي”، وعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي تلقتها المجلة من جانب الحكومة الميانمارية الحالية، إلا أنها لم تردع ويراثو عن إجراء المزيد من المقابلات.
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة “الغارديان” عام 2013 في مقر إقامته بدير ماندالاي، صرَّح ويراثو بما يلي: “تعرضنا للاغتصاب في كل مدينة، وتعرضنا للتحرش الجنسي في كل بلدة، وجرى تطويقنا من قبل عصابات وإرهابنا في كل مدينة”، وأضاف: “يوجد في كل مدينة أغلبية مسلمة فجَّة ووحشية”.
من بورما إلى سريلانكا
يُضاف إلى ذلك، شخصية ويراثو، تلعب دورًا هامًا في تحقيق نجاحه السريع، فهو خطيب جيد، وأثناء الوعظ يحافظ على هدوئه ويتحدث بهدوء، وهذا يساعده على كسب كتلته الجماهيرية التالية، ومن بين أتباعه العديدين، يتبعه البعض لأنهم يؤمنون به حقًا، ويتبعه الآخرون بدافع الخوف.
ويراثو يبدو شخصًا انتهازيًا قام بفعالية بتطوير العديد من العوامل لتحقيق هذه الشعبية
في ميانمار، يحظى جميع الرهبان البوذيين الذين يُقدر عددهم بأكثر من نصف مليون راهب بمكانة اجتماعية مرموقة تصل إلى درجة التبجيل، علاوة على ذلك، كونه رئيس دير في قلب ماندالاي أيضًا، مكَّن ذلك ويراثو من الحصوب على مستوى أعلى من الاحترام الأعمى والسلطة التي استفادت منه كثيرًا.
ويزداد تأثير ويراثو بحصوله على دعم منظمات بوذية راديكالية مماثلة، وتحالفه مع مجموعات سريلانكية بوذية مثل “بودو بالا سينا” التي يرأسها رهبان سريلانكيون متشددون يتبعون بدورهم لطائفة “تيرافادا” البوذية، وتلقى دعمًا ضمنيًا من الحكومة السابقة برئاسة ماهيندر راجاباكسي طوال فترة حكمها وحتى تنحيتها عن السلطة في عام 2016.
الراهب البوذي آشين ويراثو يقرأ مقالاً في مجلة “التايم” عن نفسه
وعلى غرار أساليب حركة “969” في بورما، اكتسبت “بودو بالا سينا”سمعة سيئة بسبب حملاتها العنيفة ضد المسلمين، حيث دعت الحركة إلى فرض حظرٍ على النِقاب والحجاب، ومنع إصدار “شهادات الحلال” للبضائع الإسلامية، كما دعت أيضًا إلى فرض نظام تنظيم الأسرة على العائلات المسلمة، واتُّهمت بلعب دور رئيسي في التحريض على الكراهية ضد المسلمين خلال أعمال الشغب التي شهدتها البلاد عام 2013.
وفي الآونة الأخيرة، بدأت كل من منظمة ““BBS وحركة “969” مؤتمرًا مشتركًا، وتعهدتا بالولاء لبعضهما البعض حماية البوذية و”الحفاظ على السلام” في المنطقة من المسلمين، ولم تؤد هذه الخطوة إلى زيادة الخوف من نمو البوذية الراديكالية وانتشارها في بلدان جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا فحسب، بل منحت ويراثو أيضًا اعترافًا دوليًا.
ومع السعي لإدامة الزعم بأن الهوية القومية الدينية تتعرض إلى تهديد يتمثل مصدره الأوحد في المسلمين، وبالتالي وجب عليه الدفاع عن هوية بلده، فإن ويراثو يبدو شخصًا انتهازيًا قام بفعالية بتطوير العديد من العوامل لتحقيق هذه الشعبية.