كثفت الميليشيات الإيرانية نشاطاتها في دير الزور شرق سوريا، عبر فرض سطوتها بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية في المحافظة، محاولةً تنفيذ مشاريع تضمن بقاءها مستقبلًا حتى إذا رحلت عسكريًا، مركزةً على مختلف طبقات المجتمع وداعمةً بشكل رئيسي بناء المزارات والمقامات والحسينيات الشيعية إلى جانب أنشطتها التي تشرف عليها بشكل غير مباشر من خلال مشاريع ومبادرات دينية مثل إقامة المهرجانات والحفلات، مما يهدد مستقبل المحافظة التي تسيطر على شقها الأيمن من نهر الفرات.
مزارات تستقبل “الحجيج”
شرعت الميليشيات الإيرانية ببناء مزارات ومقامات شيعية، في محافظة دير الزور شرقي البلاد، عقب بسط النظام والميليشيات الإيرانية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني سيطرتهما على محافظة دير الزور، وطرد تنظيم الدولة “داعش” منها بدعم من الطيران الروسي.
يوجد في المحافظة منطقة سياحية قديمة تعود للعصور السابقة وتعتبر من أهم المعالم السياحية سابقًا، يقصدها أبناء المدن والبلدات المجاورة، وتعرف بمنطقة نبع عين علي، وفور سيطرة الميليشيات الإيرانية على المنطقة قامت ببناء جدار حول نبع عين علي قرب بلدة القورية بريف دير الزور، ورفع قبة فوقه، لاستقبال “الحجيج” بحسب وصفهم.
الحجاج الإيرانيون يطوفون في عين علي بدير الزور
تحدث “نون بوست” مع الصحفي صهيب الجابر الذي ينحدر من محافظة دير الزور، فقال: “الميليشيات الإيرانية استغلت الاسم وبنت مقامًا، ثم روجت عبر الإعلام بأنه موجود مسبقًا”، واعتبرت الميليشيات أنه يعود لفترة الإمام علي بن أبي طالب، خلال مروره في المنطقة، وانتهت عملية بناء القبة في أبريل/نيسان 2018، ليصبح أحد المقامات الشيعية الذي ترتاده الميليشيات.
ووصل وفد إيراني مكون من 50 شخصًا إلى محافظة دير الزور خلال الأسابيع القليلة الماضية بحسب شبكة دير الزور 24، لزيارة منطقة عين علي التي حازت أهمية كبيرة لدى الميليشيات التي قامت بحماية الوفد الإيراني خلال زيارتهم لعين علي وتباركهم بالنبع.
حاولت الميليشيات الإيرانية عبر سطوتها التحكم بكل مفاصل الحياة اليومية التي يعشيها أهالي محافظة دير الزور
من جهته أكد الصحفي صهيب الجابر لـ”نون بوست” قائلاً: “تصل منطقة عين علي بشكل شبه يومي مجموعات مما تسميه الميليشيات (الحجيج) معظمهم قادمين من الأراضي العراقية”، وتقوم شركات خاصة عبر مكاتبها في العراق وإيران بتسيير الرحلات نحو دير الزور، وكذلك نحو العاصمة دمشق لزيارة مقام السيدة زينب، وتعتبر هذه الشركات التي تحصل على مبالغ ضخمة من (الحجيج) موردًا رئيسيًا للميليشيات في المنطقة، ولذلك أعطت الميليشيات هذا الاهتمام بالنبع للحصول على مكاسب مالية.
حسينيات
حاولت الميليشيات الإيرانية التحكم بكل مفاصل الحياة اليومية التي يعشيها أهالي محافظة دير الزور، حيث رفعت الميليشيات الآذان الشيعي في مدينة البوكمال الواقعة على الحدود السورية العراقية، وبلدات عياش غربي دير الزور والقورية شرقي دير الزور وغيرها من أرياف المحافظة، ضمن سعيها المستمر إلى فرض رؤيتها ومعتقداتها بالمحافظة السنية.
وأكد الجابر لـ”نون بوست” أن الميليشيات الإيرانية حولت بعض المساجد إلى حسينيات وفرضت الآذان بالطريقة الشيعية على المؤذنين في المدن الكبيرة كالبوكمال والميادين والقورية وصبيخان، بينما رفض بعض المؤذنين الأوامر بهذا الشأن، مما أدى إلى اعتقال عدد منهم حتى رضخ الآخرون لهذه الأوامر، وقالت وكالة الأناضول إن الميليشيات اعتقلت نحو 20 مؤذنًا، بينما حصل الموافقون على إقامة الآذان امتيازات خاصة من النظام وميليشيا إيران.
وبنت الميليشيات الإيرانية منذ سيطرتها نهاية 2017 عشرات الحسينيات والأضرحة (المزعومة) في المحافظة، للتمكن من فرض المعتقدات الشيعية، حيث عملت على إنشاء حسينيات في عدة مناطق من أبرزها منطقة السويعية في ريف البوكمال قرب البوابة الحدودية مع العراق ومنطقة الهري، وكذلك في بلدات القورية وحطلة في الريف الشرقي من المحافظة، وامتدت أنشطتها لتصل إلى الريف الغربي من المحافظة في بلدت البغيلة وعياش.
السطو على عقارات المدنيين
استغلت الميليشيات التابعة لإيران نزوح الآلاف من أبناء محافظة دير الزور في أثناء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على المحافظة، وذلك بالاستيلاء على منازل المدنيين، دون الرجوع إلى أصحابها الأصليين.
حيث استطاعت الميليشيات الحصول على منازل بعض المدنيين الذين نزحوا منها قبل أعوام، عبر مخاتير الأحياء أو البلدات الذين نصبتهم قوات النظام، وبحسب شبكة دير الزور 24، يصل مبلغ إيجار المنزل إلى 150 ألف ليرة سورية، سنويًا، وقال الصحفي صهيب الجابر: “الميليشيات استولت على منازل المدنيين الذين هجروا نتيجة سيطرة داعش عنوةً”، وأضاف: الاستيلاء يشمل كل الممتلكات التي خلفها أصحابها في المحافظة”، كما وضعت الميليشيات طابعًا آخر لها في تغيير بعض أسماء البلدات في ريف المحافظة الشرقي.
وضمن عملية السطو على منازل المدنيين ترفع الميليشيات رايتها فوق المباني التي استولت عليها وهي تعود إلى مدنيين من المحافظة، وكذلك كتابة عبارات مذهبية طائفية على جداران المنازل في أحياء دير الزور.
كما قامت ميليشيا من الدفاع الوطني وقوات النظام بمصادرة عشرات المحال التجارية في شارعي بغداد والنوفتيه بمدينة البوكمال الحدودية، وتسعى الميليشيات من خلال الاستيلاء على المنازل إلى فتح مراكز إغاثية ودعوية بصورة مختلفة، تحمل طابعً ثقافيًا لنشر المذهب الشيعي.
الاستغلال الثقافي
بعد استيلائها على منازل المدنيين افتتحت الميليشيات الإيرانية في المنطقة عددًا من المراكز الثقافية أبرزها المركز الثقافي الإيراني في محافظة دير الزور ومنظمة جهاد البناء ونقاط طبية عدة في ريف المحافظة الشرقي لاستقطاب أهالي المحافظة إلى جانبها.
قال صهيب الجابر لـ”نون بوست”: “أقامت الميليشيات خلال شهر رمضان الماضي عدة فعاليات ضمن مراكزها، حاولت من خلالها استقطاب أعداد من المدنيين”، وأكد: “أنها قامت بإغرائهم عن طريق منح جوائز ومنح دراسية إلى طهران (شريطة تغيير المذهب)”، وتحاول إيران استغلال الوضع الثقافي وانقطاع المجتمع عن التعليم لسنوات، وتقديم منح دراسية إلى جانب حصول المنتسبين على امتيازات عدة، وقبول بعض الأهالي هذه المغريات للحصول على امتيازات فقط دون اتباع الأفكار والمعتقدات الشيعية التي يحاولون زرعها في المجتمع المهمش تقديريًا.
كما حاولت الميليشيات الإيرانية فرض المناهج الفارسية لكنها لم تنجح نظرًا لرفض أولياء أمور الطلاب، وخصصت بعض الحلقات لتعليم اللغة الفارسية وطبقت هذا المنهاج في منطقة معدان بين الحدود الإدارية لمحافظتي دير الزور والرقة.
تستغل الميليشيات الأوضاع المادية المتردية التي يعشيها أهالي محافظة دير الزور وحاجتهم للسلال الإغاثية والمواد الغذائية، حيث قدمت عروضًا للمتطوعين في صفوفها بمرتب شهري يصل إلى 200 دولار أمريكي
كما شهدت محافظة دير الزور مهرجانات عدة خلال الأيام القلية الماضية، حيث أقامت الميليشيات احتفالاً برعاية إيرانية، في بلدة حطلة إلى جانب لطميات جابت شوارع البلدة بمناسبة أطلقت عليها الميليشيات “مجزرة حطلة” التي طرد أهلها منها، ورعت الجمعيات الإيرانية الاحتفال وعدد من أهالي البلدة، بحضور رسمي من الحاج صادق مسؤول المركز الثقافي الايراني والحاج سليمان مسؤول الارتباط الإيراني في دير الزور والحاج أبو علي العسكري، ووزع المسؤولون أموالاً على الأطفال المنتسبين إلى المذهب الشيعي، إضافة إلى تقديم هدايا وإغراءات عدة للمتفوقين.
الاستغلال الاقتصادي
تستغل الميليشيات الأوضاع المادية المتردية التي يعشيها أهالي محافظة دير الزور وحاجتهم للسلال الإغاثية والمواد الغذائية، حيث قدمت عروضًا للمتطوعين في صفوفها بمرتب شهري يصل إلى 200 دولار أمريكي، كما تحصل عائلته على امتيازات أمنية ويضمن حصولها على السلال الإغاثية.
وقال الجابر خلال حديثه لـ”نون بوست”: “الاستغلال المادي يؤثر بشكل كبير نظرًا للأوضاع المادية السيئة في المحافظة”، وأضاف: “تمنح الميليشيات المخدرات للشبان بطريقة غير مباشرة، للإدمان عليها دون مقابل، بينما تستغل الميليشيات حاجة المدمنين على المخدرات في انضمامهم إلى صفوفها”.
وتقدم المغريات المالية لفئات معينة من السكان لاستغلال حاجاتهم وشراء ولائهم لها، وأشار الجابر: “بنتيجة عامة هي طريقة فاشلة، فإذا نظرنا للنتائج نجد أن عددًا قليلاً لا يتجاوز العشرات انضم للميليشيات بعد هذه الضغوطات والمغريات”، وتحاول بعض العائلات إظهار ولائها بشكل ظاهري للحصول على السلال الغذائية فقط وتأمين قوتها، دون الانضمام بشكل فعلي إلى صفوف الميليشيات.
الأثر الإيراني في دير الزور
يبدو انخراط ميليشيا إيران بكل مفاصل الحياة في دير الزور، لبسط معتقدات المذهب الشيعي وتنفيذ مشاريع تمتد إلى المدى البعيد وحتى في حال خروجها من المحافظة، ولا يدل نشاطها إلا على امتلاك المكان وبسط رؤيتها الطائفية في المنطقة، التي ستهدد بشكل أو بآخر مستقبل المحافظة التي يغلب عليها الطابع السني.
وترغب إيران في تغيير المحافظة ديموغرافيًا بإنشاء أكبر عدد ممكن من اللطميات والحسينيات والأضرحة والمقامات الوهمية وبناء حاضنة شعبية، لضمان الإبقاء على وجودها في سوريا خلال الفترة المقبلة، وبحسب ما يرى صهيب الجابر فإن تسريبات أشارت إلى الاقتراب من اتفاق نهائي بين روسيا والولايات المتحدة لإقصاء إيران من سوريا، كخطوة للوصول إلى حل سياسي يضمن مصالح الجميع.
وتمثل الخطر الإيراني الذي يهدد المحافظة بعدة أمور أبرزها مستقبل الأطفال في المحافظة، وأكد الجابر أن الأهالي معرضون لجميع أنواع الانتهاكات ومنها جرائم القتل والخطف والابتزاز والتعنيف اللفظي والجسدي والاعتقال والتضييق.
واعتبر أن مشروع إيران في التغيير الديمغرافي لن ينجح على الإطلاق وتاريخ هذه المنطقة معروف وسكانها الذين هجروا منها مصرين على العودة بأي شكلٍ من الأشكال، حيث يعيش آلاف المدنيين من محافظة دير الزور في الشق الأيسر من نهر الفرات الواقع تحت سيطرة ميليشيا قسد ويتطلعون إلى العودة لديارهم.
وتسيطر ميليشيا إيران بالدرجة الاولى وتليها روسيا وتأتي قوات النظام بالدرجة الثالثة، ومن أبرز الميليشيات الإيرانية (حركة النجباء وأبو الفضل العباس وحزب الله ولواء القدس وميليشيا فاطميون وزينبيون والحرس الثوري الإيراني)، وتستخدم إيران كل هذه الميليشيات في خدمة مشاريعها.