يثير إلغاء مجلس الشعب السوري لاتحاد المصدرين السوريين في الـ23 من الشهر الحالي، الذي أنشئ عام 2009 بإدارة رجل الأعمال السوري هاني عزوز، تساؤلًا واسعًا عن الدور الغائب لهذا الاتحاد في إدارة وتصدير منتوج المحصول الزراعي السوري وحماية حقوق المزارعين السوريين داخل وخارج نطاق حدود سوريا. أتى هذا القرار دون أيّ مبرر واضح أو تقديم أيّ من أعضاء المجلس توضيح يوجز أسبابه.
وبينما يشهد حقل الزراعة في سوريا تحديات مختلفة تعاني منها الأرياف التي كانت تعتمد سوريا على منتوجها السنوي باتت الآن مهددة بكثير من العوامل أهمها تبعات الحرب والصراع المستمر،
قطاع الزراعة قبل وبعد الحرب
تشكل الزراعة في سوريا عاملاً قويًا في صناعة الصادرات المحلية على مدار سنين طويلة، إذ حسب إحصاءات عام 2007 بلغ عدد السكان العاملين في الزراعة 0.95 مليون نسمة، أي ما نسبته 19.4% من مجموع سكان سوريا.
ويختلف نوع الإنتاج الزراعي كثيرًا بين مدينة وأخرى بين بقوليات وثمار وأشجار ومحاصيل من الأرض وبالطبع القمح الذي تعد سوريا البلد العربي الوحيد الذي يحقق اكتفاءً ذاتيًا منه بالغًا 1.68 مليون هكتار، قبل اندلاع الحرب، بالإضافة إلى تركيز الدولة بشكل كبير على المحاصيل الإستراتيجية كالقطن والزيتون والحمضيات وتصديرها إلى دول عدة كالخليج والعراق. إلا أن الأضرار التي أصابت قطاع الزراعة في سوريا تقدر بـ16 مليار دولار.
الأضرار التي أصابت قطاع الزراعة في سوريا تقدر بـ16 مليار دولار
تأثر حقل الزراعة في سوريا كثيرًا خلال سنوات الحرب الماضية نتيجة عدة أسباب منها: صعوبة الحصول على المواد اللازمة للإنتاج، وهجرة الطبقة البسيطة من المزارعين لأراضيهم واندلاع الحرائق مؤخرًا في الأرياف، مما انعكس سلبًا على كمية الإنتاج وتدهور جزء كبير من الاقتصاد السوري المعتمد على الصادرات الزراعية تزامنًا مع هبوط الليرة أمام الدولار.
أشارت “فاو”، منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، في تقرير عام 2017 أن الأضرار التي أصابت قطاع الزراعة في سوريا تقدر بـ16 مليار دولار، مما انعكس تلقائيًا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمواد الاستهلاكية الأساسية.
هبوط الليرة يحد من منتوج محاصيل حمص
تجاوزت نسبة العاملين في القطاع الزراعي في ريف مدينة حمص، وسط سوريا، 80% خلال السنوات الماضية، بينما كان يعمل به 26% من السكان قبل اندلاع الحرب الجارية، وبالطبع كان للحصار الذي مرت به المدينة بين عامي 2012 و2014 أثر سلبي كبير على نسبة الأراضي المزروعة وعلى منتوج المدينة الزراعي بشكل عام جراء الكثير من الأسباب أهمها انخفاض منسوب الآبار وندرة الوقود ونقص الأسمدة والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.
شكل ارتباط مستلزمات الإنتاج بعملة الدولار خسارة كبيرة للمزارعين الذين تم وضعهم تحت رحمة سعر الصرف المرتفع
فبينما تعد البطاطا من أهم المحاصيل التي يعتمد عليها المزارعون في ريف حمص الشمالي، إلا أن نتيجة ارتفاع تكاليف إنتاجها باتت مهددة بسبب ازدياد أسعار البذور ومواد الأسمدة والمبيدات الحشرية المستوردة من هولندا وأسعارها التي ارتفعت بارتفاع سعر صرف الدولار.
شكل ارتباط مستلزمات الإنتاج بعملة الدولار خسارة كبيرة للمزارعين الذين تم وضعهم تحت رحمة سعر الصرف المرتفع، إذ وصل سعر كيس البذور إلى الضعف بين 45 ألف ليرة (90 دولارًا) و23 ألفًا، أي نصف الثمن فقط بين عام وآخر حتى وجد المزارع نفسه أمام أرباح معدومة، خاصة مع تحويل ثمن المحصول إلى الدولار، مما دفع الكثير منهم للجوء إلى إدخال محاصيلهم غرف تبريد لمدة طويلة محاولين الحفاظ عليها حتى بيعها لتأمين تكاليف الإنتاج.
“حرق المحاصيل” أحد المخاطر التي تهدد المزارعين
تعرضت بعض المناطق الزراعية في سوريا خلال الشهرين الماضيين، لحرائق كبيرة قضت على معظم المحاصيل الأساسية والمهمة كالقمح والشعير في حقول محافظات الحسكة ودير الزور والرقة الواقعين تحت سيطرة ميليشيا قسد المدعومة أمريكيًا، حيث التهمت النيران مئات الدونمات التي كان من المفترض أن تحصد خلال عدة أيام، وقدرت الخسائر بنحو 20 مليار ليرة سورية (نحو 33 مليون دولار أمريكي)، في حين أن مساحة الأراضي التي اجتاحتها الحرائق تجاوزت 40 ألف هكتار، أغلبها في محافظة الحسكة.
يواجه حقل الزراعة في سوريا الكثير من المصاعب والتحديات المفروضة عليه من عوامل داخلية كانت أو خارجية تضعفه وتحد من إنتاجيته
أثارت هذه الحوادث جدلًا كبيرًا وآراءً كثيرة في الصحف السورية وبين ناشطين من داخل وخارج سوريا بشأن ما إن كانت مفتعلة من جهة ما لها منفعة بنزع الثقة بين المزارعين والجهات المسيطرة على المنطقة أم أنها حصلت بسبب عوامل جوية معينة أو أخطاء بشرية، بينما أعلن تنظيم داعش تبنيه لهذه الحادثة بحجة أنها أراضٍ تعود لمرتدين حسب قولهم.
تركت هذه الحادثة الكثير من المزارعين البسطاء المعتمدين في مدخولهم على هذه المحاصيل دون حيلة غاضبين على ما ضاع من جهد في حراسة واعتناء بالأرض طوال عام كامل، وقلق بشأن كيف سيمضون بقية السنة دون عمل أو مال خاصة أنه كان لديهم أمل كبير بها بسبب وفرة الأمطار هذا العام.
يواجه حقل الزراعة في سوريا الكثير من المصاعب والتحديات المفروضة عليه من عوامل داخلية كانت أو خارجية تضعفه وتحد من إنتاجيته، إذ في الوقت الذي كانت تعيش فيه سوريا حالة من الاكتفاء الذاتي من المنتجات الحيوانية والزراعية، وتعتمد عليها بشكل كبير، بينما باتت الآن فريسة للاستيراد من دول الجوار وغيرها في ظل أزمة خانقة يعاني منها السكان، مع غياب شبه تام للحكومة أو الجهات المسؤولة.
وفي قيام مجلس الشعب بإلغاء أو حل اتحاد المصدرين السوريين، يتساءل الكثير من الناشطين والمتضررين عن أهمية هذا الاتحاد وما الذي قدمه للمزارعين من استشارة أو تأمين أو دعم منذ بداية تأسيسه مرورًا بما ما مرت به البلد من أوضاع خلال الـ9 سنوات الماضية حتى حله قبل بضعة أيام.