في السادس عشر من إبريل/نيسان الماضي، وضع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الكتاب رقم مليون على رفوف مكتبة قطر الوطنية، احتفالًا بمرور عام على افتتاحها بعدما وصل عدد أعضائها 139 ألفًا، وقفز عدد الكتب المستعارة منها إلى مليون كتاب.
خلال عام واحد فقط استطاعت المكتبة التي وصفت بأنها الأكبر في الشرق الأوسط من تسجيل أكثر من 738 ألف زائر من مواطني قطر والمقيمين فيها، وأكثر من 21 ألفاً شاركوا في فعالياتها وأنشطتها المختلفة التي زادت عن 900 فعالية وورشة ومحاضرة، وفق ما أشارت إليه المديرة التنفيذية للمكتبة، سهير وسطاوي.
المكتبة منذ إنشائها نجحت في فتح نوافذ اتصال ثقافي مع العديد من دول العالم على رأسها أوروبا وأمريكا الشمالية في دلالة رمزية على كسر الحصار الإقليمي المفروض عليها من الرباعي الخليجي العربي (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) في الخامس من يونيو/حزيران 2017.
تطوير مستمر
سعت الدوحة منذ وضع أول كتاب على رفوف مكتبتها الوطنية عن طريق الشيخة موزا بنت ناصر في السادس عشر من ديسمبر/كانون الأول عام 2016 إلى أن تصبح المكتبة صرحًا ثقافيًا ينافس القلاع الكبرى في مختلف دول العالم، سواء من حيث الطراز البنائي أو المضمون المقدم.
وبالفعل وفي غضون عام على التدشين باتت المكتبة تضم اليوم أمهات الكتب والمخطوطات في شتى المجالات، منها مجموعة تراثية تحوي مخطوطات نادرة يزيد عدد مقتنياتها على خمسين ألف مادة تاريخية وتراثية، تشمل أربعة آلاف مخطوط و1400 خريطة تاريخية و26 ألف كتاب، بالإضافة إلى عشرات الأطالس وثلاثين ألف صورة فوتوغرافية فضلًا عن الآلات الملاحية والفلكية القديمة.
نائب المدير التنفيذي لشؤون العلاقات الدولية والاتصال ستيوارت جيمس هاملتون أكد في تصريحات سابقة له أن “كل الكتب الموجودة هنا متاحة أمام القراء ليقوموا باستعارتها”، مضيفًا أنه ومع إدخال أكثر من مليون كتاب وخمسمئة ألف نسخة رقمية، تعتبر المكتبة الموجودة في المدينة التعليمية بالعاصمة الدوحة الأكبر في منطقة الشرق الأوسط.
المكتبة اخذت على عاتقها تطويرها المستمر للنظم الإلكترونية المتخصّصة في عالم النشر التي تتيح القراءة عبر الأجهزة الخلوية والحواسيب من مصادر ضخمة مزوّدة للكتاب، أو الاستماع إليه في نسخ صوتية، أو توفّر البحث عن إصدارات ضمن حقل أو موضوع محدّد، إلى جانب الاستعانة بقواميس ومحركات بحث أثناء عملية التصفح.
وقبل أيام قليلة أعلن مسئولو المكتبة عن توفير استخدام مجموعة متنوعة من التطبيقات والكتب الإلكترونية والكتب المسموعة والنسخ الرقمية من الصحف والمجلات، ومقاطع الفيديو والأفلام الوثائقية والتسجيلات الصوتية من أي مكان في العالم متصل بالإنترنت، والتي تمكّن أعضاءها قراءة ما يريدون من كتب والاطلاع على مجموعة واسعة من المصادر الغزيرة بالمعرفة أينما كان موقعهم ووجهتهم.
أمير قطر يحتفل بوضع الكتاب المليون في المكتبة
كما قدمت أكثر من مليون عنوان جرى تحميله من خلال المصادر الرقمية والتطبيقات الجوالة لأشهر منصات الكتب والمجلات الإلكترونية والكتب المسموعة من كبرى دور النشر في العالم، التي تزخر بمجموعة ضخمة من أحدث الكتب في مختلف المجالات والتخصصات، وذلك من خلال مبادرة “كنوز المعرفة”.
وفي الوقت ذاته تقدم العديد من منصات الكتب الإلكترونية التي توفرها تطبيق OverDrive الذي يمكن تثبيته على أجهزة الكمبيوتر والماك وسائر أجهزة الحاسوب اللوحية وأجهزة الجوال، ويتيح استعارة مجموعة واسعة من الكتب والروايات الإلكترونية والصوتية. كما يستطيع أعضاء المكتبة تنزيل تطبيق OverDrive Libby للوصول إلى ثروة من الكتب الإلكترونية والكتب الصوتية أثناء السفر، فضلاً عن تطبيق SpringerLink الذي يحتوي على واحدة من كبرى مجموعات الكتب العلمية والأكاديمية في العالم، بما يتيح للمستخدمين الاطلاع على الكتب والدوريات العلمية المتخصّصة.
نظمت المكتبة أكثر من 1000 حدث عام، يضم العديد من المؤلفين والباحثين من أوروبا وأميركا الشمالية، وهي أحداث مهمة تحمل رمزية في وجه الحصار الإقليمي
تواصل ثقافي يكسر الحصار
حرصت كافة مؤسسات الدولة القطرية منذ قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة قبل عامين تقريبًا على كسر الحصار المفروض عليها بشتى السبل، والاستعاضة عن ذلك بالعديد من الاستراتيجيات والخطط المعدة، من بينها مؤسسات الدولة الثقافية التي حملت على عاتقها هذه المهمة عبر فتح نوافذ اتصال مع العديد من كيانات العالم الثقافية.
جيمس هاملتون في تصريحات له نقلتها وكالة “فرانس برس” أكد: “نحن في وضع سياسي مثير للاهتمام، ولكن من وجهة نظر المكتبة فإن هذا يجعلنا مصممين أكثر على إبراز أنفسنا والتواصل مع دول أخرى”، مضيفًا: “الوضع الحالي يجعلنا في المكتبة أكثر حرصاً على تعزيز صورتنا واتصالاتنا مع بلدان أخرى”، لافتًا إلى أن المكتبة طرحت أيضًا خططًا للتعاون والتواصل مع المكتبات خارج المنطقة ردًا على الحصار، وقال: «نحن نسرع من التواصل».
اتفاقيات شراكة بين المكتبة واليونسكو
وأوضح أن “المجموعة التي بدأنا بها يجب أن تكون متوافرة لكل المستخدمين، نحن لا نحجب شيئًا”، متابعًا أن أي إضافات جديدة من الكتب يجب أن تستوفي المعايير “ولا يمكنا الترويج لخطاب الكراهية”.، منوها أن المكتبة لا تحتوي على كتب لا تفي بالمعايير “فنحن لا نقوم بشراء كل شيء”، مؤكدًا كذلك أن “أي مكتبة مثل مكتبة قطر الوطنية أو مكتبة نيويورك العامة، تحتاج إلى أن تعكس احتياجات واهتمامات المستخدمين والسكان، ولهذا فإن مجموعتنا تتطور ردًا على احتياجات الناس، وليس لدينا ما نخفيه هنا”.
الوكالة الفرنسية نقلت عنه كذلك أنه «منذ الافتتاح، نظمت المكتبة أيضًا أكثر من 1000 حدث عام، يضم العديد من المؤلفين والباحثين من أوروبا وأميركا الشمالية، وهي أحداث مهمة تحمل رمزية في وجه الحصار الإقليمي»، مشيرة إلى أن تصميم المبنى يبدو وكأنه أوراق مطوية، ويوظف أكثر من 39 جنسية.
وهكذا ورغم حداثة نشأتها إلا أن مكتبة قطر الوطنية استطاعت في خلال عام واحد تحقيق العديد من النجاحات سواء على مستوى تعزيز المناخ الثقافي وإثراءه بصرح لا يقل عن عمالقة الثقافة في العالم، أو على مستوى التصدي للحصار المفروض على القطريين عبر استرايتجيات من شأنها كسر هذا المخطط عبر التواصل الثقافي مع العديد من الكيانات في شتى البلدان.