أصبحت الروبوتات الاجتماعية خلال العقدين الماضيين مجالًا ناشئًا وواسعًا يستقطب اهتمام الكثيرين، منهم المختصّين في التقنية وآخرون مختصّون في علم النفس والسلوك. فهذا المجال وإمكانيات تطويره لا تعتمد على المعرفة في الميكانيك والذكاء الاصطناعي والأنظمة التقنية فحسب، فهو يدمج بين ذلك وبين علم النفس والسلوك والتصميم والأخلاقيات وإدارة المنظمات الصحية. هذا الدمج الضروري لتصب هذه التكنولوجيا في خدمة المرضى من الأطفال، الذين يضطرون للبقاء لفترات علاج طويلة في المستشفى مما يضع أمامهم تحديات اجتماعية ونفسية وعلى مستوى التواصل كذلك.
حقق باحثون لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ضمن دراسة جديدة، في سيناريوهات مختلفة في العلاج والتعليم، ووجدوا من خلالها أن الروبوتات الاجتماعية يمكن أن تكون أداة مفيدة للأطفال المرضى. توضح الدراسة أن استخدام “الروبوتات الاجتماعية” في وحدات طب الأطفال في المستشفيات يمكن أن يحمل فائدة ملحوظة على نفسية الأطفال وتفاعلهم مع من حولهم. إذ يمكن استخدامها في جلسات الدعم للمساعدة في التخفيف من القلق المرافق لهم أثناء فترة تلقي العلاج والألم وغيرهم من الضيق البقاء في المستشفى لوقت طويل.
روبوت اجتماعي على شكل لعبة
تعاون باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، مع جامعة Northeastern، بصنع دب دمى آلي يراعي عدة معايير تلائم الأطفال. وأطلقوا عليه اسم Huggable، وتم نشره في العديد من وحدات طب الأطفال في مستشفى بوسطن للأطفال. تأتي هذه النسخة التي طوّرت عام 2006 بشاشة تصور حركة العيون، وتسجل الكلام وتوجه النظر وتتحدث عبر مكبر للصوت ويتم تشغيله عن بعد بواسطة متخصص يتواجد في القاعة، خارج غرفة الطفل. كما يمكن للمتخصص التحكم في تعبيرات وجه الروبوت وحركة جسمه ونبرة صوته لتكون حزينة أو مبتهجة.
قسّم الفريق العامل على تجربة الروبوت، من أجل الدراسة، أكثر من 50 طفل تتراوح أعمارهم بين 3- 10 سنوات بشكل عشوائي وإلى ثلاث مجموعات من مختلفة. شملت المجموعة الأولى الدمية Huggable، بينما ضمت المجموعة الثانية Huggable ولكن على جهاز لوحي، أما المجموعة الثالثة فأخذت لعبة قديمة وتقليدية من ألعاب الأطفال. ثم بدأ الفريق بغناء أغنية وشاركه الجميع بتمثيل حركاتها بالإضافة إلى مشاركة الدب الآلي التحرك معهم.
وجدت النتائج الإجمالية لاحقًا أن نسبة الأطفال الذين استمتعوا باللعب مع الدمية الآلية أكثر ممّن تعاملوا مع الدمية التقليدية. كما لاحظ أهالي الأطفال انخفاض مستويات الألم المتصوّرة بين أطفالهم. باختصار، شهد الأطفال في مجموعة التي تضم Huggable مشاعر أكثر إيجابية وحماس نتيجة تفاعل اللعبة معهم كأنها شخص قادر على مبادلتهم المشاعر وردود الأفعال.
على الرغم من أنها كانت دراسًة صغيرة، إلا أن الباحثين قالوا إن هذه هي الدراسة الأولى التي تستكشف إن كان هناك فائدة من الروبوتات الاجتماعية لدى الأطفال المرضى في المستشفيات وكم هي نسبة التحسن القادرة على تقديمه.
لماذا هذا مهم؟
يعيش الكثير من الأطفال حول العالم كمرضى دائمين يقضون جلّ وقتهم داخل غرف المستشفيات، مثل مرضى السرطان والحروق المتقدمة والأطفال الذين تعرّضوا لحوادث أليمة تستدعي وجودهم لشهور في المستشفى. هذه التجربة القاسية تسبب ضعفًا في مهارات التواصل بين هؤلاء الأطفال ومن حولهم، تأثير قد يلاحظ بشكل فوري أو يتراكم ليظهر بالمستقبل البعيد بعد مغادرته المستشفى. لذا تكمن أهمية هذه الروبوتات في إعطائها فرصة لهؤلاء الأطفال لتعلّم أساليب التعرف على الآخرين وبناء مجتمع وعلاقات خاصة بهم. كما أنها تساهم في بناء علاقة إيجابية مع بيئة المستشفى سواء كان ذلك بين مقدمي الرعاية الصحية أو أسرهم أو مع روبوت اجتماعي. وذلك مع وجود الكثير من التساؤلات حول هذه التقنية وتداعياتها وفعاليتها الحقيقية في البيئة المحيطة خارج المستشفى.
المبالغ المستثمرة في هذا القطاع ستصل إلى ستة مليارات و600 مليون دولار في العام 2021
أين الواقع العربي من هذه التقنية؟
بشكل عام، أثبت الذكاء الاصطناعي ضمن المجال الطبي كفاءته في عدة أفرع في السنوات القليلة الماضية. فقد قدم حلولًا في عمليات خطيرة عبر عمله جنباً إلى جنب مع الجراح، وبتوجيهه أوامر تحريك أذرع الروبوت المبرمجة على خطوات العمليةن لتتم بدقة عالية وبألم أخف وبجرح صغير جدًا.
بالإضافة إلى إمكانية إجراء الجراحة عن بعد، واستخدامها في تطوير أجهزة طبية كثيرة آخرها روبوت “أي بي أم واتسون” القادر على تشخيص أمراض خطيرة يصعب تحديدها بدون إجراءات طويلة من الفحوصات والتحاليل. استطاع الروبوت تشخيص المريض في غضون دقائق معتمدًا على استخدام بحث مرجعي لعشرين مليون سجل من سجلات الأورام. وهذا بالطبع يعود بالفائدة على تجنب الوصف القابل للخطأ للأدوية وكذلك تجنب التفاعلات السلبية التي يمكن أن تحدث.
وتقدّر شركة “فروست سوليفان” المتخصصة أن المبالغ المستثمرة في هذا القطاع ستصل إلى ستة مليارات و600 مليون دولار في العام 2021، علمًا أن هذا الرقم لم يكن يتجاوز 634 مليونًا في العام 2014.
يمكنه تنفيذ العديد من الأوامر المعقدة سيتم تفعيلها بمجرد دخول المريض في سيارة الإسعاف دون حاجة في الرجوع إلى البشر.
في العالم العربي، تعمل عدة مستشفيات ومؤسسات طبية على إدخال الذكاء الاصطناعي ضمن مشاريعها القادمة. من بينها مدينة دبي الإماراتية، التي تهدف إلى تقديم جودة أعلى في العلاج داخل مستشفياتها. بالإضافة إلى تعزيز روح التنافس والإبتكار في هذا المجال واستقطاب أكبر عدد ممكن من المهتمين والمبرمجين المهتمين بالعمل على هذه التقنيات من خلال إشراك جائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية، التي نظمت فعاليات مؤتمر دبي العالمي العاشر للعلوم الطبية للعمل على مشروع السجل الذكي لأمراض التهابات المفاصل والروماتيزم الذي تعمل عليه مستشفى دبي. في خطوة جديدة تستعرض مدى التطور الذي تسعى إليه دولة الإمارات.
كما ستحصل مدينة دبي قريبًا على مركز سريع لإدارة الطوارئ والأزمات يستخدم الذكاء الاصطناعي لإنقاذ حالات الإسعاف. وقد وقعت هيئة الصحة بدبي اتفاقية مع شركة Avanza Solutions لتنفيذ النظام على مستوى المدينة عام 2017 على أن يكون جاهزًا خلال عدة سنوات. وكجزء من الاتفاق، سيقدم نظام Avanza الإداري للمدينة الطبية الذكية ‘Acuity’ رؤية عن ما يحدث في جميع أنحاء المدينة يستخدم فيه الذكاء الاصطناعي ويمكنه تنفيذ العديد من الأوامر المعقدة سيتم تفعيلها بمجرد دخول المريض في سيارة الإسعاف دون حاجة في الرجوع إلى البشر.
برغم الجهود المبذولة في بعض الدول العربية لإدخال التقنيات الذكية للمستشفيات إلا أن الوضع العام للمنظومة الصحية في العالم العربي لا زال بدائيًا، وأمامه تحديات كبيرة ومشاكل جوهرية ليتخطاها قبل أن يتبنى تقنيات تكنولوجية حديثة. وعليه، خلال البحث عن وجود تجارب شبيهة بتجربة الروبوت الاجتماعي، لم نجد تجارب موثقة تقترب من ذلك، والأسباب كثيرة بطبيعة الحال. فالقطاع الصحي في أغلب البلدان العربية بحاجة إلى الكثير من الأساسيات قبل أن يصل إلى تأمين هذه الخدمات النفسية المتقدمة والتي تعدّ حاليًا من “الرفاهيات”، كما أنه ما زال لدينا الكثير من الأطفال غير القادرين على تلقي الرعاية الصحية والطبابة بسبب نقص في عدد الأسرة في المستشفيات ونقص الكفاءة اللازمة لمداواة الأمراض الجديدة التي تظهر تزامنًا مع تغير مسببات المرض من حولنا، وبسبب فساد أجهزة الدولة المنعسكة بالضرورة على القطاع الصحي.
إضافة إلى ذلك، حتى وإن دخلت هذه التقنية وغيرها من التقنيات الذكية إلى المشافي العربية، يبقى سؤال “النفاذ” أو “المنالية” وإمكانية الوصول سؤالًا حاضراً. ففي الغالب سيقتصر الاستثمار على المستشفيات الخاصة أو في الدول التي تمتلك بنية تحتية تكنولوجية مناسبة للتقنيات الحديثة، مما يعني أن هذا النهج قد يخلق فجوة جديدة على أساس طبقي اجتماعي-اقتصادي، فتكون الخدمات النفسية المعززة بالتكنولوجيا الذكية متوفرة فقط للأطفال من ذوي العائلات المقتدرة مادياً، مما سيحرم الكثير من المرضى من الطبقة المتوسطة أو ما دونها الاستفادة من هذه التقنيات.