ترجمة وتحرير نون بوست
يأمل رئيس الوزراء شينزو آبي في تسوية الحرب التجارية الصينية الأمريكية، مع تعزيز المصالح المحلية. وفي دوتونبوري، التي تعد نبض السياحة وثالث أكبر مدن اليابان، يلوح الملصق العملاق للعداء جليكو مان بجوار شاشة عملاقة تعرض إعلان ترويجي لقمة مجموعة العشرين. في كل محطة مترو أو حافلة، تعرض الملصقات والنشرات تفاصيل الحدث الذي يعقد يومي الجمعة 28 والسبت 29 حزيران/ يونيو. علاوة على ذلك، احتل قدوم زعماء حوالي 30 دولة ومنظمة دولية عناوين الصحف.
تعكس هذه الحلة التي تزينت بها المدينة لاستقبال مجموعة العشرين في أوساكا، وهي الأولى من نوعها في اليابان، مدى فخر الأهالي بهذا الحدث. وفي هذا الإطار، صرح كينغو البالغ من العمر 32 سنة، وهو أحد سكان أوساكا، قائلا: “أتيتم من أجل قمة مجموعة العشرين، إنه لمن الرائع أن تعقد في أوساكا…”. وشاركه البهجة مجموعة “أوباشان”، وهي مجموعة غنائية محلية تضم سبع مغنيات، معدل أعمارهن 66 سنة، نشَرن فيديو لأغنية مصورة احتفلن فيه “بمدينتهنّ المذهلة” وتمنّين أن “يضفي طاقة” في في نفوس زعماء العالم.
من جانبه، علق حاكم المقاطعة، هيروفومي يوشيمورا، قائلا: “إنه لشرف عظيم أن يجتمع زعماء الدول والمنظمات من جميع أنحاء العالم في أوساكا”. أضاف يوشيمورا قائلا: “تستعد أوساكا لاستضافة عدد من الأحداث، بما في ذلك كأس العالم للرجبي والألعاب العالمية للمحترفين 2021 والمعرض العالمي 2025، حيث ستكون كل من المدينة ومنطقة كانساي بأكملها محط أنظار العالم”.
تبدو مجموعة العشرين بمثابة أداة ستُستخدم للترويج السياحي، مقارنة بفرنسا التي لم تحظ بهذا الاهتمام على الرغم من أنها ستستضيف قمة مجموعة السبع في أواخر شهر آب/أغسطس. علاوة على ذلك، كرس رئيس الوزراء الياباني جهوده لتسليط الضوء على هذه المدينة التي “ستفاجئ العالم”، حيث أن يهدف تبني مثل هذه المكانة الدولية أولاً إلى استعادة أوساكا لصورتها لدى اليابانيين.
يبدو الرهان أكبر بكثير بالنسبة لليابان. فمع عقد هذه القمة، ستتجه كل الأنظار إلى رئيسي كل من الولايات المتحدة، دونالد ترامب، ونظيره الصيني، شي جين بينغ، لمتابعة فرضية وجود حل للحرب التجارية التي تجمع بين البلدين
تاريخيا، تعرضت كانساي للإهمال مقارنة بكانتو التي تعدّ المنافس الثقافي والأكثر ثراء. وعلى الرغم من أن كانتو لا تزال تستقطب أكثر الزوار (27 مليون سائح سنة 2017)، إلا أن عدد زوار كانساي بلغ حوالي 17 مليون.
من جانبه، أفاد إريك جونستون، وهو صحفي بريطاني مقيم في أوساكا قائلا: “من أجل استقطاب المزيد من الزوار، يتعين على الحكومة المركزية ضمان دخول وخروج جميع شخصيات مجموعة العشرين إلى أوساكا دون وقوع أي حادث، وبالتحديد الحوادث الإرهابية”. وفي الوقت الذي من المتوقع أن يصل فيه عدد الأشخاص الذين سيشاركون في قمة مجموعة العشرين إلى حوالي 30 ألف شخص، وقع نشر ما لا يقل عن 32 ألف شرطي في جميع أنحاء المدينة. وفي هذا السياق، أكد قائد الشرطة، تاكاهيسا إيشيدا، قائلا: “نريد أن نقول للعالم أن أوساكا مدينة آمنة”.
في السياق ذاته، فرضت قيود على الطرق السيارة (مع قطع 160 كيلومترًا من الطريق السريع الرئيسي)، ومن المتوقع حدوث تأخير في القطارات والطائرات (وهو أمر نادرا ما يحدث في اليابان)، وتركيز علب القمامة وخزانات الأمتعة، مع تفتيش الحقائب، واستجواب السياح وإغلاق القصر والحديقة العامة.
فرض اليابان على الساحة الدولية
خارج أوساكا، يبدو الرهان أكبر بكثير بالنسبة لليابان. فمع عقد هذه القمة، ستتجه كل الأنظار إلى رئيسي كل من الولايات المتحدة، دونالد ترامب، ونظيره الصيني، شي جين بينغ، لمتابعة فرضية وجود حل للحرب التجارية التي تجمع بين البلدين. ومنذ شهر آذار/ مارس سنة 2018، تعمل كل من الولايات المتحدة والصين على زيادة الرسوم الجمركية وفرض قيود على المنتجات التكنولوجية. وفي أوائل شهر أيار/مايو إلى برز الخلاف بين الطرفين، حيث اتهم دونالد ترامب الصين بأنها مسؤولة إلى حد كبير عن العجز التجاري الضخم للولايات المتحدة (الذي بلغ نحو 621 مليار دولار)، مطالبًا بكين باستيراد المزيد من المنتجات الأمريكية.
لا ينوي رئيس الوزراء شينزو آبي أن يكون دوره مقتصرا على لعب دور المضيف، وإنما يسعى إلى إثبات نفسه “كمسهل لعملية التفاوض بين الطرفين”
نتيجة لذلك، تقدر أسواق الأسهم العالمية وصندوق النقد الدولي حدوث انخفاض مستقبلي في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 0.5 بالمئة. ومن جهته، أورد وزير المالية، برونو لو مار لوكالة فرانس برس أن “هناك مخاوف من أن يتحول التباطؤ الاقتصادي العالمي إلى أزمة اقتصادية عالمية”. أما الرئيس إيمانويل ماكرون، فصرح أمام الجالية الفرنسية في طوكيو أنه “يجب أن تعيد كل من مجموعة العشرين ومجموعة الدول السبع التأكيد على الحاجة إلى وجود تعددية التجارة وإقناع الجميع بالخروج من المعارك التجارية وإدماج خطة حماية تجارية فضلا عن التخلي عن الحمائية”.
في المقابل، أبدى كلا الخصمين نيتهما في التفاوض، حيث أنه أجرى المفاوضون الصينيون والأمريكيون، يوم الاثنين، اتصالا هاتفيا تمهيدا لهذه المفاوضات. من جهته، حذر وزير التجارة الأمريكي، ويلبر روس، من أنه “على الرغم من أن مجموعة العشرين ليست المكان الذي يمكن فيه عقد صفقة تجارية نهائية”، إلا أنها تمهد الطريق أمام “الاتفاق حول ما يجب القيام به بعد ذلك”. وبالإضافة إلى مشاركتهما في قمة مجموعة العشرين، من المقرر أن يجتمع كل من دونالد ترامب وشي جين بينغ بشكل خاص يوم السبت.
خلال هذه القمة، لا ينوي رئيس الوزراء شينزو آبي أن يكون دوره مقتصرا على لعب دور المضيف، وإنما يسعى إلى إثبات نفسه “كمسهل لعملية التفاوض بين الطرفين”. وفي هذا الإطار، سبق لشينزو آبي أن أكد قائلا: “في قمة أوساكا، تعد اليابان مصممة على قيادة النمو الاقتصادي العالمي من خلال تشجيع التجارة الحرة”. ويبدو أن آبي جعل مصالح اليابان فوق كل اعتبار.
في شأن ذي صلة، نوه كيويوكي سيجوتشي، مدير الأبحاث في معهد “كانون” والمختص في العلاقات اليابانية الأمريكية بأنه، “بسبب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تراجعت الصادرات اليابانية نحو الصين بشكل كبير، مما أثار قلقا كبيرا حول أداء الشركات اليابانية واقتصاد البلاد. والجدير بالذكر أن شينزو آبي يتمتع بعلاقات متميزة مع الرئيسين ترامب وشي، مما يخوله ليكون الشخص الأنسب للعب دور الوسيط”.
في المقابل، سيتعيّن على رئيس الوزراء الياباني أن يكون ماهر حتى يصلح بين الطرفين. فمن جهة، تعترضه إدارة دونالد ترامب التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها حتى في الوقت الذي تجري فيه اليابان والولايات المتحدة مفاوضات بشأن اتفاق تجاري ثنائي يهدف إلى الحد من اختلال التوازن التجاري بينهما (يبلغ عجز الأمريكيين 68 مليار دولار). فضلا عن ذلك، سبق لموقع بلومبيرغ نشر الانتقادات الأمريكية المتعلقة بالاتفاق الأمني بين البلدين.
من جهة أخرى، تعمل اليابان على “مغازلة” حليفها الصيني في وقت لم تكن فيه العلاقات التجارية الصينية اليابانية جيدة على الإطلاق على الرغم من تنامي حجم المبادلات والاستثمارات. وفي هذا الصدد، أشار كيويوكي سيجوتشي، إلى أن “العلاقات طيبة بين كل من اليابان والصين، وينبغي أن تساهم في مزيد ارتفاع عدد الشركات اليابانية العاملة في الصين”.
الطريقة التي يمكن بها أن ينجح شينزو آبي في إدارة مجموعة العشرين، قد تساهم في تجدد شعبيته وشعبية حزبه لدى الياباني
يظهر هذا الرفض الياباني في الصين هذه الأيام عبر عرض فيلم “اختطاف سان وتشيهيرو بعيدا” الكرتوني لمخرجه هاياو ميازاكي، الذي ظهر على الشاشة بعد مرور ثمانية عشر عامًا على “تعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية مع طوكيو”، وذلك وفقا لما صرحت به صحيفة “نيكي” اليومية.
في مقال له نُشر في أحد الصحف اليابانية، رسم شينزو آبي الخطوط العريضة لهذا الطموح الدبلوماسي الدولي وفكرة فرض اليابان كنموذج لمزيج من الثقافات الآسيوية والغربية، حيث جاء في مقاله “أصبح موقفنا الإيجابي منهج حياة لليابانيين بعد الحرب، وأدى إلى نمونا الاقتصادي السريع. وفي ثمانينات القرن العشرين، امتد هذا الموقف إلى جنوب شرق آسيا وأصبح بدوره منهج حياة كل آسيا. بالإضافة إلى ذلك، أعتقد اعتقادا راسخا أن اليابان الواثقة من نفسها هي التي تجد نفسها في وضع جيد للمساهمة في خلق مستقبل آسيا”.
في الواقع، سيساهم هذا الأمر في تعزيز قدرة رئيس وزراء اليابان على قيادة المفاوضات بشكل جيد والوصول إلى عقد اتفاقات كبرى ستنعكس إيجابا على مستقبله السياسي الوطني، وسنتأكد من ذلك اعتبارا من 21 تموز /يوليو، مع عقد انتخابات مجلس المستشارين في اليابان. في المقابل، إذا ما احتفظ الائتلاف الذي يتزعمه الحزب الليبرالي الديمقراطي الياباني بالأغلبية، فيمكن أن يتسبب ذلك تراجع وجوده على الساحة.
أشارت مقالة افتتاحية لصحيفة “جابان تايمز” إلى أن “الطريقة التي يمكن بها أن ينجح شينزو آبي في إدارة مجموعة العشرين، قد تساهم في تجدد شعبيته وشعبية حزبه لدى اليابانيين. في المقابل، في حالة تسجيله لنتائج مخيبة للآمال، ستبدأ الشكوك تحوم حول قدرته على قيادة كل من الحزب الديمقراطي الليبرالي واليابان”.
المصدر: نوفال أوبسرفاتور