أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال فعالية نظمت في نوفمبر 2017، عزم بلاده إنتاج سيارة محلية بعد ما يقرب من نصف قرن من إنتاج سيارة الأناضول المحلية، حيث أُعلن تأسيس “الشركة الصناعية التجارية المحدودة لمبادرة السيارة التركية” التي سوف تتولى عملية إنتاج السيارة التركية والمكونة من خمس شركات تركية: “بي إم سي” و”كراجا القابضة” و”توركسيل” و”زورلو القابضة”، تعمل بالتنسيق والتعاون مع وزارة العلوم والصناعة والتكنولوجيا واتحاد الغرف والبورصات التركي.
لمحة عن تاريخ صناعة السيارات في تركيا
أصدر البرلمان التركي عام 1927 القانون رقم 1132 الذي نظم إنشاء مناطق تجارية حرة بهدف جذب رؤوس الأموال للقطاع الصناعي الناشئ في الجمهورية، فتم إنشاء أول منطقة تجارية حرة في مدينة إسطنبول وتحديدًا في منطقة توبهانه. لم تتأخر فوائد القانون والمنطقة الحرة كثيرًا، ففي عام 1929 وقعت اتفاقية مع شركة السيارات الأمريكية المشهورة “فورد” التي أقامت مصنعًا لإنتاج السيارات والشاحنات بسعة 450 عاملاً وإنتاج يومي قدر بـ50 شاحنةً وسيارةً توجه جزء منها للاستهلاك الداخلي وجزء آخر للتصدير، ليكون المصنع اللبنة الأولى في أهم القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد التركي المعاصر.
المنطقة التجارية الحرة في منطقة توبهانه بمدينة إسطنبول
لم تسلم تركيا من تبعات أزمة الكساد التي حلت بالعالم في ثلاثينيات القرن الماضي، فالطلب المحلي على قطاع السيارات لم يكن بالحجم الكافي لتشغيل وتنمية القطاع الذي اعتمد بالدرجة الأساسية على التصدير للدول الأوروبية والولايات المتحدة، مما دفع الحكومة التركية إلى توجيه الإنتاج المحلي من الشاحنات والسيارات إلى الإنتاج الزراعي الذي شهد تغيرات بنيوية بفضل هذه الخطوات التي لم تكن كافية لإنقاذ هذا القطاع الناشئ، ففي العام 1934 أغلق مصنع شركة فورد في مدينة إسطنبول بعد خمس سنوات من العمل.
ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية وتولي عدنان مندريس الحكم اتخذت الحكومة التركية عددًا من الخطوات لتشجيع الرأسمال الأجنبي للاستثمار، ففي العام 1954 افتتحت شركة ويليز مصنعًا في منطقة توزلا شرقي مدينة إسطنبول لإنتاج وتصنيع عربات الدفع الرباعي العسكرية.
مصنع السيارات العسكرية في منطقة توزلا بمدينة إسطنبول
وفي ظل التشجيع من حكومة مندريس سافر وهيب كوتش إلى الولايات المتحدة محملًا برسالة دعم وضمان موقعة باسم رئيس الحكومة التركية، ليوقع لاحقًا اتفاقية مع شركة فورد للسيارات عام 1959 أفضت إلى تأسيس شركة أوتوسان للسيارات التي باشرت الإنتاج في العام 1960 بمعدل 16 سيارةً و8 شاحنات في اليوم.
وهبي كوتش مؤسس مجموعة كوتش برفقة المدير التنفيذي لشركة فورد
وفي ظل أزمة العمالة التي كانت تعانيها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، أخذت الشركات الأوروبية بالسير على خطى شركة فورد الأمريكية بالدخول إلى السوق التركية، فأسست شركة مرسيدس (1967) شركة أوتمارسان (Otomarsan) في مدينة إسطنبول – تحول اسمها لاحقًا وأصبح شركة مرسيدس بنز التركية” Mercedes-Benz Türk” تبعتها شركة فيات الإيطالية (1968) التي وقعت اتفاقية تعاون وعمل مع شركة كوتش القابضة، ودخلت شركة رينو الفرنسية السوق التركية (1969) من خلال اتفاقية تعاون وقعتها مع صندوق تقاعد الجيش التركي “OYAK” لإقامة عدد من خطوط الإنتاج.
وبحلول سبعينيات القرن الماضي أصبح قطاع السيارات من أهم القطاعات الإنتاجية في تركيا التي ارتكزت عليها الصناعة التركية في مساعيها للارتقاء بالاقتصاد التركي.
حلم السيارة المحلية.. من “الثورة” إلى “الأناضول”
لسنوات طويلة ظل تصنيع سيارة بأيادٍ تركية خالصة حلمًا ومسعى تركيًا سخرت له البلاد مواردًا وطاقات على مدى مراحل مختلفة، فتعد سيارة نوبل 200 (Nobel 200) أول سيارة تنتج بأيادٍ تركية خالصة، حيث استطاعت شركة اتحاد الشاحنات التركية الحصول على ترخيص لإنتاج السيارة الألمانية التي انتشرت في شوارع إسطنبول.
سيارة نوبل 200
وبعد انقلاب عام 1960 أرادت السلطات التركية تقديم إنجاز صناعي يعزز شرعيتها بين أبناء الشعب التركي، فشكلت في العام 1961 لجنة لإنتاج أول سيارة محلية اعتمدت في تكوينها على العاملين في هيئة السكك الحديدية في مدينة أسكيشهير.
بناء على طلب الرئيس التركي جمال جورسال آنذاك أطلق اسم ثورة “Devrim” على مشروع السيارة المحلية التي أنتجت أول نسخها بعد 135 يومًا من العمل في مصانع مدينة أسكيشهير، وبناء على طلب الرئيس التركي جمال جورسال شحنت السيارة إلى مدينة أنقرة للمشاركة في احتفالات تأسيس الجمهورية 29 من أكتوبر 1961، لكن منظمي الاحتفال شحنوا السيارة دون تزويدها بالوقود اللازم.
بدأت الاحتفالات وأصبح من الضروري للسيارة أن تتحرك وتستعرض قدرتها، لكن سيارة “الثورة” توقفت بعد أن تحركت لمسافة 100 متر، ورغم مشكلة الوقود الواضحة، فإن المشروع لم يسلم من مهاجمة الصحف التركية، ليوقف المشروع ويجمد العمل فيه.
سيارة الثورة في ظهورها الأول
تناولت السينما التركية حكاية إنتاج سيارة “الثورة” من خلال فيلم أنتج عام 2008 وحمل اسم “سيارات الثورة” إخراج تولغا أورنيك ومهمت أدا أوزتكين، وبطولة عدد من الفنانين على رأسهم خالد أرغنتش وهالوك بيلغينر وتانر أباد.
وعلى غرار مشروع سيارة “الثورة” واجه مشروع سيارة “النصر” المصير نفسه، ففي منتصف الستينيات فشلت المفاوضات مع شركة فولفو السويسرية لإنتاج السيارة المحلية، اتجهت تركيا بعدها إلى شركة تريومف الإنجليزية لكن المشروع أغلق بعد إنتاج عدد من السيارات. وبحلول عام 1966 بدأ رجل الأعمال التركي المشهور وهيب كوتش مشروع إنتاج سيارة محلية حملت اسم “الأناضول” واستطاعت الشركة إنتاج عدد كبير من النماذج والوحدات التي حققت نجاحًا في السوق التركية.
قطاع السيارات في الاقتصاد التركي
يعد القطاع الصناعي في تركيا من أهم القطاعات الاقتصادية التي ساهمت في النمو والتقدم الاقتصادي لتركيا في السنوات الأخيرة، حيث تحتوي البلاد على أهم الشركات العالمية التي اتخذت من تركيا مقرًا لها لتوافر بنية صناعية وعمالة ماهرة ورخيصة، بالإضافة إلى الوضع المميز الذي يسمح لتركيا بالنفاذ للأسواق الأوروبية، فتنشط شركات مثل فورد وهيونداي ورينو وفيات ومرسيدس وغيرها من الشركات العالمية.
توزيع مصانع شركات السيارات في تركيا
خلال الشهور التسع الأولى من عام 2018 أنتجت تركيا ما يقرب من 769 ألف سيارة خاصة، 389 ألف سيارة للاستخدام التجاري ليصل عدد السيارات المنتجة خلال تلك الفترة ما يقرب من 1.167 مليون سيارة.
عدد السيارات المنتجة خلال الشهور التسع من سنة 2018
جاءت شركة رينو التي تعمل بالتشارك مع صندوق تقاعد الجيش التركي “OYAK” في مقدمة الشركات الأكثر إنتاجًا في قطاع السيارات التركي بنسبة 21.2% من السوق التركية، تليها شركة فورد أوتسان المملوكة لعائلة كوتش وشركة فورد العالمية بنسبة 23.5%، تلتها في التريب شركة توفاش، فتويوتا اليابانية، بنسب 19% و16.2% على التوالي.
نسب الشركات من قطاع السيارات خلال العام الماضي
وفيما يتعلق بقطاع الصادرات، فقد أنتجت تركيا خلال العام 2018 أكثر من 1.5 مليون سيارة صدرت ما يقرب من 1.3 مليون منها، وشكلت أسواق دول الاتحاد الأوروبي وجهتها الأولى، فخلال عام 2017 استقبل الاتحاد الأوروبي 77.38% من صادرات تركيا من قطاع السيارات تلته دول أمريكا الشمالية بنسبة 6.81%، ومن ثم الشرق الأوسط بنسبة 5.50%، وإفريقيا بنسبة 3.82%.
جاءت شركة فورد أوتوسان في صدارة الشركات المصدرة للسيارات بنسبة 24.6%، تلتها شركة رينو بنسبة 21%، فشركة توفاش بنسبة 18.3%، فشركة تويوتا بنسبة 17.8% وهيونداي بنسبة 14.3%.
عدد السيارات المنتجة والمصدرة خلال عام 2018
ترتيب الدول المستقبلة للصادرات التركية من قطاع السيارات
حصص الشركات في صادرات قطاع السيارات بتركيا