يُهيمن الموضوع الإيراني في الأيام الأخيرة على الاجتماعات العالمية والمباحثات الدولية، في نقاشات لم تتناول فقط ما يخص أزمة طهران مع الدول الخليجية وإسقاط الطائرة الأمريكية في الخليج العربي ولا الهجمات التي طالت السفن، فأمس الثلاثاء، احتضنت مدينة القدس المحتلة، اجتماعًا روسيًا أمريكيًا إسرائيليًا، كان محوره الأبرز الوجود الإيراني في سوريا وكيفية التعامل معه.
ضم الاجتماع مستشاري الأمن القومي لدى الاحتلال وأمريكا وروسيا، فيما شارك رئيس وزراء الاحتلال بجزء منه، وقال نتنياهو قبل الاجتماع: “التعاون الأمني بين الاحتلال وموسكو ساهم كثيًرا في استتباب الأمن والاستقرار في منطقتنا وحقق تغييرًا جوهريًا في الأوضاع فيها”، واصفًا الاجتماع بـ”غير المسبوق”، بينما شدد مستشار الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف على أن بلاده تولي اهتمامًا كبيرًا لأمن “إسرائيل”.
وقبل الاجتماع ذكر مسؤول روسي أن من أبرز أهداف اللقاء “البحث عن سبل وخطوات عملية مشتركة لتسوية الأزمة في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها”، وفي تصريح صحفي قال المسؤول في وزارة الخارجية الروسية أرتيوم كوجين إن موسكو ترى إمكانية استخدام صيغ عمل جديدة من شأنها أن تسهم – بعيدًا عن استبدال الصيغ الحاليّة وصيغة أستانة في المقام الأول – في المضي قدمًا على طريق السلام والاستقرار في سوريا في ظل ضمان سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها.
من جانبه، ركز مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي جون بولتون على “الخطر الإيراني”، متهمًا إيران بنشر الفوضى والعدوان والإرهاب في الشرق الأوسط والسعي لامتلاك السلاح النووي. ورغم كل التصريحات التي سبقت الاجتماع وبدت مطمئنة للنتائج فإن الاجتماع أظهر خلافًا بوجهات النظر بشأن الوجود الإيراني في دمشق.
عدة زيارات لنتنياهو إلى موسكو، لم تستطع إقناعها بالمساهمة بإخراج قوات طهران من سوريا، وذلك لعلم روسيا بأن القوات الإيرانية والميليشيات المرتبطة بها أصبحت قوة رئيسية في البلاد
نقاط اختلاف
لم يبد نتنياهو راضيًا للحد المأمول بعد الاجتماع، فوجهة نظر روسيا غير متوافقة مع تل أبيب بخصوص الوجود الإيراني على الأراضي السوريّة، فقد قال مستشار الأمن الروسي باتروشيف، بمؤتمر صحفي عقب اللقاء: “يجب أخذ مصالح إيران في سوريا بالحسبان، وأي محاولة لعرضها على أنها تهديد لأمن العالم غير مقبولة، والغارات الجوية على سوريا غير مرغوب بها أيضًا”.
الجدير بالذكر أنه رغم زيارات نتنياهو العديدة لموسكو، لم يستطع إقناعها بالمساهمة في إخراج قوات طهران من سوريا، وذلك لعلم روسيا أن القوات الإيرانية والميليشيات المرتبطة بها أصبحت قوة رئيسية في البلاد، وتسيطر إلى جانب قوات النظام السوري على كثير من الأراضي، إضافةً إلى أنها ذات توجه عقائدي وتعداد كبير.
وأضاف باتروشيف “نحن مدركون قلق “إسرائيل”، ونأمل في أن تزول التهديدات لتبقى “إسرائيل” آمنة، ولكن يجب أن نتذكر أنه لن نتوصل إلى نتائج إذا تجاهلنا مصالح قوى أخرى في المنطقة”، مذكرًا بأن روسيا وإيران تعملان معًا في الحرب على الإرهاب، في الوقت الذي عدّ فيه جون بولتون إيران بأنها “مصدر التطرف والإرهاب والعنف في العالم”.
من جهته قال بولتون: “أمريكا ترغب في رؤية القوات الإيرانية تغادر سوريا، كجزء من انسحاب أوسع للقوات الأجنبية”، مضيفًا “النظام المتطرف في إيران ضالع في الاستفزازات خارجها، في الوقت الذي ينهار فيه النظام وينتشر الفساد”.
روسيا تعهدت بتقليص حجم الأسلحة التي تنقلها إيران عبر سوريا لحزب الله اللبناني، وتحسين الرقابة الأمنية على المناطق الحدودية، والبدء بإخراج قوات ليست ذات صلة بالحرب إلى جانب قوات نظام الأسد
نتائج الاجتماع
وإلى ذلك، ذكر تقرير إسرائيلي أنه على الرغم من أن الاجتماع لم يخلص إلى قرارات عملية، في ظل تباين الاقتراحات التي قدمها الطرفان، الروسي والأمريكي”، فإن تل أبيب راضية عن اللقاء لشعورها بأن الأطراف الثلاث أجمعت على أن الهدف النهائي، طويل المدى، هو ضرورة إخراج القوات الإيرانية من سوريا، وبحسب ألون بن دافيد المحلل العسكري الإسرائيلي، فإن الاجتماع أسفر عن اتفاق على ثلاثة أمور رئيسية، وهي: مستقبل سوريا سوف يتحدد من خلال تفاهمات أمريكية روسية، وسورية لن تكون قاعدة لتهديد جاراتها، وآخرها أن استقرار روسيا يتعلق بإخراج القوات الإيرانية.
وأضاف بن دافيد “روسيا تعهدت بتقليص حجم الأسلحة التي تنقلها إيران عبر سوريا لحزب الله اللبناني، وتحسين الرقابة الأمنية على المناطق الحدودية، والبدء بإخراج قوات ليست ذات صلة في الحرب إلى جانب قوات نظام الأسد ضد فصائل المعارضة أو الجماعات المسلحة”، كما ترى “إسرائيل” نجاح القمة في أنها ضمنت حرية عملياتها ضد الأهداف الإيرانية في سوريا.
من جهته وصف جون بولتون، الاجتماع بأنه شهد مناقشات “مثمرة وبناءة”، متابعًا أن الرئيس ترامب فرض عقوبات أخرى على إيران، وفي الوقت نفسه أبقى الباب مفتوحًا للعودة إلى المفاوضات، وما على إيران إلا الدخول عبر هذا الباب.
وحول أهمية اللقاءن رأى الدكتور لقاء مكي الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، أن “اللقاء مهم جدًا وهو تطور نوعي غير مسبوق يعيد روسيا إلى المنطقة بعد غيابها منذ الثمانينيات لتكون مؤثرة بشدة بموافقة أمريكية وحضور إسرائيلي واضح، خاصة أن “إسرائيل” باتت ترسم الخرائط الجديدة بغياب عربي واضح”، وأضاف مكي في لقاء تليفزيوني أن دفاع روسيا عن إيران لا يعني تبنيها لمواقف طهران ولا يحسم الجدل بشأن ذلك خاصة أن موسكو لها تاريخ بالتخلي عن الحلفاء في لحظات معينة.
لقاء بومبيو بابن سلمان
جولة أمريكية ضد إيران
بالتزامن مع اللقاء الثلاثي في القدس المحتلة، ومن أجل زيادة الضغوط على طهران وعزلها، أجرى وزير الخارجية الأمريكي جولة مباحثات في دول الخليج، حيث التقى بومبيو بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مؤكدين “مواجهة طهران وتهديداتها العدائية على المنطقة”، كما زار أبو ظبي وأجرى مباحثات مع المسؤولين فيها، وقال بومبيو في تصريح صحفي: “سنبحث معهم كيفية التثبت من أننا جميعا على خط واحد إستراتيجيا وكيفية بناء تحالف دولي”، واصفًا الدولتين الخليجيتين بأنهما “حليفان كبيران في التحدي الذي تطرحه إيران”.